* ما كتبه عادل حمودة عن النجم الكبير الذي يشعر بالغيرة من أحمد زكي
* أعتقد أن أحمد زكي مات بحسرة فيلم «معالي الوزير» المتواضع لأنه لم يحظ بحسن الختام... ولا أتصور أن المشاهد التي صورها في فيلم «حليم» قادرة علي صناعة فيلم كبير يليق بنهايته وقفت أنا والمخرج علاء كريم الناقد وهشام لاشين ننظر مشدوهين إلي ما حدث. لم يهنأ أحمد زكي بجنازته ولم يهنأ مشيعوه من الجنسين بهذه الجنازة، لم يتحرك أحد من مكانه بعد أن انطلقت السيارة بالنعش، الكل يقف في دهشة واستنكار بدأ بعض المشيعين من عامة الناس يقسمون أنفسهم إلي مجموعات أخذوا يسيرون في مظاهرات صغيرة وهم يصيحون «لا إله إلا الله» كانت أغلب هذه المجموعات من الناس البسطاء.. الفقراء.. كأنما يشهدون الله علي ما حدث أو يشهدون الله علي ما يحدث لهم وأوصلهم إلي هذا المستوي من الفقر كان يحيط بكل مجموعة من هذه المجموعات شلة من رجال الأمن ربما رجل أو رجلان من رجال الأمن لكل صبي ربما كانوا يخشون من أن تتحول هذه المجموعات إلي مجموعات إرهابية أو تتغير هتافاتهم لله العلي القدير إلي شتائم وسباب في النظام. من الأشياء المضحكة التي مازلت أتذكرها أنني شاهدت مجموعة من الصبية وهم يسيرون وهم يصيحون «لا إله إلا الله» ويسير من خلفهم أحد لواءات البوليس يحاول أن يفرقهم ولكنهم لم يعبأوا به. أخذت أبحث عن سيارتي فلم أجدها اتصلت بالسائق تليفونيا فأخبرني بأنه يقوم بتوصيل زوجة ابني وأحفادي إلي الطبيب من أجل تطعيمهم، أخذت أبحث عمن يوصلني إلي المدفن في طريق الفيوم ولكني لم أجد أحدا من الأصدقاء. شاهدت الجزء الثاني من مراسم وداع أحمد زكي في التليفزيون هو الجزء الخاص بعملية دفن الجثمان في مثواه الأخير. الجزء الذي حرمت أن أحضره وأراه علي الطبيعة شاهدت في التليفزيون جماهير غفيرة هناك، البعض منهم يبكي أغلبهم من النساء والفتيات تذكرت ما حدث يوم دفن الفنانة سعاد حسني حيث كنت حاضرا كان هناك من يبكون في حرقة حقيقية وهناك من يقوم بتمثيل الدور بإتقان، تظاهرت نجاة الصغيرة بالانهيار وفي شدة انهيار تسأل عن صديقها الطبيب الوسيم. هي لم تسأل عن شقيقتها طوال بقائها في الخارج وربما قبل أن تسافر. امرأة ركبت إحدي سيارات الأجرة ولم تكن تدرك أن المسافة طويلة وعندما وصلت وطالبها السائق بالأجرة لم تجد معها إلا مبلغا صغيرا وحدثت مشاجرة بينها وبين السائق لم أعرف كيف انتهت. وربما حدثت مشاجرات كثيرة من هذا النوع مع بقية الناس البسطاء الذين جاءوا لوداع نجمتهم المحبوبة التي لم يروها حقيقة ولكن رأوها حلما علي الشاشة الفضية وعندما سمح لهم القدر بأن يروها في الحقيقة رأوها في نعشها. عتقد أن من كانوا يبكون أحمد زكي أكثر من الذين بكوا سعاد حسني كان الرجال والنساء يبكون رأيت علي شاشة التليفزيون كل نجوم ونجمات مصر وهم يبكون. بلغني أن عادل إمام عندما سمع الخبر وكان في دبي اجهش بالبكاء. لا أعرف بالضبط من هو النجم الشهير جدا الذي أشار إليه عادل حمودة بأنه كان يشعر بالغيرة من أحمد زكي وأنه انزوي بعيدا عن الكاميرات حتي لا يتحدث عنه. الذي لا يعرفه عادل حمودة الذي يدعي المعرفة بأشياء كثيرة أن أحمد زكي لم يكن يثير غيرة النجم الذي يشير إليه هو حسب كلامه لا يخرج عن اثنين وهما: عادل إمام ومحمود عبدالعزيز. الذي لا يعرفه عادل حمودة مع تقديري الكبير لفن أحمد زكي اننا تعودنا أن نعرض سيناريوهات السينما المصرية أولا علي عادل إمام فإذا اعتذر تذهب السيناريوهات إلي محمود عبدالعزيز وإذا اعتذر محمود تذهب إلي أحمد زكي وذلك بعد أن خفتت الأضواء قليلا عن نجم النجوم محمود يس وعبقري التمثيل نور الشريف، والنجم الساطع حسين