توفي بعد ظهر أمس الفنان أحمد زكي وهو في منتصف العقد السادس، بعد رحلة مع مرض خبيث استمرت لعدة أشهر، مخلفاً وراءه الكثير من الأعمال السينمائية الخالدة في تاريخ السينما العربية، التي لن ينساها الجمهور، وستحفظها الأجيال المتعاقبة، كونه من الفنانين القلائل الذين عاشوا الفن كقضية هاجسها الرئيسي خدمة الانسان. ميزة الانسان الفنان، انه لا يموت ولو غاص جسده عميقاً في التراب. فأعماله تبقيه في ذاكرة المجتمع العامة والخاصة. خصوصاً إذا كان فناناً ملتصقاً بقضايا أهله يحمل همومهم ويهجس في طرحها بصوت مرتفع، وبصدق كامل، حتى يغدو جزءاً من فكرهم ومشاعرهم كما هو الفنان الراحل أحمد زكي، الذي استطاع خلال مسيرته الفنية، التي امتدت لأكثر من ربع قرن ان يقف على هذه المساحة الشفافة والمعبرة، عن ما يهدس فيه المواطن المصري خاصة، والمواطن العربي عموماً. انطلق أحمد زكي في حياته الفنية من وسط الناس، وهو اليتيم الفقير، الذي ناضل لأجل أن يجد مكاناً تحت الشمس المضيئة لكل مساحات العتم والغموض. فأنتمى إلى أشعتها التي ترمز إلى الحقيقة، فيجسدها في أعماله ، مستخدماً أسلوبه الخاص في الأداء الذي ميّزه عن كثيرين من الممثلين من أبناء جيله. فأسلوبه يقوم على البساطة في الدرجة الأولى، وعلى فهم دقيق لإبعاد الشخصية المؤداة في الدرجة الثانية. وقد يبدو هذا على بساطة كبيرة، لكنه أسلوب يتمتع بصعوبة، لا يدركها إلا من عمل في هذا الحقل. فالبساطة في أساسها قدرة على عدم إسقاط التنظير العقلي على الإحساس الإنساني الأول، بمعنى أن يلتقط الممثل بمشاعره حيوية الشخصية التي يلعبها في بعدها الاجتماعي المركب والجدلي في أكثر الأحيان. ولعل حياة أحمد زكي الخاصة شكّلت مختبره الأساسيين، الذي صنع منه مادته الأولى في جمع العنصرين الأساسي، واللذين يحتاجهما الممثل، الشعور أولاً، والعقلنة ثانياً. وهذا ما يفسر اختياره للأدوار التي قدمها لشخصيات واقعية على تماس فعّال مع نبض الحياة، كما في فيلم «زوجة رجل مهم»، حيث جسّد شخصية رجل الأمن القاسي، أمام ميرفت أمين الزوجة التي تضيق ذرعاً بقسوته فتقرر أن تتخلى عنه، لكنه يعنفها حتى يصل في النهاية إلى الانتحار كموقف عاجز عن مواجهة ما لا يستطيع فهمه بشخصيته المتوترة والموتورة في آن. في هذا الشريط بدا أحمد زكي قد بلغ نضجاً في استخدام أدواته التعبيرية بشكل مدهش، تركه يقف إلى جانب كبار الممثلين في العالم العربي مثل عبدالله غيث، ومحمود مرسي، ومحمود المليجي، وسواهم من عمالقة السينما المصرية، ولا شك ان مخرج الفيلم محمد خان عرف كيف يوظف إمكانيات هذا الفنان، بإطار الواقعية الجديدة الممزوجة بمستويات تعبيرية انتمى إليها خان كمدرسة ورؤية سينمائية تستخدم كل عناصر الواقع وتؤلف مجالات مرتفعة بالأداء، التقط محتواه زكي باحترافية عالية. في فيلم «درب الهوى» يقع في غرام فتاة تمارس الرذيلة، وهو الأستاذ الجامعي، فيحاول ان ينقذها من المرارة التي تعيشها، ويقدم لها صدق الحب كفرصة لحياة جديدة، فتنوي التوبة، لكن يد شقيقها