قودي سيارتي
Drive my Car
هذا أحد الأفلام اليابانية القليلة التي تسبح في عالم
الفلسفة، وطرح التساؤلات الصعبة حول جدوى الحياة، علاقتنا بالآخر، بالمرأة،
وكيف يصبح الآخر مدخلا لأن نفهم أنفسنا، شريطة أن يدفعنا استغرابنا للآخر،
وشعورنا بغموضه وحيرتنا أمام سلوكه، إلى أن نتأمل ما يوجد في دخيلة
أنفسنا.. وكيف أن ما نراه ونفترض الافتراضات من حوله قد يكون مختلفا تماما
عن تصوراتنا وافتراضاتنا. وكافوكو (أو يوسوكي) يميل للاستعانة بطاقم متعدد
الجنسيات واللغات من الممثلين. نراه في بداية الفيلم يقوم بدور رئيسي في
مسرحية بيكيت “في انتظار غودو”. ولعله يعكس جنبا من شخصية مخرج الفيلم
نفسه، يوسكي هاماغوتشي، الذي يكشف هنا بوضوح، عن ثقافة مسرحية غربية.
الفيلم الياباني “قودي سيارتي”
Drive my Car
للمخرج يوسكي هاماغوتشي مقتبس عن قصة قصيرة بالعنوان نفسه لهاروكي
موراكامي، والعنوان الأصلي لكل من القصة والفيلم، مأخوذ من أغنية فرقة
البيتلز الشهيرة التي تقول كلماتها على لسان امرأة ستصبح نجمة سينمائية
(قودي سيارتي.. ربما أقع في حبك”. لكن المعنى المراد هنا يجنح أكثر إلى
الرمزية، فقيادة السيارة العزيزة جدا على صاحبها- بطل الفيلم- الممثل
والمخرج المسرحي الشهير “يوسوكي كافوكو”، تعني له الكثير، وعندما يقبل أن
تقودها له امرأة تخصصها له الشركة التي تنتج مسرحيته الجديدة (الخال فانيا)
التي يعتزم تقديمها في مهرجان للمسرح يقام في مدينة هيروشيما، يقبل بكل
سرور ثم يبدأ في البوح لها بالكثير من أسراره الشخصية، ولو من خلال استرجاع
الشريط الصوتي الذي يستمع إليه في السيارة، بصوت زوجته الجميلة “أوتو”، وهي
تسجيلات تجعله يراجع حواره في دور الخال فانيا.
خلال ما يقرب من ثلاث ساعات، يقودنا المخرج الكبير
هاماغوتشي (الذي سبق أن أبدع “اساكو 1، 2” و”عجلة الحظ والخيال”، نحو فهم
أعمق لأنفسنا وللعالم، عبر رحلة مليئة بالإثارة والتساؤلات، في حياة بطله
الذي يطرح الكثير من التساؤلات التي لا يملك إجابات عنها، ولكن الكثير من
الأشياء ستتضح له في النهاية، ليس من خلال الإدراك الثقافي، بل من السائقة
البسيطة “ميساكي ماتاري” التي يعرف أنها مرت بمحنة قد تختلف عما مر به هو،
لكنه تشترك معه في الالتباس وغموض الدوافع، ولكنها هي التي تمنحه الأمل
أيضا، كما تشير النهاية التي توحي بحياة جديدة ولدت من رحم الماضي.
هذه النهاية المتفائلة قريبة، دون شك، من نهاية مسرحية
تشيكوف الشهيرة “الخال فانيا” التي من دون فهمها وفهم مغزاها الفلسفي
والإنساني، لن يتمكن الكثيرون من الاستمتاع بالفيلم. فالمسرحية بشخصياتها
وتناقضاتها، وطبيعة ما تطرحه من تساؤلات وجودية صعبة، يتردد صداها باستمرار
في الفيلم، كما أن المخرج يستخدم التدريبات التي تجري على المسرحية أو
عرضها على المسرح وبطلنا يلعب دور البطولة، قبل أن يتخلى عنه، لكي يصنع
خيوطا موازية لما يحدث في حياة “”يوسوكي كافوكو” نفسه.