فهمي. يا ليت كل واحد يتحدث عما يعرفه جيدا بعيدا عن التحيز. الموت هو قضاء الله ولكن هذا لا يعني أن نرفع الميت إلي قدر أعلي من قدره حتي لا ينطبق المثل العامي: «لما راح المقبرة بقي جتة سكرة».. إذا اندفعنا بحمية تأثرنا بهذا الموت الفاجع وخرجنا عن موضوعيتنا وحرمنا أصحاب الحق حقهم فقد تسخر منا الأجيال التي تأتي بعدنا عندما تشاهدالأعمال بموضوعية تامة، فأنا أقرأ هذه الأيام أشياء عجيبة وآراء غريبة تؤدي في النهاية إلي أن الفنان أحمد زكي هو أفضل من لورنس أوليفييه ومارلون براندو بل هو أعظم ممثل أنجبته البشرية هذا بالطبع لن يكون في صالح أحمد زكي يجب أن يوضع الفنان حسب قدره الحقيقي وإبراز مدي إسهامه في التطور والارتقاء بالفن الذي يمارسه لو أنصفنا أحمد زكي كل هذا الإنصاف المبالغ فيه فماذا يبقي لغيره؟ ماذا يبقي إذن لمحمود يس ونور الشريف وعادل إمام ومحمود مرسي ومحمود عبدالعزيز وكمال الشناوي وزكي رستم ومحمود المليجي وحسين رياض وسراج منير وشكري سرحان الذي اختاره إخواننا النقاد البواسل علي أنه أفضل ممثل مصري في القرن العشرين في الاستفتاء الذي طرحه مهرجان القاهرة السينمائي الدو، وإنني لا أوافق دائما علي أفعل التفضيل ليس هناك حتي الآن من هو أعظم ممثل في مصر بل في العالم وإلا اكتفينا بمشاهدة أفلامه فقط... وللأمانة ولكي نريح المتشنجين المبالغين في التقدير نقول لهم من واقع عملنا في السينما ما لا قد يعرفونه. لم يكن الممثل العظيم أحمد زكي نجم شباك لم تكن أفلامه تحظي بإقبال جماهيري كبير مثل أفلام محمود يس عندما كان نجم النجوم وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز وعلي رأسهم فريد شوقي. كانت أفلام أحمد زكي من الناحية التجارية تقع في منطقة الوسط لم ينجح له النجاح الكبير سوي فيلم «ناصر 56» وفيلم «أيام السادات» وفي الواقع أن الذي نجح في هذين الفيلمين هما جمال عبدالناصر وأنور السادات مثلما نجح مسلسل «أم كلثوم» رغم قيمته الفنية المتوسطةلا أحد يستطيع أن يشاهد هذا المسلسل سوي مرة واحدة في حين أن هناك الكثير من المسلسلات مازالت تعرض علي القنوات التليفزيونية منذ سنوات ولم يقل الإقبال علي مشاهدتها، نجح فيلم «الباطنية» نجاحا ساحقا، كان أحمد زكي يقوم فيه بأحد الأدوار المهمة ولكن كان ذلك بجوار فريد شوقي ومحمود يس ونادية الجندي وفاروق الفيشاوي وكذلك كان الأمر بالنسبة لفيلم «درب الهوي» الذي فيه معه محمود عبدالعزيز ومديحة كامل ويسرا وشويكار وفاروق الفيشاوي أي أن أحمد زكي نجح في الأفلام التي اشترك فيها مع نجوم آخرين. فيلم «البطل» من إخراج مجدي أحمد علي قام أحمد زكي ببطولته واشترك معه محمد هنيدي ومصطفي قمر ولكن الفيلم لم يحقق نجاحا علي المستوي الفني والتجاري في الوقت الذي حقق محمد هنيدي نجاحا ساحقا بمفرده وكذلك مصطفي قمر، فماذا نقول عن ممثل مجيد قام بالعمل في 56 فيلما ولم يحقق سوي نجاح تجاري محدود؟ في الحقيقة أن أحمد زكي كان يتمتع بذكاء كبير وربما أكبر من موهبته أدرك بعد خبرته الطويلة في العمل السينمائي أن طريق النجاح الحقيقي والمضمون يدور حول أفلام الشخصيات فهذه الأفلام ذات شهرة مسبقة، هي أفلام تعتمد اعتمادا كبيرا علي فن الماكياج، والقدرة الفائقة علي التقليد، لذلك قرر أحمد زكي بأن يسير في هذا الطريق خاصة بعد أن خذله فيلمه الأخير «معالي الوزير» الذي لم يحقق نجاحا فنيا أو جماهيريا ربما كان في لحظاته الأخيرة ساخطا أن يكون هذا الفيلم الذي أصبح من المآخذ التي تؤخذ علي جهاز السينما هو خاتمة مشواره الفني.. كان يجاهد ويقاوم الموت بضراوة حتي يستطيع أن يكمل فيلم.. «حليم» فهو كان واثقا من نجاحه