بعد كل ما صاحب فيلم المخرج الأميركي الشهير، ستيفن سبيلبرغ الجديد
ذا بوست
The Post
من ضجيج إعلامي، جاء مستوى الفيلم ضعيفا من الناحية الفنية، بما
يجعله لا يصمد للمقارنة مع أفلام أميركية سابقة، تناولت نفس
الموضوع، أي العلاقة بين السلطة والصحافة في الولايات المتحدة.
ذا بوست
The Post
عنوان يشير باختصار إلى صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية التي لم تكن
قد بلغت ما بلغته من شهرة وقت وقوع أحداث الفيلم الذي أخرجه حديثا
ستيفن سبيلبرغ، أي في 1971، في ذلك الوقت كانت حرب فيتنام قد بلغت
ذروتها، كما ارتفعت حدة حركة الاحتجاج ضد استمرار نزيف الدم
الأميركي في فيتنام، وهو ما نراه في أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم،
فقد أصبح الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي صعد إلى الحكم في 1968، أكثر
تورطا في فيتنام.
ويبدأ الفيلم في 1966، بلقطات لعدد من الجنود الأميركيين في فيتنام
وهم يمرون بعملية التخفي أو تشويه ملامح الوجوه بالأصباغ السوداء
قبل انتقالهم لخوض معارك الغابات ضد قوات الفيت كونغ.
وتشتد حدة المعارك، وترتفع الخسائر البشرية، وتتراكم جثث القتلى،
وتقوم المروحيات بإجلاء الجرحى.. ثم تقترب الكاميرا من “داني
إيلسبرغ”، المحلل العسكري الأميركي الذي يعمل في مكتب وزير الدفاع
روبرت ماكنمارا.
وجه الرجل يشي بأنه مستغرق في التفكير واستعادة شريط الأحداث، لكنه
ينتبه على صوت رجل يطلب منه أن يتجه ليرى ماكنمارا الذي يجلس في
مقدمة طائرة.
ويطلب الوزير رأي داني في الموقف العسكري في فيتنام، ثم يقفز سعيدا
عندما يدعم داني رأيه أمام مساعد الرئيس.. فهو يرى أن الأمور أصبحت
خارج نطاق السيطرة في فيتنام، أي أن “أميركا تخسر الحرب”، هذا
الموقف يتناقض مع ما يصرح به ماكنمارا للصحافيين بعد أن يهبط من
الطائرة ويقف، ممّا يؤدي إلى شعور داني بالإحباط والقرف.
وثائق البنتاغون
سيصبح دانييل فيما بعد، أي في 1971، وراء تسريب نحو سبعة آلاف صفحة
من “وثائق البنتاغون” تفضح الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ نهاية
الحرب العالمية وتكشف موقفها الحقيقي في فيتنام، وفي المشهد التالي
نشاهد مجموعة من اللقطات التسجيلية المتعاقبة للرؤساء الأميركيين،
من ترومان إلى نيكسون، يكرّرون جميعا خطابا متشابها يتلخص في رغبة
أميركا في الحفاظ على السلام العالمي، وعدم التورط في فيتنام،
وتأكيد على أن “جنودنا” لم يذهبوا إلى هناك لقتل الفيتناميين..
وغير ذلك.
وتتداعى الأحداث في حبكة تقليدية مصاغة في سياق أسلوب بوليسي، لكنه
يفتقد للإثارة والحيوية ويعاني من الترهل والتكرار والدوران حول
الفكرة، وتتركز الأحداث في عالم الصحافة، حيث يجري أولا صراع مكتوم
بين صحيفتي “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”، فداني يقوم بتسليم صور
من ملفات البنتاغون السرية إلى “نيويورك تايمز” التي تنشر بالفعل
موضوعا في الصفحة الأولى يفضح مؤسسة الرئاسة، فتحقّق سبقا صحافيا
هائلا، لكن البيت الأبيض يتدخّل ويستصدر قرارا من المحكمة العليا
بوقف نشر المزيد من الوثائق التي يعتبرها “سرية”.
