تتواصل فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 33، ورغم ضعف
إمكانياته بالمقارنة مع مهرجانات عربية أخرى إلا انه يحاول ويجتهد لجلب
الكثير من الأفلام الجيدة، ولأن الهند وسينماها التي دوما ما سكنت بين ضلوع
ملايين المشاهدين كانت ضيف الشرف لهذه الدورة فكان من الطبيعي ان يكون
الفيلم الهندي "نيويورك" للمخرج "كبير خان" فيلما للافتتاح وضمن المسابقة
الدولية أيضا.
ورغم أن عرض الفيلم في حفل الافتتاح لم يحظ بمشاهدة كبيرة إلا أن
العرض التالي جعله يحظي بمشاهدة أكبر، جعلت البعض يصفق له بحرارة إعجابا
واستحسانا، فيما نراه نحن فيلما مثيرا للجدل إن لم يكن مخيبا للآمال.
ربما يعود سبب اختيار "نيويورك" تماسه مع الموضوع الأثير بالنسبة
لمجموعة كبيرة من صناع السينما العالمية وهو أحداث 11 سبتمر وما تبعها من
تطورات لذلك الحدث الكبير من حروب وصراعات بين الشرق والغرب، والغرب ومن
يعيش فيه من مسلمين أيضا، وهو ما جعله فيلما مناسبا لافتتاح المهرجان.
الخلطة السرية
سنبدأ من تصفيق الجمهور الحار وهو ما نظنه نابعا من كون الفيلم تشبه
تماما بالأفلام الأمريكية التي نشاهدها كثيرا على الشاشة وفي السينمات
أيضا، ففيه الخلطة السرية المتكاملة التي تضمن جماهيرته بدءا من رومانسية
وغناء وقصة حب مؤلمة (حب عمر وسمير لمايا)، وأحداث صراع مركب (إف بي أي
ومهماتها التي لا تنتهي في مكافحة الإرهاب، ومتفجرات ومهربون روس، ومسلمين
قساه متعطشين للانتقام، وأحياء عربية فقيرة وخطط عبقرية لتفجير مبنى الـ"اف
بي أي") كل ذلك يتسارع لنصل إلى ذروة مأساوية يتم قفلها بالأمل
والابتسامات.
إنه فيلم بمواصفات أمريكية نموذجية، صور في مدينة نيوريوك وعن الـ"اف
بي أي" وبموافقتها أيضا، وعن ثلاثة أصدقاء مسلمين من الهند يعيشون في
مستويات حياة مختلفة، فهناك "عمر" (في دور نيل موكيش) الشاب الجامعي الذي
يدرس في نيويورك، وهناك "سمير" (في دور جون أبراهام) و"مايا" (في دور
كاترين كيف) المواطنان الأمريكيان من أصل هندي، تتوطد صداقتهما داخل
الجامعة غير أن السبل بعد أحداث 11 سبتمبر تتفرق بهم، فعمر يترك "سمير"
و"مايا" يوم وقوع الأحداث بعد أن أكتشف ان "مايا" التي يحبها تميل لصديقة
سمير.
نتعرف على ذلك عبر تقنيه "الفلاش باك" حيث يكون "عمر" معتقلا لدى "اف
بي أي" بتهمة حيازة أسلحة هي في حقيقتها جزء من الخطة التي قدمها الضابط
الهندي "روشان" (في دور عرفان خان) الذي يعمل لدى الـ "إف بي اي" كي يجعل
من عمر جاسوسا على الصديق القديم "سمير" الذي تحول إلى إرهابي ينشد
الانتقام بعد أن خرج من السجن بعد 9 شهور من التعذيب والإذلال على خلفية
أحداث 11 سبتمبر.
يوافق "عمر" مضطرا على تلك المهمة كي يثبت أن صديقه لا يمكن أن يكون
إرهابيا، وعبر مخطط تقليدي يحاول ان يتقرب من "سمير" بعد انقطاع دام 7
سنوات حيث يكون سمير قد تزوج من مايا وانجب "دانيال" ويملك شركة تنظيف
للأبنية.
يكتشف "عمر" أن سميرا يقود خلية إرهابية تخطط لتفجير مبنى الـ"إف بي
أي" من خلال تفخيخ زجاج المبنى وهو ما يحاول برفقة "مايا" اقناعه بالعدول
عن قراره في ساعة الصفر بعد أن تكون مايا قد حصلت من الـ "إف بي أي" على
توقيع خطي بضمان سلامة زوجها، لكنه يرفض لتكون نهايته في ساعة الصفر على
سطح مبنى الـ "اف بي اي" القتل الذي يطال زوجته أيضا بعد أن تتعذر الحلول
الأخرى، حيث يكون جهاز التفجير في يده ويريد أن يضغط عليه محولا المبنى إلى
ركام ودمار.
