·
يحكي قصة يهودية مصرية تحن لعائلتها في
إسرائيلفيلم «سلطة بلدي».. دعوة للتطبيع بلا ثمن!!
·
الفيلم نوع من الهرولة الدرامية.. ظاهرها
التوثيق وباطنها ضرب الثوابت الوطنية السلطة التي يتحدث عنها الفيلم ملوثة
وغير ممكنة الهضم...
·
لماذا الدعوة للسفر إلي إسرائيل في هذه
المرحلة الساخنة بدعوي لم شمل أسرة؟!
ليس من الحكمة أو الحياد الموضوعي أن يكون هناك رأي أو حكم
مطلق يسبق أي فيلم سينمائي يعرض دون مشاهدته فلا يجب الاعتماد علي الجو
المشحون مسبقا علي رؤية الفيلم دون الولوج إلي الشريط السينمائي الذي كتبته
وأخرجته «نادية كامل» باسم «سلطة بلدي».فالفيلم منذ لقطاته الأولي ومساراته
المتعددة مثير للجدل.. «الفيلم تسجيلي طويل يستغرق عرضه 105 دقائق» وهو
إنتاج مشترك وقد عرض في أماكن متعددة منها مهرجان الإسماعيلية للأفلام
التسجيلية والقصيرة ومهرجان السينما «بدبي» وأثار العديد من الاعتراضات،
وقد شاهدت الفيلم مرتين بالمركز الثقافي الألماني وجمعية نقاد السينما
المصرية علي قاعدة عرض كل عمل فني يثير الجدل بصرف النظر عن قبولنا له أو
رفضنا المطلق دون تفريط أو أفراط في إكالة الاتهامات وردود الأفعال وتعدد
القراءات.شريط فيلم «سلطة بلدي» يقوم بناؤة ونصة الدرامي علي ما يسمي «بالنستالوجيا»
أي الحميمة ومعانقة الماضي بلا وجل، فالحميمية هي المنطقة الحرجة والحساسة
والمليئة بالشجن وهو أمر واقع دون الوعي بدلالاته أو خطوطه المتماسة أو
المتعارضة فنحن ايزاء فيلم له قناتين قناة مسارها سياسي وأخري اجتماعية
فأحدثت نادية كامل تشابكا هلاميا وخلطت ما بين ما هو مسيس وما هو ذو رؤيا
سسيولوجية بجانبها الاجتماعي وعلينا أن نفك الاشتباك بين ««أنية» الفكرة
وهمها السياسي ففكرة السلام أو عقد الاذعان بيننا وبين الآخر لا يعني مطلقا
عدم الاعتراف بوجوده «فقد أعطي ممن لا يملك وعدا وأرضا لمن لا يستحق» فقد
تخطت نادية كامل سياج معرفتي وهرولت نحوه وكأنها تقول في العديد من المشاهد
لماذا لا نتعامل بجدية وعقلانية مع الآخر في عقر داره دون ذكر للعوامل التي
أدت لهذا الكيان أن يأخذ شرعية وجوده وعلي الآخرين أن يلتحفو السماء بحثا
عن وطن ووجود وهوية.البطل الحقيقيوالجانب الآخر الذي أكدته المخرجة هو
الجانب الاجتماعي والأسري والذي يبدو جليا البحث في «أوتغرافيات» تلك
اليوميات والذكريات من آلية لتشريح جوانب الغموض داخل يوميات تلك الأم
والتي أعتبرها البطل الحقيقي والمؤثر دراميا للفيلم، والأم في النص
السينمائي تؤكد أن مصر بقعة متوهجة وأنها شخصية «كزموبولتنية» تضم منذ عصور
سحيقة جميع العقائد والتيارات والأديان والكثير من العادات والتقاليد
والقيم في تناغم لا مثيل له ومن هذا السياق أي أن الفيلم يمثل مستوي إنساني
لهذه الأم الحائرة والتي لا تملك الحقيقة علي إطلاقها بل تمتلئ حنينا
لأحداث مرت في حياتها كشريط سينمائي منذ أكثر من 40 عاما لم تر أقراباءها
وأحباءها سواء منهم من سافر إلي إيطاليا أو حتي داخل الأرض المحتلة فالوعي
لديها مشوب بالحنين لا بالسياسة وتداعياتها.وهذا ما آثار ما يسمي «بغضب
الطرح الدرامي» وحلمنا هما ثقيلا في متابعة الفيلم لأننا في حقيقة الأمر
محملين بثقافة الرفض المطلق وهو ما لم تعرضه بشفافية مخرجة الفيلم ولم تبرز
أو تحسم في إيقاع متواز ما بين ما هو ذاتي من خلال تلك الأم وما هو موضوعي
قابل للجدال.والملاحظة الجديرة بالذكر أن أي فيلم يجب أن يقرأ من داخل نصه
