قد تكون الأفلام الأميركية في الاختيارات الرسمية قليلة،
والاستوديوهات الهوليوودية غائبة تماما، كما هي العادة، عن أعمال
المهرجان لكن اللغة المحكية في دورة هذا العام إنجليزية. هذه ليست
المرة الأولى، لكنها المرة التي تكرس فيها اللغة الإنجليزية نفسها
أكثر مما فعلت في الدورات الماضية.
هناك 18 فيلما متشاركا في المسابقة، منها ثمانية ناطقة بالإنجليزية
من بينها الأفلام الفرنسية المتسابقة «البحث» لميشيل هارانافيشيوس
و«غريس موناكو» لأوليفييه داهان و«سحب سيلز ماريا» لأوليفييه
أساياس.
قبل يومين أعلن المخرج الفرنسي لوك بيسون أن ميزانيته للعام المقبل
وصلت إلى 450 مليون دولار وأنه سيدفع صوب المزيد في الأعوام
المقبلة. بما أن بيسون، وهو منتج ومخرج لا يؤمن بالسينما التي
تعرضها المهرجانات وقف وراء كثير من الأعمال التي صورت بالإنجليزية
وبعضها داخل الولايات المتحدة، آخرها «قصر طيني»، الذي يشهد وميضا
خافتا في عروضه العالمية، فإنه من المتوقع طبيعيا أن يصرف معظم
الميزانية على أفلام هوليوودية النزعة والأسلوب، وهذا يتطلب خمسة
عناصر: سيناريو مكتوب على نسق الأفلام الهوليوودية وعلى نحو غير
ذاتي، ومخرج أميركي أو فرنسي يشتغل حسب المنهج الأميركي، وممثلون
يجيدون الإنجليزية وبينهم أميركيون وموضوع عالمي القبول، مثل سلسلة
«مخطوفة أو
Taken
التي قام بإنتاجها ويصور حاليا جزءا ثالثا منها، ولغة إنجليزية ذات
لكنة أميركية قدر الإمكان.
في الحقيقة أحد نتاجاته هذه في المسابقة ذاتها تحت عنوان
The Homesman،
فيلم وسترن جديد للممثل - المخرج تومي لي جونز مع هيلاري سوانك
وإياه في البطولة.
وبيسون ليس وحيدا في هذا التوجه، لكنه يقود الحملة وأول فيلم له
سيصرف له من هذه الميزانية الضخمة هو جزء جديد من «الناقل»
Transporter
ذاك الذي أنجز منه بضعة أجزاء قام ببطولتها الإنجليزي جيسون ستاذام.
وهناك سواه بالطبع في محاولات لم تكن حكرا على حقبة زمنية معينة.
فالسينما الإيطالية في الستينات أقدمت على إنتاج كثير من الأفلام
الناطقة بالإنجليزية، أفلام تشويق وعصابات مافيا ورعب وبالطبع
الوسترن سباغيتي. كذلك فعلت ألمانيا وإسبانيا وفرنسا.
لكن ذلك كان في محيط محلي. لم تؤمن تلك الأفلام ومن وقف وراءها من
منتجين وموزعين أنه بالإمكان عرض هذه الأعمال في الولايات المتحدة
لأن سوق أميركا الشمالية كانت دوما مغلقة وصعبة الاختراق.
أما في هذه السنوات فإن ما نشهده من قبل شركات فرنسية ضخمة مثل
غومون وستديو كانال، وتلك التي يملك معظم أسهمها لوك بيسون «يوروبا
كوربوراشن»، هو محاولتها تقديم وجبات أميركية للأميركيين وعلى
موائدهم.
*
قوانين هوليوودية
*
هذا مفهوم في إطار الأسواق العالمية في إطار ما هو مطلوب وكيف يمكن
تأمينه، لكن حين يعرض المهرجان الفرنسي هذا العدد من الأفلام
الناطقة بالإنجليزية، من دون أن تكون بريطانية أو أميركية، فإن
التمدد خطير.
في نطاق سينما المهرجانات فإن المعادلة تختلف بعض الشيء، إذ ليس
على الفيلم أن يكون إنجليزيا أو أميركيا لينطق بلغة غير لغة الأم.
