·
حرص علي تسجيل مذكراته في أكثر من كتاب أهمها «السيرة أطول من العمر»
·
لغته شديدة التواضع رغم أنه قدم للسينما أربعة وعشرين فيلما بينها
علامات مهمة مثل «رسالة إلي الله»، «قنديل أم هاشم»، «الشوارع
الخلفية»، «المتهم»...
·
بدأت علاقته بالسينما عندما عمل مساعدا لصلاح أبو سيف في فيلمه الأول
«دائما في قلبي» ثم في أفلام «المنتقم» و«مغامرات عنتر وعبلة»
·
نجاح فيلمه «المجرم» الذي جسد فيه المليجي شخصية رجل طيب أغري ملك
الأدوار الشريرة بإنتاج فيلم «المتهم» الذي يلعب فيه دور متهم برئ..
ليس هناك علاقة حميمة بين أغلب المخرجين، في بلادنا، وبين
الكتابة الأدبية، ورغم التاريخ لهؤلاء المخرجين، فإن أيا منهم لم يفكر في
إملاء ذكرياته، أو كتابتها في كتاب ولعل الوحيد الذي فعل ذلك بقوة هو جلال
الشرقاوي، لكن هذا الرجل يحسب علي الحركة المسرحية، باعتبار أن أفلامه
القليلة في السينما لم تكن ذات أهمية.إذن، فالوحيد الذي فعل ذلك هو كمال
عطية «19197 ـ171 008» في كتابه الذي كتب سيرته الذاتية في أكثر من كتاب
أهمها كتابه «السيرة أطول من العمر»، وقد لا يكون هذا غريبا علي رجل كتب
العديد من المقالات في مجلات كثيرة، بالإضافة إلي تأليف الأغنيات
المشهورة.وكمال عطية في كتابه هذا يخاطب المستقبل في كتابه البالغ الأهمية
حين يهدي الكتاب إلي «الغد الذي سيتبني سيرتي من بعدي»..«لقد تعلمت من
أخطائي في أفلامي»«وتعلمت أكثر من الصواب في أفلام الغير»«وأرجو أن يزاد
صوابهم لتقل أخطائي»وهل هناك لغة أستاذ أكثر تواضعا لمخرج قدم للسينما
أربعة وعشرين فيلما كان من بينها الكثير من العلامات، مثل «المجرم»
والمتهم» وآخر من يعلم» والشوارع الخلفية» و«قنديل أم هاشم» و«رسالة إلي
الله».نصف الحقيقة يكفيوقد بدت لغة الأديب في الكتابة، المختصرة،
التلغرافية، حين يقول في المقدمة، مثلا «أنا من مواليد 7 فبراير، وابن سبعة
أشهر لا تسعة.. وانتمي إلي الفن السابع، هذه السبعات من الأرجح أن تكون قد
قررت عمدا لا تصادفا».كما تبدو اللغة الأدبية في العناوين التي اختارها
المؤلف المخرج، ليس فقط بمذكراته، بل أيضا للفصول المتعددة في الكتاب، فتحت
عنوان الحلقة الأولي «نصف الحقيقة يكفي» يروي علاقته البالغة الوجدانية
بأمه، وأنه وحيد للأم التي فقدت زوجها، فتوحدت مع وليدها، فأحس برجولة
مبكرة، «بدأت أرسم لنفسي من شكل الرجولة مظهرا كان في بعض الأحيان مثيرا
للضحك خصوصا من أمي التي كانت تردني برفق، دائما إلي حياة الطفولة حتي لا
تحرمني من ممارستها فأنمو معقدا لفقدانها كلية.. وقد كانت في ذلك حكيمة
تتبع أحدث أساليب علم النفس في التربية دون تلقين أو دراسة. وإنما هي
الغريزة، وصدق النية والتوكل علي الله والاستعانة به في ترشيد خطوات حياتها
وحياتنا.. وقد كانت تسند ظهري دائما كلما رأت أن هذا ضروري لمواصلتي طريقي
الذي أحببت أن أسير فيه حتي النهاية».ويقول في نفس الفصل عن طفولته «مرت
