لم أكن أعرف بمرضه حتى يوم وفاته، ليس تقصيرًا مني
في السؤال عنه، ولكنه كان قويًا ومقبلًا على الحياة بدرجة تُشعرك
دائمًا أنه الأفضل صحة والأكثر شبابًا ونشاطًا، وبالتالي لم يكن
هناك بُدًا من السؤال عن صحته، إضافة إلى أنه لم يغب عن المشهد حتى
قبل وفاته بأيام، وكتاباته لم تنقطع من خلال عموده اليومي في صحيفة
المصري اليوم حتى آخر يوم.
كان استثنائيًا في كل شيء في ثقافته وآرائه
وأحاديثه، وكنت آراه دائمًا فيلسوفًا ومفكرًا، وليس صحفيًا وناقدًا
سينمائيًا، برغم اعتزازه دائمًا بكونه صحفيًا، وذلك لما يغلب على
مناقشاته من آراء فيها فلسفة وتفكر، فكانت لديه
"رحمه
الله"
قدرة
منفردة على رؤية الشيء نفسه من زوايا مختلفة، ساهم في ذلك ثقافته
الموسوعية، واطلاعه غير المحدود، وكان مؤمنًا برأي الكاتب والمخرج
السينمائي الفرنسي
"ألكسندر
أستروك"
بأن
"الكاميرا
مثل القلم"،
فكان يرى العالم بقلمه عبارة عن مجموعة من المشاهد السينمائية
القابلة للكتابة.
ولم يعجز قلمه مرة واحدة عن ترجمة مشاهداته في الفن
والسياسة والثقافة والتاريخ والمجتمع ومختلف فنون الحياة إلى كلمة
تُقرأ، وكان يُشارك
"ديفيد
جريفيث"
أحد
أهم السينمائيين في تاريخ السينما رأيه عندما سألوه عام
1906
كيف
ستصبح السينما عام
1916
قال
سيصبح الفيلم مثل الكتاب، وهكذا أصبحت السينما بالنسبة له كتابًا
يقرأه ولا يفارقه أينما ذهب.
عُمق ثقافته ومشاهداته يجعلك تشعر أنه
"فرانسوا
كيز"
أو
"جون
لوك"
عندما
يتحدث عن الرأسمالية، و"كارل
ماركس"
أو
"فريدريك
أنجلز"
عندما
يتحدث الاشتراكية، و"سيبويه"
إذا
ثار جدال حول اللغة العربية، ومراسل عسكري إذا كان نقاشنا حول أي
حرب في أي بقعة في العالم.
أذكر عندما تولى رئاسة
«مهرجان
القاهرة السينمائي»
وسُئل
عن تكريم الفنانة نادية لطفي وسبب اختياره لها قال:
"نادية
لطفي"
فنانة
قديرة وتتسم بشجاعة في مواقفها السياسية والعربية، وهي الوحيدة
التي سافرت خلال حصار بيروت لزيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات،
في الوقت نفسه الذي كانت
"جين
فوندا"
على
الجبهة الأخرى تدعم
"إسرائيل"،
كان دائمًا مختلفًا في تقييمه وتحليله للشخصيات، ويستند في ذلك إلى
رؤياه الخاصة.
أذكر أنني كتبت مقالًا بعنوان
"كل
شارع في مصر"،
وكان يحمل بعض الإنسانيات التي أحملها داخلي للشارع الذي عشت فيه
طفولتي، وكنت مهتمًا أن أعرف رأيه في المقال، فاتصلت به لأطلب منه
أن يقرأه، فقال لي لقد قرأته بالفعل، فكانت لديه قدرة استثنائية
على متابعة وقراءة كل كلمة.
كان من ضمن طقوسه الجميلة مع المقربين منه، والذي
أشرف أنني كنت منهم، بعض الإهداءات الرمزية التي دائمًا تحمل معاني
كثيرة، وذات مرة أهداني صورة قديمة للتشكيل الوزاري عام
1924
برئاسة
أحمد زيور باشا، وكان وقتها فخورًا جدًا بهذه الصورة، وقال لي
"ده
التشكيل الوزاري في العشرينيات، حيث كانت تضم الوزارة، وزراء
مسلمين ومسيحيين ويهودًا، وأشار إلى الصورة وقال:
"ده
نخلة جورجي المطيعي بك وزير المواصلات مسيحي، وده يوسف قطاوي باشا
وزير المالية يهودي، وكان أيضًا كبير الطائفة اليهودية في مصر".