كل ما يحتاجه زرع شخصية غير محلية في صلبه كما الحال في فيلم
الافتتاح «غريس موناكو»
Grace of Monaco
الذي وقفت وراء تحقيقه أموال فرنسية وبلجيكية وإيطالية وأميركية،
أو أن تكون أحداثه واقعة، بشخصيات مختلفة، في بلد آخر كحال فيلم
«البحث»، المذكور الذي يتناول حكاية تقع أحداثها في بلاد الشيشان.
السينما الكندية مقسومة إلى لغتين، إنجليزية وفرنسية، ودائما ما
نجد حضور الإنجليزية هو الغالب هنا. هذا العام فإن اثنين من أبرز
مخرجي تلك السينما يتقدمان للسعفة بفيلمين ناطقين بالإنجليزية طبعا
هما «خرائط النجوم» لديفيد كروننبيرغ و«الرهائن» لأتوم إيغويان.
الباقي أميركي وبريطاني. السينما البريطانية متمثلة بفيلمين: «قاعة
جيمي» لكين لوتش و«مستر تيرنر» لمايك لي. والأميركية من خلال
Foxcatcher
للمخرج بنت ميلر «كابوتي» و«مونيبول».
قبل أن يرفع بعضنا حاجبيه تعجبا أو إعجابا، لا بد من القول إن وجود
أفلام أميركية وبريطانية وكندية أمر طبيعي بلا ريب، لكن وجود أفلام
أوروبية تتكلم الإنجليزية ليس مجرد اختيار درامي، بل محاولة
مزدوجة: الأولى لتوسيع رقعة الفيلم عالميا وهذه تنص - ثانيا - على
استقطاب مواهب غير محلية غالبا. لكن المسألة لا تتوقف عند حرية
الاختيار بل تتعداها إلى بدايات جذب قد لا تكون في مكانها. إنها
مثل مركب يبتعد عن الشاطئ. هذه رغبة ركابه فكيف تلومهم.. لكنه في
الوقت ذاته ابتعاد عن الأصل الثقافي والهوية الوطنية وكل ما يلحق
بهما. وما قد ينجح في السينما التجارية قد لا ينجح في سواها.
حين قام لوك بيسون بمحاولة فرض الفيلم المنتج فرنسيا بقوانين
هوليوود داخل أميركا - تعود محاولاته منذ أن أخرج «العنصر الخامس»
بطولة بروس ويليس سنة 1997 - طوع كل العناصر المذكورة آنفا في
صياغة يتقبلها المشاهد الأميركي.
في حين أن تلك الأفلام التي ترفع رايات فنية وثقافية عليها
الالتزام بقوانينها المضادة، مما يعني أن مجرد إنطاق الفيلم باللغة
الأميركية لن ينفع كثيرا في محاولات نجاحه في القارة الغربية
الأخرى. هذا هو موقع الخلاف بين منتجي «غريس موناكو» ومخرجه داهان،
وبين منتجه الأميركي (حصة صغيرة) هارفي وإينشتاين. كل يتمسك
برؤيته، مما جعل الأخير ينجز نسخة أميركية الهوى. حين يرى نور
العرض في الولايات المتحدة سيبقى عملا غريبا كونه يقع في إمارة سمع
عنها الأميركيون ولم يكترثوا لها.
كل هذا لا يلغي حقيقة أن التنازل بدأ برغبة داهان ومن وراءه في
الشق الأوروبي بتقديم عمل لا يمكن وصفه بالفرنسي تماما. إنه ناطق
بالإنجليزية فقط.
*
دخان من رماد
*
على صعيد المنتج والمعروض شهدنا في اليومين الثاني والثالث مزيدا
من الأفلام التي تتراوح بين تلك التي لن تترك أثرا على الإطلاق
وأخرى يمكن التجاذب حيالها، من دون أن يكون بينها ذلك العمل الذي
تستطيع أن تتوقع له الوصول إلى مصاف السعفة رغم جودة تنفيذه. في
هذا الخصوص هناك مثالان: «مستر تيرنر» للبريطاني مايك لي و«نوم
شتوي» للتركي نوري بيلج شيلان.
