"القناص
الأمريكي".. منح صفة البطولة لمن يقتل أكثر
الفيلم المرشح لستة من جوائز الأوسكار لهذا العام
طاهر علوان
عودة إلى الحرب ، إلى الصراعات والقتال الشرس ، لكنه هذه المرة قتال مجرد
وقتل متواصل في كل ثانية وكل دقيقة، فيلم جديد مازال يُخلِّف وراءه أصداء
كبيرة إذ بدأ عرضه في الصالات الأمريكية مع مطلع شهر كانون الثاني يناير
محققا أعلى الإيرادات بشكل ملفت للنظر وليترشح أيضا إلى ستة من أهم جوائز
الأوسكار لهذا العام
.
فيلم " القناص الأمريكي " للمخرج والممثل والمنتج ذائع الصيت " كلينت
ايستوود " فيلم لا يظهر فيه ساسة ولا قادة عسكريون كبار، ليس سوى الجنود
الأمريكان المشرعة بنادقهم في كل الاتجاهات وهم مشدودي الأعصاب لا يعلمون
من أين سيظهر عدوهم ( العراقي ) من أي منزل أو أي زاوية أو مخبأ، وقد يكون
رجلا مسلحا محترفا أو قناصا أو حامل سلاح متوسط وحتى من الممكن أن يكون
امرأة أو طفلا، فالكل في هذه المعركة مشمولون بالشك ومن الممكن أن يكونوا
هدفا حتى يثبت العكس، هم الذين يطلق عليهم الفيلم وذلك القناص صفة (الأشرار
والمتوحشين) والذين لا يُسمع لهم صوت ولا موقف، لماذا هم هكذا ولماذا هم
يقاومون على أرضهم ؟
إنه إضافة أخرى (لدراما حرب العراق) إذ يضاف إلى أفلام تناولت تلك الحرب
الدامية من جوانب متعددة لكنها لم تغادر ساحات القتال، مثل فيلم " معركة
حديثة – 2007 " للمخرج "ريك برومفيلد"، وفيلم " الابن الأمريكي – "2008
للمخرج " نيل ابرامسون " وفيلم "كتلة من الكذب – "2008 للمخرج " ريدلي
سكوت " ، و الفيلم ذائع الصيت " خزانة الالم – "2009 للمخرجة " كاثرين
بيغلو " الحائز على ستة جوائز أوسكار، وفيلم "منطقة خضراء - 2010 " للمخرج
"باول جرينجراس"، وفيلم "ظلال الجنة – "2010 للمخرج "ستيفن موندر" وغيرها،
وجميعها نزلت الى ميدان الصراع والقتل اليومي
.
مع انطلاق صوت الآذان في الفيلم سنبدأ رحلة على مدى أكثر من ساعتين مع قناص
أمريكي هو الأكثر شعبية والذي حطم رقما قياسيا في عدد من أرداهم قتلى في
أنحاء العراق برقم رسمي هو 160 ، وأما رقمه الفعلي فيصل إلى 350 قتيلا.
إنه كريس كايل (الممثل برادلي كوبر) الذي يعلنها مباشرة مع بداية أحداث
الفيلم قائلا: "هذه هي طريقة العودة إلى الوطن، يفترض أن أقتل الناس، على
أن أطلق النار على أشياء لا يمكنني رؤيتها"، وها هو منبطحا على سطح إحدى
الدور السكنية في الفلوجة العراقية، يراقب قدوم امرأة وطفلها وهما أول
قتلاه، الأم تخبئ شيئا ما، نكتشف أنه قنبلة، سيرديها القناص ليقوم الطفل
بالمهمة ويرديه هو الآخر من دون أن يلحق ضررا بالجنود الأمريكان
.
وتستمر رحلة الحصاد والاشتباكات الدامية من خلال أربعة رحلات إلى العراق
تخللتها إجازات استراحة في الولايات المتحدة، والمهمة بمجموعها أخذت من
حياة القناص قرابة 1000 يوم كما يصرح بذلك للمعالج النفساني في نهاية
الفيلم
.
القناص الذي أمامنا شخص طويل القامة ممتلئ البنية، بعد معركة الفلوجة وما
يليها سينتقل في مهمة ملاحقة للرجل ال،خطر في العراق وفي تنظيم القاعدة ألا
وهو أبو مصعب الزرقاوي، بعد أن يحصل على إيجاز من القائد المباشر، لكن تلك
الرحلة ستقود إلى وشاية من أحد السكان بأن الوصول إلى الزرقاوي يتطلب
الوصول إلى شخص يعمل بمهنة (جزار) - المفارقة نكتشفها حين نعرف أنه جزار
فعلا بسبب احتفاظه برؤوس بشرية محزوزه ومغطاة بالثلج - لكن الوصول إلى
الجزار ستسبب مقتل ذلك المخبر على يد المسلحين
.
ها نحن في وليمة دعا إليها أحد السكان الجنود الأمريكان، وهم أفراد الكتيبة
الذين اقتحموا منزله، لكن القناص سيشك في تصرفات الرجل ليكتشف أنه يُخبىء
أسلحة وذخائر ومن هنا تنطلق المواجهة وبانتهائها يكون القناص قد قتل أول
100 شخص في خلال مهامه القتالية، حيث صار يُكنّى بـ"الأسطورة " وسط أوصاف
لخصومه العراقيين أنهم أوغاد ومتوحشون .
سننتقل إلى مشاهد (إنسانية) للقناص الأسطورة، ففيما هو في وسط المعركة يتصل
بزوجته الحامل ليسمع صوتها ويُطمئنها ولكن في هذه الأثناء يقع هجوم مباغت
فيرمي الهاتف النقال جانبا وسط صراخ الزوجة من الجانب الآخر وهي تسمع أصوات
الانفجارات والصراخ حتى يقترب المشاهد من حالة التعاطف الشديد من أن هذه
المرأة ستجهض حتما من الصدمة
.