المدوي أعتقد أن أحمد زكي مات بحسرته لأنه لم يحظ بحسن الختام فمهما حاول مخرج فيلم «حليم» شريف عرفة ومن ورائه الشركة المنتجة ذات الإمكانات الضخمة في جعل الشذرات التي تم تصويرها فيلما سينمائيا فلن يفلحوا فأنا أعلم بشخصية أحمد زكي الفنية من خلال عملي معه في خمسة أفلام إنه مثل محمود عبدالعزيز لا يطيق أن يمر مشهد بدونه. لذلك فسوف يجييء الفيلم مبتسرا أو مثل الكائن المشوه. أقول ذلك وأنا أعود بذاكرتي إلي الوراء إلي منتصف السبعينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي كان يقوم فيها أحمد زكي بإرهاصات فنية في المسرح والسينما والتليفزيون.. ففي المسرح كان يحاول في مسرحيات «هالو شلبي ـ مدرسة المشاغبين ـ أولادنا في لندن ـ العيال كبرت» كان أداؤه في هذه المسرحيات يتأرجح بين الكوميديا والميلودراما ولم يستطع أن يبرز ويحقق جماهيرية مثل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي، وكان وجوده أحيانا في هذه المسرحيات يثير الاستغراب والتساؤل. اتجه إلي التليفزيون من أجل الانتشار والشهرة ولكن للأسف كانت الأعمال التي قام بها في مطلع حياته الفنية لا تعرض في مصر ولكن في البلاد العربية. نال فرصة كبيرة علي يد المخرج يحيي العلمي في مسلسل «الأيام» ومسلسل «هو وهي» مع نجمة السينما العربية المتألقة سعاد حسني، قام في مسلسل «الأيام» بدور عميد الأدب العربي طه حسين فأحال هذا العملاق إلي صعلوك وكانت الناقدة حسن شاة علي حق عندما قالت إنه جرد شخصية عميد الأدب العربي من الهيبة والجلالة. تفوق عليه في هذا الدور الممثل محمود يس عندما قام به في فيلم «قاهر الظلام» فجعلنا نشفق في البداية علي طه حسين ونحترمه ونجله بعد ذلك كان محمود يس في هذا أنسب من أحمد زكي فهو لم يقلد وإنما قدم الشخصية بنوع من الحب والاحترام وساعده في ذلك صوته الذي لا يباريه صوت بين ممثلي جيله. فعندما كان يتحدث محمود يس وينطق اللغة العربية كان يزيدك إحساسا بالشخصية، قلد أحمد زكي شخصية العميد أما محمود يس فقد قام بتمثيلها نال أحمد زكي فرصة كبيرة أيضا علي يد المخرج إبراهيم الشقنقيري في الفيلم التليفزيوني «أنا لا أكذب ولكني أتجمل» عن قصة لإحسان عبدالقدوس عندما كان ممدوح الليثي رئيسا لأفلام التليفزيون... ربما كان يريد أن يعوضه عن حرمانه من بطولة فيلم «الكرنك» إخراج علي بدرخان ونتيجة لذلك حاول أحمد زكي الانتحار بقطع شرايين يده، أما إرهاصاته السينمائية التي تمخضت بعد ذلك عن موهبة كبيرة هي أدوار ثانوية في الأفلام «بدور» إخراج نادر جلال 1974 ـ «أبناء الصمت» تأليف مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي 1977ـ «صانع النجوم» تأليف مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي 1978 ـ «العمر لحظة» عن رواية ليوسف السباعي كتب لها السيناريو العديد من الكتاب ولا يعلم أحد حتي الآن من الذي كتبه بالضبط ومن إخراج محمد راضي ـ «وراء الشمس» من تأليف حسن محسب وإخراج محمد راضي 1979 فمن الواضح أن المكتشف الحقيقي لموهبة التمثيل السينمائي لأحمد زكي هو المخرج محمد راضي رغم أنه لم يقدمه في أدوار البطولة. كذلك قدمه يوسف شاهين في دور لم يلفت النظر في فيلم «إسكندرية ليه» 1980 . حصل أحمد زكي في أواخر عام 1980 علي بطولة متساوية مع عملاق التمثيل في ذلك الوقت فريد شوقي ومحمود يس، والنجمة الصاعدة في ذلك الوقت نادية الجندي والنجم الواعد فاروق الفيشاوي في فيلم «الباطنية» يعتبر هذا الفيلم مرحلة مهمة في التاريخ السينمائي لأحمد زكي. وهذه قصة أخري تستطيع أن تنتظر للأسبوع القادم. مصطفي محرم جريدة القاهرة بتاريخ 12 أبريل 2005 |
|
|