بلفاست
Belfast
مفاجأة كبيرة يقدمها المخرج والممثل البريطاني كينيث برانا
لجمهور السينما الفنية في العالم، وهو المعروف بولعه بالشكسبيريات وبالتالي
بصنع الأفلام التي تعتبر أقرب إلى الدراما المسرحية. هنا هو يبدع عملا
سينمائيا شديد الحيوية والرونق.. هناك صور مدهشة بالأبيض والأسود، لفترة من
حياته الشخصية عندما كان طفلا صغيرا في بلفاست عاصمة إقليم أيرلندا
الشمالية في أواخر الستينيات، عندما كانت وظلت حتى عهد قريب، تشهد صراعا
داميا بين الكاثوليك أنصار الاندماج مع الجمهورية الأيرلندية، والبروتستانت
أنصار الاندماج مع بريطانيا. والفيلم كله مصور من وعي الطفل الذي كان يراقب
التطورات السياسية دون أن يفهم مغزاها تماما، ويراقب انعكاسها على أسرته.
تمثيل وأداء عبقري وإعادة خلق أجواء الفترة من حيث تفاصيل
المكان، مع قدر من التجريب مع عدم التردد في التشكيل بالكاميرا، من خلال
توزيع الضوء في فيلم احترافي كبير، كلها عناصر ساهمت في تحقيق النجاح لها
الفيلم الحميمي الذي يذكرنا بالتحفة السينمائية التي أخرجها جون بورمان عام
1987 أي فيلم “أمل ومجد”، الذي كان يدور أيضا عن طفولة مخرجه خلال الحرب
العالمية الثانية. الفيلمان يتمتعان بالحميمية واللحظات الإنسانية التي تشع
نبلا وجمالا وسحرا، مع بعض المشاهد التي تشيع الابتسام والضحك أيضا على ما
تصوره من المفارقات. ورغم أنني أميل إلى “أمل ومجد” الذي كان أكثر إشباعا
وتفصيلا، إلا أنني أعتبر “بلفاست” من أفضل أفلام العام وأفضل أفلام مخرجه
على الإطلاق، من جميع الجوانب. سيطرة مدهشة على عناصر الأسلوب.
زقاق الكوابيس
Nightmare Alley
كيف يقود الطموح المجنون صاحبه إلى الاعتقاد في قدرته على
مضاهاة المطلع على الأسرار، رغم أنه يعرف أنه محتال؟ ونتيجة غروره، وطموحه
الذي يتجاوز قدراته كثيرا، سيدفع الثمن غاليا، وينتهي إلى أقل من إنسان.
هذا الفيلم الجديد للمخرج المكسيكي الشهير جيلرمو ديل تورو،
هو أقل من تحفة، وأكثر من فيلم مثير لاهتمام المتفرج ولا يفقد التشويق، رغم
الإطالة والترهل الواضح في بعض المناطق، وهو ما جعلني أميل إلى أنه كان في
حاجة لتقليص مساحته الزمنية عن 20 دقيقة على الأقل. فالجزء الأول الذي يدور
داخل السيرك أو الكرنفال شبيه بالمولد في بلادنا، يعرض الشخصيات الرئيسية،
باستثناء شخصية كيت بلانشيت التي تظهر فيما بعد، إلا أنه يظل يدور بعد ذلك
في دائرة مغلقة، أي من دون أي تطور.. بل ويصل في لحظة ما إلى الجمود، وهو
ما كان يقتضي التدقيق في عمل المونتاج.
والواضح
أن السيناريو أراد الالتزام بما جاء في الرواية الأصلية مع ادخال الكثير من
التعديلات أيضا، فأخذ يعيد ويستعيد ويغالي كثيرا في تصوير جموح الشخصية
الرئيسية في البداية، وهي الشخصية التي لا شك أن برادلي كوبر قد أداها
ببراعة، ولكن أداءه اتخذ قوة أكثر في النصف الثاني من الفيلم بعد أن أصبح
يهيمن على الآخرين ويستطيع التلاعب بمشاعرهم وأفكارهم، وبعد أن خرج الفيلم
من الدائرة الوصفية لعالم السيرك وشخصياته وغرائبه. إلا أن النهاية
(الأخلاقية) المباشرة للفيلم أفقدته الكثير من سحره ومن تعاطف الجمهور مع
الشخصية الرئيسية.
