يواكيم ترير المرشّح للـ"أوسكار": أحرص أن أكون ديناصوراً
شاباً
المصدر: "النهار" -
هوفيك حبشيان
لا شيء تقليدياً في "#أسوأ
إنسان في العالم"
للنروجي #يواكيم
ترير.
هذا الفيلم مرتبط ارتباطاً عضوياً بالحاضر وهمومه وانشغالاته. كلّ شيء
مختلف، بدءاً من الكتابة ال#سينمائية،
وصولاً إلى الأفكار المطروحة، ومروراً، بالطبع، بالشخصية الرئيسية يوليا
(رينات رينسفه) التي تجسّد دور فتاة طريفة على مشارف الثلاثين من العمر لا
تعرف كيف ستحقّق ذاتها. بعد دراستها الطبّ، نراها تبدأ في ممارسة التصوير،
ثم تلتقي أكسل (أندرز دانيالسن)، الذي يكبرها سنّاً، على أمل أن تجد في
حضنه الاستقرار. ثم تقع تحت سحر نادل في مقهى، وهكذا إلى آخر الفيلم، طوال
ساعتين من الامتحان العاطفي والصمود الوجودي.
يصرّ المخرج يواكيم ترير على فيلم يخاصم الزمن، مناقشاً
قيمه وأفكاره ومبالغاته وقضاياه ومفاهيمه وأخلاقياته.
"أسوأ إنسان في العالم" من الأعمال التي تألقت في الدورة
الأخيرة من مهرجان كانّ السينمائي وفازت عنه الممثّلة رينات رينسفه بجائزة
التمثيل. الفيلم هو الجزء الأخير من ثلاثية "أوسلو" السينمائية التي كان
ترير قد بدأها مع "استعادة" في العام ٢٠٠٦. في الآتي، مقابلة "النهار" مع
ترير الذي أعلنت أكاديمية الـ"أوسكار" قبل يومين ترشّحه للجائزة المرموقة
في فئة أفضل فيلم أجنبي.
"كيف نفشل في النروج؟"
"النروج من أكثر بلدان شمال أوروبا رفاهيةً: تربية مجانية،
طبابة مجانية، الكلّ فخور بديموقراطيتنا، الخ. لدينا مقولة وهي "أشعر بأني
أسوأ إنسان في العالم". فإذا فشلتَ في النروج، أي في بلد يوفّر لك امتيازات
كهذه، فهذا يعني انك فعلاً أسوأ إنسان في العالم. هذا أضحى نوعا من تعبير
في النروج لوصف حالة من الفشل الشخصي".
"كلّ شيء معقد!"
"أتعلّم الكثير عن الفيلم من مقابلاتي مع الصحافيين. أولاً،
تعلّمتُ شيئاً لم أفكّر فيه كثيراً وهو الآتي: بصفتي رجلا، استطعتُ تأليف
فيلم عن فتاة، وبعض النساء وجدن أنفسهن فيه. سبق ان كتبتُ أنواعاً عدة من
الكاراكتيرات. تخيّل لو كانت كلها أنا. هذا جنون. علمتُ أيضاً انني ألامس
بعض المواضيع الآنية. أسعى دائماً إلى ان أعكس الواقع من حولي. لكني لم
أنطلق في الكتابة وأنا أقول في سري بأنني أريد ان أعطي رأياً سديداً في
حركة "مي تو" أو في الاحتباس الحراري، لكنني لامست هذين الموضوعين، ومن هنا
ولد النقاش. يسعدني هذا لأنني أطمح إلى النقاش. نعيش في زمن باتت للكلّ
آراء متطرفة في كلّ شيء. كلّ شيء يتسم بالعدوانية. تتعرض للضغط كي تنحاز
إلى الفكر السليم والصائب طوال الوقت. ما يثير فضولي بصفتي حكواتيا، هو
استكشاف جوانب لا أعرفها. صدقاً، أجهل الجواب عن الكثير من الأسئلة، وبدأتُ
أدرك هذا أكثر فأكثر كلما تقدّمتُ في السن. في مقابلة سابقة لي، أبدى صحافي
اعجابه بآراء شخصية الرجل في الفيلم في حين شكرني صحافي آخر لأني أكشف
سفالة هذه الشخصية (ضحك). هذا في رأيي مقياسٌ للنجاح. أتمنى ان يرى الناس
أشياء مختلفة في الفيلم. لا أقول مثل هذا الكلام كي أعفي نفسي من ابداء
رأي. بل لأن كلّ شيء في الحياة معقد. الحبّ معقد. كلّ شيء معقد".
