بعد أربعة أيام من إعلان «الأكاديمية البريطانية للفيلم
والتلفزيون»
(BAFTA)
ترشيحاتها تتقدم ترشيحات الأوسكار الأميركي في مناسبته الرابعة والتسعين.
موعد توزيع الجوائز البريطانية هو الثالث عشر من الشهر المقبل، بفارق 10
أيام على حفل توزيع الأوسكار.
هناك أفلام مرشّحة لكلا الحفلين، وشخصيات سينمائية مختلفة
كذلك. هناك تغييب لبعضها في السباق البريطاني، وحضورها في السباق الأميركي.
هذا طبيعي. ما هو أكثر صلة بينهما هو أنّ كلا الحفلتين الكبيرتين ستقع على
ناصية الوباء المتأجج، كما كان الحال في العامين الماضيين.
المشهد العام يكاد يكون سوريالياً: أهم احتفالات فن
السينما، التي هي فن الجماهير حول العالم، محاطة بوباء «كورونا» الذي اختطف
منها البهجة والضحايا والكثير من القدرة على الخيار. ما لم يستطع «كورونا»
منه هو إصابة التحدّي بمقتل. نعم خلق فوضى عارمة، وتسبب في إفلاس شركات
ومؤسسات وصالات. آخر تصوير بعض الأفلام. أجل العديد من العروض، لكن
السينما، سواء تلك الموجهة للجمهور السائد أو تلك التي تقصد الفوز في
المهرجانات، ما زالت قائمة.
بعض المخاطر كانت في أن تميد الأرض بالصناعة فينتقل
المشاهدون من صالات السينما إلى شاشات المنازل على نحو مطلق. لكن «سبايدر -
مان: طريق العودة» وضع حدّاً لمثل هذه التكهنات باستحواذه على أكثر من
مليار دولار من العروض العالمية (من بينها قرابة 780 مليون دولار من صالات
السينما الأميركية).
رغم ذلك لا يمكن الاستخفاف بقدرة شركات الإنتاج المرتبطة
بمنصات العروض المنزلية على الإطلاق. مهرجانات السينما الكبيرة (باستثناء
«كان») تعرضها. والأوسكار والبافتا يضمّانها إلى الإنتاجات المتنافسة على
الجوائز الثمينة.
هذا واضح من الوضع المنتعش لفيلم «قوة الكلب» الذي أنتجته
«نتفليكس». ستة ترشيحات لهذا الوسترن المعاصر في سباق البافتا و12 ترشيحاً
له في الأوسكار. وكل الدلائل وأعلى الاحتمالات تُشير إلى أنّه هو الفائز
بمعظم ما رُشح له في المحفلين.
يلي «قوّة الكلب» في عدد ترشيحات الأوسكار فيلم «ديون»
(10)، من ثمّ كل من «قصة الجانب الغربي» و«بلفاست» (7 لكل منهما)، و«الملك
ريتشارد» (6)، و«لا تنظر إلى الأعلى (4) وهذا الأخير أيضاً من إنتاج
«نتفليكس».
«كان»
في الميدان
بداية، هناك ثلاثة خطوط قلّما يعترض أحدها الآخر. واحد هو
ما يصوّت له أعضاء الأكاديمية (أكثر من 9 آلاف عضو حالياً)، والآخر ما
يتمنّى النقاد فوزه، ثم ما يتحمّس الجمهور لفوزه. على سبيل المثال تم ترشيح
«ريش» ممثلاً مصر في الترشيحات الأولى. لم ينل ما يكفي من أصوات ولم يدخل
الترشيحات الرسمية التي نتحدث عنها الآن، لكن العديد من المشاهدين العزّل
من نعمة التأثير تمنوا له دخول الترشيحات ولو دخل لتمنوا له الفوز كذلك.
أمّا النقاد فإنّ نسبة ضئيلة منهم (قياساً بأعدادهم) شاهدت الفيلم وانقسمت
حوله.
مثال آخر مختلف بعض الشيء: «قوّة الكلب» لجين كامبيون شغل
المحافل والمؤسسات السينمائية والنقدية وفاز بأكثر من 200 جائزة معظمها من
جمعيات نقدية (آخرها جائزة «حلقة نقاد لندن» التي أعلنت في الأسبوع
الماضي). الواضح هنا أنّ النقاد ليسوا الوحيدين الذين تحلّقوا حول الفيلم
(نسبة المؤيدين 7 من كل عشرة وأنا كنت من الثلاثة غير المؤيدين)، بل كذلك
مهرجانات السينما ومؤسساتها ومحافلها السنوية. الجمهور في هذه الحالة لم
يستمتع كثيراً به حين عُرض على نحو موجز في الصالات وليس هناك من وسيلة
لمعرفة مدى نجاح عروضه المنزلية.
