أعلنت الإدارة الفنية لمهرجان “فينيسيا
السينمائي الدولي”
عن المُلصق الرسمي للدورة الـ81 التي
ستنعقد فعالياتها في الفترة بين 28
أغسطس/ آب إلى 7 سبتمبر/أيلول، 2024.
كما أعلنت التظاهرات الفرعية أيضًا عن مُلصقاتها الفنية المُميزة واللافتة
جدًا، ذات الخصوصية الشديدة من حيث الابتكار والتصميم والإبداع الخيالي،
والنهج الفكري المسكون بالخوف مما يحدث حاليًا في العالم، ومن قتامة
المُستقبل. ومع ذلك، التأكيد على ضرورة وحتمية السير، والمضي قدمًا، مهما
كانت الصعاب.
من ناحية أخرى، وتأكيدًا على التميز، تتفرد تصميمات مهرجان
فينيسيا، وتظاهراته الفرعية، بالابتعاد الدائم والتام عن النهج المُتبع،
مثلا، في مهرجان ”كانّ“، باعتماد لقطات الأفلام القديمة المعروضة في
مُسابقاته أو تظاهراته الفرعية كمُلصق للمهرجان وفعالياته المُوازية. أمر
لا يفعله فينيسيا أبدًا، إذ عادة ما يعتمد تصميمات فنية مرسومة، تُدهشنا
ببساطتها وحيويتها وإشعاعها وفنياتها.
مُلصق المهرجان
المُلصق المُبهج الذي جرى الإعلان عنه ظهر أمس الأحد 21
يوليو، قبل الإعلان عن أفلام المسابقة الرسمية يوم 23، تصميم الإيطالي
المعروف لورنزو ماتوتي، ويُصَوِّر فيه بإيحاء وتكثيف وعمق غاية في البساطة
والبهجة والإشراق فيلًا يخوض في مياه اللاجون الفينيسي صوب جهة غير معلومة.
تمتطي الفيل الفتاة المعهودة وبطلة مُلصقات المهرجان السابقة، بشعرها
الأسود الفاحم المُسدل على كتفيها، وقد اتشحت بوشاح هندي أحمر قان، يخلق
توازنًا لونيًا وبصريًا مع عنوان المهرجان وتاريخ ورقم الدورة. وفي حين
تخلى ماتوتي عن بعض التكوينات أو الموتيفات المعهودة في المُلصقات الماضية،
مثل الكاميرا السينمائية أو المُصَوِّر السينمائي، والاختفاء البارز
والملحوظ لأسد فينيسيا المُجَنَّح، إلا بقية العناصر حاضرة.
مُلصق هذا العام غير عادي وغير مُتوقع بالتأكيد، وقطعًا
يحمل غرابة قد تكون صادمة، خاصة في ظل عدم الإعلان عن الاحتفال بالهند كضيف
شرف أو ضمن أية فعالية أخرى تكريمية يُمنح فيها الأسد الذهبي التكريمي.
إذن، من أين جاءت فكرة الفيل الهندي، دون غيره من الحيوانات، والذي يُذكرنا
بالغريب والبعيد والشرقي، واللغات والثقافات والحضارات الأخرى المنسية أو
المُتجاهلة، بصفة عامة؟ ببساطة، فكرته مُستلهمة من وصول فيل إلى فينيسيا،
تحديدًا في عام 1981، وتجواله في الشوارع أثناءل الكرنفال السنوي الشهير
للمدينة. وكما كانت السيارة، في مُلصق العام الماضي منطلقة عبر المروج،
يقطع الفيل البُحيرة ويُسافر عبر مسارات الخيال والغموض والسحر التي تفتحها
وتكشفها لنا السينما.
يُذكر أن مُلصق هذا العام لا يحيد تصميمه البصري أو اللوني
أو التكويني أو حتى الفكري كثيرًا عن التصميمات الفنية السابقة أو اللوحات
التشكيلية وغيرهما الأعمال الفنية المُنجزة من قبل ماتوتي، على مدى مسيرته.
حيث سيادة الألوان المُبهجة، الخضراء والحمراء والزرقاء والصفراء، تحديدًا.
وهو ما يتوفر في مُلصق هذا العام والدورات الماضية، وتحديدًا، منذ ست سنوات
على التوالي، عندما أسندت المُهمة للفنان التشكيلي والمخرج الإيطالي لورنزو
ماتوتي، مواليد 1954، الذي بدأ حياته المهنية في أواخر السبعينيات.
وتعاون في مجال السينما مع مُخرجين عالميين مثل وونج كار
واي وستيفن سوديربيرج ومايكلانجلو أنطونيوني، كما عمل مُستشارًا للعديد من
المشاريع الفنية، وكتب الأطفال، وأصدر كتبه الخاصة به. كما نشر في الصحف
والمجلات الدولية والأوروبية، إلى جانب مُمارسته لتصميم وابتكار الملصقات
والأغلفة والحملات الإعلانية. وقبل العمل الدائم مع مهرجان فينيسيا، كان قد
صمَّمَ مُلصق مهرجان ”كانّ“ عام 2000، وغيره من المهرجانات. وفي مايو عام
2019، عَرَضَ ماتوتي أول فيلم رسوم مُتحركة له كمؤلف ومخرج، ”غزو الدببة
الشهير لصقلية“، في قسم ”نظرة خاصة“ في مهرجان ”كانّ“ السينمائي، وكان
الفيلم محل اهتمام وترحيب.
