الممثل المعروف بالتصرف الشاذ والنتاج المتدني يفوز بهتاف
انتقادي لرجوعه الاخير الى السينما.
عندما يحمي (دانييل داي-لويس) نفسه في حفرة بارتفاع خمسين
متراً في بداية آخر أفلامه (سيكون دم هناك) سيبدو الا مر كاستعارة من أحد
أنماط تصرفه الغريب، وبشكل نموذجي هذه الامور يفجرها عمل يدعو للاسف
-تأمـَّـل وداع الممثل المرسل بالفاكس الى محبوبته الحامل (ايزابيل أدجاني)
(والذي أنكرته هي) -وبعد الانسحاب الى العزلة تتبع عادة ً عودته المنكرة
الى الاضواء (تتبعها) تهيئة مفرطة للدور الجديد، وبلغت الدورة ذروتها في
وابل من أكاليل النصر.
و(داي-لويس) المنادى به على أنه (أوليفييه) جيله هو الآن في
المرحلة الاخرى، اما وقد فاز للتو بجائزة الـ (غولدن غلوب) كأفضل ممثل عن
تصويره رجل صناعة النفط الشيطاني في فلم (دم) فهو المفضـَّـل ليحصل على
جائزة (بافتا) امام المنافسة الآتية من (جيمس ماكافوي) في (أتونيمينت)
و(جورج كلوني) في (مايكل كلايتون)، ويقال كذلك ان جائزة اوسكار ستكون من
نصيبه-بسماح (جوني ديب) وكتـّـاب نصوص هوليوود المتمردين - والفلم هو
الرابع له في غضون السنوات العشر الماضية.
وصورة النجم البالغ الخمسين كـ " ناسك مجنون" تنعشها بين
الفينة والفينة تقارير شذوذ كاصلاح احذية الناس في شارع خلفي في (فلورنتاين).
وهو يقيم في قصر من العهد الجورجي في جبال (ويكلو) في ايرلندا
مع زوجته (ريبيكا) وولديهما (رونان) (9 أعوام) و(كاشيل) (5 أعوام)، وطبعة
كفيهما الصغيرين موشومة على ذراعه، ولديه صبي يبلغ الثانية عشرة (غابريل)
من علاقته التي استمرت ستة أعوام مع (أدجاني)، وفي هذا المعقل الريفي وهو
يحدق من نافذة مكتبته ذات الكتب المصفوفة او يدور في التلال مع اولاده جمع
الالهام للامساك بدوره الاخير المستنزف، وقد أخبر صديقه الكاتب (حنيف
قريشي) الذي أعطاه فلم (ماي بيوتفول لاوندريت) انطلاقته في دوره في الفلم
عام 1985قائلاً " المنظر من النافذة مذهل، وقد تمضي الشهور وانا مستغرق في
المناظر الطبيعية".
اما بالنسبة لتسميته بالمجنون فـإنه يدافع عن ذلك بأنه اطراء
ايرلندي، فقد أمضى سنتين من التحضير الموسوس لدور (دانييل بلينفيو) القطب
الذي بدأ كعامل تعدين وحيد ينقب عن الذهب في جبال كاليفورنيا عام 1898
وإنحدر الى مسخ ثري، وقد وجد (داي - لويس) نكهة للاوقات في الرسائل المثيرة
للمشاعر والتي كتبها عمال التعدين الى أحبائهم حيث يقول " كانوا عادة ما
يتفقون مع كاتبين او تجار او معلمين كانوا يعيشون كالحيوانات ".
والتزام (داي- لويس) البدني بالتعود على الشخصيات التي يصورها
هو التزام شديد اذ أنه يمثل للبعض المعادل البريطاني لـ (روبرت دي نيرو)،
ولاجل أدائه الساحر في شخصية (كريستي براون) مشلول الاطراف في فلم (ماي
ليفت فوت-قدمي اليسرى) اتخذ طريقة كرسي العجلات وعلـَّـم نفسه الرسم بقدمه،
وفي شخصية ساكن الغابات (هاوكي) في فلم (آخر الموهيكان) تعلـَّـم سلخ
الحيوانات وكيفية اطلاق بندقية مسكيت كنتاكي قديمة الطراز، ولأجل مشاهد
التعذيب خلال فلم (بـإسم الاب) حبس نفسه في زنزانة وتم استجوابه في حين انه
من اجل دوره كقصاب مضطرب العقل في فلم (عصابات نيويورك) أخذ دروساً من
قصابين في (بيكهام) بجنوب شرقي لندن.