بين رسالته.. وما يقوله
إنه فيلم مكتمل من الناحية الفنية وكما قلنا انه حاول ان يحاكي تماما
الأفلام الامريكية إلا أنه سقط في ذات الأخطاء التي تقع فيها هذه الأفلام،
فكان فيلما يقدم رؤية ينقصها النضج ويغلبها التنميط وأن قدم نوعا من
الإرهاب الذي لا يقوم على خلفية دينية تقليدية.
يمكن اختصار رسالة الفيلم والتي يرى مخرجه أنها وصلت للمسئولين
الأمريكيين بأن التعذيب وطرق التعامل للاآدمي التي يمارسها محققو الـ"إف بي
أي" مع المتهمين بالإرهاب تقود إلى صنع إرهابيين حقيقيين، وهو ما قدمه
الفيلم من خلال نموذج سمير ورفاقه.
لكن هل فعلا الفيلم يحمل إدانة كاملة لمحققي الـ إف بي أي؟ هذا ما نشك
فيه، وتلك الأسباب.
أولا: المشاهد الدقيق سيتساءل عن الجهة التي أشرفت على الفيلم وسيقول
لو أن الـ"إف بي أي" قررت ان تنتج فيلما تبرأ ساحتها من السوكيات المشينة
التي تلجأ إليها لاستخراج المعلومات من المتهمين لكان شبيه بفيلم
"نيويورك"، وربما هنا لن نصدم بتصريحات المخرج "كبير خان" التي يقول فيها
بأنه نال موافقة السلطات الرسمية والأمنية على سيناريو الفيلم "حيث لم يشطب
منه جملة واحدة".
ثانيا: صحيح أن الفيلم يقول أن طرق التعامل من المسلمين في الغرب قادت
إلى تخليق إرهابيين راغبين بالانتقام إلا انه في النهاية يؤكد أن خطأ محققي
الـ "إف بي أي" يغتفر وقابل للتجاوز والتفهم لكونها أخطاء تقود إلى تحقيق
الديمقراطية الأمريكية وضمان سلامة المواطنين لكن خطأ أن تصبح إرهابيا
نتيجته الموت، هكذا قدم الفيلم نهايته، في حين كان يمكنه أن يقدم نهاية
مفتوحة، او أن يجعل "سمير" يعدل عن العملية في اللحظات الأخيرة في ظل وجود
زوجته في ذات المبنى وصديقه أيضا، وهو ما لم يحصل طبعا.
ثالثا: الفيلم بذكاء شديد وعبر قصة مختلقة جعلنا نتفهم ما تقوم به الـ
إف بي أي، وجعل ممارساتها في الخلفية لدرجة انها تصغر وتصغر لنصل إلى تبرئ
ساحة هذا الجهاز، الذي يقوم بأعمال من ضمنها جعل الطفل "دانيال" ابن "سمير"
و"مايا" يعيش بأمان في المجتمع الأمريكي وكمواطن أمريكي هذه المرة.
رابعا: أن صناع الفيلم لم ينتبهوا إلى أن خطورة تلقي مثل هذا العمل
ووفق التصورات التي قدمها على جمهور غربي، فالمشاهد الغربي والعربي حاليا
سيظن ان كل من تم تعذيبه من مكتب التحقيقات الفيدرالي هو إرهابي محتمل، وهو
ما سيضاعف الخوف والفوبيا من المسلمين، تحديدا ونحن امام شاب عاش حياته
كلها في أمريكا ويعتبر نفسه مواطنا أمريكيا صرفا.
خامسا: يعد موت "مايا" برصاص قوات الـ إف بي أي في مشهد مأساوي ضريبة
دفعتها لكونها كانت تعرف حقيقة زوجها دون أن تتدخل وتخبر المخابرات
الأمريكية.
سادسا: بهدف تقديم دراما مشوقة بالغ الفيلم في إمكانيات الخلية وفي
قدراتها على شراء المتفجرات، والتخطيط والتنفيذ، وكأننا أمام خلية تحترف
الإجرام لا تبتغي الانتقام.
رغم كل ذلك يحسب للفيلم أنه قدم هذه المرة خلفية جديدة للفعل الإرهابي
مفادها الرغبة بالانتقام من الجهة التي أهدرت كرامة "سمير" وجرحت إنسانيته،
دون أن يكون ذلك مرتبطا بهدف ديني واضح رغم أنه مسلم.
ناقد فني ومسئول صفحة ثقافة وفن بشبكة إسلام
أونلاين. نت
إسلام
أنلاين
في
15/11/2009 |