ذا بوست يحقق حاليا نجاحا لأنه ينتهي بانتصار أبطاله المتمردين على
المؤسسة وعلى أشرار السلطة في واشنطن
أما “بن برادلي” (توم هانكس) رئيس تحرير “واشنطن بوست”، فهو يشعر
بالغيرة المهنية ممّا حققته “نيويورك تايمز”، فيطلق أحد محرّريه
للبحث عن داني والعثور عليه بأي طريقة، فأغلب الظن أنه يقف وراء
التسريب الكبير.
أما صاحبة مؤسسة “البوست”، السيدة “كاثرين غراهام” (ميريل ستريب)
التي ورثت الصحيفة بعد انتحار زوجها، وأصبحت المسؤولة أمام
المساهمين والمموّلين، فهي تخشى عواقب نشر المزيد ممّا جاء في
الوثائق، خاصة وأنها ترتبط بعلاقة صداقة خاصة مع ماكنمارا، وتخشى
أن يلحق نشر الوثائق أضرارا بسمعته (كان قد تولى إدارة البنك
الدولي بعد أن ترك البنتاغون في 1968).
ولن يحدث الكثير بعد ذلك، ستحصل “ذا بوست” على ما تريده، وتعاني
كاثرين طويلا وتصبح متمزّقة بين حرصها على مستقبل الصحيفة وواجبها
المهنى وموقفها الأخلاقي أمام رئيس التحرير برادلي ومساعديه،
وسيصبح برادلي الذي كان مرتبطا بعلاقة ما، مع الرئيس الأسبق كنيدي،
أكثر اندفاعا ورغبة في تلقين الرئيس نيكسون درسا في ضرورة احترام
الصحافة، وإلاّ اختل التوازن المستقر بين المؤسسات في البلاد.
وتعقد كاثرين اجتماعات تتعرّض خلالها لضغوط من جانب مجلس الأمناء
وممثلي “أصحاب المال” الذين يهدّد بعضهم بالانسحاب من المساهمة في
الصحيفة بعد أن بدأت أرباحها في الهبوط، لكن كاثرين تتبنى رأي
برادلي الذي يرى أن رفع المستوى المهني الصحافي هو الضمان لارتفاع
التوزيع، وبالتالي الأرباح.
تساؤلات
يتعرض برادلي أيضا لضغوط من جانب المستشارين القانونيين للصحيفة،
فهم يحذّرونه من خطورة المضي قدما في نشر الوثائق رغم قرار المحكمة
العليا الذي صدر بوقف النشر في “نيويورك تايمز”، تثار هنا تساؤلات
مثل: هل ما يسري على “التايمز” يمكن أن يسري قانونيا على ذا بوست؟
وهل تعاقب ذا بوست إذا ما انكشف أن مصدر الوثائق المسربة واحد؟ وهل
المصدر واحد؟ وهل برادلي على استعداد لدخول السجن؟ ولكن ماذا بشأن
السيدة كاثرين، هل هي مستعدة أيضا لقبول المخاطرة؟
ويحسم الجدل الذي يدور طويلا داخل الغرف المغلقة، بأسلوب المونتاج
المتوازي، بقرار كاثرين، التي تنحاز في النهاية إلى ما تشعر بأنه
الموقف الصائب، حتى لو كان الثمن هو السجن، لكن الصحافة تكسب
المعركة ضد السلطة، كما هو معروف مسبقا طبقا لما حدث في الواقع قبل
47 عاما، فالمحكمة تردّ رغبة البيت الأبيض في وقف النشر، لتستمر
“السلطة الرابعة” متمتعة بقدرتها على كشف وتعرية وفضح التجاوزات
السياسية التي تمثل اعتداء على القانون والدستور.
بين الصحافة والسلطة
أنتجت هوليوود أفلاما كثيرة من قبل عن الصراع بين المؤسسة السياسية
والمؤسسة الصحافية، ولعل أقرب مثال على هذا النوع من الأفلام
الفيلم الذي عرض مؤخرا “مارك فيلت: الرجل الذي أسقط البيت الأبيض”
(بطولة ليام نيسون وإخراج بيتر لاندسمان)، فهو مثل فيلم ذا بوست،
أي من نوع الدراما التسجيلية (دوكيو-دراما).