السنوات وأنا هكذا مقسوم نصفين، نصف طفل، ونصف رجل، ولم يكن هذا صعبا علي
أن أعطي كل نصف حقه. ذلك لأن أمي كما كانت تذكرني برجولة كانت أيضا تذكرني
بطفولتي بإرسالي دائما مع رحلات الأطفال التلاميذ إلي ما تختاره المدرسة من
أماكن الفسح والترفيه».وقد حلم كمال عطية في طفولته المبكرة، ثم شبابه
الأول أن يصير كاتبا، وليس مخرجا، فاتجه إلي الصحافة حيث القصة والقطع
الأدبية لإشباع الهواية من خلال الاحتراف، «جعلت أبطال كتاباتي الأشياء
والجماد، والصمت... وكان ما لفت النظر والخاطر فعلا، كما اعتقد، هو ما
كتبته عن حياة موال، وكيف كانت كلماته تتحرك بالمعاني والوصف، فتقوم بدور
البطولة وتنبض بالحياة في كيان، يقول أنا موجود، وتنتظمني ألفاظ تحقق وجودي
«موال»أما الحلقة الثانية، فهي تحت عنوان «اليوم كالطفل يولد عريان».. حيث
يقول: في البداية إن الفرق بين اليوم والطفل، أن الطفل يولد لأبوين محددين
واليوم يولد لملايين من الآباء والأمهات في وقت واحد.. وأنا واحد من هؤلاء
الملايين.. وقد البسته الثوب الذي اخترته له دون أن أدرك أن هذه إرادة
القدر وليست إرادتي»..عالم السينما الخفيويتحدث الكاتب عن أول علاقة له
بالسينما حين عمل مساعد مخرج لصلاح أبو سيف في فيلمه الأول «دائما في قلبي»
ثم عمل مساعدا له في أفلام تالية هي «المنتقم» و«مغامرات عنتر وعبلة».أما
عن فيلمه الأول كمخرج، فإنه يصور نفسه أقرب إلي سيارة أجرة، كانت تقف تنتظر
دورها «الحكاية تتلخص في أن امطربة الشهيرة رجاء عبده كانت قد أعدت نفسها
للإنتاج فاختارتني» ويشرح عطية أن هناك توصية قدمها المنتج جبرائيل تلحمي
لرجاء، فجاء فيلم «حبايبي كتير».وقد تحدث عطية عن العالم الخلفي للسينما من
خلال أفلامه، ولقائه بالمخرج الإيطالي دوسيكا عام 1951، والذي تنبأ بمستقبل
مشرف للممثل فريد شوقي.تحت عنوان «وعلي رأسي برنيطة مقلوبة» تحدث كمال عطية
في الحلقة الثالثة من كتابه، متحدثا عن فيلم «المجرم» وهو أحد الأفلام
القليلة التي جسد فيها محمود المليجي دور رجل طيب: «نجح الفيلم عند عرضه
عام 1954 نجاحا لم يدع مجالا للسخرية منه علي ألسنة مجموعة النقد التطوعي
التي يمثلها علي الزرقاني.وقد حكي المخرج بعض المتاعب التي تلازمت وعرض
فيلم المجرم لكن «يبدو أن شجاعتي في علاج هذه القضية قد شجع محمود المليجي
علي أن أخرج له فيلما شجاعا من إنتاجه وتمثيله هو فيلم «المتهم» والشجاعة
هنا في أن يمثل المليجي شخصية متهم برئ وليس المجرم الجاني كما اعتاد أن
يمثل، وكما اعتاد الجمهور أن يشاهده، كما احتوي الفيلم شجاعة أخري من علوية
جميل، زوجة المليجي أن تقبل أن تمثل دور أم المليجي في الفيلم مع علم الناس
جميعا أنها زوجته، ولكن أحساسها الصادق بالفن، جعلها تقبل دون اعتبار لسنها
الأصغر من سن المليجي بعدة سنوات، ودون اعتبار لأي تحذير من زميلاتها أو
