الفيلم التسجيلى ومهمة الإسماعيلية للأفلام.. والمدن
المحرومة!
سيد محمود سلام
يظل للفيلم التسجيلي بريقه لمن يدركون أهميته، وهو برغم
التطور الكبير فى تقنيات صناعته، والاهتمام غير المسبوق فى كل مهرجانات
العالم به، وزيادة عدد المهرجانات المتخصصة فى هذه النوعية، إلا أننا فى
مصر ما زال هناك عزوف عن عرضه فى السينمات.
ولولا محاولات مهرجان كالإسماعيلية الدولى للأفلام
التسجيلية الروائية والقصيرة الذى تفتتح دورته الـ21 الأربعاء المقبل،
لتراجع الاهتمام، فمن ضمن ما سيطرحه المهرجان على هامش عروضه من مناقشات
"تسويق وتوزيع الفيلم التسجيلى"..
حيث يدرك الناقد عصام زكريا رئيس المهرجان من خلال تجاربه
فى رئاسة المهرجان والتى بدأها بتكليف من رئيس المركز القومى للسينما
والرقابة مستشار وزيرة الثقافة الدكتور خالد عبدالجليل – يدرك "زكريا" - أن
هناك أزمات تواجه الفيلم التسجيلى في مصر، فهو يظل عملا إبداعيًا منقوصًا،
فالسينما كصناعة أحد أهم عناصرها هو المشاهد..وهو هنا غائب، ولولا
المهرجانات التى تسعى لتثبيت وعرض هذه النوعية فى مسابقاتها لغاب عنا،
وأصبح المنتج خاصا بصاحبه..
فقد نجح مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى الاهتمام به
ووضعه فى مسابقاته، ومهرجان القاهرة، والإسكندرية لسينما دول البحر
المتوسط، وأصبح أيضا مهرجانا للفيلم القصير بمدينة الإسكندرية يقيمه مجموعة
من الشباب الواعدين..
المحاولات الأخيرة قد تكون لها ثمارها بتعريف الجمهور
العادى بالفيلم التسجيلى، والمشكلة تكمن فى وصول هذه النوعية للمشاهد من
خلال السينما، لأن المشاهد يقبل عليها فى القنوات الفضائية، حيث توجد قنوات
متخصصة، بل قناة مثل "ناشيونال جرافيك" لها جمهور كبير يهتم بالأعمال
الوثائقية، وتحظى الأفلام التسجيلية باهتمام عالمى فى المهرجانات الكبرى
وتدخل فى قوائم ترشيحات الأوسكار كل عام.
والسينما بدأت تسجيلية وتوثيقية فى جميع دول العالم، ووضعت
لها تعريفات، فقد عرفها الاتحاد الدولى للسينما فى إصداره في عام 1948،
بأنها “كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة، يعرض إما بوسائل
التصوير المباشر، أو بإعادة بنائه بصدق، وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شيء، أو
لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل
في عالم الاقتصاد، أو الثقافة، أو العلاقات الإنسانية".
هذا التعريف يؤكد أن الفيلم التسجيلى هو الأقرب لرصد الواقع
من السينما الروائية التى تعتمد على الممثل، وقد سبق أن كتبت فى محاولات
لفك الاشتباك بين الفيلم التسجيلى والروائى الطويل، وكانت النتيجة أن كل
الدراسات والآراء تؤكد أن الخطوط الفاصلة تكاد تتلاشى فى كثير من الأعمال،
بل إنه فى أفلام كثيرة يصبح التسجيل جزءا من الحكى والتمثيل الدرامى، ففيلم
مثل "ناجي العلي" كان طبيعيا أن يستعان بالتوثيق..
أو حتى الأفلام الحربية لا بد من لقطات التوثيق والتسجيل،
فلا يوجد فيلم حربى دون الاستعانة بالتاريخ والمشهد المعزز للدراما والموثق
للحدث..
ومن ثم يعد مهرجان مثل الإسماعيلية فى حد ذاته هو المهرجان
الوحيد الذى أخذ على عاتقه مهمة تنشيط حركة الفيلم التسجيلى والوثائقى فى
مصر..فكل الأجيال التى تدرس السينما فى مصر سواء فى الأكاديميات، أو معاهد
وأقسام السينما هى بحاجة لمثل هذا المهرجان لأنه النافذة المهمة التى
ترعاها وزارة الثقافة وتدعمها بقوة..
حتى إن نظرنا إلى تراثنا السينمائى سنكتشف أنه بدون مثل هذا
المهرجان قد لا تتعرف الأجيال الجديدة على رموز السينما التسجيلية كالمخرجة
عطيات الأبنودى التى تحمل هذه الدورة اسمها، وعلى الغازولى شاعر السينما
الذى كرمه مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية فى دورته الماضية.
وهنا أقترح على الدكتور خالد عبدالجليل رئيس المركز القومى
للسينما، أن يتم إعادة عرض أفلام المهرجان بعد انتهاء الدورة الـ21
بالإسماعيلية فى القاهرة، بل إن أمكن فى بعض محافظات الجنوب كمحافظة المنيا
التى تحتاج إلى مهرجان، هى وباقى المحافظات المحرومة كأسيوط وسوهاج، بنى
سويف ومحافظات مثل بورسعيد وغيرها من المدن التى لا تعرف الكثير عن السينما
بعدما تم هدم دور العرض بها وتحويلها إلى عمارات شاهقة. |