بسام الذوادي يشعر بالوحدة في ساحةٍ لا يستطيع أن يتنافس فيها، ساحة
سينمائية تخلو من السينما، وهو يشتغل على فيلمه الثالث (حكاية بحرينية)
يقول الذوادي أن فيلمه هذا يختلف في التناول عن كل الدراما البحرينية التي
تناولت ذلك الزمن، وذلك الزمن هو الفترة التي تعيشها بطلات الفيلم الثلاث
خلال الفيلم أي منذ العام ٧٦٩١ حتى ٠٧٩١، وبمعنى آخر منذ النكسة حتى رحيل
عبد الناصر.
بسام الذوادي الذي تخرّج من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام ٢٨٩١،
حمل أحلامه في تكوين سينما بحرينية حتى أتعبه الحمل، الذي يقول عنه أنه يجب
أن يحمله معه مائة من السينمائيين المتخصصين في كافة المجالات السينمائية،
ويحمل الذوادي وزارتي التربية والإعلام هذا الوضع السينمائي الخاطئ، ليس
الآن وحسب بل طوال ثلاثين أو أربعين عاماً.
في حديثنا عن بسام الذوادي نحن نتحدث عن السينما، وفي حديثنا معه فإننا
نستشكل مع قلقٍ سينمائي بجدارة كانت نتيجته ثلاثة أفلام روائية طويلة، وعدد
كبير من الأفلام القصيرة، وعدد من السهرات والمسلسلات التلفزيونية، حاول
خلالها الذوادي تفكيك واستنطاق الشخصية البحرينية، من المرأة المقهورة، حتى
الشاب الحالم أو اللامبالي، حتى الرجل المتسلّط.
رؤى التقت الفنان بسام الذوادي في موقع تصوير (حكاية بحرينية)، الفيلم
الروائي الثالث الطويل له، والذي كتبه الكاتب فريد مضان، وتنتجه الشركة
البحرينية للإنتاج السينمائي، وكان معه هذا الحوار:
كلنا نبحث عن هذا الذي افتقدناه
·
حدثنا عن (حكاية بحرينية)؟
الفيلم (حكاية بحرينية) في السابق كان يحمل عنوان (أحلام صغيرة) وتحوّل
العنوان إلى (حكاية بحرينية) بالاتفاق مع السيناريست فريد رمضان، يتناول
الفيلم البحرين خلال الفترة بين 1967 حتى عام 1970، أي منذ النكسة حتى رحيل
جمال عبد الناصر، وإسقاطات تلك الفترة على الإنسان البحريني،سواءً
الإسقاطات السياسية أو الإسقاطات الاجتماعية،أو الثقافية، أو العاطفية.
ولأول مرّة في البحرين، فإن هذا الفيلم يتناول الأوضاع السياسية في البحرين
في تلك الفترة، ولأول مرة يتم تناول شخوص لم يتم التعرّض لها مسبقاً في
الدراما البحرينية، ولأول مرة صار هنا توثيقاً أو تسجيلاً لفترة كانت عند
الكثير من الناس هي فترة الارتباط الإنساني، ولم تكن الطائفية بعد قد لعبت
دورها في تحريك المجتمع، فكان انتماء الجميع للوطن.. وحسب، ولم يكن وقتها
سؤال الطائفية مطروحاً بين الصديق وصديقه، ويتعرض الفيلم خلال الحكاية
للأوضاع السياسية العربية خلال الفيلم، سواءً النكسة، أو أيلول الأسود، أو
موت عبد الناصر، أو الصراع العربي الإسرائيلي في المفهوم العام، وكيف ترك
هذا الصراع تأثيراته على شعوب الخليج بشكل عام، وعلى شعب البحرين بشكل خاص.
هذه معظم النقاط التي يرتكز عليها الفيلم، كل ذلك من خلال قصص الحب التي
دارت في تلك الفترة.
