فيلم " ماء الفضة " لأسامة محمد :
سمك يتظاهر تحت الماء ويطالب بإسقاط نظام بشار في
سوريا
كان.فرنسا. صلاح هاشم مصطفى
الف صورة وصورة لسوريا في ما هو أكثر من فيلم . في "صرخة"..
و"نداء" الى ضمير العالم الحر، إن تحرك. من سينما القاتل وسينما
القتيل، يجدل أسامة محمد شريطا مرعبا لـ " سينما الحقيقة " يقترب
به من روح الشعر و القصائد الروحانية الكبرى. حتى السمك في فيلم "
ماء الفضة " يتظاهر تحت الماء ضد نظام بشارالأسد ويطالب بإسقاطه
!
من أقوي الأفلام "السياسية" المباشرة التي عرضها مهرجان " كان "
السينمائي 67 ضمن قائمة الاختيار الرسمي وخارج المسابقة الرسمية ،
فيلم " ماء الفضة"SILVERED
WATER
،أو صورة ذاتية لسوريا " من اخراج السوري أسامة محمد والسورية
الكردية ويام سيماف بيدركسان، الذي عرض في " عرض خاص " في المهرجان
، وأعتبره " تحفة " سينمائية بكل المقاييس وأكثر من فيلم
..
حيث يروح أسامة محمد ينسج من فيلمه، الذي ينتمي الى نوع سينما
الحقيقة
CINEMA VERITE
في الفيلم التسجيلي كما في افلام الهولندي جوريس ايفانز والفرنسي
جان روش والروسي ديجا فيرتوف ،ولايهم هنا ان كان ينتمي أو لاينتمي،
فليست هذه القضية، المهم انه قد تحقق.. ليكون بمثابة " صرخة" مروعة
.. تخاطب ضمير العالم المعطوب.. وتدين لامبالاته
..
فيلم حققه أسامة وصاحبته السورية الكردية "سيماف"-
SIMAV
تعني الكلمة بالكردية "ماء الفضة "- ومن هنا عنوان الفيلم الذي
يحكي عن صداقة، نشأت علي شبكة الانترنت - بين مخرجنا السوري الهارب
من جحيم الحرب ، ويقيم حاليا في باريس – بعد أن فرضت عليه اقامة
جبرية حين عرف انه هالك لامحالة لو عاد الى بلده..
حققه مع صديقته إذن، ونجحا يقينا في ان يجعلا من فيلمهما "صورة"
لما يحدث الآن في أنحاء البلاد، وصورة - من صنع سيماف المخرجة
السورية الكردية – لذلك الحصار المرعب في مدينة حمص حيث تروح
الكلاب، تنهش الجثث الملقاة داخل الأحياء المهدمة بأكملها ، وعلي
رصيف الشوارع المهجورة التي تعبرها الريح..
ومن مخزون الصور التي التقطت للحرب أو الحروب المشتعلة في سوريا،
والثورة على نظام بشار الأسد والمطالبة بإسقاطه– ومن أبرز مشاهد
الفيلم مشاهد تعذيب التلميذ السوري الذي يقوم جلادو النظام بتعذيبه
بعد ان كتب في كراسته الشعب يريد اسقاط النظام ، "أجمل" مشاهد
الفيلم الذي لانعرف معه، إن كان من المناسب هنا استخدام لفظ "اجمل"
أو "أبشع"، حين تكون المشاهد الأبشع وليس الأجمل هي المشاهد
الغالبة فيه، فلنقل أنه من "أطرف" مشاهد الفيلم التي تحضر، وتبرز
فجأة من بين مشاعد السحل والقتل والحبس والتشريد والتعذيب، وكل صور
القتل من اختراع زبانية العصور الوسطي، تبرز لقطة لبعض السوريين
الذين يتظاهرون تحت الماء ،وهم يرتدون ملابس وعوينات الغطس ،
ويحملون لافتة مكتوب عليها " السمك يريد إسقاط النظام
..
وهي يقينا لقطة طريفة ترويحية، تجعلنا نبتسم، بعد أن يكون اسامة
وصاحبته قد القوا بنا في جحيم الشارع السوري، ومدنه وأحيائه،
وقراه، لنرى صور القتل والدمار والتعذيب والرعب، وانتهوا من صنع
فيلمهم، من الف صورة وصورةمن ضمن تلك الصور التي شاهدناها في
الريبورتاجات التلفزيونية ، ومن الصور الملتقطة لضحايا الحرب من
الاطفال والرجال والشيوخ والنساء والاطفال العزل ( صور
القتيل.الضحية )ومن الصورالتي التقطها جنود النظام ( صور القاتل.
