هاني أبوأسعد: لم أخطط للوصول إلى العالمية
العرب/ سارة محمد
الزخم الذي استعاده مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي في دورته الحالية، بدا ظاهرا في طرحه لقضايا كثيرة، منها ما
يتعلق بالتنوع اللافت في الأفلام المشاركة والتي جاءت من بلدان
مختلفة، ومنها ما يتعلق بالموضوعات التي تتناولها، ومنها ما يخص
التوسّع في فكرة الإنتاج المشترك، لكن الأهم أن نجم المهرجان في
أيامه الأولى كان المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد.
القاهرة - أكد المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد في
حوار مع “العرب”، أنه لم يخطط طوال حياته للوصول إلى العالمية
والعمل في صناعة السينما بهوليوود، وتقديم فيلم مثل “The
Mountain Between Us”
“الجبل بيننا” الذي كانت بطلته الفنانة كيت وينسلت وإدريس إلبا
وعرض على هامش فعاليات الدورة الـ39 لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي.
وأوضح أنه سعيد بتقديم مجموعة من الأفلام تناقش
القضية الفلسطينية، ويكون فيلمه الشهير “الجنة الآن” الذي قدمه عام
2006 نقطة التحول في مشواره الإخراجي الذي لفت به أنظار الكثيرين
في الغرب، وجعلهم يهتمون بتجربته التي حفر اسمه فيها ضمن مجموعة من
الرموز العربية التي وضعت بصماتها في السينما العالمية، مثل المخرج
السوري مصطفى العقاد والمصري يوسف شاهين.
وقال أبوأسعد، الذي يبلغ من العمر 56 عاما، إن نجاح
“الجنة الآن” جعل لديه الكثير من العلاقات مع صناع السينما
الهوليوودية والتي يستطيع المخرج من خلالها أن يقدم مشروعه للجهات
الإنتاجية أو يقومون هم باختياره، وهو ما حدث في فيلمه الأخير
“الجبل بيننا” والذي أحبه لإعجابه بالقصة التي أكد أنه لم يشاهدها
من قبل في السينما، حيث صراع التمسّك بالبقاء في الحياة والحب.
لا للإغراءات الأميركية
تحدث أبوأسعد، الذي حصل على جائزة غولدن غلوب عن
فيلمه “الجنة الآن” وجائزة العجل الذهبي في هولندا عن العمل ذاته،
مع “العرب” عن تجربة الدخول في السينما العالمية، قائلا “الأمر
يرجع إلى نجاح تجربتي في هذا العمل ‘الجنة الآن’، خصوصا وأن غالبية
المنتجين في هوليوود يدعون أصحاب التجارب الناجحة للعمل معهم”،
معبّرا عن احترامه لعدد من هؤلاء الموهوبين الذين تتم دعوتهم ولا
يخضعون للإغراءات الأميركية، فهي وجهات نظر تُحترم أيضا.
وحضور اسم أبوأسعد في السينما العالمية كمخرج عربي
ينحدر من جذور فلسطينية ربما يحمل معه وجهة نظر مختلفة من الغرب،
لأن هناك الكثير من الفلسطينيين الذين نجحوا في اختراق الحواجز
والمشاركة في العديد من المهرجانات الدولية وحصلوا على جوائز، ما
جعل الغرب يحترم بروزهم كمخرجين فلسطينيين.
ويؤمن أبوأسعد بأن الفنان يلعب دورا هامّا، وصفه
بأنه مثل “حبات الرمل” التي تملأ الشاطئ، وهو محمّل بالصراع على
الهوية والمستقبل.
وعن الاهتمام بتجارب السينما الفلسطينية ومخرجيها
قال أبوأسعد لـ”العرب” “العالم لديه اهتمام بالسينما الفلسطينية
لأنها جزء من الاهتمام بالقضية كموضوع سياسي وإنساني في حقيقته
وليس عربيا فقط، فكيف نصبح دون أرض، وهو ما يحيل إلى حجم
الازدواجية الحاصلة في الغرب الذي ينادي بالحرية والديمقراطية
وحقوق الإنسان”.
وأضاف “القضية الفلسطينية لا تزال حيّة، وهناك
تعاطف معها ما يدلّ على إنسانيتنا، ولو كف العالم عن الاهتمام
بالقضية سوف تبقى فلسطين محتفظة بتأثيراتها في وجدان الكثير من
الناس، لأنها بيتهم في النهاية”.