ولكن بينما يدور ذا بوست حول شخصيتين من الشخصيات التي لعبت دورا
بارزا في إعلاء كفة الصحافة على كلمة السلطة، يمكن اعتبار “مارك
فيلت” دراما تسجيلية عن كيفية نجاح رجل بمفرده في فضح المؤسسة
السياسية ودفعها للسقوط، وهو مارك فيلت نائب رئيس جهاز الشرطة
الفيدرالية الأميركية
FBI
الذي قام بتسريب الكثير من المعلومات حول تورط إدارة الرئيس نيكسون
في فضيحة “ووترغيت”. وفي كلا الفيلمين يبرز موضوع “التسريب”، أو
الشخصية التي تظهر من داخل المؤسسة نفسها، والتي تقوم بدور “نافخ
الصافرة” الذي يحذر من مخاطر انتهاك القانون من جانب من يفترض أنهم
حماة القانون، في ذا بوست لدينا شخصية داني إيلسبرغ الذي كان أحد
فريق الخبراء والمحلّلين الذين درسوا “وثائق البنتاغون”.
وفي الفيلم الثاني لدينا مارك فيلت، الذي يتمرّد على السلطة بعد أن
يلمس سعي نيكسون المحموم لإنهاء استقلالية جهاز الشرطة الفيدرالية
FBI،
ويضمن بالتالي تستّره على تجاوزاته.
هناك أيضا الفيلم البديع “الحقيقة” (2015)
Truth
(بطولة كيت بلانشيت وروبرت ريدفورد) الذي يتفوّق كثيرا في رأيي على
هذا الفيلم خاصة في الأداء، وهو أيضا دراما تسجيلية، تنتهي بهزيمة
بطلته، المنتجة التلفزيونية الشجاعة “ماري مابس” التي كانت أولا
وراء الكشف عن فضيحة سجن أبوغريب في العراق، ثم كانت وراء إنتاج
وبث حلقة من برنامج “60 دقيقة” تتّهم فيها الرئيس جورج بوش
(الابن)، بالتمتّع بمعاملة خاصة أثناء فترة تجنيده في أوائل
السبعينات من القرن الماضي.
ولكن يمكن القول إن فيلم “الحقيقة” رغم خصوصية الأحداث والشخصيات،
كان يتمتّع بحس “إنساني” يجعله مقبولا من الجمهور في العالم، إلاّ
أنه لم يحقّق نجاحا كبيرا.
أما فيلم ذا بوست فيحقّق حاليا نجاحا، أولا: بسبب اسم مخرجه الشهير
سبيلبرغ، وثانيا لأنه ينتهي بانتصار أبطاله المتمرّدين على المؤسسة
على أشرار السلطة في واشنطن، وهو ما يحبه الجمهور.
وكان فيلم “كل رجال الرئيس” (1976) أول عمل يتناول فضيحة “ووترغيت”
بجرأة، ينتهي أيضا نهاية ترضي الجمهور، لذلك حقّق كل ما حقّقه من
نجاح وشهرة.
والرسالة السياسية في ذا بوست ليست جديدة، ولكن هناك إسقاطات واضحة
على العلاقة الحالية المتوتّرة بين الرئيس ترامب والصحافة
الأميركية، مع رغبة ترامب في احتوائها وتطويعها.
إسقاطات معاصرة
على مستوى اللغة السينمائية لا يرقى فيلم سبيلبرغ إلى مستوى الكثير
من أعماله السابقة وأقربها إلى الذهن فيلم “جسر الجواسيس” (2015)
الذي كان أكثر بلاغة من الناحية السينمائية من ذا بوست، وهو من نوع
“دراما الغرف والرؤوس المتكلّمة”، فهو يدور داخل الغرف، ويمتلئ
بعشرات الشخصيات الثانوية التي لا تعرف من منها يفعل ماذا؟ كما
يكتظ بالحوارات والمناقشات الثقيلة الطويلة المرهقة، ويعاني من
الطابع المحلي المغرق في أميركيته.
ولكن سبيلبرغ نجح كعادته في الاهتمام بأدق التفاصيل سواء في طبيعة
الأماكن وديكوراتها وتصميماتها، أو في وسائل الطباعة القديمة
بواسطة ألواح الرصاص، وجميع تفاصيل عصر ما قبل التكنولوجيا الرقمية
والإنترنت والتليفون المحمول.