وموهبته التمثيلية هي عبارة عن لغز يحجم هو عن الكلام عنه، سوى
قوله " كل عمل يتطلب منك ان تتخيل عالماً ومن ثم تحاول فهم ذلك من خلال
تجربة إنسان هو ليس نفسك ". وحبه للدراجات النارية هو واحد من علامات شبابه
الجامح، ويتذكر (قريشي) اللقاء الاول بـ " هذا الفتى الطويل القاسي الى حد
ما ولكن الوسيم" والذي قد يخرج معه لتناول الشراب، ومن وجهة نظره فـإن لدى
(داي-لويس) " خليطاً من السكون والرعب الضمني" الذي يسـِـم الممثلين الكبار
معطياً الانطباع بأن " هــــــــــــــــذا الرجل قد يجن في أي وقت ".
وقد أدى رفض (داي-لويس) اضعاف شخصيته بينما كانت في طور
التكوين الى اعتبارات منه تزعج زملاءه الممثلين، وتقول التقارير عن أحدهم
بأنه ترك فلم (سيكون دم هناك) مشتكياً من ان النجم كان " مجنوناً
ومـُـرعـِـباً" وإدعى آخر بأن (داي-لويس) وفي مشهد قتال خرج عن السيطرة
وضربه بكرات البولينغ.
وقيل ان (داي-لويس) قد جن عندما إنهار في منتصف الطريق خلال
عرض مسرحي لمسرحية (هاملت) عام 1990 مدعياً انه قد رأى شبح والده (سيسيل
داي-لويس) شاعر البلاط الملكي السابق، ولم يطأ خشبة المسرح أبداً، وقد شرح
الامر فيما بعد قائلاً " مررت بلحظة قوية وتقريباً مهلوسة والتي فيها كنت
منشغلاً بحوار مع والدي... غير ان ذلك لم يكن سبب مغادرتي خشبة المسرح، كان
علي ان أغادر الخشبة لأنني كنت وعاء خاوياً، فقد استنفدت نفسي الى درجة انه
لم يعد هناك شيء".
ولم يكن قريباً من والده الذي أبعدت حاجته الى الانعزال حب
ولده اذ يقول "كان يتوجب عليك ان تطرق بابه، وكان يتوجب عليك ان تمشي على
رؤوس أصابعك عند المرور بغرفة مكتبه "، وهو معذ َّب بحصاة المرارة ومشاكل
القلب استسلم الشاعر للسرطان عندما كان (داي-لويس) في الخامسة عشرة اذ يقول
" كنت أفتقده في حياته بل وافتقدته اكثر بعد وفاته "، وقد توصل الى الادراك
بأنه تقاسم بعضاً من سمات والده مثل " الولع بالهجوم على الامور التي تراها
مخيفة ".
وقد تم ذمه للطريقة الخسيسة التي افترق بها عن (أدجاني) عام
1995، واعترف فيما بعد بأنه " خذل نفسه والناس الذين أحبهم " الا انه قد تم
جرحه لوصفه بأنه "مثل عدو للمسيح ".
وفي عام 1996 وبينما كان يعمل على نسخة الفلم من مسرحية (ذا
كروسبل - البوتقة) قام بزيارة منزل مؤلفها (آرثر ميللر) حيث تم تعريفه
بـابنته الممثلة (ريبيكا)، وقد تزوجا في شهر تشرين الثاني من ذلك العام،
وأخرجته بملاطفتها من حالة شبه التقاعد التي كان عليها ليلعب الدور الرئيسي
لرجل يحتضر في فلمها (أغنية جاك و روز) والذي حظي بكتابات نقدية مختلطة رغم
الاستحسان العالمي تقريباً لأدائه.
ولد (داي-لويس) في الغرفة الامامية من المنزل رقم 96 في كامبدن
هـِـل رود في كينغستون بغرب لندن في التاسع والعشرين من نيسان من عام 1957،
وقد ورث طلعة والده الوسيمة القاسية فيما أتى شعره الاسود من أمه الممثلة
(جيل بالكون) والتي كانت عائلتها من يهود البلطيق، والكثير من اعمالها
المبكرة قد قدمتها لستوديوهات (إيلنغ) التي ترأسها والدها (مايكل بالكون)
بين عامي 1937 و 1959 ـ اما شقيقة (داي-لويس) الكبرى (تاماسين) فقد اصبحت
مخرجة لافلام وثائقية ومديرة تلفزيونية، واذ نشأ (داي-لويس) في غرينتش جنوب
لندن فقد أخشوشن بسرعة.