ونوّه أبوأسعد إلى أن فلسطين تتمتع بامتلاك حركة
سينمائية كبيرة تحديدا من ناحية التجارب النسائية، مشيرا إلى
مجموعة منهنّ مثل: مها الحاج، ومي مصري، وسها عراف، وأماني جاسر،
حيث يتمتعنّ بمكانة عالمية عالية ما يشجّع على وجود حركة فنية
إيجابية، وهي علامة على تعدد أسماء المخرجات أكثر من المخرجين.
ويخوض أبوأسعد في فيلمه الأخير “الجبل بيننا”
مغامرة الابتعاد عن القضية الفلسطينية التي تعمّق فيها وقدّم لها
عددا من الأعمال مثل “الجنة الآن”، و”عمر”، مؤكدا أن الأمر لم يكن
له تخطيط مسبق وأن الحياة قد تفاجئنا بخططها، وهو ما حدث عندما
عرضت عليه شركة الإنتاج العالمية “فوكس” التعاون معها ولم يكن
يستطيع الرفض.
والرابط المشترك بين صراع أبناء فلسطين للتمسّك
بأرض الوطن وما عاشه أبطال فيلمه “الجبل بيننا” في التمسك بالحياة
يبدو متقاربا إلى حد كبير، الأمر الذي يشدّد عليه أبوأسعد الذي
يتحدّث في أعماله عن أشخاص عاديين في ظروف غير عادية، وهنا لا
تختلف قضية الفيلم كثيرا عن هذه الفكرة ذاتها.
ويبدو أن دراسته لهندسة الطيران بالأساس دعمته
كثيرا في تجربة فيلمه الأخير، وهنا يقول “دراستي للطيران أفادتني
بالفعل في مشاهد سقوط الطائرة، لأنني كنت حريصا على أن يكون الأمر
واقعيا، ولأنني مهندس، فأنا أعرف كيف يبدو الحدث حقيقيا أم لا،
والحقيقة أنه لا يوجد شيء واقعي في تصوير الأفلام، لأن هناك صعوبة
في تصوير ذلك بنسبة مئة بالمئة”.
شاعرية واقعية
كشف هاني أبوأسعد أن هناك عدة تعديلات أجريت على
أحداث فيلمه لعدة أسباب، أهمها أن كاتب الرواية يستطيع كتابة
الأفكار التي تدور في عقول الأشخاص، لكن الأفلام تترجم بالصورة
فقط، فيكون هناك تغيير في الأحداث ليقوم المخرج مسنودا بمعاونيه
بعمل تصور لها.
والرمزية الكبيرة التي استخدمها أبوأسعد في فيلمه
“الجبل بيننا” في استخدام الكلب والمكان المعزول كانت لها دلالة
واضحة على الفكرة التي يتناولها العمل، وهو ما وصفه بـ”أنه اختيار
مقصود، إذا اعتبرنا أن الكلب هو الشخصية الثالثة التي تعبّر عن
مستقبل الأبطال، خاصة وأن الحيوان لديه استشعار بالخطر قبل أن
يحدث، وهو الدور الذي كان يلعبه الكلب في أحداث الفيلم”.
ورغم أن المخرج الفلسطيني وصف فيلمه بأنه يعد
“مشروعا شاعريا واقعيا استعمل فيه عددا من تلك المشاعر الضخمة”،
إلاّ أن هذه الشاعرية خلّفت وراءها الكثير من القسوة التي عاشها
صناع العمل، كيت وينسلت وإدريس ألبا، اللّذان كانا يصوّران
مشاهدهما تحت درجة حرارة منخفضة جدا.
وتابع “قاموا بالتصوير في درجة حرارة وصلت إلى 38
درجة تحت الصفر في أحد أيام التصوير”، واصفا الأمر بالقسوة الشديدة
التي قد تجعل الكاميرات تتوقّف عن العمل، ولم يلجأ للاستعانة
بمشاهد اصطناعية، مؤكدا “في النهاية الشخص الذي يعمل في فرن 24
ساعة يعاني أكثر منا، لكنه مضطر، لأنه دون خبز لن يستطيع الحياة”.
وعن تغيير نظرة المجتمع الدولي لقضية العنصرية التي
ناقشها أبوأسعد في فيلمه دون قصد، أكد لـ”العرب” “الغرب مع كل
اختلافنا معه، لكن لديه تاريخ طويل في مناهضة العنصرية، صحيح ليس
كل الغرب، لكن هناك الكثير من الفنانين والكتاب ناقشوا العنصرية
بكلّ أشكالها”، ورغم أنه ليس عنصريا، غير أنه سعيد بمناقشة الأمر
دون قصديّة مباشرة في فيلمه.
