بعد أن حصد جائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي،
وهي الجائزة التي لم ينلها اي فيلم عربي سابقا، جاء عرضه العربي الأول في
مهرجان الجونة ليثير جدلا ولغطا، استمر الى ما بعد انتهاء المهرجان، بين من
يرى ان الفيلم يسيء الى سمعة مصر، وبين من يرى ان السينما وفي واحدة من أهم
مهامها هي تسليط الضوء على الواقع وتحديد المشكلات الكامنة فيه.
الفيلم يتحدث عن أسرة فقيرة جدا، أب يحاول توفير ما يمكن
لأطفاله الثلاثة وزوجته، رغم تسلطه وتهميشه لدور زوجته داخل الأسرة، وفي
محاولة منه لادخال الفرح الى اطفاله يقوم بعمل عيد ميلاد لأحدهم، ويجلب
ساحرا من الذين يجيدون العاب الخفة، ويطلب منه الأخير أن يدخل في صندوق
كبير وهو صندوق إخفاء، وبعد دخوله يقوم الساحر بإخراج دجاجة بدلا عنه، لكنه
يفشل في اعادته الى وضعه الطبيعي، ومن هذه النقطة تنطلق حكاية الفيلم
وحبكته التي تغوص عميقا في الواقع المزري الذي يعيشه الناس ومن ضمنهم هذه
الاسرة.
الاشتغال
لا يمكن تصنيف الفيلم بشكل دقيق، فهو عبارة عن فنتازيا، قد
تنتمي للعبثية، او للكافكوية التي تحول فيها رجل كافكا الى مسخ، المخرج عمر
الزهيري أراد ذلك متعمدا، ليبتعد عن التشخيص الدقيق الذي قد لا ترضى به
الرقابة، لذلك لا يوجد تحديد للزمان او للمكان، وليست هناك أسماء لأبطاله،
وتأثيث المكان يضعك في تصور ان الزمان هنا يمضي من دون وجود أثر له على
الناس، أزياء السبعينيات والثمانينيات، وسيارات قديمة، وتلفزيونات قديمة،
مع وجود موبايلات حديثة، ليس هناك حوار كبير بين شخصيات الفيلم، بل جمل
بسيطة، أسئلة وأجوبة مقتضبة فقط، مواقع التصوير صنع البعض منها خصيصا
للفيلم، والآخر جاء بتقنية الغرافكس، حتى يبتعد الزهيري بفيلمه عن تحديد
هوية الفيلم، وان كانت العملة المصرية واللغة هما الدالتان الوحيدتان على
هوية الموضوع وشخوصه.
رحلة البحث عن الزوج المفقود
بعد فشل الساحر بإعادة الزوج الى وضعه الطبيعي، تبدأ رحلة
الزوجة في البحث عنه، رحلة جعلها عمر الزهيري رحلة استكشاف لواقع صعب ليس
لأسرة بطله، بل لشريحة كبيرة من المجتمع، حيث لا رحمة لمن لا يجد لمشكلاته
حلا يسيرا، انتهازيون، و برجوازيون يتمتعون بكل شيء، وقوانين وضعت منذ عقود
ما زال العمل بها ساريا، لا تراعي وضع الناس، ومنها قانون الإسكان، وعمالة
الأطفال وغيرها.
رغم كل مشكلاتها تحرص الزوجة على اطعام الزوج الدجاجة
والاعتناء به، مجربة كل السبل الممكنة لإعادته الى وضعه الطبيعي من دون
جدوى، الى أن تصل الى اللحظة التي يطلب منها مدير المعمل الذي يشتغل فيه
الزوج، جلب وثيقة تثبت فقدان زوجها، حتى يمكنه من دفع مرتبه وتشغيل ابنه
الطفل مكانه، لتكتشف أن زوجها عثر عليه منذ فترة، لكنه لا يتحرك ولا يتكلم،
رغم عديد محاولاتها لإعادته الى وضعه الطبيعي، الا انه لا يستجيب لها، وبقى
كأنه ميت سريريا، فتقرر في النهاية التخلص منه ومن الدجاجة التي تحول
اليها، فتخنقه وتذبح الدجاجة، محاولة الاستمرار في حياتها وانهاء رحلة
البحث وحكاية الفيلم.
تأويل النص المرئي
يمكن لحكاية الفيلم أن تكون موجودة في أي مكان وزمان، خصوصا
في بلدان الشرق الأوسط، التي لو سلط الضوء بشكل دقيق على مشكلات الناس
فيها، سواء بالشكل الذي تناوله الفيلم او بالشكل الوثائقي للسينما، لوجدنا
حكايات تفوق فنتازيا عمر الزهيري مخرج الفيلم.
القانون ورعاية الدولة عندما يغيبان او يضعفان، يكونان أس
مشكلات المجتمع، وهو ما طرحه الفيلم في الكثير
من مشاهده، فضعف الروابط الأسرية نتيجة ذلك وانشغال الناس كل بمشكلاته
طرحهما الفيلم من خلال عدم وجود أي علاقة اسرية للزوج او الزوجة داخل
الفيلم، هنا تعمد الزهيري ذكر أسماء شخصياته، الكل بلا أسماء، قسوة الفقر
والعوز، وغياب قوانين الضمان
الفاعلة، وبقاؤها حبرا على ورق في معظم البلاد العربية، كل ذلك تناوله
الفيلم وأشار اليه من خلال رحلة معاناة الزوجة.
الأداء
حتى يقترب من الواقع بشكل كبير تعمد الزهيري أن يكون جميع
ابطال فيلمه من الناس العاديين الذين لم يسبق لهم الوقوف امام الكاميرا،
وجعلهم يتصرفون بالعفوية ذاتها التي يعيشونها في حياتهم اليومية، مستخدما
كاميرته برشاقة، اذ تدور في أماكن ضيقة جدا لكن زواياها معبرة توصل ما أراد
الفيلم قوله، بطلة الفيلم دميانة نصار التي حملت الفيلم على اكتفاها، أدت
دورها بشكل مميز، وساعدها في ذلك عدم وجود حوارات طويلة تحتاج من الممثل
لريكشنات عديدة على وجهه، وجاء ذلك نتيجة للسيناريو المحكم الذي كتبه
الزهيري بنفسه مع احمد عامر، ولم يحتج مدير التصوير كمال سامي الى الكثير
حتى تدور كاميرته في أماكن التصوير، فلا قطعات وحركة شاريو، بل ان الكاميرا
كانت ثابتة في معظم الوقت.
أخيرا، يبدو ان جيل المخرج عمر الزهيري سيبحث مستقبلا و
بشكل عبثي وفنتازي في الواقع وما فيه من خلل ومشكلات تعصف بحياة الناس.
الزهيري درس الإخراج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة،
واخرج اول فيلم قصير بعنوان «زفير» الذي فاز بجائزة المهر في مهرجان دبي
السينمائي، واخرج بعد ذلك فيلمه القصير الثاني «ما بعد وضع حجر الأساس
لمشروع الحمام بالكيلو 375» الذي شارك في مهرجان كان عام 2014 في مسابقة
سينيفودناسيون، وحصل على العديد من الجوائز بعدها.