في الحادي والعشرين من أغسطس (آب) سنة 2015 هاجم العربي أيوب
الخزاني ركاب القطار السريع الآتي من أمستردام إلى باريس وذلك بعد
دقائق يسيرة على دخوله الأراضي الفرنسية. الخزاني أطلق النار وطعن،
لكنه لم يقتل أحداً. مجندون أميركيون، حدث أنهم كانوا في المقطورة
ذاتها، هاجموا الشاب العربي وتغلبوا عليه ولاحقاً ما تم منحهم أعلى
وسام فرنسي (لجانب آخرين).
اثنان من هؤلاء المجندين هما أنطوني سادلر وأليك سكارلاتوس انصرفا
بعد ذلك لكتابة ما حدث في شكل قصـة. دوروثي بليسكال، التي شاركت في
كتابة فيلم «لوغان» أشرفت على سيناريو وضعه كل من جفري إ. ستين
وسبنسر ستون (أحد المجندين) اللذان لم يكتبا السيناريو من قبل. هذا
تم في أواخر العام الماضي. في مطلع العام الحالي تمت الموافقة على
إنتاجه وفي الخامس عشر من شهر يوليو (تموز) الماضي بوشر بتصويره
تحت عنوان «15:17
إلى باريس».
المنتج والمخرج كلينت إيستوود انطلق من دون تأخير.
كالعادة، يفهم ما يريد وينفذه جيداً وبسرعة. وهو يعمل من خلال
شركته «مالباسو» بينما تقوم شركة وورنر بتمويله وتوزيع الفيلم. ابن
السابعة والثمانين يأمل في أن ينجز التصوير خلال أسبوع من اليوم.
واحد من أهم أسباب نجاحه هو أنه لا يغير طاقمه الفني كثيراً ما
يجنبه الدخول في تفاصيل كثيرة. وراء الكاميرا توم ستيرن الذي بدأ
عاملاً في فريق التصوير على أفلام إيستوود في الثمانينات ثم تسلم
مهام الكاميرا كاملاً لأول مرة سنة 2002 عندما صوّر لإيستوود
Blood Work.
من حينها لصق بالعمل مع المخرج وصوّر له كل أفلامه حتى اليوم.
ما أن ينتهي التصوير في غضون عشرة أيام حتى يسارع إيستوود بتسليم
الفيلم لمونتيره المفضل بل موراي، الذي بدوره انتقل من مساعد
مونتاج صوتي إلى مساعد مونتير ثم مونتير لأول مرة في فيلم إيستوود
الأخير «صولي».
«صولي»، بطولة توم هانكس، كان دخل سباق الأوسكار في العام الماضي
في ترشيحين وخرج صفر اليدين. لكن إيستوود لا يمانع في أن يرى نفسه
مرشحاً في سباق أفضل مخرج، وفي أي سباق آخر للأوسكار بما فيها
أوسكار أفضل فيلم كما حدث سنة 2005 عندما نال فيلم إيستوود «مليون
دولار بايبي» أوسكار أفضل فيلم، وخطف إيستوود ذاته أوسكار أفضل
مخرج.
- ريدلي وستيفن
لكن إيستوود ليس وحيداً بالطبع. الأشهر التي تفصله عن نهاية هذا
العام هي ذاتها التي تفصل مخرجين آخرين عازمين على اقتحام المباراة
الفنية الأكبر بدورهم. الشرط الوحيد هو أن عليهم جميعاً، أن ينجزوا
الأفلام في أقرب فرصة حتى يتسنى للشركات الموزعة عرضها تجارياً قبل
اليوم الأول من العام المقبل كما تنص شروط الأكاديمية.
- ومن يكون هؤلاء؟
لدينا ستيفن سبيلبرغ، ما غيره، الذي يواصل الليل والنهار ليلحق
بموعد الثاني والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، وهو الموعد المحدد
لعرض فيلمه الجديد «الأوراق» (The
Papers):
دراما تدور رحاها بين صحيفة «واشنطن بوست» والبنتاغون. قصـة واقعية
مطرزة بخطوط خيالية مع بطولة موزعة ما بين ميريل ستريب وتوم هانكس
ومايكل ستولبارغ.
تاريخ سبيلبرغ والأوسكار يتلخص في أربع جوائز و13 ترشيحاً لم يفز
بها. رشح للمرة الأولى كأفضل مخرج عن فيلمه «لقاءات قريبة من النوع
الثالث» (اقرأ «سنوات السينما» أدناه) سنة 1978، ثم جرب حظه كأفضل
مخرج في العام 1982 عن «تابوت العهد المفقود» وفي «إي تي: خارج
الأرض» (1983) ومرة ثالثة سنة 2006 عن «ميونيخ».
