أحلام لاعبي كرة قدم في مخيم اللجوء... "كباتن الزعتري"
آية ياسر
حين تندلع الحروب وتُدمّر الأوطان، ويضطر الإنسان للهرب من
الموت والبطش والتنكيل، مودعاً بيته وأصحابه، حاملاً معه ذكرياته وأحلامه
المؤجلة ومن تبقى من ذويه إلى مصير مجهول؛ غالباً ما ينتهي به الأمر سجين
أسوار وأسلاك شائكة داخل مخيمات اللاجئين، وسط ظروف إنسانية متردية وبائسة،
وتمر الشهور والسنوات بطيئة رتيبة لا يجد فيها سلوى سوى الأحلام التي ما
تلبث أن تخفت وتبتعد شيئاً فشيئاً، كلما مرّ الوقت وازدادت العقبات صعوبة
وتعقيداً.
وفقاً لتقرير
للأمم المتحدة فإن
أكثر من 5.6 مليون شخص فرّوا من سوريا منذ عام 2011، منهم ما يزيد من 5.5
مليون لاجئ مسجل في الدول المجاورة لسوريا أو بلدان أخرى في الشرق الأوسط
وشمال إفريقيا حتى 10 فبراير/ شباط الماضي، ويعيش 1.8 مليون شخص في
المخيمات والمستوطنات العشوائية، أغلبهم من النساء والأطفال بنسبة تقدّر بـ
66%.
يغوص الفيلم الوثائقي الطويل "كباتن
الزعتري"
للمخرج المصري علي
العربي،
في عمق مأساة اللاجئين السوريين ويبحر في أحلامهم وآمالهم، منطلقاً من
زاوية جديدة لم تتطرق إليها السينما العربية من قبل؛ حيث يأخذ المُشاهد في
رحلة رياضية تروي لنا قصة إنسانية عن لاجئين سوريين كانا يحلمان باحتراف
كرة القدم والانضمام إلى منتخب سوريا للناشئين، وهما يعيشان الآن في مخيم
الزعتري بالأردن، فتكاد الظروف غير الإنسانية أن تحول بينهما وبين شغفهما،
غير أن حلمهما يصبح قريباً جداً عندما تقوم أكاديمية رياضية مشهورة عالمياً
بزيارة المخيم.
يحكي "كباتن الزعتري"، الذي عُرض في مهرجان الجونة
السينمائي بمصر، ضمن فئة المسابقة الوثائقية الخاصة بالميزات، بدعم من
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قصة حقيقية عن شابين سوريين هما
محمود داغر وفوزي رضوان قطليش، لاعبا كرة القدم، اللذان نزحا مع عائلتيهما
هرباً من قصف طائرات النظام السوري، فارّين إلى مخيم الزعتري في المملكة
الأردنية.
وعلى مدار ساعة وعشرين دقيقة، يأخذنا الفيلم التسجيلي الذي
اختار مخرجه، أن يصبغه بالطابع الروائي عبر كثرة المشاهد والجمل والحوارات،
إلى المخيم لينقل لنا حياة بطليه على مدار سبع سنوات، في ظل معاناة إنسانية
مع غيرهما من اللاجئين، كاشفاً النقاب عن الكثير من التحديات التي يواجهها
البطلان، لكن نوراً ينبعث من قلب الظلمة، حين تصل إلى المخيم زيارة لوفد من
أكاديمية التفوق الرياضي "أسباير"، ثم تكتشف مهاراتهما؛ فتنقلهما من حياة
المخيمات إلى دولة قطر لتحقيق أحلامهما في احتراف كرة القدم، وحتى تجاوزهما
لسن المراهقة ووصولهما إلى عمر الشباب، ويسدل الستار على أحداث الفيلم في
نهاية تعكس انتصار الأمل.