·
ماذا يمثل اللجوء لهذه الفترة
التاريخية بالذات بالنسبة للمخرج بسام الذوادي؟
السينما هي عبارة عن ذاكرة، فحين تحاول استذكار زمن معيّن فإنك ترجع لأفلام
تلك الفترة، ومن خلال تحليل وتفكيك تلك الأفلام تستطيع استرجاع ذلك الزمن،
بأشخاصه وأدواته وقضاياه، ومن المهم الحفاظ على هذه الذاكرة حية كل فترة.
فليس من المهم حين أود أن أصنع فيلماً حول فترة زمنية معينة أن أكون عاصرت
هذه الفترة، فطرق استرجاع الزمن في السينما لا تعتمد المشاهدة أو المعاينة
البصرية وحسب، بل هنالك القراءة من خلال الكتب والوثائق، والاسترجاع
المنطقي، والاسترجاع التخيّلي، فهناك أفلام صنعت عن عصر صدر الإسلام،
وأفلام عن حرب طروادة، وعن العصر اليوناني، أفلام من هذا النوع لم يعاصرها
منفذوها، ولكنها صارت ذاكرة لما يمكن أن يكون عليه ذاك العصر الذي تناولته.
وأهمية هذه الفترة بالنسبة لي هي أنني عاصرتها بشكل أو بآخر، ورأيت معظم
أحداث الفيلم، مما جعلني قريب منها، وأشعرني هذا بأني قادر على التعبير
عنها بشكل مختلف عمّن لم يعاصر أو يعش تلك الفترة، ورغم ذلك فتبقى الذاكرة
من حق كل شخص سواءً عاصر تلك الفترة أم لا، ويبقى عليه أن يشتغل على
تجسيدها وتثبيتها وترسيخها.
·
هل نحنُ في العصر المناسب الذي يمكن أن
نرجع فيه للوراء للبحث عن الحب، وكيف تصنّف هذا النوع من البحث داخل
العملية السينمائية؟
متى يكون عليك أن ترجع للوراء.. حين تفتقد شيئاً ما، وكلنا نبحث عن هذا
الذي افتقدناه، سواءً الزمن، أو الأشخاص، أو القيم المثالية ومنها الحب في
حد ذاته، فكلنا نرجع للوراء دائماً لنلقي بنظرة على زمنٍ جميل افتقدناه،
وربما يكون هذا مفهوماً غير واقعي وغير سليم في الحياة العادية، لأن لكل
إنسان زمنه الذي يعيشه، ولكل جيل حياته التي يعيشها، ولكن حين تتفاقم
الأمور، وتبدأ التغييرات والتداخلات تخلق نوعاً من الشخوص غير السويين،
وتخلق حالة من التنافر النفسي بين عناصر المجتمع، وحين تدخل القيم للنطاقات
الشخصية الضيقة، خارجة عن المفاهيم العامة أو الكلية، فعلى السينما أو الفن
بشكل عام أن يأخذ دوراً في لفت نظر المجتمع،حتى من خلال الرجوع بالزمن
للوراء سينمائياً، على الفن أن يُرينا صورة للزمن الماضي، لحالة ذلك
المجتمع الذي كنا نحياه.
·
غالباً ما يكون الرجوع لتاريخ قصير
نسبياً بمثابة شهادة عليه، فعلى ماذا يريد أن يشهد الفيلم؟
كنا نريد أن نقترب من الوضع السياسي في تلك الفترة، ونشهد على ما أسسته تلك
الفترة وما سبقها، لحالة الانفتاح السياسي الحالية، برغم ذلك فيجب علينا أن
نفرق هنا بين الشهادة على ذلك الواقع وبين ما يطرحه الفيلم، فالفيلم حالة
سينمائية روائية بالدرجة الأولى، لذلك فنحن ساوقنا بين الأزمات العربية
والعالمية، وبين الأزمات والأحداث البحرينية، سواءً على مستوى شخصي، أو على
مستوى أحداث البحرين السياسية أو الاجتماعية، فحين يعلن عبد الناصر الهزيمة
العربية، يموت سلمان المناضل البحريني، وهذا التساوق في الأحداث هو ما
يركّز الفيلم عليه ، فحين يبدأ الفيلم بفرحة الانتصار العربي، ومظاهر
الزينة والفرح، ثم ينقلب هذا النصر فجأة إلى هزيمة، وتنقلب تلك المظاهر،
إلى حالة من اكتشاف الوهم، وألم هذا الاكتشاف، تدرك كمتلقي للفيلم أن ثمة
إسقاطاً على واقع راهن، لذلك فإن الشهادة في الفيلم ليست على ذلك الوقت أو
له، وليست على هذا الواقع الذي نعيشه أو له، بقدر ما هي مساءلة للاثنين،
ومساءلة للزمان والمكان.