إذا كان التصفيق في نهاية العرض هو مؤشر مهم (وغالبا هو ليس كذلك
لأن الغالبية عادة ما تندفع بتأثير الدقائق الأخيرة من الفيلم
وتتحرك بفعله)، فإن أكثر الأفلام عرضة للإعجاب حتى الآن هو الفيلم
التركي «نوم شتوي» (يختلف العرب حول بعض حروف كتابة الاسم): دراما
من ثلاث ساعات وعشر دقائق (وست دقائق أخرى للعناوين والأسماء في
الختام) حول… حول… حول… كل سيفسر أيضا المضمون على هواه.
أيدن (هالوك بيلنجير) يعيش في قرية من قرى الأناضول تعيش على مواسم
سياحية. يملك منزله ولديه منازل أخرى يؤجرها كما النزل الوحيد في
هذه القرية. كان ممثلا ذات مرة قبل أن ينسحب إلى تلك القرية التي
لا يحدث فيها شيء، حيث يعيش مع زوجته الأصغر سنا، نهال (ميليسا
سوزن) وشقيقته. لكن الهدوء الماثل عبر مشاهد الفيلم العامة البعيدة
الأولى ليس هو ذاته داخل البيت. هناك عواصف شتوية بانتظار المشاهد
بعدما يتخلص الفيلم وهو من تمهيداته.
يختار شيلان أن يبدأ الفيلم بلقطة تظهر بقايا نار خامدة لم يبق
منها سوى ذلك الدخان المتصاعد. الأرض حولها ليست جميلة كما في فيلم
المخرج السابق («حدث ذات مرة في الأناضول») ولو أن القرية التي
يختارها لفيلمه هي أيضا أناضولية. من ذلك المشهد إلى السيارة التي
تقل أيدن وسائقه هداية (أيبرق بيكان). سيرمي صبي حجرا على زجاج
السيارة، وحين يواجه السائق والد الصبي تقع مشادة بينهما. لهذه
المشادة آثار مستقبلية قبل نهاية الفيلم، لكن لا شيء في المستقبل
القريب. مع نهاية هذا الفصل ندخل بيت آيدن ونكاد لا نخرج منه.
من بين ساعات الفيلم الثلاث ودقائقه الـ16، هناك ما مجموعه نصف
ساعة أو أقل قليلا من المشاهد الخارجية. وقت أن يدخل أيدن البيت
نكتشف أن ذلك الدخان الأول يعيش في ذلك المنزل الذي يحاول آيدن
قيادته تبعا لثقافته الشرقية. تستطيع أن تتخيل سيناريو من 300 صفحة
مع طن من الحوار الكامن في الخانة النصفية من كل صفحة. لا يتوقف
الحديث فيها عن العتب والعتب المضاد. اللوم واللوم المعاكس. القبول
والرفض مع كاميرا تنتقل بين المتحدثين بلا ملل. ليست سريعة، ولا
تستطيع أن تكون، فالمونتاج عند شيلان ليس ذا أهمية إلا ضمن الكيفية
التي يمكن أن تمنح الانتقال من المشهد إلى الآخر ذلك الحس اليقظ
والمفاجئ أحيانا.
هناك مشهد من نصف ساعة كاملة يقع بين آيدن وشقيقته التي كانت فقدت
زوجها حديثا، وتعيش مرحلة يأس وتفكر في ترك البيت والعودة إلى
إسطنبول. لا شيء يمكن أن يدفع المخرج لاختصار المشهد حتى ولو أن
قدرا كبيرا من الحوار هو تكرار لما سبق.
مع هذه الحقيقة يكشف المخرج عن اختياره هو للأسلوب الذي أراده. بعض
أفلامه السابقة لعبت على عنصر الصمت. كثير منها كان تأمليا. ليس
هذا الفيلم. إنه يختلف وحين يلتقي نراه يلتقي في محاولة تقديم رجل
يدفع الأمور صوب حافة الانهيار (كما الحال، مثلا في «السعادين
الثلاثة») قبل أن يتراجع - هنا - معترفا بخطئه.