)وهم يؤدون واجب القتل والتشريد والهدم والتعذيب ، وترويع شعب
بأكمله..
شعب يأبى أن يترك او يغادر ويتشبث بوطنه، ويرفض التشريد، مثل
السورية الكردية سيماف من حمص التي تتعرف على اسامة محمد بواسطة
الانترنت، وتكتب له عن رغبتها في صنع فيلم معه عن الحرب ويكون أول
أفلامها ، وتطلب منه ماذا يريد أن تصور له بالضبط ، فيطلب منها ان
تصور له كل شييء في حمص تحت الحصار والدمار
..
سطوة الحرف
ومن خلال الف صورة وصورة - ونحن نسمع صوت أسامة محمد يحكي ويعلق ،
يكتب ويشطب ويمسح على "سبورة" الشاشة، كما فعل جودار في بعض أفلامه
كما في فيلم "الصينية" أو "ثلاثة أشياء أعرفها عنها" يكتب ويطلب
أسامة من سيماف ان تكتب أيضا ، فالكتابة مثلها مثل الصورة هي
"شهادة" ضرورية، بكل امتداداتها ودلالاتها الروحانية، بل ويطلب أن
لا تهجر سيماف الكتابة ويجادلنا ويتهم ذاته بأنه قد خان ،وتتتابع
وتتراكم مشاهد الفيلم ، بالاضافة الى اللقطات التي صورها أسامة
واللقطات التي صورتها سيماف لحصارحمص الدموي المدمر، بل لقد صورت
سيماف نفسها أثناء اجراء عملية جراحية لها حيث نراها وطبيب يقوم
بتخييط جرحها من دون بنج أو مخدر ن صورت كل شييء كما طلب أسامة
لتجعل الكاميرا امتدادا للحواس ، وتلك العين التي تري المدينة
وتتجول مع اطفالها ،وتضع الزهور على شواهد قبورالآباء والامهات
الذين كاتوا، وتتجول مع طفل وهو يحاول الهروب من بندقية قنّاص ،
وتجعلنا نتعرف على اطفال حمص التي جمعتهم سيماف وانشات لهم مدرسة ،
وتتراكم طبقات الصور مثل رف ، طبقة فوق طبقة، وتصبح هرما من طبقات
من الصور المرعبة المخيفة التي تسكن ذاكرتك، مثل الكوابيس المرعبة
المخيفة التي تجعلنا ومعها ، إما أن نغادر الصالة ، وقد فعلها
البعض وخرجوا بالفعل – أعني بعض المشاهدين - في التو ،ولم يقدروا
على تحملها بعد أن وضعنا أسامة بفيلمه في قلب الدمار والرعب، وإما
أن نتجمد ولانستطيع أن نغادر ونشارك أسامة محمد صرخته وندائه.
.
عندما تقترب السينما من روح القصائد الكبرى
يقول أسامة محمد عن فيلمه : في سوريا هناك اناس يصورون ويموتون كل
يوم ، وهناك أيضا أناس يقتلون، ثم يصورون ضحاياهم وقتلاهم كل يوم
أيضا ، وقد صنعت فيلمي من "سينما القتيل" ومن "سينما القاتل" وحيث
اني لم اكن قادرا في باريس على عمل اي شييء سوى تصوير السماء ،
فاني اهتديت بحبي لبلدي سوريا في عمل مونتاج لكل الصور التي وصلتني
وصنع " بورتريه " لسوريا الآن، ولذلك فالفيلم يحكي من خلال علاقة
الصداقة التي نشأت وتطورت وتوطدت مع ويام سيماف قصة الدمار المرعب
الذي لحق بهذا البلد، وقصة صنع هذا الفيلم الرائع المبهر الذي يمكن
اعتباره وثيقة على هلاك شعب وأمة على يد الرئيس بشار الأسد..
ونظامه..
فيلم " مياه فضة " هو درس في السينما العظيمة بلغة الصورة ومن دون
ان ننسى الموسيقى أو شريط الصوت الفاعل المؤثر الذي وجدناه أشبه
مايكون بالمبرد الذي يقوم بسن سكاكين الصور في الفيلم فيعمق من
أثرها ويزيد من تأثيراتها وحدتها.
.
فيلم "مياه فضية" هو علامة من علامات السينما الوثائقية العربية
الجديدة، وعلامة أيضا على دخولها عصر جديد ، عصر تقترب فيه هذه
السينما أكثر من الشعر، .. وروح القصائد الروحانية الكبري كما في "
جيتنجالي " لشاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور.. |