هناك تميز كبير في تصميم المناظر، وفي تصوير أجواء الفترة
الزمنية التي تدور فيها الأحداث، أي ثلاثينيات القرن الماضي. وهناك أيضا
الكثير من التحليل النفسي الفرويدي التقليدي لتفاصيل كثيرة بدت أحيانا خارج
الزمن، أو تم افتعالها افتعالا من جانب كاتب الرواية الأصلية (وليم ليندساي
جريشام)، مع مزج من طرف ديل تورو، بين تقاليد الفيلم نوار الجديد وأفلام
الرعب، ولكني شخصيا لا أرى أنه أفضل أفلام مخرجه، وكان “شكل الماء” يتفوق
كثيرا عليه بحسه الإنساني الكبير وحميميته، وهما ما يغيبان عن هذا الفيلم
رغم ما فيه من إثارة وتميز فني.
أداء واثق ومتميز من كل من برادلي كوبر وكيت بلانشيت وروني
مارا، المثلث الذي ضمن للفيلم تألقه والكثير من جاذبيته رغم أنني أتحفظ على
المحاولات المتعددة لجعل بلانشيت التي تقوم بدور طبيبة نفسية، تستخدم
جاذبيتها الجنسية في تطويع البطل ستانتون (برادلي كوبر) بل وقد بدت دوافعها
لتدميره تدميرا كاملا في النهاية، غير مقنعة.
علمت أن ديل تورو صنع نسختين من الفيلم، واحدة بالألوان
والثانية بالأبيض والأسود. لم أشاهد سوى نسخة الألوان ولكن ربما تكون
النسخة الأخرى أكثر جاذبية.
هناك تعليق صوتي كثيرا ما نسمعه على شريط الصوت من خلال شخص
ما يروي لنا تفاصيل القصة وتعقيداتها، لا نعرف من هو بالضبط، لكنه غالبا
كاتب الرواية، فهو يتحدث بضمير الشاهد الذي يختزن الأحداث في ذاكرته. وجدير
بالذكر أن هذا الفيلم مقتبس أيضا عن فيلم قديم بنفس العنوان (من عام 1947)
من اخراج إدموند جولدنج، ولكن فيلم ديل تورو يزيد عنه بـ 39 دقيقة.
ليكورايس بيتزا
Licorice Pizza
الفيلم الجديد “الخفيف” الوزن، لمخرج ثقيل الوزن هو بول
توماس أندرسون. قصة حب رومانسية تدور في أجواء بداية السبعينيات في
كاليفورنيا، بين صبي في الخامسة عشرة من عمره هو “جاري”، وفتاة في الخامسة
والعشرين هي ألانا”. لكن القصة لا تسلك طريقا سلسا من البداية، بل تمتليء
بالعقبات والمقالب الطريفة. ألانا وهي تنتمي لأسرة يهودية متدينة، بل وتذكر
هي أيضا أنها تلقت تدريبات على الدفاع عن النفس من والدها الذي خدم في
الجيش الإسرائيلي، تجد نفسها أمام جاري، الشاب الذكي الذي يميل للبدانة،
الذي يبدو مشدودا إليها بطريقة غريبة لا تفسير لها، فهي لا تعتبر جميلة
بمقاييس الجمال التي نعرفها، ورغم ذلك سينجذب اليها شون بن أيضا (الذي يقوم
بدور ممثل مشهور قد يكون وليم هولدن) كما سيداعبها برادلي كوبر (في دور
ممثل آخر مشهور وعشيق باربره سترياساند) ويحاول رئيسها في العمل إقامة
علاقة معها، ولكنها وهي التي تعاني من غياب البوصلة العاطفية، تعود دائما
إلى جاري الذي رغم صغر سنه، إلا أنه يغامر في عالم البيزنس، عندما لم يعد
يجد له مكانا في عالم التمثيل بعد أن تجاوز سن الطفولة، فيفتتح شركة لبيع
“السرائر المائية”، ثم ينتقل بعد أزمة البترول التي تنشأ مع نشوب حرب 1973
والمقاطعة العربية وانقطاع المادة الخام، إلى مجال آخر هو صناعة أدوات
التسلية.. وهكذا.
فيلم خفيف، تفوح فيه أجواء فيتنام، وريتشارد نيكسون وكيف
يواجه حظر البترول العربي، ومغامرات الشباب المتمرد الذي يرقص ويشرب حتى
الثمالة، وفوضى تحطيم السيارات وتهشيم واجهات المحال، والشاحنات التي تخلو
من الوقود، والقيادة السريعة المتهورة للسيارات، والانتقال من عمل إلى آخر،
والتمرد على العائلة، لكن كل هذه التيمات تعبر فضاء الفيلم سريعا، ويبقى
الخيط الرئيسي حاضرا وهو العلاقة الملتبسة التي لا تفسير لها، التي تكبر
يوما بعد يوم رغم كل العقبات، بين جاري وألانا، إلى أن تأتي النهاية
المتوقعة التي نعرفها من البداية.