«قوّة
الكلب» كان واحداً من تلك الأفلام التي انتخبها مهرجان فينيسيا (حيث شوهد
الفيلم لأول مرّة)، وحيث نال الجائزة الفضية (الثانية). الفيلم الذي فاز
بالأولى، هو الفرنسي «حدث»
(Happening)
لأودري ديوان. لكنّ الفيلم الذي مثّل السينما الفرنسية في ترشيحات الأوسكار
كان «تيتان» الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان «كان». لكن لا هو ولا أي
فيلم فرنسي آخر استطاع التسلل هذه السنة إلى ترشيحات الأوسكار في سباق أفضل
فيلم دولي.
كان من الغريب إذن، أن تلجأ إدارة المهرجان الفرنسي، بعد
ساعات قليلة من الإعلان عن الترشيحات الرسمية يوم أول من أمس، لتوزيع «برس
ريليز» بعنوان «الاختيارات الرسمية لمهرجان كان في أوسكار 2022». وفي
التفاصيل أنّ ثلاثة أفلام عرضها المهرجان في دورته العام الماضي، جمعت فيما
بينها سبعة ترشيحات في سباق الأوسكار. هذه الأفلام هي «قد سيارتي» للياباني
ريوزوك هاماغوتشي، وكان نال في «كان» جائزة أفضل سيناريو، وهو مرشّح الآن
لأربع أوسكارات في السيناريو وفي قسم الأفلام الأجنبية (العالمية) والإخراج
وسباق أفضل فيلم.
الثاني «اهرب» للدنماركي يوناس بورهر راسموسن الذي كان فاز
بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان «كان» والآن هو متسابق في الميدان نفسه
بالأوسكار كذلك في سباقين آخرين: أفضل رسوم طويل وأفضل فيلم عالمي.
الفيلم الثالث ما عرض في «كان» وانزلق إلى الأوسكار «أسوأ
شخص في العالم» للدنماركي أيضاً يواشيم تراير وهو إنتاج للدنمارك وفنلندا
والسويد مع مشاركة فرنسية. خرج من «كان» بجائزة أفضل ممثلة (نالتها ريناتي
راينزف) ومرشح لأوسكار أفضل سيناريو أصلي (غير مقتبس) وأفضل فيلم عالمي.
هذا التأكيد على دور المهرجان الفرنسي في لعبة الجوائز ليس
بريئاً من محاولة التذكير بالأنا الذاتية للمهرجان الذي كثيراً ما يضن على
الأفلام الأميركية المشتركة فيه بما تستحقه من جوائز!. سابقاً ما كان الأمر
على اتساع المحيط الأطلنطي بين فرنسا والولايات المتحدة في هذا الشأن.
السعف الذهبية للقيم الفنية، الأوسكار - حسب المنتقدين - هو زينة لأهل
الصناعة فقط.
فوق وتحت
عشرة أفلام مرشحة لأوسكار أفضل فيلم (عوض تسعة في العام
الماضي) يتقدّمها، في خانة الاحتمالات، «قوّة الكلب». مخرجته النيوزيلندية
(ولو أنّها تعيش غالباً في أستراليا) هي المرأة الأولى في تاريخ الأوسكار
التي تحظى بترشيحين واحد لأفضل فيلم وآخر لأفضل مخرج ولديها ترشيح ثالث هو
أفضل سيناريو مقتبس.
منافس صعب اسمه كينيث برانا وذلك عن فيلمه «بلفاست». هذا
بدوره أول مرشح يفوز بسبعة ترشيحات أوسكارية في سبعة ميادين بتاريخ
الجائزة. هذه المرة مرشح في ثلاث مسابقات (أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل كاتب
سيناريو أصلي). وكان سبق له أن دخل ترشيحات الأوسكار والإخراج والتمثيل
وأفضل ممثل مساند من قبل.
لجانب «قوّة الكلب» و«بلفاست» فإنّ الأفلام الأخرى
المتسابقة على أوسكار أفضل فيلم هي «كودا» لشيان هَدَر. هذا إنتاج فرنسي -
أميركي وأحد أبطاله، تروي كوتسور، ثاني ممثل أطرش يتم ترشيحه للأوسكار بعد
الأميركية مارلي ماتلن عن دورها في «أطفال الله الصغار»
(1986).
«لا
تنظر إلى فوق» الكوميديا السياسية الراقية لآدام مكّاي، موجودة لجانب
«ديون» لدنيس فلنييف، و«الملك ريتشارد» لرينالدو مرقص غرين، و«بيتزا بعرق
السوس» لبول توماس أندرسن، و«زقاق الكابوس» لغويلرمو دل تورو، و«قد سيارتي»
لريوزكي هاماغوتشي، و«قصة الجانب الغربي» لستيفن سبيلبرغ.
هاماغوتشي وسبيلبرغ وكامبيون وبراناه وتوماس أندرسن، هم
الوحيدون من مخرجي هذه الأفلام المتسابقين في سباق الإخراج. الباقون خارج
هذا الحقل من الترشيحات وهم بالتالي أقل حظوة رغم أنّه حدث سابقاً أن فاز
فيلم بالأوسكار ولم يفز مخرجه، بل فاز مخرج لم يدخل فيلمه الأوسكار كذلك.