ماذا للعالم كلّه أن يتعلّم من محمود وفوزي، الشابين
السوريين، لاعبي كرة القدم اللذين نزحا من سوريا إلى مخيم الزعتري في
الأردن؟ فيلم "كباتن الزعتري" سيزعزع كل ما نعرفه عن قصص اللجوء
يحكي "كباتن الزعتري"، الذي عُرض في مهرجان الجونة
السينمائي بمصر، قصة حقيقية عن شابين سوريين هما محمود داغر وفوزي رضوان
قطليش، لاعبا كرة القدم، اللذان نزحا مع عائلتيهما هرباً من الحرب، فارّين
إلى مخيم الزعتري في المملكة الأردنية
استطاع الفيلم التسجيلي الذي تم عرضه في أكثر من 82 مهرجان
دولي، أن يحظى بإشادات واسعة من نقاد الفن، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم
الخاصة لأفضل فيلم عالمي وثائقي طويل في مهرجان "هوت سبرينجز"، المؤهل
لترشيحات جائزة الأوسكار، وذلك قبيل عرضه في دور السينما بمدينتي لوس
أنجلوس ونيويورك الأمريكيتين، وسيكون متاحاً للجمهور الأميركي بدءاً من 19
نوفمبر الجاري، ليكون الفيلم العربي الأول الذي يحقق ذلك، وفقاً لمجلة
"فرايتي" العالمية المختصة بشؤون السينما العالمية.
وسبق لفيلم "كباتن الزعتري" أن ترشح لأكثر من 15 جائزة
دولية، كما حصل على المركز الثاني ضمن قائمة أفضل أفلام في مهرجان
"صاندانس" السينمائي الدولي، وعرض العمل سابقاً في مهرجان سياتل السينمائي
الدولي في دورته الـ47، وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان سان فرانسيسكو
بأميركا، ومهرجان موسكو ومهرجان بكوبنهاغن، كما حصد الفيلم عدة جوائز عند
مشاركته في الدورة الثالثة ضمن القائمة القصيرة للأفلام في مرحلة ما بعد
الإنتاج.
ما يحتاجه اللاجئ الفرصة وليس الشفقة
"السادة الحاضرون، اخلقوا الفرص لجميع اللاجئين حول العالم،
كل ما يحتاجه اللاجئ هي الفرصة وليست الشفقة"، هكذا يقول محمود داغر، أحد
أبطال فيلم "كباتن الزعتري"، بعبارات مختصرة تعبّر عن لسان حال كل لاجئ.
ويحكي محمود كيف نزح مع أسرته من مدينة درعا السورية، قبل
نحو عشر سنوات، هرباً من قصف طائرات النظام، بينما كان لايزال ابن 13
ربيعاً، ولجأ مع عائلته إلى الحدود الأردنية لينتهي بهم الأمر بالمكوث في
مخيم الزعتري.
وحول ملابسات تصوير الفيلم يقول لرصيف22: "بينما كنا نمارس
حياتنا اليومية في المخيم أنا وصديقي فوزي ونلعب الكرة ونتحدى بعضنا البعض،
رأينا وفداً يزور المخيم ومعهم كاميرات ومعدات تصوير، ثم بدأوا بطرح
الأسئلة علينا حول حياتنا وأهدافنا وأحلامنا، فأجبنا أنا وفوزي بأننا نحلم
بأن نصبح جزءاً من العالم ونخرج من المخيم، ما أثار شغف المخرج علي العربي،
ودفعه للتصوير معنا على مدار سبع سنوات".
ويكشف بطل الفيلم ولاعب كرة القدم السوري عن أن كثير من
لقطات "كباتن الزعتري"، جرى تصويرها بشكل عفوي دون أن يعلم أبطاله بوجود
الكاميرات من حولهم، ولا سيما أثناء المباريات والتدريبات.
استطاع الفيلم "كباتن الزعتري" الذي تم عرضه في أكثر من 82
مهرجان دولي، أن يحظى بإشادات واسعة من نقاد الفن، كما فاز بجائزة لجنة
التحكيم الخاصة لأفضل فيلم عالمي وثائقي طويل في مهرجان "هوت سبرينجز"،
المؤهل لترشيحات جائزة الأوسكار
ويؤكد داغر فرحة أهالي المخيم الكبيرة بالفيلم والنجاح الذي
حققه، مشيراً إلى أنه بعث بالأمل في نفوس اللاجئين، ولاسيما لاعبي كرة
القدم الشباب والأطفال، رغبة منهم في الحصول على فرصة مشابهة لما جرى مع
بطلي الفيلم، حين اكتشفتهما أكاديمية "أسباير" وجعلتهما يشاركان في دوري
لكرة القدم داخل المخيم، قبل أن يلعبا في قطر ضمن فريق لها في مباريات
رسمية مذاعة على التليفزيون.