هذا فيلم من نوع الأفلام التي يطلق عليها feel good movies أي
تلك الأفلام التي تجعل المتفرج يشعر بالبهجة بعد انتهاء المشاهدة، لكن لا
أظن أن شيئا يبقى في الذاكرة بعد ذلك. أهم ما فيه ذلك الاكتشاف البديع
للممثل الصغير كوبر هوفمان، ابن الممثل الراحل الكبير فيليب سيمور هوفمان،
وهو الذي قام بدور جاري، وألانا خاييم التي قامت بدور ألانا. طاقة مدهشة
وأداء طبيعي وثقة ستنعكس دون شك على أفلامهما القادمة. أما عنوان الفيلم
الغريب فهو يشير الى سلسلة محلات أسطوانات موسيقية قديمة. فلا توجد بيتزا
في الفيلم رغم أن جاري يأكل مأكولات كثيرة تساهم في زيادة وزنه، في الفيلم،
وفي الواقع غالبا!
الكثبان الرملية
Dune
يمكنك أن تسميه أيضا “الكثيب” إن أردت، فلا فرق، فهو مما
يمكنني أن أسميه “أفلام الرمال، والصراعات العجيبة والشخصيات الغرائبية،
التي يفترض أنه أحداثها تدور في المستقبل لكنها تشعرك أنها تدور في الماضي،
فالناس متوحشون، بدائيون، يتقاتلون بالبلطات والخناجر والسيوف والرماح،
ويعيشون في مدن صحراوية تحيط بها الرمال، وفي مثل هذا النوع من الأفلام ليس
من الممكن التفرقة بين الفصائل المختلفة المتنازعة التي تقتل بعضها البعض،
أي أنني لم أتمكن تماما من معرفة من يقتل من ولماذا؟ ويقال لنا إنهم
يتقاتلون من أجل السيطرة على امتلاك الملح الذي كان (أو أصبح!) العملة
الصعبة في ذلك الزمان الذي دائما ما يشي بارتداد الانسان الى البدائية!
القصة مشهورة جدا عند هواة قصص الكوميكس التي لم أعد من
المغرمين بها منذ أن نضجت، لكن في العالم كثير جدا من الرجال يحبون أن
يبقوا أطفالا، لذلك يجد هذا النوع من الأفلام الخرافية جمهورا كبيرا ويحقق
بالتالي أرباحا كبيرة. لا يمكنني الكتابة تفصيلا عن هذا الفيلم، لا لضعفه
بل هو يتمتع بصورة جذابة، وإخراج متقن، لكنه كله مصطنع وصناعي: تشعر هنا أن
عالم الفيلم من صنع برامج الكومبيوتر والمؤثرات الخاصة وليس الجهد والابداع
البشري. لكن لا بأس، فهذا هو الحال الآن في هذا النوع من الأفلام الخيالية،
ولكن الأهم بالطبع، أن الحكاية كلها تخلو من الرؤية العميقة لمستقبل
الإنسان، أو الفلسفة التي ترتبط بما نحن عليه اليوم، فلا شيء يشبه على
الإطلاق ما كان يعبر عنه ستانلي كوبريك مثلا في “2001.. اوديسا الفضاء”.
ولكنه لم يكن أيضا من أفلام الكوميكس!
كان المخرج المرموق اليخاندر خودوروفسكي قد أعد لإخراج هذا
الفيلم، ورسم تفاصيل الديكورات الغريبة التي شيد الكثير منها إلا أن منتجي
الفيلم انسحبوا منه بسبب التكلفة الباهظة والخيال الجامح المخيف
لخودوروفسكي. ولكنه أيضا صاحب رؤية مدهشة وفلسفة إنسانية خاصة، ولم يكن
مجرد لاعب في سيرك!
ريتشارد الملك
King Richard
شخصيا شعرت بأن هذا الفيلم خيب آمالي كثيرا. إنه أحد تلك
الأفلام الكثيرة التي أصبحت تعتمد على قصص حقيقية، لكن ليس معنى أن القصة
عن شخصيات حقيقية أن الفيلم يعلو إلى ما فوق تلك القصة التي يستند إليها.