باقي الترشيحات كانت في سباق أفضل فيلم، ومنها «إنقاذ المجند
رايان» (1999) و«اللون الأرجواني» (1986)، وعن «لينكولن» سنة 2013
نافس على جائزة أفضل مخرج وعلى جائزة أفضل فيلم ولم ينلهما.
لكنه ربح الأوسكار ثلاث مرات: مرتان متجانستان في سنة 1994 عن
«قائمة شيندلر» حيث فاز بأوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم، ثم نال
أوسكار أفضل مخرج عن «إنقاذ المجند رايان» (1999) وفي سنة 1987 منح
جائزة أوسكار شرفية.
ريدلي سكوت يتمنى لو تمتع بالحظ ذاته الذي يتمتع به إيستوود
وسبيلبرغ، وهو بالتأكيد يسعى لإنجاز فيلمه الحالي «كل مال العالم»
(All the Money in the World)
عن حادثة (أخرى) حقيقية هي حادثة خطف تمت سنة 1973 ضحيتها شاب من
عائلة ثرية اسمه جين بول غيتي الثالث. ميشيل ويليامز في دور الأم
ومارك وولبرغ في دور الأب وكيفن سبايسي في دور جين بول غيتي بعد
سنوات من الحادثة.
- الأعلى حظاً
تاريخ سكوت مع الأوسكار بعيد أيضاً. سنة 1992 رشح عن واحد من أفضل
أفلامه لليوم هو «ثلما ولويس». وبعد عشر سنوات تم ترشيحه كأفضل
مخرج عن «بلاك هوك داون»، وفي العام الماضي رشح فيلمه «المريخي»،
لكنها ذهبت إلى «مونلايت» كما هو معروف.
مثل سبيلبرغ وإيستوود فان ريدلي سكوت عازم على عرض فيلمه في الوقت
المناسب قبل نهاية العام وشركة صوني الموزعة حجزت له - مبدئيا -
تاريخ الثامن من شهر ديسمبر (كانون الأول)، أي قبل أسبوعين من
الموعد المحدد لفيلم «الأوراق» لسبيلبرغ.
على حماسة وجدية هذه المساعي، فإن المخرج الذي يبدو أنه سيكون
الأعلى حظاَ في الترشيحات، إن لم نقل في الفوز، هو كريستوفر نولان
عن فيلمه المبدع «دنكيرك».
نولان، ربح ما مجموعة 139 جائزة كبيرة وصغيرة في تاريخه ورشح مرتين
للأوسكار ولم يفز بعد به. مرة سنة 2002 عن كتابته سيناريو «ممينتو»
(Memento)
ومرة سنة 2011 عن كتابته سيناريو «تمهيد» (Inception).
لكن نولان ما زال شاباً (بالمقارنة مع الثلاثة المذكورين هنا على
الأقل)؛ إذ هو في سن السابعة والأربعين.
ما يجعله اليوم يبدو كما لو أنه مستحوذ بقوة على الفرصة السانحة
هذا العام حقيقة أن «دنكيرك» ليس فيلماً عاديا، بل عمل غير مألوف
لا كفيلم عن تاريخ حرب (معركة دنكيرك الخاسرة سنة 1944) ولا كفيلم
فني.
«دنكيرك» دراما شاسعة الأطراف حول كيفية إنقاذ 400 ألف جندي
بريطاني عن سواحل دنكيرك الفرنسية وإعادتهم إلى الوطن، بينما تقوم
الطائرات الألمانية بقصف هذا الجمع المحتشد وبواخر الإغاثة. يصل
الفيلم إلى درجة نافذة من رسم تراجيديا الحروب جميعاً ويبقى وسيطاً
فنياً ممتعاً في الوقت ذاته.
هناك أفلام أخرى تشهد لمخرجيها بحظوظ المشاركة في السباق المقبل،
بينها «بليد رَنر 2049» لدنيس ڤلنييڤ (كانت له جولاته مع الجائزة
الكبرى أيضاً) و«قتل غزال» لليوناني يورغوس لانثيموس (صوّره
بالإنجليزية مع كولين فارل ونيكول كدمان وإليسيا سيلفرستون)
و«الساعة الأكثر ظلمة» (The
Darkest Hour)
وهو جديد المخرج البريطاني جو رايت (مع غاري أولدمان في دور ونستون
تشيرشل) و«ماري ماغدولين» لغارث ديفيز مع روني مارا وواكين فينكس.
كثير من هذه الأفلام وسواها سيعرض على شاشتي مهرجاني فنيسيا
وتورونتو، حيث الخبر اليقين حول مستوياتها. |