يحلم بطل الفيلم بالحصول على منحة دراسية في أي دولة،
ليتمكن من استكمال تعليمه، ويتمنى احتراف كرة القدم بأحد الأندية العربية
أو الأوروبية، ويدعو كل لاجئ لأن يتشبث بالحلم ولا يتخلى عنه.
فيما تتشابه قصة لجوء البطل الآخر للفيلم، فوزي رضوان
قطليش، إلى مخيم الزعتري مع قصة صديقه محمود؛ حيث يحكي لـرصيف 22 كيف خرج
مع عائلته من سوريا في سابع أيام شهر رمضان عام 2012، وهو ابن 14 عاماً،
هرباً من القصف اليومي للمدنيين قبيل موعد الإفطار، متوجهين إلى الشريط
الحدودي مع الأردن دون تخطيط مسبق، ليجدوا أنفسهم داخل خيمة ضخمة مع عائلات
سورية أخرى بمخيم الزعتري، لافتاً لمعاناة الأهالي هناك من الانقطاع
المتكرر للماء والتيار الكهربائي.
ويشير قطليش إلى أن تصوير الفيلم لم يكن مخططاً له في
البداية، وأنه استغرق سبع سنوات، وسط انقطاعات وزيارات متكررة من مخرجه
للمخيم، لافتاً لكون أبطاله لم يتوقعوا النجاح الكبير الذي حققه، لكنهم
كانوا بحاجة للأمل وتشبثوا به.
سور المُخيم يحول بينهم وبين أحلامهم
وفي حديثها لنا، تؤكد آية دوارة، واحدة من منتجي فيلم
"كباتن الزعتري"، أن العقبة الرئيسية التي واجهت صُناع الفيلم هي ضخامة
الميزانية التي يحتاجها لإنتاجه وطول مدة التصوير، بجانب صعوبات الطريق من
مصر إلى المخيم، ورغبة مخرجه ومنتجيه بالابتعاد عن الشق السياسي لقضية
اللاجئين والأزمة السورية، لصالح التركيز على الجانب الإنساني وفكرة الحلم
والأمل، عبر قصة صديقين يعيشان بمخيم الزعتري ويمتلكان أحلاماً، لكن فرصهم
شحيحة جداً بالمقارنة مع غيرهم من خارج المخيم.
وهناك سور يحول بينهم وبين أحلامهم، وهناك الكثير من
اللاجئين حول العالم تتشابه قصصهم مع بطلينا ويحتاجون للفرصة، مشيرة إلى أن
المخرج كان معنياً بالقضية أكثر من كونه كان معنياً بصناعة الفيلم، وهو ما
دفع فريق العمل للتكاتف معه لتحقيق حلمه لإنتاج العمل على مدار سبع سنوات
وإخراجه للنور، دون أن يتملك منهم اليأس أو يفقدوا شغفهم.
"السادة
الحاضرون، اخلقوا الفرص لجميع اللاجئين حول العالم، كل ما يحتاجه اللاجئ هي
الفرصة وليست الشفقة"، هكذا يقول محمود داغر، أحد أبطال فيلم "كباتن
الزعتري"، بعبارات مختصرة تعبّر عن لسان حال كل لاجئ
وتبدي دوارة سعادتها بإشادة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلم
عالمي وثائقي طويل في مهرجان "هوت سبرينجز" المؤهل لترشيحات الأوسكار بفيلم
"كباتن الزعتري"، لافتة إلى أن مجرد مشاركته في مهرجان "صاندانس" السينمائي
الدولي كان حلماً لها، لكونه من أكبر مهرجانات السينما المستقلة والأفلام
الوثائقية، وندرة المشاركات العربية به، مؤكدة على أن الفيلم جاب العديد من
المهرجانات حول العالم، عن بعد عبر الإنترنت، غير أن مشاركته في مهرجان
الجونة السينمائي كانت الأولى جماهيرياً، وقد حظي بقبول واحتفاء كبير.
اللاجئ إنسان من حقه أن تكون له أحلام
وحول فيلم "كباتن الزعتري" تؤكد الناقدة الفنية فايزة
هنداو" لرصيف22 أن تسليط السينما للضوء على اللاجئين هي فكرة بالغة
الأهمية، ومن الرائع أن يهتم مخرج بذلك، لأن قضيتهم مأساة متحركة على مستوى
العالم كله تقريباً، ولا سيما حين يتعلق الأمر بسوريا ومأساتها المستمرة
منذ سنوات طويلة، والتي دفعت بجزء كبير من شعبها ليكونوا لاجئين في بعض
الدول العربية أو في المخيمات ومنها مخيم الزعتري.
