غرابة العبقرية الفردية تبلغ مداها في 'لعبة المحاكاة'
العرب/ أمير العمري
فيلم 'لعبة المحاكاة' يكشف عن عالم مليء بالتناقضات والتعقيدات المختلفة من
خلال رصد شخصيات ووقائع تاريخية تدور حول عالم الرياضيات الأنكليزي تورينغ.
يعتبر فيلم “لعبة المحاكاة” أحد أهم وأفضل الأفلام التي ظهرت في 2014، وقد
جاء على هذا النحو من الجمال والرونق والجاذبية، سواء في موضوعه أو شكله
الفني، من خلال تضافر جهود عدد من السينمائيين من بلدان مختلفة، هم كاتب
السيناريو الأميركي جراهام مور، والمخرج النرويجي مورتن تيلدوم، ومدير
التصوير الأسباني أوسكار فورا، والموسيقار الفرنسي ألكسندر ديشبلات، وقبل
هؤلاء جميعا بالطبع، الممثل البريطاني بنديكت كمبرباتش، في الدور الرئيسي.
تدور أحداث سيناريو فيلم “لعبة المحاكاة” الذي كتبه جراهام مور (في أولى
تجاربه في مجال كتابة السيناريوهات للسينما)، في بريطانيا، ويرتبط بفترة من
أهم فترات تاريخها، خلال الحرب العالمية الثانية في أوائل الأربعينات.
ويعتمد الفيلم على شخصيات ووقائع تاريخية، لكن “الحبكة” تدور حول عالم
الرياضيات الأنكليزي آلان تورينغ، الذي تمكن خلال الحرب من اختراق نظام
الشيفرة النازية، ونجح بعد عامين من العمل الشاق مع فريق من العلماء الشباب
داخل مركز سري أنشأته الاستخبارات البريطانية، في التوصل إلى تصميم جهاز
مواز للجهاز الألماني، يمكنه فك كل رموز الشيفرة الألمانية، واستطاع بذلك
أن يساهم مساهمة فعالة في انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، وتقصير مدة
الحرب العالمية الثانية لعامين، وتوفير حياة 14 مليونا من البشر.
ويمكن اعتبار الفيلم دراسة لشخصية تورينغ، وهي شخصية يمكن أن تكون شديدة
الإغواء دراميا، شريطة أن يعرف كاتب السيناريو، كيف يستفيد من تناقضاتها
وتعقيداتها المختلفة، وأن يكتشف أيضا سحرها وجمالها.
فآلان تورينغ، غريب الأطوار، غير اجتماعي، متلعثم في الحديث، يعاني من أحد
أشكال مرض “التوحد”، لا يمكنه فهم الآخرين ودوافعهم، وقد يصبح أيضا متغطرسا
وعدوانيا، لديه ثقة يقينية في قدرته الخاصة على التفوق، وهو يمكن أيضا أن
يفاجأ من يحادثه، بإنهاء الحديث والابتعاد فجأة، إذا لم يرق له مسار
الحديث. هذه الجوانب كلها يجسدها السيناريو بنجاح من خلال مشاهد محددة، في
النصف الأول من الفيلم.
فيلم يرصد التناقض بين ما نعرفه وما لا نتوقعه، بين القوة والهشاشة، وبين
الغرابة والعبقرية
لكن “لعبة المحاكاة” لا يبدو مشغولا فقط بمتابعة قصة نجاح تورينغ في صنع
آلة عملاقة بديلة لآلة “إنيغما” الألمانية، من أجل اختراق الشيفرة
الألمانية التي كان الألمان يغيرونها كل يوم، وكيف يتمكن تورينغ بعبقريته،
وهو في السابعة والعشرين من عمره، من وضع الأساس العملي وتصميم ما يمكن
اعتباره أول جهاز كومبيوتر حقيقي في التاريخ.
فأساس موضوع الفيلم، هو رصد ذلك التناقض بين ما نعرفه وما لا نتوقعه، بين
القوة والهشاشة، وبين الغرابة والعبقرية، والاختلاف عن الآخرين الذي يبدو
سلوكا مستهجنا، وبين صلابة تجعل من صاحبها بطلا قوميا.