قناص عراقي في مقابل قناص أمريكي
سيظهر في السياق ووسط دراما قطع الأنفاس، قناص عراقي يدعى مصطفى، لن نسمع
منه كلمة سوى أنه خبير في إصابة الجنود الأمريكان، بالإضافة إلى تمتُّعه
بخفة الحركة في الانتقال من سطح منزل إلى آخر، ويصبح تحديا حقيقيا للكتيبة
الأمريكية بسبب الأضرار التي ألحقها بها. يتم تكليف مجموعة من الجنود بمهمة
اقتفاء أثر القناص العراقي ويطلب (كريس) أن يكون ضمن القوة المهاجمة، وتعطى
إحداثيات للمكان المحتمل لتواجد القناص العراقي، ويتحسب الجنود للحظة
المواجهة لكن المفارقة أن الإحداثيات تكون خاطئة إذ يباغتهم القناص العراقي
من جهة أخرى، وهو ما يستوجب رد فعل فوري من (كريس) فيحدس مكان تواجد خصمه،
يُطلق باتجاهه رصاصة يجري تصويرها بالحركة البطيئة ويقضي عليه
.
لكن ذلك القناص العراقي يكون قد أصاب جنديا أمريكيا في العين، وهو الجندي
الذي كان في طريقه للزواج، حيث اشتري لخطيبته خاتما من بغداد ليقول له
(كريس): "هل اشتريته من هؤلاء المتوحشين ؟ كيف تدري أنه ليس خاتما ملعونا
؟! " ثم لقائهما في المستشفى الأمريكي في مشهد عاطفي مشحون، في سلسلة مشاهد
تبرز معاناة الجنود الأمريكان ومعاناة الزوجة وكيف يحول أولئك (الملعونين -
المُسلحّين في العراق) دون استقرارهم كما يرد في الحوار.
لاتكن ذئبا ولا تكن خروفا أيها القناص
عودة إلى طفولة وصبا (كريس)، في ولاية تكساس، التصويب بالبندقية، هواية
ترويض الخيل الشرسة في سباقات " الروديو" الشعبية في تلك الولاية، ثم
أصداء نصيحة الأب لابنه: "لا تكن ذئبا ولاتكن خروفا.." حتى يشتد عوده في
القدرة على القنص، ثم ننتقل إليه وهو شاب يشاهد الهجوم على السفارة
الأمريكية في كينيا عام 1998 ثم أحداث 11 سبتمبر قائلا: " آن الأوان
الانضمام إلى جنود بلادي"، ثم يقرر التطوع في الجيش مرورا بعمليات التدريب
الشاقة للمارينز ثم تعرُّفه على فتاته " تايا " - الممثلة سيينا ميللر -
وهي التي تخبره من البداية "إذا كنت تظن أن هذه الحرب لن تغيرك فأنت مخطئ".
ها هو القناص في الرحلة الرابعة للعراق، الرحلة الأكثر خطورة حيث تخوض
الكتيبة التي يخدم فيها معركة شرسة للغاية مع العديد من المسلحين لم تفلح
معها قدرته على القنص بل إنه وزملاءه نجوا بأعجوبة وسط شراسة المواجهة،
وبعدها يأتي قراره بالتقاعد من الجيش وبعودته وتفقد زملائه المعاقين
وغيرهم، لا هواية لديه سوى الرمي والقنص في ولاية تكساس حيث يُقتل في
النهاية على يد أحد زملائه عن طريق الخطأ (1974-2013) وليجري له تشييع ضخم
امتدّ لعشرات الأميال باعتباره بطلا قوميا أمريكيا.
ردود أفعال وأصداء
رافق العرض الناجح والكبير للفيلم في الصالات الكبيرة والحملة الإعلامية
الضخمة التي قامت بها الشركة المنتجة (وورنر بروذرز)، رافق هذه الحملة
الهائلة ردود أفعال شتى، فقد حقق الفيلم إيرادت هائلة وغير مسبوقة إذ جمع
أكثر من100 مليون دولار خلال أربعة أيام فقط من بدء العرض. لكن الفيلم وهو
يُمجِّد الحرب ويمنح صفة البطولة لمن قتل أكبر عدد من العراقيين ووسط
الحفاوة والاهتمام، تمت مواجهته في المقابل بنقد لاذع من عدة أطراف خاصة
تلك المناوئة للحرب، المخرج المعروف (مايكل مور) يقول في مجلة (هوليوود
ريبورتر): "لقد تعلمنا أن القناصة هم الأكثر جبنا من بين أفراد الجيش لأنهم
يقتلون من الخلف وليس كما ظهر في الفيلم، كما أنه يُعاب على المخرج ايستودد
أن يُمجِّد الحرب في العراق ويطلق على العراقيين صفة المتوحشين". يرد عليه
السناتور الجمهوري "جينجرش" أن على "مور" أن يعيش وسط داعش أو بوكو حرام ثم
يأتي لينتقد القناص الأمريكي.
فيما قال عنه الممثل الأمريكي "سيث روغين" أن هذا الفيلم يشبه أفلام
الدعاية للنازية.. وقد قوبل رأيه بهجوم شرس أيضا من الفريق الآخر.. في
المقابل وقد رافق الفيلم أحداث فرنسا والحملة الشرسة ضد المسلمين فقد أثار
ردود أفعال عنصرية لدى شريحة كبيرة من المشاهدين في الولايات المتحدة
انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تؤيد ما فعله القناص، بل إن قسما من تلك
التعليقات تطالب بالمزيد
. |