مرة أخرى أهداني نسخة من أرشيف الصحف المصرية عبارة
عن قصاصات لأخبار وعناوين للصفحات الأولى قبل وبعد الثورة، أعدها
بنفسه، وكان يرصد فيها حجم التناقض في الآراء والتوجهات في الإعلام
المصري تجاه السلطة.
كان دائمًا يرى ما لا يراه غيره، راقيًا في كل شيء
في أحاديثه وآرائه وصداقاته وكتاباته وثقافته، أفكاره، نصائحه،
انفعالاته، تعاملاته، عطائه، شخصية استثنائية بمختلف المقاييس.
كان دقيقًا جدًا في مختلف تفاصيل حياته، فالوقت
لديه كان مقدسًا، ومحسوبًا بالدقيقة والثانية، ورغم ذلك إن خالفت
موعدك معه أو تأخرت بعض الوقت كان يكتفي فقط بإيمائة بسيطة تُشير
إلى غضبه، وفي الوقت نفسه ابتسامة تشير إلى أنه قد سامحك، فهو
السهل الممتنع.
كان دقيقًا حتى في أبسط تفاصيل حياته، وما زلت
أتذكر عندما كان يصطحبني معه لأحد المحال الشهيرة في بيع
"البُنْ"
في
أبوظبي، حيث كان يفضل أن يشتري البُنْ لـ"قهوتة"
بنفسه
ليعده أمام عينيه طبقًا لمواصفاته الخاصة، وكان يقف وهو يضع يده
اليسرى في جيبه بأناقته المعهودة، ويتذوق أنواع
"البُنْ"
ويطلب
من البائع
"بن
غامق"
يختار
نوع حبيباته بنفسه، وعندما يبدأ البائع في طحن البن كان يُغمض
عينيه مبتسمًا في إشارة لسعادته برائحة البن.
لم يكن يتطلع لأي مناصب رسمية، برغم ما كان يُعرض
عليه، ولم يبق في أي منصب أكثر من سنة واحدة، لأنه يرى أن دوره
الحقيقي هو إعطاء خبرته للشباب، بعدها يُقرر الانسحاب ليترك لهم
التجربة كاملة، فكان مديرًا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام
1985
لدورة
واحدة قبل أن يرأس المهرجان عام
2014،
ومديرًا لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة
عام
1995
لدورة
واحدة، ومديرًا لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال عام
1998
لدورة
واحدة أيضًا، إضافة إلى المهرجانات العربية التي شارك في تأسيسها
والتي يأتي في مقدمتها مهرجان دمشق السينمائي، ومهرجان أبوظبي
السينمائي وغيرهما من الهرجانات التي كان يكتفي بنقل خبراته ويرحل
عنها في هدوء، وكأنه راهب في محراب السينما.
كان لا يرى نفسه إلا في معشوقته السينما التي وهب
لها حياته، وترك لها عشرات المؤلفات والدراسات والأبحاث التي نُشرت
في مئات الصحف والمجلات، وما يقرب من
60
كتابًا، إضافة إلى أرشيفه السينمائي الخاص والمنفرد.
وعبر تجربتي السابقة في العمل معه، والتي أعتبرها
واحدة من التجارب المهمة التي مررت بها في حياتي، والتي كانت على
مدى سنوات، ومنها تجربتي في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، والذي
كان اسمه مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، وكنت مديرًا
للمركز الإعلامي ورئيس تحرير مطبوعات المهرجان، وكان الأستاذ سمير
فريد مستشارًا فنيًا للمهرجان وأحد مؤسسيه، ووقتها اعترض بشدة على
الاسم واقترح أن يحمل المهرجان اسم أبوظبي، وقد كان بعد ذلك، وخلال
الاجتماعات الرسمية لإدارة المهرجان كان يفاجئني دائمًا بحجم
احترامه للآخرين.
وأذكر أنه كان هناك مقترح أن يتم اعتماد كافة
البيانات الصحفية الصادرة من المهرجان منه هو شخصيًا على اعتبار
أنه المستشار الفني، وأيضًا ناقد سينمائي كبير، واعترض بشدة وقال
مدير المركز الصحفي هو من يعتمد البيانات الصحفية بما فيها
التصريحات الصحفية التي تصدر عني أنا شخصيًا، فقلت له وقتها أستاذ
سمير أنا لن أكون منزعجًا من ذلك على العكس فهذا يشرفني ويمثل
الكثير بالنسبة لي، لكنه أصر على رأيه قائلًا:
إن
هناك لائحة خاصة بالمهرجان لابد أن نحترمها ونحترم اختصاصات
ومسئوليات كل فرد في المهرجان، وكيف أكون أنا الذي وضعت اللائحة
وأكون أول من يُخالفها، وقال لي إن أردت أنت أن تستشيرني بصورة
ودية في الأخبار قبل نشرها لن أتردد في التعاون معك، لكن لا يمكن
أن أوافق أن تكون هذة آلية عمل رسمية.