السينمائي وليس من خلال الشكل الخارجي فقط، وهناك قراءات تحليلية أخري تذكر
أن الشكل والمضمون كيان عضوي واحد، والمخرجة من تلك المفاهيم انتهي دورها
وتركت وثيقة سينمائية تحتاج إلي تفكيك رموزها وهوية ما أفزته عن كسب،
والشيء الدال الذي لا استطيع كبح الإمساك به هو جرأة المخرجة المشوبة
بالحذر بدخولها منطقة لها خطوط حمراء وسوداء داكنة ومنزوعة السلاح إلا من
بشر يهيمون في فراغ بلا معني إنها بذلك تريد أن توصل لنا رسالة بأننا لا
نواجه الواقع ولا نخترق به حدود الزمان والمكان، فالأم التي تعلقنا بها من
خلال أداء تلقائي ومشروعية وجودها وخلفيتها السياسية بدخولها المعتقل لمدة
7 سنوات وتلاحمها الفكري والعقائدي مع رفيق عمرها «سعد كامل» المفكر
اليساري والذي ركز في أحد حوارته أنه «إذا كانت الشيوعية قد انتهت فأنا
روحها» ورغم ذلك رفض هذا الزوج زيارته لإسرائيل إلا بموافقة الجهات
والسلطات الأمنية علي ذلك.ويهبط الزوجان أرض الميعاد ويقابلون مصريين يهود
لهم حنين جارف إلي مصر وذكرياتهم حفرت في أعماقهم ولكن تلك المشاهد استفزت
ما تبقي من دماء فالمخرجة أرادت بذلك أن تتذاكي علي المشاهد وتقوم بتقديم
وجبة حفيفية ليهود شرقيين هائمين زرعو في تلك البقعة دون أن تقدم المخرجة
ولو لقطات معاكسة ليهود الغرب ونظرتهم السوداوية.اليهودية والصهيونيةوهذه
الرؤية هي استحقاق سينمائي غير متوائم في طبيعة الصراع الثقافي وتغير
استباقي للواقع، فلماذا السفر إلي إسرائيل في هذه المرحلة الساخنة لتحقيق
معني الحميمة وهناك بالمقابل قطعت المخرجة شوطا جديرا بالذكر حول الفرق بين
اليهودية كدين والصهيونية كاجندة للتعامل بقسوة مع البشر وسحقهم وراء جدار
عازل وكأنها تطرح مضمونا بأن نتعامل مع هذا الجدار ويتجاوزه النخبة في
إدارة الصراع بين ما هو مستحيل وما هو ممكن.نادية كامل مخرج تسجيليةلم
نتعرف من قبل علي أعمال نادية كامل المخرجة ولكنها في هذا الفيلم امتلكت
أدوات تقنية وحشدت طاقتها لصناعة فيلم تسجيلي فقد اخترقت مفهوم زمن العرض
للفيلم التسجيلي من وسائل الاتصال المهمة فقد اهتمت بالحوار والتسجيل
الصوتي والمؤثرات الأخري التداخلية خاصة تلك الأغنيات التي عبرت سماء مصر
بصدق ومتأثرة بعالم يتمزق حولها بلا وعي منا لأهمية وجودنا داخله
وداخلنا.ولكن الزمن المرئي للفيلم أصابه بحالة من الملل والتفسيرات الزائدة
وثبات اللقطات دون أي معني وبطء الانتقال من لقطة إلي أخري.. ومع ذلك
فالفيلم ينتمي لسينما المؤلف أقرب إلي الأنثروبولوجيا بمعني أنه يشرح شخصية
الأم من خلال جغرافية حياتها الحائرة والمتقابلة ما بين الزوج والحفيد الذي
اكتسب مفاهيم كثيرة ولا يعي مدلولها حول الدين والهوية إنه حالة من التغريب
قد يعاني منه أبطال العمل.والمتلقي لهذا الفيلم لا يستطيع أن يكون محايدا
علي إطلاقه، فهذه السلطة البلدي، يمكن استحضار مكوناتها من هنا وهناك ولكن
شيئا ما يبقي يقف حائلا دون مراجعة للنفس فهذا الطبق المنزوع الدسم يجنح
إلي هرولة لا مبرر لها دون وعي بخطورتها فتلك الخطوط الشائكة التي تجاوزتها
نادية كامل هي نوع من «التطبيع» الخارج عن السياق الجمعي، فهذا الطبق
مكوناته غير صحية وغير ممكنة الهضم آنيا وبه الكثير من ملوثات غير معلنة
وبريئة القصد. ولكن هذا الشريط يحتاج إلي مراجعات وإعادة قراءات والوعي بما
فيه وما عليه دون مصادرة أو منع بل مزيد من الأفلام والأفلام لمعالجة
قضايانا بحرية وموضوعية.
جريدة القاهرة في 5
فبراير 2008
|