حكاية بحرينية:
حكاية المجتمع حين يحتضن أفراده
الوطن/ المحرر السينمائي
قارب المخرج البحريني بسام الذوادي من انتهاء تصوير مشاهد فيلمه الروائي
الثالث حكاية بحرينية، وهو الفيلم الذي يحاكي المجتمع البحريني واربتاطه
بالقضايا العربية الكبرى، وكيف كان يتعاطى مع التنوع العرقي في المجتمع في
تلك الفترة، من خلال قصة تدور حول عائلة بحرينية يشكل فيها الصبي خليفة عين
الأحداث التي ترى وتروي وتعجز عن احداث أي تغيرات فيه. أنه محايد بسبب صغر
سنه، لا يستطيع ان يدافع عن أمه، ولا يستطع أن يحمي فاطمة من نفسها وهي
التي تشارك المجتمع في بلورة مصيره والدفاع عن حقوقه، ولكنها داخلياً وضمن
إطار المؤسسة الاجتماعية تكون خاضعة لسلطة الأب والزوج. وكذلك في شخصية حمد
المناضل الذي يرى أحلامه الوطنية تتساقط بهزيمة عربية، واستشهاد صديقه
سلمان، ثم في انتحار حبيبته. هذا المناضل الذي يجد نفسه عاجزاً عن احداث
التغير الذي كان يحلم به هو وأبناء ديرته. أما سلطان صديق حمد وسلمان، فهو
الوحيد الذي يميل للريح ليستطيع ان يواصل المسيرة وإن تخلى عن دوره الوطني،
ووجد في إنقاذ حب منيرة ومحمود جهاد آخر في وجه المجتمع الذي رفض هذه
العلاقة العاطفية أيضا بسبب الانتماء الطائفي.
مبارك خميس: قراءة للحراك الاجتماعي البحريني
في موقع التصوير التقينا مع الفنان مبارك خميس والذي يؤدي دور عبدالله خميس
عامل في شركة نفط البحرين(بابكو)، رجل أمي، قمعي، حاد الطباع، سريع الغضب،
ينفذ كل ما يريد ويفرض أوامره بالقوة، ان يشكل نسخ المجتمع الذكوري المسيطر
في فترة بدأت فيه المرأة بالتحرر من قيود المجتمع. يقول عن دوره:
إنها المرة الأولى التي اشتغل فيها سينما، وأرى التجربة جديدة، والتعامل
فيها مع الكاميرا السينمائية والتي وجدت انه تختلف عن الكاميرا
التلفزيونية.
الفيلم يستعرض البحرين بين عام 1967 وحتى 1970 وهي مرحلة حساسة على مستوى
العالم العربي الذي كان زاخراً بالمد القومي وحكاية الفيلم تدور حول
أسرة بحرينية تعيش خلال هذه الفترة وكل شخصية تعاني من أزمتها الخاصة ومن
هذه الشخصيات شخصية عبدالله الذي لا يعنيه من هذا الحراك القومي والوطني
سوى كسب لقمة العيش، وليس لديه تطلعات سياسية . انه نتاج مرحلة قاسية أميّ
لا يعرف القراءة أو الكتابة. لكنه يسعى للحفاظ على كيانه كأب وكيان
الأسرة. ومن ثم فإن علاقته محصورة بمحيطه الأسري الصغير. وهناك شخصيات
أخرى وطنية تكافح في وجه الاستعمار البريطاني .
ويضيف '' الفكرة جيدة و تنبع اهميتها طرحها في السينما من خلال قدرتها
على كشف حراك المجتمع البحريني في هذه الفترة المهمة من تاريخه. .
وحول تجربته مع المخرج بسام الذوادي قال الفنان مبارك خميس: انها المرة
الأولى التي اعمل فيها معه ولكنها تجربة مممتعة لما لديه من خبرة في
الإخراج، ونحن كممثلين نستفيد منه، وأعتقد ان التعامل معه سهل جداً ، وهو
كمخرج متواضع، يأخذ ويعطي في الحوار، ويطلب منا اداء مقنعاً، بحرية تامة
نجتهد نحن في الوصول لها، لنقدم تجربة تليق بمستوى البحرين.