وتشيد الناقدة بالفكرة التي قدمها الفيلم، وهي أن اللاجئ
إنسان من حقه أن تكون له أحلام يحققها، ما دام يسعى ويجتهد، وليس فقط أن
يأكل ويشرب، وهذا ما حدث مع بطلي "كباتن الزعتري"، لكنها تنتقد كثرة مشاهد
مباريات وتدريبات كرة القدم، التي ربما لن يحبها الجمهور الذي يفتقر للشغف
بالكرة، معتبرة أن الأفضل أن يحل الجانب الإنساني والاجتماعي محلها لتحقيق
التعاطف، لافتة إلى أن الأمر في النهاية يعتمد على وجهة نظر مخرج الفيلم.
وتوضح هنداوي أنه رغم عدم وجود أفلام من إنتاج سوريا في
مهرجان الجونة السينمائي، إلا أن الأزمة السورية حاضرة بقوة في الدورة
الخامسة من المهرجان، من خلال ثلاثة أفلام هي: "ماما أنا هنا في المنزل"،
وهو فيلم روائي روسي طويل، مشارك في قسم "الاختيار الرسمي خارج المسابقة".
الفيلم يدور حول تونيا التي تعمل سائقة حافلة وتعيش في بلدة
صغيرة في روسيا مع ابنتها الكبيرة وحفيدها الصغير، وبينما تنتظر تونيا عودة
ابنها الأصغر البالغ من العمر 18 عاماً، بعدما سافر إلى سوريا منضماً لشركة
خاصة من شركات الحرب التي تستخدم المرتزقة، يأتيها خبر مقتله في هجوم مسلح،
مع عدم التمكن من استعادة جثمانه الذي تحول إلى أشلاء. والفيلم بطولة
وإخراج فلاديمير بيتوكوف في ثاني أفلامه الروائية الطويلة.
أما الفيلم الثاني فهو "كباتن الزعتري" للمخرج المصري، علي
العربي، أما الفيلم الثالث والموجع هو "سبايا"، للمخرج الكردي هوجير
هيروري.
الفيلم مشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة وهو
يستعرض عملية إنقاذ الفتيات اليزيديات، التي تم أسرهن من قبل القوات
الداعشية، في مخيم الهول شمال سوريا ، وما زال هناك 2000 يزيدية مفقودة.
وتحكي الفتيات اليزيديات في الفيلم، عن ما تعرضن له من
استعباد واغتصاب جنسي، وضرب وإهانة، وحرمان من أطفالهن الذين ولدوا لآباء
من قوات داعش، والفيلم حصل على جائزة أفضل مخرج لفيلم وثائقي في مهرجان
صاندانس السينمائي.
بينما ترى الناقدة الفنية والكاتبة صفاء الليثي أن مادة
فيلم "كباتن الزعتري"، باستثناء مباراة كرة القدم ومتابعتها من أهل بطلي
الفيلم في مخيم الزعتري، هي مادة غير غنية وأن مشاهد الفيلم تبدو وكأنها
مُعدّة سلفاً، مشيرة إلى وجود مشكلة تقنية بالصوت في بعض الأجزاء منه، ما
جعل الحوار غير واضح، كما أن هناك تطويل مُبالغ به في مشاهد تدريبات كرة
القدم.
ورغم توجيهها لانتقادات لمخرج الفيلم إلاّ أن الليثي تشيد
بقيامه بالتركيز على حياة الشابين وتتبع مسيرتهما على مدار سنوات، لكنها
تتساءل لماذا انقطع خط الصبية الذي بدأ بأول مشهد في الفيلم؟
وتوضح الناقدة أنه في نهاية عرض فيلم " كباتن الزعتري "
بمهرجان الجونة السينمائي، تحدث المخرج علي العربي عن تحديات كثيرة واجهت
فريق الفيلم لتصوير الشباب السوري في المخيم، وتدريجياً تمكنوا من الحديث
بتلقائية للكاميرا، وأنه تم التصوير بأكبر عدد من الكاميرات، وتم تصوير 700
ساعة اختاروا منها في المونتاج، وهي المشاهد التي شاهدها الجمهور بالفيلم. |