"رينات التي لم ينتبه لها غيري"
"تأملتُ في تفاصيل الكثير من النساء في حياتي. على أمل ان
أكون فعلتُ ذلك بدقّة واحترام. هذا الدور كتبته وفي بالي رينات. أعرفها منذ
فيلمي "أوسلو، ٣١ آب"، وكانت اضطلعت فيه بدور مقتضب. لطالما رغبتُ في
التعاون معها مجدداً. فكّرتُ في انها ستصبح نجمة سينمائية لأنها موهوبة
جداً. لكن أحداً لم يعطها دور بطولة في فيلم. اتجهت إلى المسرح. هل زملائي
السينمائيون مصابون بالعمى كي لا يختاروها قبلي؟ كانت هذه مناسبة لكتابة
دور خصيصاً لها. تعاونت معي على السيناريو وكانت تبدى رأيها في مراحل
تطويره. كلّ شيء عندي يتعلّق بالخصوصية. أمر مهمّ لي ان تنجز شيئاً على قدر
من الخصوصية. يعنيني ان أقدّم شيئاً فيه دقّة. أردتُ فيلماً عن الحبّ، أما
فكرة الشغف والجنس فكانت تعبر السيناريو عبوراً. وجدتُ ان تصوير مشهد
ممارسة جنس من وجهة نظر فتاة، عملية تحرير لي. هذا كان يتيح لي ان أعود
وأصوّره من وجهة نظر أخرى من دون ان يبدو ذلك كليشيها. فاقترحتُ على رينات
ان تعضّ مؤخرة الرجل خلال الجنس، ووافقت. كانت جد طريفة وكريمة معي. في
النهاية، لمَ لا؟ انه أمر طبيعي. خلقت رينات بيئة آمنة لتصوير مشاهد الجنس
(ضحك). عملي معها كان بمثابة تعاون. تعاوننا كان على مستوى التفاصيل. مع
الوقت طورتُ شيئاً اسمه الـJazz
take.
في الجاز، لديك حس واضح للنحو الذي تعمل به. تعرف أغنيتك جيداً، ولكن هذا
لا يمنعك من الارتجال حول الفكرة الرئيسية. رينات جيدة جداً في هذا
المجال".
"أكسل هو أنا وليس أنا"
"أعتقد ان فيّ جزءاً من أكسل. هذا أمر معقّد. هذا ما أحاول
فهمه. فأنت تكتب شيئاً لا تملك السيطرة الكاملة عليه. خذ مثلاً النقاش حول
قضية الانجاب. أنا شخصياً، سبق وكنت في كلا المعسكرين، الرافض للانجاب
والداعي له، في كلّ مرحلة عمرية من حياتي. ليس كلّ شيء مسألة جندرية بل
تتعلق بالمراحل العمرية التي نمر بها".
"صوّرتُ الانفصال لأذكّركم به"
"أفتقر إلى الخيال فينتهي أمري أحياناً إلى سرقة لحظات من
تجاربي. هذا ردي على مَن يعتقد ان مشهد الانفصال من وحي تجربتي. لديّ صديق
كاتب يُدعى كارل أوفي كنوسغارد اشتهر عالمياً بعدما نشر ستة مجلدات هي
عبارة عن سيرة ذاتية يروي فيها تفاصيل حميمة. هو شجاع وصاحب اسلوب أدبي.
أما أنا فشخص يحرص على خصوصيته في التعامل مع وسائل الإعلام. اني خجولٌ
لسبب ما، لكن في أفلامي لا أتراجع أمام أي شيء. أستطيع ان أمرر الأشياء
بطريقة غير مباشرة من خلال الممثّلين. يسعدني عندما يقول لي أحدهم ان مشهد
الانفصال جعله يتذكّر انفصاله. أشعر برضى انني شاركتُ هشاشة الانفصال التي
تطال الطرفين. الانفصال مزعج ورهيب، مررت به مرات عدة. لهذا السبب وددت ان
أصوّر مشهد انفصال قويا (…). أعتقد انني شخص رومنطيقي وهذا وضعني في ورطة
غير مرة. السينما وعاء جيد للرومنطيقية. هناك أيضاً موسيقية الألوان
والرقص. طبعاً الفيلم ليس ميوزيكالاً، لكن وددتُ ان يكون ميوزيكالاً أو
أقله ان نشعر انه كذلك".
"سياقي؟ لا، طهارتي!"
"لي أصدقاء من فئات عمرية مختلفة. اني شخصٌ فضولي. كانت
المرجعيات الثقافية مهمة جداً لجيلي لبناء هوية. "أنت تحب تلك الفرقة
الموسيقية؟! اذاً لا يمكن ان نكون أصدقاء". كان هذا شيئاً رائجاً في
شبابنا، وكان شيئاً أصيلاً كذلك. خصوصاً في مجال الموسيقى. أخيراً، كنت
أتحدّث عن أغنية مع صديق يصغرني سناً، فسألته من أي بلد الفرقة التي تغني
فيها، فقال لي: ليست فرقة بل فكرة ("كونسبت"). كان يجهل حتى من أي بلد!