أسبوع النُقاد
أما تظاهرة ”أسبوع
النُقاد“ المُوازية،
فكشفت بالتزامن مع الإعلان عن برنامجها عن مُلصق دورتها الـ39 البديع
والمُلهم، بعنوان “في انتظار العاصفة الأخيرة“، تصميم الإيطالي ماورو
أوزيو، مواليد عام 1979. ربما يتسم التصميم والألوان والرؤية العامة
المطروحة ببعض القتامة أو حتى التشاؤم مُقارنة بمُلصق المهرجان الرئيسي. إذ
يُحيل المُلصق إلى ما يجري منذ سنوات في عالمنا، حيث الغرق في طوفان أو
عاصفة من المعلومات والأخبار، من كل أركان المعمورة، تُقوض أوهامنا عن
الاستقرار. وتزيد من شكوكنا وحيرتنا إزاء مُستقبل غامض وعالم يبدو أنه فقد
إنسانيته.
وعن رؤيته البصرية، التي يغلب عليها اللون الرصاصي بتدرجاته
اللونية التي تصل حد السواد، والمُسيطر تقريبًا على أركان المُلصق،
والمُعمق للجو العام المُقبض جراء اشتعال النيران وانتشار الرماد، يقول
ماورو: ”تُثقلنا الشكوك والمخاوف في انتظار العاصفة القادمة التي ستجرفنا
بعيدًا. لا يُوجد حولنا سوى طرق بلا إشارات أو اتجاهات، الضوء أكثر ندرة.
الثابت الوحيد، هو معرفة أن الطبيعة ستقف وتراقب كل ما يحدث، وستنجو منا في
النهاية. ثمة حيرة كبيرة تحت السماء، والوضع، ربما، ليس ورديًا تمامًا. إن
كان كل شيء من حولنا مُعلقًا بخيط، وغير يقيني، فمن عدم اليقين تحديدًا يجب
أن نبدأ من جديد“. ومن هنا، نجد هذا الشبح، لشاب أو فتاة، يُعطينا ظهره،
ويبدو ماضيًا في طريقه صوب اللايقين العاصِف.
أيام المُؤلفين
وانطلاقًا من نفس الخيط المتعلق باللاحقين والسير أو
الانطلاق على الطريق، نُعاين في مُلصق التظاهرة الأخرى المُهمة المُوازية، ”أيام
المُؤلفين“،
المُعلن عنه، أيضًا، تزامنًا مع الكشف عن برنامجها للدورة الـ21، ما يمكن
أن نُطلق عليه المُلصق المُلغِز والخادع بعض الشيء، رغم بساطته، بعنوان
”المشي على خط رفيع بين الحلم والواقع“، للرسامة والمعمارية فرانشيسكا
جاستون.
يُظهر المُلصق شابة تسير على حبل مشدود بين ناطحات السحاب،
على ارتفاع مُذهل، فوق مدينة حديثة باهتة في الأسفل. ورغم كونها فوق
السحاب، المُكتسي بدرجة من اللون البني الفاتح غير المُعتاد، ورغم رأسها
المُحَدِّقُ إلى الأعلى صوبنا، في فضول وجرأة وتحد، لكنها الفتاة ليست في
خطر مُحدق، فيما يبدو، إذ تُحيط بها أسراب طائر مالك الحزين من كل جانب،
وكأنها تحميها وتُعينها وتُرشدها، بل وربما تدلها على الخط الرفيع الفاصل
بين الحلم والواقع.
بدأت فرانشيسكا عملها كمُهندسة معمارية، ثم قررت التخصص في
الرسوم التوضيحية التحريرية، بالتعاون مع المُؤسسات التعليمية ودور النشر
والصحف الرائدة، وتعتمد في أسلوبها على تقنية الكولاج، حيث عادة ما تتعايش
العناصر التناظرية والتصويرية داخل مساحات محورها المُزدوج هو العمارة
والحضور البشري.
وعن تصميمها للمُلصق قالت: “إنه ينطوي العالم بُرمَّته، بكل
ظلاله وتناقضاته، لكنه يحتوي أيضًا على اكتساح قلب ينطلق في اتجاه جديد،
بحماس وخوف، ويضع نُصب عينيه الأشياء التي لا يزال بإمكاننا رسمها وصناعتها
معًا، وذلك صوب آفاق وأماكن جديدة. شيء يُمكن أن يُجسد هشاشة عالم تمزقه
الصراعات المُتفاقمة. وتعبير لا يُمثل استعارة للحياة المعاصرة فحسب، بل
يؤكد أيضًا على قيمة العمل الإبداعي ورؤية الفنانين الكاشفة والمُبَشِّر
بتعقيد عصر نعيش فيه“. |