وروى أبوأسعد، الذي ينتظر إعلان قائمة النتائج
النهائية لترشيح فيلمه ضمن مسابقة الأوسكار العالمية، جانبا من
كواليس عمله مع أبطال فيلمه، قائلا “التعامل مع إدريس ألبا وكيت
وينسلت كان رائعا، وكان بينهما احترام متبادل ومقدّس، والأخيرة
تحديدا سبق لها العمل مع مدارس إخراجية كبيرة مثل بيتر جاكسون في
فيلمها ‘المخلوقات السماوية’، وأيضا مع وودي ألن في فيلمه ‘مقهى
المجتمع’، بالإضافة إلى زواجها سابقا من المخرج سان مندينز”.
وتتمتع وينسلت، بحسب هاني أبوأسعد، بتجربة هامة مع
مخرجين عالميين، ولم تكن لتأتي إليه إن لم يكن هناك احترام متبادل
بينه وبينها، مضيفا “هي ليست من الفنانين الذين يبحثون عن المال،
لأن هؤلاء يذهبون للعمل فقط من أجل حفنة من الأموال”.
####
استقالة رئيسة مهرجان القاهرة السينمائي تحرج
القائمين عليه
العرب/ سارة محمد
كلما قطع مهرجان القاهرة السينمائي خطوة نحو
الأمام، عاد خطوتين إلى الوراء، فمن حفل الافتتاح المبهر وانتقاء
الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، فجرت ماجدة واصف رئيسة
المهرجان قنبلة قبل انتهائه بأيام قليلة، وأعلنت عن استقالتها، ما
أحدث ردود فعل متباينة، فالاستقالة لم تكن مفاجئة للكثير من
المتابعين عن كثب، لكنها أربكت الجهة المنظمة وأحرجت وزارة الثقافة
المصرية، وكأن واصف تعمدت تخريب المهرجان في أيامه الأخيرة.
القاهرة – فتحت استقالة ماجدة واصف رئيسة مهرجان
القاهرة المجال للكثير من التساؤلات، لأن الإعلان عنها جاء قبيل
حفل الختام المقرر الخميس، وبعد الإعلان عن حضور ثلاثة من الفنانين
العالميين، وهم: نيكولاس كيدج وهيلاري سوانك وأدريان برودي.
وتعود نية واصف للاستقالة إلى نحو شهر مضى، عندما
تقدمت بها رسميا إلى الجهات المسؤولة بعد أن تعهدت بسداد مديونيات
وميزانيات المهرجان كاملة، لكن وزير الثقافة المصري حلمي النمنم
رفض الاستقالة، وحتى الآن لم يبعث خطابا رسميا يعلن قبوله لها، لكن
واصف مصممة عليها والتزمت الصمت وعزفت عن حضور فعاليات المهرجان.
المثير أنه في يوم الأحد الذي انتشر فيه خبر
استقالة واصف، راجت معلومات بشأن اعتذار النجوم العالميين المقرّر
حضورهم حفل الختام، وهو ما نفته شبكة “دي أم سي” الراعية للمؤتمر،
مؤكّدة انتهاء تفاصيل التعاقد كاملة مع هؤلاء وعدم وجود اعتذارات.
ويبدو أن انتشار الشائعات في الأيام الأخيرة للدورة
39 يرمي إلى إحداث ارتباك بشكل عام، وتم توظيف تصميم رئيسة
المهرجان على تجاهل الحادث الإرهابي الذي وقع الجمعة الماضي بمسجد
الروضة في شمال سيناء، وراح ضحيته أكثر من 300 قتيل، خطأ واتخذ
الحادث ذريعة لإلقاء اللوم عليها لعدم صدور بيانات إدانة من رئيسة
المهرجان، التي أكّدت أنها تستكمل عملها وفعالياتها، لأن ذلك أبلغ
رد على مثل هذه الأحداث الإرهابية.
وتوقيت الإعلان أيضا عن خبر الاستقالة يحمل دلالات
تتعلّق بفكرة “تصفية الحسابات”، خصوصا أن هناك أخطاء إدارية وفنية
تعاني منها إدارة المهرجان، بخلاف الأزمات التي وقعت منذ انطلاق
دورته الـ39، واستياء قطاع كبير من الضيوف والجمهور من طريقة
الاحتكار التي فرضتها إدارة الشبكة الراعية للفعاليات.