مرة أخرى في مهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة،
والتي شرفت برئاسته، وأذكر أنه تحمس كثيرًا للفكرة، وبدأنا العمل
على المهرجان، واقترحت في البداية تكريمًا لمكانته أن يكون هو رئيس
المهرجان وأنا مدير المهرجان فقال لي بشكل حاسم هذا مشروعك وأنا لا
تعنيني المسميات، ويكفيني فقط أن أكون مستشارًا فنيًا للمهرجان
فهذة تجربة مختلفة يسعدني المشاركة فيها، وأصر على ذلك وقد كان،
وخلال العمل في المهرجان واجهتنا بعض المعوقات لكنه أصر على أن
يستمر معنا، وأصر على نجاح التجربة، وبالفعل نجح المهرجان وشاركت
فيه أكثر من
42
دولة،
منهم أهم دول في صناعة السينما في العالم.
وأذكر قبل طباعة كتالوج المهرجان عرضته عليه
لاعتماده، وخلال تصفحه نظر لي منفعلًا وقال:
كيف
تضع اسم المستشار الفني قبل اسم رئيس المهرجان، فقلت له:
وكيف
أضع اسمي قبل اسمك أستاذ سمير، فأنا أوافقك في كل شيء إلا أن يأتي
أسمي قبل اسمك، فقال لي:
فيه
حاجة اسمها بروتوكول لا نستطيع أن نتخطاه، انسى سمير فريد دلوقت،
وصمت قليلًا ثم نظر لي مبتسمًا وقال أقدر ذلك تمامًا لكن
"لازم
تعرف إن كل شيء له أصوله وقواعده وقوانينه التي يجب أن نحترمها"،
فتعلمت منه أننا يجب أن نحترم الأصول والقواعد والقوانين المهنية
قدر احترامنا للعلاقات الإنسانية.
لا أذكر أنني التقيت الراحل الأستاذ سمير فريد مرة
واحدة دون أن يتطرق حديثه عن مصر والمصريين، وكيف كنا عظماء في كل
شيء، وكيف أُختيرت القاهرة عام
1925
أجمل
مدينة في العالم، وكيف كنا روادًا في كل شيء؟ وكيف تغيرت الشخصية
المصرية على مدى العصور؟ فاللقاء مع الأستاذ سمير فريد هو أشبه
بالمحاضرة، التي لا تملك فيها غير أن تنصت للأستاذ.
ذاكرتي تحمل له الكثير من المواقف والمشاهد
الحياتية التي في مجملها ذكريات لشخصية تركت أثر داخلي لن تواريه
السنوات.
إن لم تكن تعرف الأستاذ سمير فريد فيكفيك فقط أن
تتأمل كل من حرصوا على حضور العزاء في مسجد عمر مكرم، الذي كان
مكدسًا بكل محبيه من أجيال مختلفة من الكتاب والصحفيين والنقاد
والفنانين والمثقفين والسياسيين منهم الرواد ومنهم شباب في مقتبل
الطريق ممن كان له الفضل في أن وضعهم على الطريق.
حتى اللحظة الأخيرة كانت تُحيطه العناية الإلهية،
ومنحتة فرصة أن يشهد تكريمه قبل رحيله، فحصل على الجائزة التقديرية
(كاميرا
البرلينالي)
لمهرجان برلين في ألمانيا قبل رحيله بأشهر قليلة، والتي تُعد أهم
جائزة يقدمها المهرجان عبر تاريخه لناقد سينمائي، وحصل قبلها على
الميدالية الذهبية لمهرجان كان في فرنسا بمناسبة اليوبيل الذهبي
للمهرجان مع
19
ناقدًا
من مختلف دول العالم، وكان يمثل مصر والعالم العربي وإفريقيا عام
1997،
وجائزة الدولة للتفوق في الفنون في مصر عام
2002،
والجائزة التقديرية للمهرجان القومي للسينما المصرية في القاهرة
عام
2005،
والجائزة التقديرية لمهرجان أوسيان في الهند عام
2012،
والجائزة التقديرية لمهرجان دبي السينمائي عام
2013.