ويقول " كان كل شخص ينتمي الى عصبة ويتشاجر وقد كنت منتمياً
الى عصبة، وكان لدي شخصان لحمايتي فـإذا تلقيت ضربة فـإنهما يحرصان على ان
يتلقى شخص آخر ثلاث ضربات " وما أثار رعب شقيقته انه اتخذ لهجة الطبقة
العاملة كحماية له حيث يقول " كنت ايرلندياً ويهودياً ومن طبقة مختلفة
بالنسبة لمعظم الاولاد ".
ولابعاده عن المتاعب أرسله والده ليحقق النجاح في مدرسة (سفن
أوكس) في (كنت) وهو مكان وجده " غريباً وغير جذاب "، وقد تمرد وعادة ما كان
يقع في متاعب بسبب سرقة السلع المعروضة واحتساء الخمر والتدخين والعبث مع
الفتيات.
ومع ذلك فقد اكتشف امرين انجذب إليهما وهما التمثيل وأشغال
الخشب، وأفضل أعماله كان طاولة للعب تنس الطاولة والتي أفادت العائلة بشكل
جيد في القبو لسنوات عديدة، وفيما بعد أنتج أثاثاً أنيقاً.
وفي سن الثانية عشرة تم نقله الى (بيداليس) وهي مدرسة تحررية
حيث قضى " أسعد أيام حياتي"، وقد بدأ يكون واعداً في كونه ممثلاً ففي لحظة
يلعب دور الامير الشاب المندفع (فلوريزيل) في مسرحية شكسبير (ذا ونترز
تـَـيل-حكاية الشتاء)، وكانت الطالبات يدعينه (دانييل داي-بـِـن أب دانييل
داي-صورة للجدار) وكان لديه علاقة استمرت لعقد كامل مع فتاة في مرحلته
الدراسية هي (سارة كامبل).
وعلى الرغم من انه كان مضطلعاً بفترة عمل في مسرح الشباب
الوطني الا انه وجد شيئاً " رثاً " و" كريهاً " بخصوص حياة الكواليس،
وبدلاً من ذلك انكب على التدرب لسنوات كصانع خزانات غير انه تم رفضه
لافتقاره الى الخبرة.
ثم وليتغلب على وسواسه بخصوص خشبة المسرح التحق بمدرسة مسرح (بريستول
أولد فيك) وفي آخر الامر يمثل في مسرح الكبار، وقد تذكر الممثل (بيتر
بوستلثويت) فيما بعد قائلاً " لقد شاهدنا كل هذا العمل المثير يمضي وفكرنا
(أوه، كلا، ليس مرة أخرى من ذلك)! الا يمكننا ان نضيعه في مكان ما؟" وقد
تغير موقف (بوستلثويت) بحلول عام 1993 عندما تم ترشيحه-وهو يلعب دوراً
ثانوياً مع (داي-لويس) -عن فلم (إن ذا نـَـيم اوف ذا فاذر).
وقامت مهمة مع (فرقة المسرح الصغير) برفع معنويات (داي-لويس)
لينضم الى عمل (ويست إيند) الناجح المعنون (أناذر كنتري) والذي أنتج نجوماً
كباراً مثل (كينيث براناه) و(روبيرت ايفيريت) و(كولن فرث)، وفي عام 1983
انضم الى (فرقة شكسبير الملكية) ليلعب دور (روميو) الذي وصفه هو بأنه "
**** ".
وبعد مغادرته مسرحية (هاملت) لـ (المسرح الوطني) شعر بأنه
مـُـكره على تفنيد الفكرة التقليدية بأن الفلم السينمائي كان " بيعاً
بالكامل"، وقد توجه الممثلون الى العمل في السينما لأنها كانت وسيلة مرتبطة
بالجمهور كما أصر هو، وقد حاول كثيراً ان يحب المسرح " والحقيقة هو أنني في
أغلب الاوقات عندما أذهب الى المسرح أشعر بالملل الى حد الاضطراب العقلي".
والآن هو يعطي كل إنطباع بكونه رجلاً راضياً حيث يقول " أنا
أسعد ما أكون اما بالتطلع من النافذة او السير في ربوع تلك المناظر
الطبيعية".
ومرة أخرى يتطلب الامر شخصاً شجاعاً لاسترجاعه من قصيدته
الملحمية الريفية.
المدى العراقية في 5
فبراير 2008
|