المسؤولون لم يغفروا لرئيسة المهرجان تجاهلها
للحادث الإرهابي بمسجد الروضة، وتصميمها على إتمام الفعاليات
وأكد الناقد طارق الشناوي أن الدورة الحالية هي
الأخيرة لرئيسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ماجدة واصف، وهي
كانت تعلم ذلك جيدا، غير أنه أبدى دهشته من خبر الإعلان عن
الاستقالة خلال فعاليات المهرجان، ووصف الخطوة بأنها “خطأ سياسي
فادح”.
وعبر في تصريحات خاصة لـ”العرب”، عن مخاوفه من ظهور
من يقدّمون أنفسهم على أنهم “منقذو المهرجان بعد رحيل واصف”، موضحا
أن مشكلة المهرجان ليست في وجود رئيسته التي بذلت مجهودا كبيرا في
هذه الدورة، لكن الأزمة تتمثل في تبعيته لوزارة الثقافة المصرية من
الناحية القانونية منذ عام 2014، ما يغلفه بالكثير من القيود التي
تؤثّر على حركته وقدرته على استقطاب أفلام جيدة.
وقال الشناوي “هناك ثالوث مشترك بين المهرجان
ورئيسته ووزارة الثقافة التي تتحكم فيه والقناة الراعية التي تريد
أن تحصل على صلاحيات أيضا”، لافتا إلى أنه لم يتم وضع مُحدّدات
قانونية تتحكّم في هذه العلاقة، بسبب عدم وجود قواعد منظمة بين هذا
الثالوث، الذي كانت له تأثيرات سلبية كبيرة انعكست على حالة سوء
التنظيم والارتباك.
والحاصل أن اختلاف النقاد والسينمائيين مع المهرجان
ورئيسته لا يعني العزوف تماما عن الحضور ومشاهدة الأفلام، حيث كان
هناك وجود لافت من قبل عدد كبير من المهتمين بصناعة السينما، وحاول
معظمهم تنحية الخلافات جانبا، لكنهم فشلوا، لأن استقالة واصف
صدمتهم، علاوة على الفوضى التي شهدها شباك الحجز الإلكتروني لتذاكر
المهرجان وسقوط النظام الإلكتروني على مدار يومين، ما أدّى إلى
وجود طوابير طويلة لانتظار فرصة الحجز، وهو ما أوحى للكثيرين
باتساع نطاق الارتباك الذي تسبب فيه تداخل الاختصاصات بين الشبكة
الراعية ورئيسة المهرجان.
وشهدت الدورة الحالية نقصا في عدد المطبوعات
الورقية وكتب المكرّمين التي تمثّلت في كتاب للفنان سمير غانم أحد
المكرمين بالمهرجان، والناقد الراحل سمير فريد والمخرج اللبناني
جان شمعون، وتجاهل رصد حالة السينما الأسترالية التي هي ضيف شرف
المهرجان، وكانت إدارة المهرجان في كل دورة تصدر مطبوعة عن الدولة
ضيف الشرف وتلقي الضوء على السينما في دولة بعينها.
أما الكتالوغ الخاص برصد جميع فعاليات المهرجان
فكان مفاجأة، حيث وجد في مقدمته الإعلان عن منح كل من الفنان
العالمي بن أفليك والفنانة هيلاري سوانك جائزة التميّز، وهو ما لم
يحدث، ولم يتم الإعلان عنه قبل حفل الافتتاح أو بعده، وربما تمنح
الجائزة للفنانة هيلاري سوانك بعد الإعلان عن حضورها حفل الختام،
الأمر الذي لم تعلن عنه إدارة المهرجان صراحة.
كما تم إلغاء “ملتقى القاهرة السينمائي” الذي كان
حلقة وصل بين السينمائيين، أصحاب المشروعات الجادة والجديدة وبين
المنتجين الذين يناقشون فكرة فيلمهم مع السينمائيين، ويمنح المشروع
الفائز تمويلا من إحدى الجهات الإنتاجية الخاصة التي تدعم هذا
البرنامج.
ويأمل البعض من النقاد أن تتمكن وزارة الثقافة
المصرية وشبكة “دي إم سي” الراعية للمهرجان من تحاشي الأخطاء
العديدة، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في حفل الختام الخميس، لأن
سقوطه سوف يبعث برسائل تشي بتراجع أهميته في سلم أولويات الحكومة
المصرية، ما يؤثر على سمعته العالمية التي اكتسبها منذ انطلاقه. |