يعتبر فيلم (فارس المدينة ـ 1991) تجربة إنتاجية جديدة، يغامر بها ويخوضها
محمد خان منفردا، وباتفاق يعد الأول من نوعه في مصر، مع أحد البنوك المصرية
(بنك تنمية الصادرات)، ليفتح به مجالا جديدا للسينما المصرية للخروج من
مأزق تمويل الأفلام الخارجة على التقليد السائد والتخلص من شروط عجلة
الإنتاج المصري المتخلف. وقد بدأت هذه التجربة/المغامرة حينما فشل محمد خان
من العثور علي منتج لفيلمه هذا، وذلك بسبب رفض المنتجين قبول الممثل محمود
حميدة كبطل للفيلم. مما دفع محمد خان للجوء إلى البنك واقتراض مبلغ مائتي
ألف جنيه لتمويل إنتاج الفيلم.
في (فارس المدنية) ـ الذي كتب له السيناريو والحوار فايز غالي ـ يقدم محمد
خان الممثل الجديد (محمود حميدة) في أول بطولة مطلقة له، حيث يلعب دور شاب
خرج من قاع المدينة.. بدأ حياته كسائق لسيارة أجرة أشتغل في تجـارة
الـعملـة وتـهريـب الدولارات، واستطاع أن يغسل ثروته التي تضخمت من الأعمال
غير المشروعة، بأن بدا يشتغل في مشروعات نظيفة، فاصبح يتاجر في اللحوم
واشترى ثلاجة ضخمة وشارك ونصف مصنع للجلود، وغدت له شقة فاخرة في القاهرة
وفيـلا جميلـة في الإسكندرية، كما ساهم بخمسة ملايين جنيه إحدى شركات توظيف
الأموال.
وقد اختار كاتب السيناريو اسم (فارس حسن الهلالي) لهذا الشاب/الفارس، تيمنا
بفارس فيلم (أمير الانتقام) الذي قام ببطولته أنور وجدي باسم (حسن
الهلالي). إلا أن الكاتب والفيلم الجديد قد تبنى مفهوما مغايرا للفروسية،
ففارس هذا الزمان لا يمكن أن يكون مثل فرسان العصور الوسطى، ممن كانوا
يمتطون صهوات جيادهم مجردين سيوفهم في وجه الشر ومدافعين عن المبادئ والمثل
العليا باستماتة، لذلك ففارسنا الجـديد مازال يحمل بعض مواصفات الفروسية في
زمن تلاشت فيه أخلاق الفرسان.
تبدأ أحداث الفيلم، عندما يتلقى فارس في صباح أحد الأيام، مكـالمة تليفونية
على جهاز التسجيل، يطلب فيها ادهم الوزان (عبد العزيز مخيون) من فارس أن
يسدد له الدين الذي عليه خلال خمسة أيام ـ هي زمن أحداث الفيلم ـ لأنه في
حاجة إليها لتمويل صفقة لحوم، نعرف فيما بعد أنها صفقة مخدرات، مشيرا من
طرف خفي إلى القرار الذي تصدر صحف صباح أحد أيام شهر يونيو 1988، والذي
يقضي بالتحفظ على شركـات تـوظيـف الأموال وتجميـد أرصدتها. ذلك القرار الذي
طال أموال فارس أيضا.
هنا يبدأ فارس معركته لجمع الدين الذي عليه والذي قيمته خمسة ملايين جنيه.
يبدأ رحلة جمع الملايين، ممتطيا سيارته الفارهة، مديرا معركته عبر هاتف
السيارة، ويناور لاسترداد بعض المال ممن يدينون له، وبيع معظم ممتلكاته
العلنيـة والسرية، وتصفية كل تعاملاته، ليبدأ من جديد من نقطة الصفر، لا
يملك سوى قناعته الخاصة بأنه لن يتنازل عن شهامته وفروسيته المتبقية لسداد
هذا الدين. ومن خلال هذه الرحلة/المعركة، يكشف الفيلم عن ذلك العالم المليء
بالفساد والعنف والكراهية.. يكشف عن عالم لا وزن فيه للعواطف أو القيم،
تحكمه فقط المصالح الخاصة، ويتحول فيه الأفراد إلى وحوش يلتهم كبيرهم
صغيرهم في نشوة وتلذذ.. عالم مافيا التهريب والمخـدرات وتجـارة العملـة
واللحوم الفاسدة والصفقات المريبة وشركات توظيف الأموال المشبوهة.. عالم
يتسيد فيه ادهم الوزان، أحد كبار رجال هذه المافيا، الذي يدير شبكة
أخطبوطية تمتد اذرعتها لتطال كل شئ يعبث بالاقتصاد والسياسة، ولا يتورع عن
سحق فارس بأعصاب هادئة من اجل الملايين المطلوبة.. مستخـدما أصدقاء فارس
أنفسهم، حين نراهم يبيعونه الواحد تلو الآخر لحساب الوزان.
ومن جانب آخر، يدلف بنا السيناريو إلى عالم مختلف يفيض دفئا وعذوبة.. عالم
البسطاء والغلابة المسحـوقين. فهدى (لوسي) الشابة المطلقة بوجهها الهادئ
والمريح، ممرضة في إحدى المستشفيات الاستثمارية الكبرى، تتسلل إلى صحراء
فارس القاحلة كنقطة ماء عذبة تروي عطشه للحب والحنان الذي افتقده مع مطلقته
دلال (سعاد نصر) وأم ولده الوحيد بكر، الذي أفسده التدليل ودفع به إلى طريق
الشم والإدمان. هناك أيضا عبد العظيم القرنفلي (حسن حسني) مدرس التاريخ
العجوز، الذي يخطط دوماً لإلقاء نفسه أمام سيارات الأثرياء الفاخرة، لينعم
بدخول المستشفيات الاستثمارية، وقضاء أيام من الراحة والطعام الصحي، ثم
يعود لشقته حيث أكوام الجرائد القديمة وحكايات التاريخ.
هذه الشخصيات مع أخرى مثلها، تمثل مزيجا غريبا ومدهشا من الشخصيات جسدها
محمد خان في (فارس المدينة)، فهو فيلم حاشد يلهث بين الشخصيات والأحداث..
تعبيرا عن عالم لاهث يجري وراء المال والربـح السريع.. ولا تكاد تلتقط
أنفاسك إلا مع مشهد النهاية.. حيث يستقر فارس، بعد سداد دينه، في هذه الشقة
المتواضعة بالحي الشعبي بجوار حبيبته هدى وصديقه العجوز القرنفلي، ليبدأ
صفحة جديدة.