سرد غير تقليدي
ينتقل الفيلم في الزمن، إلى الأمام وإلى الوراء، من خلال أسلوب غير تقليدي
في السرد، لكي يلقي الضوء على الجوانب المهمة في حياة تورينغ، منذ طفولته
وهو في المدرسة الداخلية، ثم انتقاله إلى جامعة كمبردج، وبعد ذلك تقدمه
للعمل مع الاستخبارات، كما يصوّر أجواء الفترة حينما كانت الشكوك قد بدأت
تتجمع حول وجود عملاء للسوفيت داخل الاستخبارات البريطانية.
في النصف الأول نرى كيف يتقدم تورينغ للالتحاق بوحدة الأبحاث العلمية في
المخابرات البريطانية، ثم خلافه مع ضابط البحرية، قائد الوحدة، الذي يتصادم
معه، ثم يتربص به ويفصله عن العمل بعد أن فشل في حل الشيفرة الألمانية بعد
سنتين من العمل، لكن تورينغ يخاطب ونستون تشرشل مباشرة ويحصل على موافقته
على مواصلة العمل مهما كانت التكاليف، بل ويمنحه تشرشل أيضا صلاحيات كاملة.
ثم كيف ينجح تورينغ في تعيين فتاة هي “جوان كلارك” (تقوم بالدور ببراعة
كيرا نايتلي)، في وقت كان يحظر على النساء العمل في مثل هذه المهام الخطرة،
وتنشأ علاقة تفاهم وإعجاب بين تورينغ وجوان التي تصبح الدافع الحقيقي له؛
تنصحه كيف يمكن أن يخفف من غلوائه وأن يكسب باقي أفراد الفريق، ويتخلى
قليلا عن إحساسه بالتفرّد.
"لعبة المحاكاة" يدور حول فكرة الاختلاف، وكيف أن الشخص المختلف أو من ينظر
إليه باعتباره "الأدنى" والأقرب إلى الجنون أو الخبل
يبدأ الفيلم بمحقق يروي بصوته شهادته على الأحداث في الجزء الأول، وهو يحقق
مع تورينغ في قيام شاب عاطل عن العمل، قبضت الشرطة عليه، كان قد اقتحم مسكن
تورينغ في أوائل الخمسينات.
ويكتشف المحقق أن هناك علاقة مثلية تربط بين تورينغ وهذا الشاب، لكنه يشعر
بالتعاطف معه، بل بنوع من التقدير فتورينغ هو أحد العقول البريطانية
العظيمة. وسيعود الفيلم في النصف الثاني إلى موضوع المثلية الجنسية لدى
تورينغ، فهو سيخطب في البداية صديقته جوان كلارك مدفوعا برغبته في أن تكون
دائما قريبة منه، ثم ينهي الخطوبة بعد أن يعترف لها بميوله الجنسية
المثلية، لكن العلاقة المتينة بينهما تظل دافعا رئيسيا له للمضي قدما في
عمله.
كانت المثلية الجنسية في بريطانيا في تلك الفترة، تعتبر جريمة شائنة يعاقب
مرتكبها بالسجن. وقد قبض على تورينغ وحوكم كما نعرف في النصف الثاني من
الفيلم، وخيّر بين تلقي نوع من العلاج الهورموني القاسي الذي يقضي على
نزعاته الجنسية، أم السجن لعامين، وهو يفضل الحل الأول، لكنه ينهي حياته
بالانتحار عام 1954 مدفوعا بحالة الاكتئاب التي أصابته، ولم يكن يتجاوز
الحادية والأربعين من عمره.
يقوم بناء الفيلم على الانتقال المحسوب بدقة في الزمن، بين الماضي والحاضر،
وهو على سبيل المثال، يصوّر علاقة تورينغ بزميل له كان يكبره قليلا في
المدرسة، يدعى كريستوفر، ثم حزن تورينغ الشديد عليه وتذكره الدائم له،
ونفهم أن كريستوفر قد انتحر، فمن الواضح أن تورينغ ارتبط بعلاقة حب معه،
وهو يطلق اسم “كريستوفر” فيما بعد، على جهاز التقاط الشيفرة الذي يخترعه.
“لعبة المحاكاة” يدور حول فكرة الاختلاف، وكيف أن الشخص المختلف أو من ينظر
إليه باعتباره “الأدنى” والأقرب إلى الجنون أو الخبل، هو الذي يأتي بما
يعجز عنه “العاقلون”، وكيف أن غرابة الأطوار ليست دائما دليلا على الخلل،
بل ربما تخفي العبقرية، وفكرة الاختلاف راسخة في الفيلم أساسا، كمعادل
لمثلية تورينغ الجنسية أيضا، التي كانت مرفوضة اجتماعيا ورسميا، قبل الأمر
بإعادة الاعتبار إليه بعد نحو ستين عاما.