ولا يتناسب توم هانكس مع دور بن برادلي، فقد كان الدور يحتاج إلى
ممثل أكثر قوة وصلابة بل وخشونة، ولا تقدّم ميريل ستريب جديدا في
حرصها على محاكاة الشخصية الأصلية التي تقدمها، أي كاثرين غراهام،
وكثيرا ما بدت وهي تغالي في انفعالاتها، بل وأكثر هشاشة من أن تكون
الشخصية التي قرّرت فجأة وكأنها تقامر، أن تحمل قدرها في يدها
وتصدر قرارها بطباعة العدد الذي سيقيم الدنيا ولن يقعدها.
ومن الطبيعي أن ينتهي فيلم ذا بوست بأن نرى شرطيا يكتشف اقتحام مقر
الحزب الديمقراطي من قبل أشخاص مجهولين، وزرع أجهزة تنصّت على
الاجتماعات التي تعقد في داخله.
وكانت تلك الخطوة الأولى في انكشاف فضيحة “ووترغيت” التي ستصنع
المعركة التالية الشهيرة بين “واشنطن بوست” والبيت الأبيض، أو
بالأحرى بين الصحافة والسلطة.
ناقد سينمائي مصري
####
زياد دويري وفراس فياض يحتفلان بترشيح تاريخي
للأوسكار
·
زياد دويري: هو خبر سار للغاية، حيث هي المرة الأولى التي يصل فيها
لبنان إلى الأوسكار
·
فراس فياض: ترشيح فيلمي للأوسكار يعد مصدر إلهام للآخرين في سوريا
التي مزقتها الحرب
'قضية
رقم 23' عرض في لبنان، رغم حملة مقاطعة تسبب فيها قيام دويري
بإخراج فيلم سابق، وهو 'الصدمة' في إسرائيل.
العرب/ باريس – صنع مخرجا أفلام من لبنان وسوريا التاريخ هذا
الأسبوع عندما أصبح فيلمهما أول عمل على الإطلاق من بلديهما يتم
ترشيحه لجائزة الأوسكار.
ورشح فيلم “قضية رقم 23” للمخرج اللبناني زياد دويري لجائزة أحسن
فيلم أجنبي، في حين تم ترشيح فيلم “آخر الرجال في حلب” للمخرج
السوري فراس فياض، والذي يركز على عمل متطوعي منظمة “الخوذ
البيضاء”، لجائزة أفضل فيلم وثائقي.
وقال زياد دويري “إنها لأخبار سارة للغاية أن ننال هذا الترشيح،
لأنها المرة الأولى التي يصل فيها لبنان إلى الأوسكار”.
وأضاف “إنه مثل الفوز بميدالية والوصول إلى الأولمبياد، و(مثل) أن
يفوز فريقك لأول مرة بالميدالية البرونزية أو الميدالية الفضية”.
وفيلم دويري أول فيلم من لبنان يتم ترشيحه لجائزة أوسكار منذ بدأت
بيروت التقدم بأفلام للمنافسة عام 1978.
وعرض فيلم “قضية رقم 23” في لبنان، رغم حملة مقاطعة تسبب فيها قيام
دويري بإخراج فيلم سابق وهو “الصدمة” في إسرائيل، التي لا تزال في
حالة حرب مع بلاده من الناحية الفنية، وألقي القبض على دويري
واستجوبته محكمة عسكرية عدة مرات دون أن يتم توجيه أي اتهام إليه.
وتضم الأفلام الأخرى المرشحة لجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية “إيه
فانتاستيك وومان” من ألمانيا و”لافليس” من روسيا و”أون بودي آند
سول” من المجر و”ذا سكوير” من السويد.
وقال المخرج السوري فراس فياض، الذي يتناول فيلمه الوثائقي عمل
منظمة “الخوذ البيضاء” في مدينة سورية محاصرة، إنه يأمل أن يكون
ترشيح الفيلم للأوسكار مصدر إلهام للآخرين في بلاده التي مزقتها
الحرب.
وقال “حسنا، إنه لأمر عظيم حقا، أنا فخور لأجله.. إنه يفتح الطريق
لمخرجين وفنانين آخرين للتفكير في أنه ما من شيء مستحيل، خاصة
عندما تكون بلدك مدمرة ومواردك أقل وأولئك الذين يمكن أن يقفوا إلى
جانبك أقل”. |