عَشِقّت فن «البورتريه»، لوحاتها، غالبا، تتضمن وجوها
بشرية، تتلمس بريشتها تجاعيد وجوه تقدم بها السن، أو أنهكها طول وعناء
العمل، وثمة ملامح لآخرين يدب فيها رحيق الحياة والحيوية، بعيونها تكاد تطل
على مستقبل متلألئ بالآمال.. هكذا، كأن معالى زايد، الفنانة التشكيلية
أصلا، خريجة كلية الفنون الجميلة، قبل انخراطها فى المعهد العالى للسينما،
استهوتها لعبة الكشف عن الخبايا، خلال رصد النظرة، تقطيبة الجبهة، نوعية
الابتسامة.. فى المعارض القليلة التى أقامتها فنانتنا، لا نشهد لوحات مغرقة
فى جماليتها، لكن تطالعنا تلك الوجوه البشرية، المعبرة بعمق، عما يعتمل
بداخلها.
أحسب أن نزعة الكشف عن الأغوار، انتقلت بها معالى زايد، من
عالم اللوحات، إلى الشاشتين، الكبيرة والصغيرة، حيث تدب الحياة والحيوية،
فى الصورة الثابتة، لتعبر عن عشرات الانفعالات الداخلية، على نحو بالغ
العمق والصدق، وبالضرورة، القدرة على الإقناع.. موهبة معالى زايد تعتمد على
عنصرين: التفهم المكتمل لطبيعة الشخصية التى تؤديها، وتباينها، من موقف
لآخر.. ثم، القدرة على التعبير، بنعومة آسرة، عن هذه الطبيعة.. لذا، فإن
تجلياتها تنطلق بوضوح، حين تجسد شخصية تؤثر، أو تعصف بها أحداث، فتغير فيها
أشياء، وإن ظلت ثوابتها الجوهرية باقية.
فى الحلقة الأولى من مسلسل «دموع فى عيون وقحة»، الذى كتبه
صالح مرسى وأخرجه يحيى العلمى، تفقد نور عينيها، إثر غارة للعدو فى حرب 67،
فتغدو، عصبية المزاج، قلقة، غاضبة، ولأنها أصلا، من النوع الذى يتحمل
المسئولية، فإن ما وقع لها يجعلها تحاول، بكل طاقة وعزيمة، تعويض ما خسرته،
وبالتالى، تبدو، فى لقطاتها الكبيرة، القريبة، كأنها ترى بملامح وجهها درجة
عالية من التركيز، تحول حاسة السمع، بالأذنين، إلى أداة نظر، الأصوات عندها
صور، ترهف السمع وكأنها تدقق فى تفاصيل الصور.. إنها هنا، فى حلقات تالية،
معرض «بورتريهات» نابضة بالحضور، لضريرة، تصر أن تغدو إيجابية، مشاركة فى
الحياة.
قدمت معالى أكثر من 35 فيلما، جسدت شخصيات متباينة، بل
متناقضة، فما أوسع المسافة بين «ياسمين» الشريرة البائعة المتجولة فى «دنيا
الله» لحسن الإمام 1985، و«نعيمة سيد الغريب»، فى «كتيبة الإعدام» لعاطف
الطيب 1989، حيث تؤدى دور فتاة نذرت حياتها من أجل الثأر لوالدها الذى قتل
غيلة فى السويس المناضلة إبان حرب 1973.. النموذجان المتباعدان، تخضعهما
معالى لأسلوب البورتريه الذى تجيده.. «ياسمين»، وسط موقف العربات، برغم
ملابسها المهلهلة، تبتسم ابتسامة تنضح بالغواية، تقدم وعدا، قريب المنال،
للغلبان المحروم «إبراهيم» ـ بأداء نور الشريف ـ الذى يسرق رواتب الموظفين،
ليقضى معها أياما حلوة، على شاطئ معزول فى الثغر السكندرى.. وهناك، بعد عدة
ليال، يظهر الجانب الآخر من البورتريه: ملامح وجه معالى الناعمة، الدافئة،
المتلألئة بالمودة، أصبحت حادة، جامدة، صخرية إن شئت، بعيون انطفأ فيها
رحيق المحبة، وحل مكانها برودة ثقيلة، متحفزة، تنذر بالخطر الذى يداهم اللص
التعيس.. فها هى، بلا تردد، تنشب مخالبها فى عنقه، تشج رأسه بضربة موت، قبل
الاستحواذ على ما تبقى من مال مسروق.
أربعة أشخاص تنتهى بهم «كتيبة الإعدام»، مكونة من نور
الشريف، ممدوح عبدالعليم، شوقى شامخ، ومعالى زايد، التي بدت، بشفتيها
المزمومتين، وعيون لا يرمش لها جفن، وخطواتها الواثقة، نموذجا للعزيمة
والإصرار، وفى لمسة بارعة، لفت جبهتها بحزام أبيض، يذكرنا بالتريكة ـ حزام
خوذة الجندى ـ «التريكة»، محبوكة على طريقة المحارب الذاهب للنزال.. تسير
وسطهم، وقد بيتت أمرا، لا رجوع عنه.
الحديث عن معالى زايد، يستدعى بالضرورة التعرض لأفلام رأفت
الميهى التى قامت ببطولتها، فثمة توافق خلاق بينهما، هو، بخياله الجامح،
وأسلوبه الفانتازى الساخر، وهى، بقدراتها أن تصبح أى شخصية تريدها.. حققا
نجاحا، جماهيريا ونقديا، فى «للحب قصة أخيرة»، و«سمك لبن تمر هندى»،
و«سيداتى آنساتى»، لكن، فى تقديرى أن «السادة الرجال» 1987، هو العمل
الأكثر اكتمالا، ينهض على فرضية تحول «فوزية» ـ معالى زايد ـ إلى «فوزى»،
عقب إجراء عملية تغيير نوع.. معالى، خاصة بعد تحولها لرجل، تتعايش مع وضعها
الجديد على نحو بالغ الطرافة. تتألق مهاراتها، مع مخرجها الأثير، فى عشرات
التفاصيل، بما فى ذلك ماكينة الحلاقة، وسوستة البنطال، والميل لإلقاء
مسئولية رعاية الوليد على الطرف الآخر ـ محمود عبدالعزيز ـ والاستعداد
لممارسة العنف، وأيضا، الخيانة الزوجية.. وفيما يتطابق مع فن «البورتريه»،
تطالعنا معالى، أو «فوزى»، فى لقطات بارعة: ملامح وسيمة لشاب سعيد برجولته،
جذاب، مهذب، يفضل أن يعيش حياة مستقرة بالزواج من صديقة قديمة، رافضا أن
يكون عاشقا ومعشوقا من النساء.. معالى زايد هنا، وفى «الشقة من حق الزوجة»
وابنة الرجل الكبير فى مسلسل «عيلة الدوغرى» ليوسف مرزوق، وغيرهما، تركت
بصمة متميزة على فن الأداء التمثيلى، المصرى. |