لقد كان الأستاذ سمير فريد بتاريخه تكريمًا لمهنة
النقد السينمائي، وتكريمًا لكل صحفي وناقد سينمائي مصري وعربي.
وداعًا أستاذ سمير فريد سنفتقدك أبًا وأستاذًا
ومُعلمًا وصديقًا....وإلى
لقاء آخر في عالم أفضل من عالمنا....
mhmd.monier@gmail.com
####
سمير فريد..
فارس جيل الستينيات
الحسين عبد البصير
فقد الوسط الثقافي في مصر والعالم العربي والعالم
الناقد السينمائي والمثقف الموسوعي
سمير
فريد.
وبغياب
المُعلم سمير فريد عن المشهد السينمائي النقدي في مصر والعالم
العربي، يغيب عنا قلم نقدي فذ، ومثقف قدير، وواحد من أصحاب الرؤى
السياسية الرفيعة والقيم الليبرالية الفريدة المتشبعة بالثقافة
الموضوعية العميقة والجديرة بكل احترام وتقدير.
وُلد ناقدنا في مدينة القاهرة في سنة
1944.
وتخرج
في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي درس فيه النقد على أيدي
عمالقة وجيل الآباء المؤسسين للثقافة المصرية في حقبة الستينيات من
القرن العشرين.
والتحق
بالعمل صحافيًا في جريدة الجمهورية في أوساط الستينيات محدثًا ثورة
في مجال النقد السينمائي، ومؤسسًا لتيار جديد، ومدرسة كبيرة تخرجت
فيها أجيال عديدة من نقاد مصر البارزين في مجال النقد السينمائي.
وكان
مقال الأستاذ سمير فريد وإسهاماته العديدة في جريدة الجمهورية من
أروع ما يكون ومن أول وأهم ما يقرأ فيها.
وكان في مقاله يمزج السينمائي الثقافي بالاجتماعي
بالسياسي بشكل مدهش.
وكان
هو بحق فارس جيل الستينيات في النقد السينمائي إلى جوار عمالقة
الرواية والمسرح والقصة القصيرة.
ولم
يكن الأستاذ فريد من بين كتاب المقال النقدي السريع، وإنما كان من
أصحاب الرؤية العميقة والمحللة للأمور والظواهر والأشياء وربطها
ببعضها البعض بحس قلما توافر لأحد غيره.
كان ذا
قلم نقدي رصين.
وفضلًا عن كتابة المقالات النقدية، لم يغفل فريد عن
التعبير عن رؤاه الفكرية في الفن والسينما والتأسيس لمدرسته
النقدية التي كان يحلم بها.
فنجده
قد أصدر عشرات الكتب العلامات في تاريخ النقد السينمائي المصري
والعربي.
ونذكر
من بينها، على سبيل المثال لا الحصر،
"الواقعية
الجديدة في السينما المصرية"
الذي
قدّم فيها لجيل الثمانينيات الرائد في تاريخ السينما المصرية الذي
جدّد السينما المصرية وأعاد لها شبابها، وكتابه المهم
"أضواء
على سينما يوسف شاهين"
الذي
يعتبر من أهم الكتب المؤلفة عن صاحب فيلم
"الأرض"،
وكتابه العلامة عن
"الصراع
العربي الصهيوني في السينما"
الذي
يعد أيضًا من المراجع المهمة عن تلك الأزمة، وغيرها الكثير.
ودون شك، فإن إسهامات فريد العديدة في التأسيس
والمشاركة والحضور في مهرجانات سينمائية مصرية وعربية ودولية
عديدة، لهي من أهم مساهماته في إيصال صوت مصر للعالم وصوت العالم
لمصر.
ونتيجة
لذلك، فقد اختير الراحل الكبير كعضو لجان تحكيم في مهرجانات دولية
كثيرة.
وكان
بحق صوت مصر السينمائي النقدي المستنير في العالم كله.
وأذكر أنه أخبرني أنه لم ينقطع مرة عن الذهاب إلى
مهرجان
"كان"
السينمائي الدولي في شهر مايو من كل عام منذ أن ذهب إليه وهو شاب
صغير، وكذلك كان يذهب إلى مهرجان برلين السينمائي الدولي باستمرار
الذي كرم ناقدنا الكبير في دورته الأخيرة باعتبار الأستاذ سمير
فريد واحدًا من أهم النقاد السينمائيين في مصر والعالم العربي
والعالم من خلال مسيرة إبداعية حافلة في الكتابة عن السينما لمدة
نصف قرن عبر من خلالها عن مصر والعالم العربي خير تعبير.