«نوم
شتوي» مشحون. مهارة المخرج في جعل المشاهد يتجاوز كل «نوم» الحركة
فيه والبقاء يقظا يستلهم من مشاهده تلك الدراسة الشخصية عن بطله
والشخصيات الأخرى. كل مشهد مبني على قدر من التحضير لنقطة عالية.
أحيانا تنجح وأحيانا تتأثر بعامل التطويل أو بقصر قامة النتيجة
ذاتها.
*
معاناة فنان
*
أحد المشاريع النائمة للمخرج البريطاني مايك لي (صيفا وشتاء) كان
فيلما عن الرسام جوزيف ويليام تيرنر (المتوفى سنة 1875) وهو حقق
هذا المشروع، أخيرا، تحت عنوان «مستر تيرنر» ليتحدث فيه عن آخر 25
سنة من حياة الرسام البريطاني الذي عرف بأنه «عاشق الضوء». الفيلم
من بطولة الممثل تيموثي سبول، الذي ظهر في كثير من أفلام مايك لي
ضمن أدوار مساندة، ودائما على نحو ملحوظ يؤكد موهبته الفذة في
الأداء. هنا لديه الميدان بأسره. الشاشة كلها ليؤكد هذه الموهبة في
التشخيص والتجسيد. ليس مهما كيف يؤدي سبول شخصية رسام ليس حاضرا
(إلا من خلال رسومات وبضع صور جامدة) لأنه ليس من الممكن تقليده،
وهذا هو الشيء المناسب هنا، لأن الممثل في هذا الوضع سوف يبني كل
شيء على قدر محدود من المعلومات وعلى كثير من المحرك الذاتي
والبداهة. بذلك، سبول رائع. حضوره الجسدي والأدائي يحتل الفيلم
بأسره وليس من خلال حجم الدور، بل من خلال تنفيذه ورؤيته. عليه
يستحق بلا ريب سعفة أفضل ممثل إذا ما أخفق ممثل آخر في تجاوز
عطائه. سبول يداهم المشاهد ببدنه الضخم وبمعرفته أين تقع معاناة
ذلك الرسام، وكيف عبر الرسام عنها وكيف سيعبر هو عنها. يؤدي شخصية
لافتة أثارت في زمنها الكثير من الاعتراضات والنقد قبل أن تقبل
كإحدى أفضل المواهب الأوروبية في الرسم الطبيعي. لكن معاناة
الفنان، كما تتبدى هنا، ليست فيمن يقبله أو يرفضه، بل في رغبته
المطلقة في تجاوز قدراته والعمل بلا كلل على ذلك. تكمن أيضا في
علاقته مع الآخرين. في وحدته. في العواصف الذاتية التي أدت به إلى
إدمان الشرب وإلى ارتكابه تصرفات فسرت حينها - ونراها في الفيلم -
كتخريفات رجل عجوز يفقد رزانته. يبدأ الفيلم وينتهي وتيرنر سبول
واقفا يرسم الشمس في شروقها. لكن المشهد النهائي هو الأول ذاته.
عودة إليه لأنه قبل خمس دقائق لفظ الرسام النفس مريضا في منزل
عشيقته مسز بوث. علاقاته النسائية كانت، حسب ما وصفته المراجع،
متقطعة. خادمته التي تجاوزت سن الشباب كانت وسيلته المتباعدة لشبقه
وانعكاسا لطبيعة حياة سادتها (كما هو الحال لدى معظم الفنانين)
شجون حزن ومضارب من الحيرة المزمنة.
كل ذلك وسواه مجسد على شاشة اختارها مايك لي عريضة مناسبة للموضوع.
لكنه ومدير تصويره الدائم دك دوب لا يحاولان صنع فيلم جمالي عن
الموضوع. لذلك هناك القليل من المناظر التي أحب تيرنر رسمها،
والكثير من الإتقان لتفاصيل الألوان ولتفاصيل التصاميم والديكورات
والملابس وما يؤلفه كل ذلك من جو داخلي.
إلى ذلك، هناك ذلك النحو المسرحي للعمل. شخصيات مايك لي جميعا تذوب
في داخله. لا لقطات قريبة للوجوه أو للأيادي. لا أحد يجوز له
الانفراد بالكاميرا (الكاميرا هي التي تنفرد به) والجميع ذائب في
ذلك النحو البديع من السينما، حيث التمثيل هو أن تكون جزءا من الكل
وليس انفصالا عنه.