يجب التفريق بين الشللية.. وبين الاتفاق الفكري
·
ما هي العلاقة التي قامت بين فريد
رمضان (السيناريست)، وبسام الذوادي (المخرج)، والتي أوجدت لنا هذا الفيلم؟
كلانا يملؤه الحلم، حلم السينما، حلم الفكرة، كل بأسلوبه، ولكننا اشتركنا
في خطوط هذا الحلم العريضة، فأنا حياتي (السينما)، وفريد أخذته السينما
أيضاً، فأصبحت حلمه، نلتقي في أحلامنا، أمنياتنا في المجال السينمائي.
حين دخلت مع فريد رمضان في تجربة فيلم (زائر) تقاسمنا النص، وتقاسمنا
كتابته، ولكن هذا الفيلم (حكاية بحرينية) كتبه فريد رمضان قبل أربع أو خمس
سنوات، من خلال حياته، ومن خلال رؤيته للمجتمع الذي يحيط به، وحين قدّمه لي
اكتشفت أني أقرأ نفسي فيه، واتفقت معه أن أقوم بتنفيذه، وخلال تلك السنوات
طرقنا مئات الأبواب من أجل تنفيذ هذا الفيلم، ولولا ظهور الشركة البحرينية
للإنتاج السينمائي، ووقوفها بجانبنا من أجل إظهار هذا الفيلم لما تحقق هذا
الحلم، حتى أن فريد رمضان قال لي حين بدأنا التصوير: (معظم الأصدقاء أكدوا
لي أن فيلمنا هذا لن يتحقق.. وها أنا اليوم واقف إلى جانبك أشاهد تصويره)،
كل هذا بفضل هؤلاء الأشخاص المحبين للسينما، والذين مكّنونا من صنع فيلم
يتحدث عن البحرين، ويشاهده الجمهور البحريني، ويتحدث باللهجات البحرينية
المتعددة.
·
ذكرت اللهجات هنا، وأريد أن أدخل معك
في إشكالية انتشرت في الوسط الفني منذ فترة، هي إشكالية (الشللية في الفن)
التي تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى (طائفية فنية)، وهو أمر مقلق حين ننظر إلى أن
الممارسة الفنية هي عملية خلق نسق ثقافي، تتكون وتكون المجتمع من خلالها،
كيف تنظر أنت إلى هذه الإشكالية؟
يجب التفريق أولاً بين الشللية كمفهوم وبين الاتفاق الفكري الذي ينتج عنه
التقارب في الإشتغال، أو تكرار الإشتغال، فنحن هنا أمام مجموعة مشتركة
برابط وتقارب فكري، ولكن حين تتحول مسألة التقارب إلى مسألة تقارب شللي أو
طائفي فهنا تكمن هذه الإشكالية التي تتحدث عنها، والتي أحاول أن أستوعب
أسباب حدوثها، خصوصاً في الوسط الفني الذي يشتغل أساساً على دعم الارتباط
والحب والانفتاح، فحين أجد عملاً فنياً يتم اختيار أغلب عناصر طاقمه الفني
لا لأسباب فنية بل لأسباب طائفية، أشعر بالخوف والقلق على مستقبل الفن
والسينما في البحرين، وأعتقد أن الوضع السياسي المنفتح نسبياً حالياً، أعطى
الفرصة لهؤلاء أن يمارسوا نوعاً من التضليل على من سواهم، فبدأوا بتكوين
مجموعات، وترسيخ بعض الأفكار غير السويّة في هذه المجموعات، وهذا ناتج عن
كون الانفتاح قلل من نسبة التحكّم، ولكني في النهاية موقن أن هذا الوضع لن
يستمرّ، ولكن الخشية في عواقب هذا الوضع ونتائجه.