لم نتوقع دخول أي فيلم عربي سباق أوسكار أفضل فيلم عالمي
وهذا ما حدث بالفعل. الأفلام الخمسة هنا هي دنماركية («اهرب»)، ويابانية
(«قد سيارتي»)، وإيطالية («يد الله»)، ونرويجية («أسوأ شخص في العالم»)،
ومن بوتان («لونانا: ثور في غرفة الصف»).
أيضاً نلاحظ أنّ كل الأفلام الواردة في سباقي أوسكار أفضل
سيناريو (أصلي أو مقتبس)، وردت في سباق أفضل فيلم باستثناء فيلمين هما
«الابنة المفقودة» الموجود في سباق أفضل سيناريو مقتبس، و«أسوأ شخص في
العالم» في مجال أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً.
الأفلام الأربعة الأخرى في سباق أفضل سيناريو مقتبس هي:
«ديون»، و«قوة الكلب»، و«قد سيارتي»، و«كودا». تلك التي في القسم الآخر هي
«بلفاست»، و«لا تنظر لفوق»، و«الملك ريتشارد»، و«بيتزا بعرق السوس».
يختلف الأمر عندما نصل إلى سباق أفضل تصوير: غريغ فرايزر عن
«ديون». دان لاوستسن عن «زقاق الكابوس». آري وغنر عن «قوّة الكلب». برونو
دلبونل عن «تراجيديا مكبث». وهؤلاء الأربعة ترشّحوا لجائزة «جمعية
السينماتوغرافيين الأميركية» كما ورد في صفحة السينما في الأسبوع الماضي.
الخامس هو يانوش كامينسكي، مدير التصوير المفضل لدى المخرج ستيفن سبيلبرغ
وذلك عن فيلم «قصّة الجانب الغربي».
رجالي ونسائي
حين يأتي دور الممثلين العشرين (عشرة في قسمي التمثيل الأول
رجالي ونسائي) وعشرة في التمثيل المساند، رجالي ونسائي) فإنّ الخلطة أكبر.
في نطاق أفضل تمثيل نسائي أوّل، نجد جسيكا شاستين عن «عينا
تامي فاي»، وأوليفيا كولمن في «الابنة المفقودة»، وبينيلوبي كروز عن «أمهات
متوازيات» (إسبانيا)، ونيكول كيدمان عن «أن تكون ريكاردوس»، وكريستين
ستيوارت عن «سبنسر».
ليس من بين هذه الأفلام التي تم ترشيح الممثلات عنها، ما
يدخل في سباق أوسكار أفضل فيلم أو أفضل مخرج.
الأمر يختلف قليلاً فقط بالنسبة لقسم أفضل ممثل أول.
فالممثل ويل سميث مرشّح عن «الملك ريتشارد» الوارد في ترشيحات أفضل فيلم،
ينافسه بنديكت كمبرباتش عن «قوّة الكلب». الباقون يمثلون أفلاماً غير واردة
وهم خافييه باردم عن «أن تكون ريكاردوس»، و«أندرو غارفيلد» عن «تك، تك...
بوم»، ودنزل واشنطن عن «تراجيديا ماكبث». وكانت علامة استفهام كبيرة تبعت
خروج ترشيحات بافتا من دون ذكر للممثل دنزل واشنطن عن ذلك الفيلم. المرجح
أنّ البريطانيين تحفّظوا حيال فكرة أن يكون ماكبث أفرو - أميركي. إمّا هذا
أو أنّهم اعتبروا أنّ واشنطن سقط في حمل إرث الدور ذاته.
في ساحة التمثيل المساند نجد ثلاثة ممثلين من طاقم «قوّة
الكلب»، هم جيسي بليمونز (الموجود في قائمة بافتا الموازية) وج. ك. سيمونز.
وكودي سميت - ماكفي، وهذا الأخير يبدو الأقرب إلى نيل الحظوة من زميليه ومن
تروي كوتسور عن «كودا» (أو «شيفرة»)، وشياران هيندس عن «بلفاست».
في المقابل النسائي نجد جودي دنش عن «بلفاست»، وكيرستن دنست
عن «قوّة الكلب»، أونجانو إيليس عن «الملك ريتشارد»، وأريانا ديبوز عن «قصة
الجانب الغربي»، كما جيسي باكلي عن «الابنة المفقودة».
لا بد من القول إنّ لا أحد من وجوه فيلم «لا تنظر إلى فوق»،
نال ترشيحاً في أي مجال. لا بطل الفيلم ليوناردو ديكابريو، ولا أي من
الممثلين المساندين: جنيفر لورنس، وميريل ستريب، ومارك ريلانس، وكايت
بلانشيت أو جونا هِل.
سترتفع أسهم وتهبط أخرى وتتلوّن الاحتمالات كل بحسب قراءة
النقّاد وتوقعاتهم. هنا سنتابع رصد هذه التحوّلات المرتقبة وتزكيتنا لكل
مسابقة رئيسية. |