هناك مقارنة لا بد منها بين فيلم أوليفييه داهان عن أميرة موناكو
غريس كيلي وفيلم مايك لي عن الرسام ويليام تيرنر. كلاهما بيوغرافي.
لكن في حين أن الأول خلط الحقيقة بالخيال قدر المستطاع ليكون فيلما
«يغزو العالم» لو أمكن، فإن الآخر بقي عملا بريطاني الهوية بفضل
مخرج لا يهمه أن يغزو الفيلم العالم، بل هو واثق من أنه سيفعل. ليس
على نهج «كابتن أميركا» أو «رجال إكس»، بل من النوع الذي يعيش
لفترة أطول بكثير.
*
أن تكون ناقدا سينمائيا في «كان»
*
خطة اليوم كانت جاهزة: الاستيقاظ في الخامسة صباحا (خمس ساعات نوم
لا أكثر) والكتابة حتى السابعة. تلك الكتابة التي بدأت قبل النوم
ولم تنته. تناول فطورا مكونا من بودرة بروتين وشراب الرمان وحبتي
تمر، ثم النزول في السابعة والنصف لحضور أول فيلم. بعد ثلاث دقائق
من المشي الحثيث تتوقف عند أحد الفنادق الكبيرة وتتزود بالمجلات
اليومية التي تصدر في «كان» خلال المهرجان. تكمل طريقك. ثلاث دقائق
أخرى والقصر في مواجهتك. تبرز بطاقتك وتقول «بونجور» ثلاث أو أربع
مرات لثلاث أو أربع موظفين آخرهم يفحص حقيبتك ويمرر الكاشف
الإلكتروني «سكانر يدوي»، عليك ليتأكد من أنك لا تحمل سلاحا ما.
تهرع إلى الداخل وتنظر إلى المكان الذي اعتدت الجلوس فيه. تجده
بانتظارك. تجلس وتتساءل عن طول الشخص الذي سيجلس أمامك. هل سيلغي
سنتيمترا من الشاشة أم لا؟
الفيلم من ساعتين ونصف تخرج منه وتنتقل إلى صالة أخرى. تقف في الصف
الطويل وتتقدم مثل طائرة في مدرج مطارات مزحوم. هذا الفيلم من
ساعتين ونصف. بعد ساعة تشعر بالجوع. لا يهم. بعد ساعة أخرى تريد أن
تشرب الماء. لا يهم. حين ينتهي، لديك نصف ساعة لكي تلحق الصف الآخر
لفيلم ثالث.. تنتقل إلى هناك مدركا أنك - والساعة الآن تقترب من
الثالثة بعد الظهر - ما زلت «على الريق»، وذلك الكوب من بودرة
البروتين. تهرع إلى الداخل. هناك شروط جديدة لهذا الفيلم، إنه عرض
صحافي، لكن معظم الحضور لمن اشترى التذاكر أو لضيوف الفيلم. لا أحد
يحتج وأنت وحدك لن تحتج. سيضعونك في صف أمامي تنظر إلى الفيلم برأس
مرفوعة. هذا الفيلم من ثلاث ساعات وربع. ما زلت تتمنى شربة ماء.
إذ ينتهي لديك خياران: فيلم المسابقة الثالث لهذا اليوم معروض
مرتين: مرة بعد نصف ساعة ومرة بعد أربع ساعات. تفكر أنه من الأفضل
أن تأكل شيئا وتشرب شيئا وتلجأ إلى العرض الليلي في العاشرة، لكنك
تخاف إذا ما فعلت ذلك أن تعود إلى الشقة وتشعر بالكسل وتقرر عدم
الخروج منها. إذن هلم إلى العرض الأول.
تغادره في الساعة التاسعة (لا يهم إنه لم يكن يستحق العرض أصلا)،
وهذه المرة أنت واثق من أمرين: ستعود للبيت وفي الطريق ستمر بمطعم
تأكل فيه وستعاود الروتين نفسه في اليوم التالي. |