إنه بالتأكيد ليس “الثور الهائج”، ولا حتى “أنا تونيا” وكلاهما تحفتان
حقيقيتان. هنا يروي الفيلم قصة عائلة وليامز، التي نجح عائلها ريتشارد
وليامز في التسعينيات، في تربية ابنتيه الاثنتين، وتشجيعهما ودفعهما دفعا
للتفوق في لعبة التنس، ومن ثم ولوج عالم المحترفين الكبار رغم انهما من
السود الأمريكيين الفقراء.
الفيلم يركز أولا وأخيرا، على ريتشارد نفسه باعتباره البطل
الحقيقي للقصة، بفضل إصراره ورفضه الحلول الوسط، وكفاحه لتوصل ابنتيه الى
المجد، والخروج من دائرة الفقر الى الثراء وجني ملايين الدولارات.. ومع ذلك
يمتليء الفيلم بالثرثرة والتكرار والضغط على فكرة واحدة هي فكرة جرأة
ريتشارد وتحديه لعالم البيض ونجاحه مع ابنتيه، وبينما يهتم السيناريو بعض
الشيء بفينوس يهمل إلى حد كبير، دور الابنة الثانية سيرينا التي ستتفوق
بنفس القدر إن لم يكن أكبر، وتحصل على بطولة العالم وتصبح من أساطير اللعبة.
من حيث أراد الفيلم توجيه النقد للعنصرية ضد السود، خصوصا
وأن مخرجه رينارلدو ماركوس جرين من السود الأمريكيين، إلا أنه في الحقيقة
يعتبر احتفالا بالحلم الأمريكي، فهو يثبت ان من الممكن لأسرة فقيرة معدمة
من السود المهمشين، أن تصل إلى قمة المجد في المجتمع الأمريكي، وتلقى
الترحيب والمساندة حتى عندما يغالي ريتشارد كثيرا فيما يطلبه من “ريك
ماسي”، المدرب والراعي الرسمي الذي يتولى رعاية الفتاتين، من مطالب مالية
وبيت وعمل.. الخ، يوافق الرجل بكل ترحيب. فأين هي العنصرية التي وقفت عقبة
في سبيل الصعود إلى المجد؟ الحقيقة أن المواقف العنصرية البارزة في الفيلم
تأتي من جانب الشباب السود الذين يترصدون لريتشارد، وينكلون به ويهينونه
أمام بناته وزوجته أكثر من مرة، ثم يسعون للنيل من الفتاتين، وهم مجموعة من
الغوغاء الذين يمارسون العنف وتوزيع المخدرات ويقتلون بعضهم البعض. وهي
صورة سلبية تماما للأمريكيين السود!
البناء السينمائي تقليدي رتيب، ولا جديد في تصوير مباريات
التنس التي تحتل الثلث الأخير من الفيلم، بنفس الطريقة المعتادة، مع محاولة
إضفاء الاثارة على المشاهد، عن طريق الانتقالات المختلفة داخل المشهد
الواحد، ولكن الإثارة تتراجع كثيرا لأننا نعرف مقدما كيف سارت الأمور وكيف
انتهت. وربما تكون الحسنة الأساسية في الفيلم أداء ويل سميث في الدور
الرئيسي.. دور “الملك”!
كودا Coda
أكثر الأفلام العشرة مدعاة للشعور بالملل بل والقرف أحيانا
أيضا، من شخص لا يعرف الاستحمام، يصدر ريحا قذرة الرائحة من مؤخرته، ويصر
على مضاجعة زوجته أمام أبنائه في كل الأوقات وهو في ملابسه القذرة مثل أي
حيوان مصاب بالهوس الجنسي، وعرض شديد الإطالة والتكرار والدوران حول نفسه،
عن معاناة الصم وكيف تحاول اسرة، كل أفرادها من الصم أن تتواصل وتصمد رغم
الظروف الشاقة، لكي يساندوا ابنتهم الوحيدة التي- لا تتكلم فقط- بل وتغني
أيضا، وتبرز في الغناء وتحقق النجاح والشهرة!