تسبق الأستاذ المنقذ إليها، فيقتلها بالثأر المحكوم إلى جهل، لطالما أثار أحمد زكي، الذي لم يترك فرصة إلا وأشار إلى هذه النقطة المهمة في حياة المجتمعات في العالم الثالث تحديداً، وشاهدنا له في الاتجاه ذاته ولكن في إطار آخر، فيلم «البيضة والحجر». حيث يتحول من أستاذ فلسفة إلى مشعوذ يعمل بالسحر والخزعبلات، من إخراج علي عبدالخالق، الذي قدم فيلماً متواضعاً في قصته العادية، والتي تحولت مع أحمد زكي إلى كوميديا سوداء، تظهر الجهل الاجتماعي الذي نحياه، والذي يستطيع أي محتال أن يتبناه ويسخر من عقول الناس البسطاء، الذين اشبعوا بحكايا اجتماعية حول قضايا الجن والعفاريت وقدرتها على تغيير حياة الناس، وفي الفيلم أيضاً تحذير للمجتمع في ان يتحول مثقفوها إلى شاذين ومجرمين. في فيلم «ناصر 56» جسد الفنان الشخصية الكريزمية للزعيم جمال عبدالناصر بما تتطلبه من جهود جبارة، كون أحداث الفيلم وقعت في مجال زمني ضمن خيال الذاكرة الحية، لاسيما ان الشهود على مرحلة ناصر راقبوا الفيلم بدقة، وأدهشهم احمد زكي بفكه لرموز العناصر الأساسية لشخصية من هذا الحجم، خصوصاً وهم عرفوه عن قرب. فمخرج الفيلم محمد فاضل استطاع ان يدفع بفكرته مع الممثل بمهنية عالية حافظت على السياق التاريخي السياسي للفيلم، وعرفا كيف يسبران معاً روح الكاريكاتير المقدم كونه عصب الفيلم الرئيسي. ولم يكن فيلم «أيام السادات» أقل بهذا المعنى، فالفيلم أيضاً يتمتع بالمواصفات ذاتها لفيلم ناصر، من اخراج محمد خان، الذي قامت بينه وبين الراحل علاقات عمل في أفلام كثيرة وعلاقة صداقة عميقة جداً. اليوم نودع الفنان الكبير، وهو سيترك فراغاً كبيراً خلفه، وسيفتقده جمهور السينما، وكل من عرفه كإنسان وكفنان. نودعه ونرمي على ثراه وردة حب ووفاء لإنسان وفنان حقيقي أحبه الناس وأحبهم، يذرفون الدمع اليوم عليه، وهو عاش وقدم الكثير لأجلهم في حياته. زكي في سطور ولد أحمد زكي عبدالرحمن، في مدينة الزقازيق سنة 1949، بعد وفاة والده وتربى في رعاية جده. والتحق بعدها بمعهد الفنون المسرحية، وأثناء دراسته في المعهد، شارك في مسرحية «هالو شلبي»، ثم تخرج عام 1973، متفوقاً على كافة زملائه. بدأ أحمد زكي مشواره الفني مع المسرح الذي قدم على خشبته أكثر من عمل ناجح مثل: «مدرسة المشاغبين»، و«العيال كبرت»، وقام ببطولة العديد من المسلسلات التلفزيونية منها «الأيام»، «هو وهي»، «أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، وقدم للإذاعة عدة مسلسلات من بينها: «عبدالله النديم»، و«دموع صاحبة الجلالة». ويعتبر من أبرز نجوم السينما المصرية، لما قدمه من أفلام متميزة ابتداء من «أبناء الصمت» سنة 1974، وحتى «معالي الوزير».حصل أحمد زكي على العديد من الجوائز طيلة مسيرته مع الفن، وقدم للسينما مجموعة من أهم أعمالها.تزوج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد وله منها ابنه الوحيد هيثم. البيان الإماراتية بتاريخ 27 مارس 2005 |
بعد معاناة شديدة مع المرض مات أحمد زكي حسين قطايا |
|