كل هذا نتيجة غياب التخطيط في وزارتي التربية والإعلام
·
تقتصر السينما في البحرين على أسماء
محددة، من بينها وعلى وجه الخصوص (بسّام الذوادي)، كيف ترى واقع سينما
مختزلة لهذا الحد؟
لا يعجبني أن أكون وحيداً هكذا.. لا يعجبني أن تجري معي لقاء كممثل وحيد
للسينما في البحرين، لذلك فأنا أتمنى أن يتكاثر السينمائيون في البحرين،
ليس هناك نكهة لأن تكون وحيداً، التميّز وإظهار التميّز يكون عندما تُثرى
الساحة السينمائية في البحرين بالسينمائيين، ورغم ذلك فيجب الالتفات أيضاً
إلى أن هناك تجارب سينمائية بحرينية عملاقة من أمثال الفنان (خليفة شاهين)
وهو سينمائي مخضرم صاحب تجربة في الأفلام التسجيلية، وهناك تجارب أخرى من
أمثال الفنان خالد التميمي، إبراهيم جناحي الذي بدأ في فيلم خلال السبعينات
ولم ينهه، علي عباس، ومجيد شمس، ومجموعة من السينمائيين الذين كان من
المفترض أن يصنعوا سينما، ولكن أعاقهم دائماً عدم الاهتمام بالجانب
السينمائي، وعدم الوعي بالمضمون السينمائي وأهمية السينما في كثير من مناطق
المسئولية، سواءً في وزارة التربية أو في وزارة الإعلام، وعلى مدى سنوات،
ومنح الدراسة التي تخصصها وزارة الإعلام للمخرجين غير مجدية، فلا يمكن أن
ترقى صناعة سينما في بلد دون أن يكون فيها مديرو تصوير، مهندسو صوت، ولو
كان هنالك مسئولون واعون لأهمية السينما منذ السبعينات لأصبح لدينا بنية
تحتية سينمائية، ولصارت لدينا قاعدة سينمائية نبني عليها، لو أن المسئولين
في وزارتي التربية والإعلام خلال كل هذه الفترة ابتعثوا شباباً يدرسون في
كافة الجوانب السينمائية لأسسنا هذه السينما البحرينية التي نحلم بها.
من الطبيعي أننا نحتاج لمهندسين، نحتاج لأطباء، نحتاج لتقنيين، ونحتاج
لأساتذة، ولعلماء جيولوجيا، ولكننا أيضاً نحتاج لسينما، لأنها عنصر مهم في
بناء المجتمع ثقافياً.
وقد ركّزت وزارة الإعلام ولفترة طويلة على المسرح فكدّست كماً هائلاً من
المسرحيين، وحين أردنا أن نصنع سينما رأينا أن الأكثرية معتادة أن تشتغل في
المسرح وغير معتادة على العمل السينمائي، وصار على من يريد أن يشتغل في
السينما أن يؤهل نفسه سينمائياً بشكل شخصي، كل هذا نتيجة غياب التخطيط
الفعلي في هاتين الوزارتين.
هل ستجدني سعيداً بمثل هذا الوضع، هذا وضع مؤلم بالنسبة لي، ووضع متعب،
وأنا أحمل همّاً سينمائياً يجب أن يتقاسمه مائة شخص على الأقل ، مائة شخص
يحلمون سينما، يشتغلون سينما، يصنعون سينما، أنا أحلم بصناعة أفلام
سينمائية، وغيري الكثير ممن يحلم بمثل هذا، يجب علينا أن نساعدهم وأن
نشجّعهم، لتتحرك السينما في البحرين، ربما تخلق عندها قاعدة سينمائية.
الأيام
البحرينية في 30 أبريل 2006 |