وكذلك حصل الأستاذ فريد على
"الميدالية
الذهبية"
من
مهرجان كان السينمائي الدولي نظرًا لعطائه الكبير في مجال النقد
السينمائي في مصر والعالم العربي عام
2000.
فقد
نقلنا بحق إلى العالم ونقل بصدق العالم إلينا.
وكان الأستاذ سمير فريد نشيطًا ومتحمسًا للغاية
وصاحب أفكار عديدة جريئة وجميلة.
فكان
صاحب فكرة إنشاء
"المهرجان
القومي للسينما".
وأيضًا
شارك في تأسيس
"مهرجان
الأفلام القصيرة والوثائقية"،
وكذلك تأسيس جمعية النقاد السينمائيين المصريين في أوائل سبعينيات
القرن العشرين.
وكان
عضوًا بارزًا في الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين بداية من أوائل
سبعينيات القرن العشرين أيضًا.
أما في مصر، فقد تقلد مناصب سينمائية إدارية كثيرة
مثل إدارته لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية
القصيرة، وكذلك لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل في دورتهما في
منتصف ونهاية تسعينيات القرن العشرين.
ورأس
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته بين عامي
2013-2014.
ونجح
الأستاذ فريد في الدفع بالمهرجان الدولي للأمام والإبقاء على صفته
الدولية التي كانت مهددة بالسحب في تلك الفترة العصبية من تاريخ
مصر المعاصرة.
وعلى المستوى الشخصي، كانت تربطني صداقة قوية
بالراحل الكبير.
وكان
محبًا ومشجعًا للأجيال الشابة في الكتابة النقدية عن السينما.
وعندما
بدأت الكتابة في النقد السينمائي في جريدة
"الحياة
اللندنية"
الغراء
وفي مجلة
"الكتب..
وجهات
نظر"
القاهرية المتميزة، وجدت الأستاذ سمير فريد متحمسًا ومشجعًا لي
للغاية حتى أنه دعاني لكتابة مقال عن
"السينما
المصرية والأدب"
وصدر
باللغة الإيطالية في كتاب أعدته الناقدة السينمائية الإيطالية
سلفيا بازولي وصدر عن مهرجان تورينو السينمائي الدولي في
الاحتفالية التي كانت مخصصة للسينما المصرية في ذاك العام.
ولا أنسى أنه دعاني لحضور العرض الخاص بفيلم
"أرض
الخوف"
للراحل
العبقري أحمد زكي وللمخرج المبدع الكبير داود عبد السيد في سينما
مترو في وسط القاهرة.
وكانت
تعليقات الأستاذ على الفيلم وشخصياته، خصوصًا الفنان الراحل حمدي
غيث في دور المعلم هدهد، من ما أمتع التعليقات النقدية من ناقد
كبير في قامة وقيمة الأستاذ سمير فريد.
وقدمنى
إلى المخرج الكبير داود عبد السيد وزوجته الصحافية المتميزة
الأستاذة كريمة كمال.
وحين سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول
على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية، انقطعت صلتي المباشرة
بالناقد الكبير بسبب السفر وبسبب أنه لم يكن يحب التراسل عبر
الإيميل، غير أني كنت أتابع ما يكتبه باهتمام بالغ خصوصًا مقاله
المتميز في جريدة
"المصري
اليوم"
الغراء.
وكنت أنتظر ما يكتبه حتى أتعرف إلى ما يُنتج في
العالم من أعمال سينمائية جديدة.
وكنت
أرى بعينه النقدية البارعة وأتعرف على المخرجين والمخرجات والنجوم
والنجمات والأفلام الجديدة سواء الروائية أو التسجيلية.
كان الأستاذ سمير فريد متحدثًا لبقًا للغاية، وحلو
المعشر، وذكياً، وشخصية مهذبة، ودمث الخلق للغاية.
في
رأيي، كان الأستاذ سمير فريد ينتمي إلى طبقة النبلاء والفرسان في
زمن عز فيه النبلاء وكاد أن يختفى منه الفرسان.
رحم الله أستاذنا الكبير الناقد العظيم الأستاذ
سمير فريد وعوضنا عن فقده خيرًا، وألهمنا وألهم أسرته الصبر
والسلوان، وأدخله فسيح جناته وجزاه عنا خير الجزاء.
إنه
نعم المولى ونعم النصير.
آمين. |