ميلودراما أخرى من اخراج المخرجة سيان هيدر، تثير مشاعر
المؤهلين لحب مثل هذا النوع من الأفلام (العاطفية) والذين لديهم استعداد
فطري بالتأثر بأفلام لا تقدم أي جديد فيما يتعلق باللغة السينمائية أو
بأسلوب السرد، بل مجرد ثرثرة لا تنتهي، ومشاهد متكررة متعاقبة لا تضيف
جديدا، وقصة نعرف كيف ستسير وكيف ستنتهي فهي منقولة بالحرف من الفيلم
الفرنسي “عائلة بلييه”، وإن كانت تنجح في توليد الآهات والتأوهات وبعض
البكاء أيضا، مع الاعتراف بالإعجاب بأداء ممثلين من الصم البكم يقفون للمرة
الأولى أمام الكاميرا، ولكن لا شيء أبعد من ذلك. هذا أحد الأفلام التي
يمكنك أن تذهب لتناول القهوة ثم تعود لاستكمال المشاهدة دون أن يفوتك أي
شيء.
لا تنظر إلى أعلى
Don’t Look Up
فيلم المخرج آدم ماكاي من إنتاج نتفليكس، الذي يحتوي على كل
ما يريد المشاهد المترقب أن يراه، فهو يقول له كل شيء عن كل شيء يتعلق
بمصير كوكبنا الأرضي وما يحيطه من مخاطر، نغفل، بل ربما نتواطأ أيضا مع
السلطات في تآمرها من أجل اخفاء الحقيقة، فالسلطة تعمل لحساب الاحتكارات
الكبرى التي تسيطر على الاقتصاد العالمي.. والسياسة فاسدة، والاقتصاد موظف
لخدمة الأغنياء، والعلماء عبيد عند الآلة البيروقراطية الشمولية الضخمة،
ولكن هناك شخص أو اثنان، ينتبهان لما يحدث ويصرخان بأعلى صوتهما، لتنبيهنا
من الخطر القادم.
محاضرة صاخبة ذات طابع كوميدي يصل إلى الهزل أحيانا، مع
نخبة من النجوم اللامعين والممثلين المقتدرين من بينهم ليوناردو دي كابريو
وجنيفر لورانس وكيت بلانشيت وميريل ستريب، لكن حتى دي كابريو الذي بلغ
القمة في أفلامه مع سكورسيزي، يبدو هنا وهو يصرخ ويتشنج ويفتعل افتعالا، في
دور نمطي تماما، لكن الفيلم الذي يلعب على المكبوت السياسي ينجح في خلق
حالة من التعاطف معه لدرجة أن يرشح لنيل أوسكار أفضل فيلم في العام!!
هناك مذنب عملاق يقترب من الأرض ويوشك على الاصطدام بها،
لكن لا أحد يريد أن يفعل شيئا لصد الخطر الرهيب القادم الذي يمكن أن يؤدي
الى انقراض الجنس البشري. الفكرة نفسها ليست جديدة، وقد عولجت من قبل في
أفلام الكرتون والكوميكس وأفلام أخرى أهم مثل “ميلانكوليا” للارس فون
تريير، وغيره.. ولكننا نراها هنا مع كبار نجوم التمثيل، وتسخير كل إمكانيات
الإنتاج الضخم، وتصوير كاريكاتوري بالغ السذاجة والمباشرة وثقل الظل أيضا
في كثير من الأحيان، خصوصا مع مبالغات ميريل ستريب التي تقوم بدور رئيسة
للولايات المتحدة تشبه في سياستها السخيفة الرئيس السابق دونالد ترامب
وحركاته الخرقاء، مع ابنها الأحمق الغبي رئيس الموظفين في البيت الأبيض
ويقوم بدوره جونا هيل، الذي لا يكف عن ارتكاب الأخطاء، وأجهزة إعلام غسيل
المخ والترويج للفوائد الوهمية التي سيجنيها البشر من المهمة الجديدة أي
الصعود الى الكواكب الأخرى لاستغلالها كبديل عن كوكب الأرض.
فيلم يدغدغ الحواس، يلقى صدى لدى من هم مهيؤون من الأساس،
للترحيب بأي عمل (استهلاكي) يهمهم أن يوجه النقد الشديد للمؤسسة الأمريكية
تحديدا، في حين ان المؤسسة نفسها ترحب به ولا تبدي أي تأثر بخطورته أو
تأثيره لأنه مثل فقاعات الصابون.. لا شيء يبقى في الدماغ بعد المشاهدة.