فاطمة عبدالرحيم: فاطمة محور الانهيار العربي والمحلي في الفيلم
ومع الفنانة فاطمة عبدالرحيم والتي تجسد دور فاطمة بنت الأب تحب حمد،
ولكنها لا تملك قرار الاختيار، يتم تزويجها من أبن عمها يعقوب بالقوة، تعلن
رفضها بالعودة إلى بيت أبيها، وحين يتم إعادتها إلى بيت ابن عمها بالقوة
تقرر الانتحار. إنها امرأة متمردة على وضعها، فقد كانت تشارك في المظاهرات،
ولكنها هنا، في إطار المؤسسة الزوجية لا تستطيع مواجهة واقعها القمعي. حول
دورها في الفيلم قالت فاطمة:
كان واضحاً ان الشخصية كعلامة خاصة في الفيلم، فمشهد انتحارها يبللور
السقوط الكبير، أو احتراق البلد والأمة العربية، تنتحر فتبدأ المصائب حيث
الهزيمة العربية، واستشهاد سلمان. انها كانت تشكل رمز الخير والأمل الذي
ينزرع في قلب منيرة أختها الأصغر التي تحول هذا الفشل إلى انتصار بإصرارها
بالهروب مع من تحب دون الوقوع فيما وقعت فيه فاطمة، ان منيرة هنا تشكل بصيص
الأمل للشعب البحريني في بناء أحلامه من جديد.
فنياً، كانت التجربة الأولى مع المخرج بسام الذوادي في فليم (زائر) تختلف
عن هذه التجربة، لاختلاف الأجهزة الفنية، هناك كان العمل على كاميرا ديجتال
هنا العمل على كاميرا 35 وهندسة صوت وفني كاميرا من الهند والصوت من
امريكا، إضافة إلى فريق خاص لتنفيذ الخدع. في (زائر) كانت التجربة جديدة
علي فكنت خائفة، ولقد تعلمت منها الكثير، ووجدت هنا في (حكاية البحرينية)
سلاسة في التعامل مع الكاميرا السينمائية. واتمنى من الجمهور البحريني ان
يثق بالسينما البحرينية التي تحاول ان تؤسس لها حضوراً في المشهد الثقافي
البحريني ويحتاج لدعم كبير من قطاعات الدولة العامة والخاصة ودور الصحافة
والإعلام مهم في تكريس هذا الخطاب الإنساني العظيم الذي يحفظ للمجتمعات
ذاكرتها الخصبة. واعتقد بأننا قادرون على وضع اسم البحرين في المهرجانات
السينمائية.
أحمد عقلان: وطني يدرك المعطيات السياسية
يجسد الفنان الشاب أحمد عقلان في ثاني تجربة سينمائية له مع المخرج بسام
الذوادي شخصية سلطان فتى مثقف، مواقفه مناقضة لمواقف أبيه وأخيه يعقوب وعمه
عبداللة. رغم ذلك يظل عاجزاً عن منع فاطمة من إحراق نفسها، ولكنه أخيراً
يساعد منيرة على الهرب مع من تحب، خاصة بعد أن يخسر صديقيه الحميمين سلمان
وحمد الذي كان يعشق فاطمة. انه عاطل عن العمل بعد إقالته من شركة نفط
البحرين (بابكو). حول التجربة يقول أحمد عقلان:
لقد استطعت ان أستوعب شخصية سلطان المناضل المثقف الذي يستطيع ان يخلق
توازنات نفسية حسب تصاعد الأمور، ويتعاطى معها بحكمة وبدون تهور، فهو مهتم
لمحيطه وللتطورات السياسية التي كانت تحدث، ويدرك متى عليه ان يشارك أو ان
ينسحب، وكيف يتماسك ويحافظ على كيانه وكيانات الآخرين الذين حوله، وإن كان
قد خسر فاطمة ثم حمد ، رغم ذلك يظل يحدوه الأمل في الجيل الجديد الطالع
الذي يجسده محمود ومنيرة فيقف مع حبهما ويساعدهما على الهروب ليحققا ما عجز
عن تحقيقه الغير.
نزار جواد: اعتبر التجربة ورشة عملية في صناعة الفيلم:
أما أحد مساعدي المخرج وهو نزار جواد والذي كان متحمساً للتجربة كثيراً
فقد قال للوطن: ارى ان فيلم (حكاية بحرينية) مثل ورشة عملية لفهم صناعة
الفلم السينمائي ولأننا في البحرين لا نملك سينما أو معاهد لدراسة السينما،
وكل الذي عملناه هو أفلام قصيرة باجتهادات شخصية، فأننا كمساعدين للمخرج
نجد أن هذه التحربة فرصة لا تتكرر في تعلم الكثير من اسرار صناعة السينما،
وأعتقد أن الفيلم يكرس لفهم الذاكرة البحرينية من خلال الصراع السياسي
والاجتماعي وتطوره على مدى الفترة الماضية، وان الديمقراطية التي يدعمها
الملك تسمح لنا بتقديم مثل هذه القراءة لفهم تطور المجتمع.
الوطن
البحرينية في 3 مايو 2006 |