الفيلم ينتقل في الزمن، إلى الأمام وإلى الوراء، من خلال أسلوب غير تقليدي
في السرد، لكي يلقي الضوء على الجوانب المهمة في حياة تورينغ
فكرة الاختلاف
المخرج مورتن تيلدوم ينجح في الإلمام بأطراف الموضوع وخصوصيته، وينجح في
تجسيد كل ما يجسد أجواء الفترة، كما يسيطر على كل تفاصيل المكان، ويسخر
إمكانيات الصورة في التعبير عن تناقضات الشخصية، ولكن من أهم العناصر التي
ترفع هذا الفيلم إلى مستوى الأعمال السينمائية الكبيرة، التي ستبقى طويلا
في الذاكرة، ذلك الأداء الممتع للممثل البريطاني بنيديكت كمبرباتش في دور
آلان تورينغ.
كمبرباتش ينجح في إضفاء المرح على أداء الشخصية في البداية، من خلال تجسيده
لغرابة طباعه وسلوكياته، والطريقة الفظة التي يستخدمها في الحديث مع من
يفترض أنهم من كبار رجال المؤسسة العسكرية في دولة تخوض حربا ضارية.
كما يجسد ذلك التركيز والشرود الذي يجعلنا كمشاهدين نتصور أن تورينغ يذهب
في نوع من الغيبوبة بعيدا عن المكان والزمان، لكنه في الحقيقة يبتعد عن
المكان بذهنه فقط لكي يستوحي من عقله، وليس من العالم الغيبي عن طريق
التركيز.
ويجسد الممثل أيضا ملامح الشخصية من خلال نظراته المجنونة، رفضه للطعام،
انهماكه المحموم في العمل، وفي الوقت نفسه يكشف في لحظات أخرى عن الهشاشة
الكامنة داخل تلك الشخصية.
يجسد الممثل ذلك الانتقال بين الضعف والقوة، وبين الخضوع لمنظومة عسكرية
قوية تفرض على تورينغ وفريقه الالتزام بالسرية المطلقة حتى بعد انتهاء
الحرب، وفي الوقت ذاته الشعور بنوع من “الألوهية” أيضا، فتورينغ الذي كان
حريصا على عدم تسلل السر إلى الألمان حسب التعليمات، كان يتعين عليه أن
يتغاضى بكل قسوة عن مقتل عشرات الجنود البريطانيين في البحر، رغم قدرته على
إجهاض الهجوم الألماني على سفينتهم الحربية، وذلك تفاديا للفت أنظار
الألمان إلى أن سرهم قد انكشف.
وفيما بعد يرفض هذا الشاب الذي يبدو هشا مقهورا، ينازع ضدّ رغباته الداخلية
الخضوع للقيم الاجتماعية السائدة، ويرفض الاعتذار عن “مثليته”، ويقبل بدفع
الثمن؛ وكم كان فادحا؟
إبراهيم أحمد يحلم بأول أوسكار أفريقي من خلال 'تمبكتو'
العرب/ باماكو
بطل فيلم 'تمبكتو' إبراهيم أحمد يأمل في حصول فيلمه على الجائزة العالمية
أوسكار والتي من شأنها أن تدعم الإنتاج السينمائي في أفريقيا.
يرى إبراهيم أحمد بطل فيلم “تمبكتو” للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو،
المرشح ضمن قائمة الأفلام الروائية التسعة المرشحة للفوز بجائزة أوسكار
أفضل فيلم أجنبي، أنّ هذا العمل “يجسد آمال الأفارقة بالحصول على أوسكار”.
يبدي إبراهيم أحمد أمله في أن يحظى هذا الشريط السينمائي -الذي عرض في
افتتاح الدورة 25 لمهرجان قرطاج السينمائي بتونس- بجائزة عالمية من شأنها
أن تدعم الإنتاج السينمائي في القارة السمراء.
“حلم أفريقيا بالحصول على أوسكار بصدد التشكل”، كررها إبراهيم أحمد بفخر،
مضيفا إن ترشيح الفيلم لمسابقة الأوسكار كان: “خبرا رائعا بالنسبة لفريق
الفيلم”، وواصل مازحا: “أنا سعيد جدا لأن الفيلم لم ينجز بإمكانيات
هوليوودية”.