كوكتيل مشوه، وفيلم آخر من نوع البوب كورن، وكباريه سياسي يزول أثره بعد
إغلاق جهاز التليفزيون.
قوة الكلب
The Power of the Dog
هذا هو عام “فيلم الكلب”، للمخرجة النيوزيلندية جين
كامبيون، حيث لا توجد قوة ولا يوجد كلب. وهو الفيلم الذي أصبح متوقعا منذ
عرضه بمهرجان فينيسيا الأخير، أن يصل للأوسكار وينال معظم الجوائز.
والبروفة كانت في مسابقة “بافتا” البريطانية حيث نال جائزة أفضل فيلم وأفضل
اخراج. ويذكرني هذا بما حدث قبل عامين، عندما اجتمعت كل الأصوات الإعلامية
والآلة الدعائية الضخمة، للترويج لفيلم متوسط تماما من الناحية الفنية هو
فيلم “بلاد البدو” Nomadland لكونه
من اخراج امرأة، وصينية الأصل. الآن أصبح لدينا فيلم من إخراج امرأة
ونيوزيلندية الأصل. جميل جدا. ولكن ما الجديد الذي يقدمه لنا؟
فيلم آخر من أفلام نتفليكس، يرتدي ثياب الويسترن لكنه ليس
بويسترن ولكنه من نوع الدراما النفسية التي تعتمد على التناقض بين ما يدور
داخل نفوس ثلاث شخصيات رئيسية، مع مراقب صامت يختزن الألم.
الشخصيات الثلاث هي فيل، وجورج، وروز، والمراقب الصامت الذي
سيخرج من القوقعة هو بيتر ابن روز. جورج (جيسي بليمونز) وفيل (بنيديكت
كمبرباتش) شقيقان يمتلكان مزرعة مزدهرة، وبينما يتطلع جورج للاستقرار مع
زوجة يختارها هي الأرملة الحسناء روز (كريستين دانسيت) التي تحضر معها
ابنها “بيتر”، ينزوي “فيل” وقلبه مملوء بالحقد والغيرة والرغبة في
الانفجار، فهو كان في الماضي من رعاة البقر الأشقياء، والآن لم يعد الزمن
هو زمانه، ولكنه يرفض الانصياع لحكم الزمن والتقاعد في المزرعة والتطلع
للمستقبل، بل ويرفض ما اختاره شقيقه، وينصب غضبه على روز، ويسلط لسانه
اللاذع على ابنها بيتر الصغير الذي يعتبره مخنثا.
جين كامبيون تطرح مجددا إشكالية العلاقة المعقدة بين الرجل
والمرأة في مجتمع في مرحلة تحول، من الرومانسية والبطولة والخشونة والمجتمع
الرجالي، إلى مجتمع أكثر اختلاطا، يتبنى أشكالا جديدة للعلاقات وللإنتاج.
نفوس الجميع تحمل الشيء ونقضيه، ولكن ليس من السهل اختراق مثل هذه الشخصيات
بسبب الطابع الجامد الذي يجعل الفيلم يقف مكانه لا يراوحه، فيفقد القدرة
على الجاذبية. طبيعي أن من ينتظر مشاهدة أي شيء مما تتضمنه أفلام الويسترن
سيشعر بإحباط مضاعف، عندما يجد الفيلم خاليا من “الصالون” والمبارزات،
والمسدسات ومطاردات الخيول.. الخ.
هناك مشهد واحد في الفيلم وجدت أن له سحرا خاصا هو مشهد نقل
البيانو الضخم الأسود في الصحراء إلى بيت جورج، فهو البيانو الخاص بروز
التي كانت تعمل عازفة في دار السينما. وهي شخصية حزينة تبدو مغلوبة على
أمرها، لكنها تفور من داخلها بالتمرد. وكذلك ابنها الذي سيدبر ما لا قبل
لنا به في النهاية.
بشكل عام لم أنبهر أبدا بهذا الفيلم، وشعرت أنه قد يكون
جيدا، وقد يكون جديدا في موضوعه المستمد من رواية توماس سافيدج، كما يحتوي
على لقطات بديعة للمناظر الطبيعية، مع شريط موسيقي يعبر عن الشخصيات، ولكن
بوجه عام، الفيلم بارد ومترهل ويفقد الإيقاع في النصف الثاني، ولا ينقذه
الأداء الجيد من طاقم الممثلين جميعا.