صديقاتها».وفي الحلقة الرابعة من ذكرياته تحت عنوان «اعتصام الكتاكيت في
البيض» يتحدث كمال عطية عن ذكرياته مع يحيي حقي، وفيلمه «عشاق الليل» عام
1957 ثم «الملاك الصغير» وكلاهما من بطولة يحيي شاهين، ثم «آخر من يعلم»
الذي كتب له السيناريو الإيطالي الشهير داميا نوداماني، صاحب أهم الأفلام
السياسية في إيطاليا طوال عشرين عاما ابتداء من منتصف الستينيات.ذكريات
سينمائيةأما الحلقة الخامسة، فيتحدث فيها المخرج عن فيلم «نهاية الطريق»
و«رسالة إلي الله» قائلا: «أنا لا أنسب الفضل كله إلي نفسي بل لي ولجميع
الذين اشتركوا في صنع الفيلم بمن فيهم العمال جميعا، وأنا لست ممن ينسبون
أفضال الغير لأنفسهم كما يفعلون، ويفعل بعض المخرجين الذين يحشدون أسماءهم
في وضع السيناريو والإعلان عن حشرهم قسرا في عناوين الأفلام وهم لم يشتركوا
في أي سيناريو إلا بالتنفيذ لما كتب فقط».وقد روي كمال عطية بعض الذكريات
الخاصة بأفلامه في تلك المرحلة، سواء عن فوز «رسالة إلي الله» بجائزة في
مهرجان كورك الأيرلندي، أو عن الصفعة التي تلقاها محمود المليجي من إحدي
النساء بمناسبة عرض فيلم «عبيد الجسد» عام 196.وفي الحلقة السادسة المعنونة
«قراءة في ورقة بيضاء» العناوين دائما ذات جاذبية، ويقول في حديثه عن فيلم
«سر الغائب» أنه كان ذا أسلوب خاص جديد في التشويق مليئا بالمواقف الساخرة،
والمفارقات الضاحكة الباكية التي اشترك فيها معه كاتب متخصص اسمه نسيم
شحاته، ثم تحدث عن ظروف عديدة حول فيلمه «طريق الشيطان» و«ثورة البنات»،
وقد اعترف المخرج أنه السبب في فشل هذا الفيلم الأخير.أما فيلمه الأهم
«قنديل أم هاشم» فإن المخرج يفرد فصله السابع قائلا: إن كل شيء كان يتم
بمنتهي الاتقان، وتعليماته كانت تنفذ بدقة للجميع ودون أن يشعر أحد الزوار
بمكانه ولا إشاراته لتحويل العمل، كما حكي الفيلم رحلته إلي ألمانيا
الشرقية لتصوير أجزاء من الفيلم، وقد سافر معه في هذه الرحلة الممثل شكري
سرحان.وتطرق الكاتب إلي أزمة السينما في تلك السنوات، وتحدث عن الاجتماع
الذي عقده الوزير ثروت عكاشة عام 1966 في استوديو مصر، وحضره معظم
السينمائيين من جميع الأقسام بما فيها الإنتاج، وهو الاجتماع الذي قال فيه
رشدي أباظة قولته الشهيرة بأن السينما في مصر «همبكة».«وقد حرقت بعض الصحف
عند نشرها هذا القول وعلقت فقط علي وصف السينما بالهمبكة.. أما ما قاله حسن
الإمام فهو الحدث الذي لم نتوقعه، لا منه ولا من غيره، حيث قال كدليل علي
الأزمة المالية التي تمر بها جيوب السينمائيين دون تحفظ «أنا بعت ساعتي قبل
ما أجي هنا عشان ألاقي فلوس لي ولبيتي».«وقد أصبنا جميعا بصدمة حقيقية
ولفنا صمت ألجمنا وقتا أعطي فرصة أخري لحسن أن يتمادي فيطلب من ثروت عكاشة
طلبا غريبا أيضا: أنا عايز شيك بخمسين جنيها دلوقتي علشان أمشي حالي بيهم
الأيام الجاية»محمود قاسم
جريدة القاهرة في 5
فبراير 2008
|