يتناول الفيلم مأساة قرية بشمال مالي بعد سقوطها في قبضة مسلحين، في ظل حكم
الجماعات المسلحة بشمال مالي من مارس 2012 حتى بداية 2013، إثر التدخل
الدولي بقيادة فرنسا لمواجهة هذه الجماعات.
وعن مسيرته المهنية، فإن إبراهيم أحمد هو ممثل وموسيقي مالي، حاصل على
جائزة أفضل ممثل أفريقي لسنة 2014 بالمهرجان الدولي للأفلام بـ“دربن” في
جنوب أفريقيا، وهو نجاح شخصي يتطلع الممثل الأفريقي لأن يحوّله إلى نجاح
جماعي، مؤكدا أنه: “بعد النجاح الشخصي نسعى إلى نجاح أفريقيا”.
يتابع أحمد: “أنا سعيد تماما على قدر سعادة عبدالرحمن سيساكو (مخرج
الفيلم)، لأنه بفضل هذا العمل تمكنت القارة الأفريقية بأسرها من الإشعاع،
ونجاح الفيلم سيساهم في تحفيز الأجيال الأفريقية على الإبداع”.
وأضاف قائلا: “أعلم جيّدا أن الشباب يشعرون بالفخر لمشاركة قارتهم في
التظاهرات الثقافية الكبرى، وهؤلاء الشباب هم من ينبغي تدريبهم من أجل
المستقبل”. وأبدى الممثل المالي ثقته بالشباب الأفريقي بقوله: “أنا على ثقة
بأن أفريقيا ستجد إشعاعها الفني في شبابها، ونحن نريد تكوين الطاقات الشابة
الأفريقية بكامل القارة السمراء لتطوير السينما الأفريقية في المستقبل”.
كان متحمسا ومفعما بسعادة بالغة من نجاح فيلم “وجع العصافير” أو “شجن
العصافير” كما يحلو لبعض النقاد تسميته. نجاح كان لا بدّ وأن يستثمره
لتحضير مشاريع أخرى تعزّز مسيرته المهنية، وإشعاعه العالمي، حيث يعمل في
الوقت الراهن، من أجل الحصول على ترخيص لبعث جمعية “حديقة الرمال”، والتي
من المنتظر أن تنشط في مجال تدريب الشباب الماليين في مجالات السينما
بمساعدة خبراء أجانب. مشروع قال عنه أحمد إنه سيساهم في “جهود المصالحة
الوطنية” بمالي التي تعيش على وقع أزمة بشمال البلاد منذ مارس 2012.
وبحديثه عن الجزئية الأخيرة، أوضح أحمد قائلا: “نريد أن نجمع ثلاثين شابا
من شمالي مالي وثلاثين آخرين من جنوبها من أجل تحقيق المصالحة، كما سنساهم
في تدريبهم على امتداد ثلاثة أشهر في مختلف مهن السينما، وسنرافقهم لاحقا
لإنجاز أفلام قصيرة. سنوفر لهم الوسائل وسيحصلون عليها متى أرادوا ذلك”،
معربا عن رغبته في أن يتم استنساخ مثل هذا المشروع في دول أفريقية أخرى،
وأبدى الممثل المالي ثقته بالشباب الأفريقي بقوله: “أنا على ثقة بأن
أفريقيا ستجد إشعاعها الفني في شبابها، ونحن نريد تكوين الطاقات الشابة
الأفريقية بكامل القارة السمراء لمزيد تطوير السينما الأفريقية في
المستقبل”.
وفيلم “تمبكتو” لقي صدى واسعا في جميع التظاهرات الدولية التي شارك فيها،
كما حصد جوائز عديدة أبرزها جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان كان
السينمائي لسنة 2014، والجائزة الكبرى وجائزة أفضل سيناريو وجائزة لجنة
تحكيم الشباب، في مهرجان الفيلم الفرانكفوني (الناطق بالفرنسية) بمدينة
“نامور” البلجيكية.
ويعدّ هذا العمل السينمائي الطويل تاسع فيلم أفريقي يقع ترشيحه لمسابقة
الأوسكار منذ انطلاقتها سنة 1929 (فيلمان من جنوب أفريقيا وفيلم من كوت
ديفوار و5 أفلام جزائرية). |