قصة الحي الغربي
West Side Story
إعادة إنتاج لفيلم قديم، كان مقتبسا عن إحدى مسرحيات
برودواي الناجحة- حقق نجاحا أسطوريا، أخرجه روبرت وايز عام 1961، ولكن هذه
المرة من إخراج طفل هوليوود المدلل، ستيفن سبيلبرج الذي يحافظ عليه كفيلم
موسيقي استعراضي غنائي مقتبس أصلا عن “روميو وجوليت” لشكسبير، مع نقل
الأحداث من فيرونا إلى نيويورك.
لا أعرف ولا أفهم سببا واحدا لإعادة إنتاج الفيلم القديم
الناجح فنيا وجماهيريا في زمانه ومازال يعيش في ذاكرة الملايين، دون رؤية
جديدة وصياغة جديدة، بل ودون أي نجاح سواء فيما يتعلق بالإضافات التي أدخلت
على القصة، أو إعادة تصميم بعض الرقصات. وتظل المشكلة أنه ستكون هناك
بالضرورة مقارنة بين النسخة القديمة والنسخة الحديثة، ودون أدنى شك عندي،
يظل الفيلم القديم أقوى وأعمق وأكثر جاذبية وإمتاعا من جميع الجوانب.
القصة التي تدور في اثنين من أحياء نيويورك القديمة قبل
إزالة مبانيها وإعادة بنائها في نهاية الخمسينيات الماضية، تدور أساسا حول
الصراع بين عصابات الشباب: النيويوركيون البيض من جهة (الذين يسمون أنفسهم
الجيتس أو النفاثات)، والبورتوريكيون الملونون من جهة أخرى (الذي يطلقون
على أنفسهم القروش أي أسماك القرش)، ثم كيف يعبر “توني” الأبيض إلى الجانب
الآخر بعد أن يقع في حب “ماريا” الملونة من جماعة مهاجري بورتريكو الشباب،
وما ينشأ من عنف بالغ بين الطرفين يؤدي إلى وقوع ضحايا.
تصوير يحافظ على ألوان الفترة وتصميمات مناظرها، مع استعادة
أجواء شوارع نيويورك في تلك الأحياء، ومحاولة لتوسيع الاستعراضات بجعلها
تدور في الشوارع والساحات (ساحة لينكولن تحديدا) خلال مرور السيارات، ولكن
بعد مرور أقل من ساعة ونصف (يقع الفيلم في ساعتين ونصف) يفقد الفيلم حرارته
وإيقاعه، كما يفقد القدرة على إثارة الاهتمام، رغم الاعتراف بالأداء البديع
والجاذبية المدهشة التي تتمتع بها راشيل زيجلر التي أدت دور ماريا. ولكن
الفيلم يعاني أيضا من غياب التجانس على نحو فادح، بين أنسل إيلغورت الذي
يقوم بدور توني (يبدو باردا جامدا كلوح من الثلج)، وزيجلر التي تقم بدور
ماريا، ناهيك عن عدم التوفيق الكارثي في اختيار الممثل الطويل بشكل غير
عادي، أمام الممثلة القصيرة بشكل غير عادي أيضا، كما أن الانتقال طوال
الوقت بين اللغتين الإنجليزية والاسبانية (من دون ترجمة الحوار الاسباني)
أربك المتفرج وشتت الانتباه.
الفيلم القديم نال 11 ترشيحا لجوائز الأوسكار وحصل على 10
منها، والفيلم الجديد مرشح لـ 7 جوائز، ربما لا يستحق منها سوى تصميم
الملابس والمناظر.. والله أعلم!
خلاصة القول أن غالبية الأفلام المرشحة لأفضل فيلم، إما
ضعيفة أومتوسطة المستوى، ومنها أيضا ما يصلح فقط لقضاء أمسية تليفزيونية
عائلية. والفيلمان اللذان يبرزان ليسا من الانتاج الأمريكي، وهما “بلفاست”
البريطاني، و”قودي سيارتي” الياباني. والواضح أن السينما الأمريكية منذ
انتشار وباء كورونا، تعاني كثيرا. فمنذ “الجوكر” و”ذات مرة في هوليوود” لم
يخرج من هوليوود فيلم كبير، بل ان الفائز بالأوسكار قبل ثلاث سنوات كان
فيلما من كوريا الجنوبية هو فيلم الطفيل”. |