كانت تكفيه انها أغنية جميلة. مهلاً، أليس هذا الشعور الذي نريده للناس
حيال فننا؟ أريد من الناس ان يشاهدوا أفلامي لطهارتها لا لسياقها فقط".
"هوليوود VS أنا"
"بعد أفلام باللغة الإنكليزية وفيلم رعب، نعم شعرتُ بارتياح
انني عدتُ إلى حيث انطلقتُ. كنت مرتاحاً وأنا أنجز الأفلام السابقة أيضاً،
لكن كنت أحاول الهرب. فحاولتُ ان أنجز هذه المرة شيئاً خالصاً من الشوارع
التي عشتُ فيها وشهدت تربيتي. بصراحة، أحد طموحاتي حالياً هو السعي إلى
الارتقاء بالقيود الإنتاجية المفروضة على السينما. أرى جيلاً جديداً من
السينمائيين يصعدون ولا يُمنَحون دائماً فرصة التصوير بالنحو الذي تعلّمنا
ان نصوّر به. أنا تخرجتُ من مدرسة السينما في لندن، اشتغلتُ بمعدات ثقيلة
وبالـ٣٥ ملم، وصوّرتُ أيضاً بكاميرا محمولة. أفلامي مكلفة، لذا أنا نوعاً
ما ديناصور. لكنني سأحارب كي أبقى ديناصوراً شاباً، وكي تبقى أساليبي
التصويرية قريبة من الناس. هوليوود باتت محصورة بالأفلام التي تُنتَج وفق
معايير معينة. يوما بعد يوم، باتت الأفلام التي أود تحقيقها محصورة
بالتلفزيون. أنا أحاول جاهداً كي أصنع صورة سينمائية عريضة. أُلقي نظرة على
عمل مدير التصوير الدانماركي كاسبر توكسن. انه عبقري! الجميع خفض مرتبه كي
نصرف المال والجهد على الشاشة. أعي ان هذا شيء مثالي، ونحتاج إلى جهات
إنتاجية لدعم هذا النوع من العمل. نحن في زمن منصّات العرض التدفقي، وبعضها
يتفهّم أكثر من البعض الآخر ضرورة توفير فضاء اشتغال للفنانين. هذا هو
الفضاء الذي يجب ان نحارب من أجله حالياً".
"لا للصواب السياسي"
"لا أريد ان أغرق في وحول الصواب السياسي. في مشهد البرنامج
التلفزيوني الذي تشير اليه، وددتُ ان أخرج بخلاصة كنت أمضيتُ وقتاً طويلاً
من حياتي أبحث فيها عن التوازن السليم. حاولتُ ان أظهر انني لا أملك
الأجوبة لكني أحب ان أتابع الديناميكيات الخاصة بها. مجدداً: هذا أمرٌ
معقد! أحب ان يبقى ذلك المشهد قائماً في ذاته ويبقى مفتوحاً للتأويل. تصوري
له، تطلب الكثير من الوقت وشهد نسخات كثيرة. آمل ان يشعر المشاهدون مع كلا
الطرفين، بعيداً من تصنيفي "هذا قديس" و"هذا ابليس". يأتي الفيلم في لحظة
اصلاحات جذرية لكلّ شيء، لكن آمل ان تكون بطرق إنسانية محترمة. لم أعد
أتحمّل مستوى العدائية في عالمنا الحالي".
"فيلمي المقبل؟ (…)"
"لا أملك أدنى فكرة عن فيلمي المقبل. ربما هذا شيء خاص
بالمخرجين: في مدرسة السينما في لندن تعلّمنا ان نكون خلاقين في اللحظة
ذاتها. وهذه في الحقيقة ميزة. قد يؤجّل الكاتب أفكاره للغد، أما المخرج
فيواجه مشاكل إبداعية في كلّ ثانية وعليه إيجاد حلول على الفور. أحاول
أحياناً ان أنقل هذه الطاقة إلى التأليف. فيلمي هذا انطلقتُ فيه من الصفر.
كانت أمامي في البداية صفحة ناصعة البياض. الإنتاج الأوروبي أتاح لي هذا
القدر من الحرية. لم يُطلَب منّي ان أحدد نوع العمل كالقول انه "فيلم
تاريخي عن شخصية معروفة" الخ. لا، انه فيلم حميمي تدور فصوله في غرف. تخيل،
لقد سمحوا لنا بإنجاز هذا الهراء! هذا جنون (ضحك)”. |