مستيسلاف تشَرنوف:
"يهمّني أنْ يصبح فيلمي تذكيراً بما حدث في ماريوبول"
أجراها
محمد صبحي
عندما علمَ مُراسلا وكالة "أسوشييتد برس
(AP)"،
مستيسلاف تشَرنوف ويفغيني مالوليتكا، مع زميلتيهما المنتجة الميدانية
فاسيليسا ستيبانينكو، بالغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا (24 فبراير/شباط
2022)، شقّوا طريقهم إلى "ماريوبول". لكونها مدينة ساحلية على بحر "آزوف"،
تمتّعت "ماريوبول" بأهمية
استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى القوات الروسية، فتعرّضت للهجوم بعد ساعات
قليلة على بداية الغزو. وخلافاً لتأكيدات "الكرملين"، أصبح المدنيون الهدفَ
المباشر للغارات الروسية.
فوجئ تشَرنوف ـ المراسل الحربي ذو الخبرة، والصحافي الفائز
بجائزة "بوليتزر" ـ بأنّ المدينة انهارت بسرعة: "الآن أعلم أنّ ذلك كان
بسبب نقص الاتصالات"، بحسب ما قاله في حواره مع "العربي الجديد". نما الذعر
واليأس بين السكّان المتروكين للعزلة وانعدام اليقين، وتفاقمت الحالة بسبب
الهجمات الجوية العشوائية المستمرة، التي لم تترك مكاناً آمناً للاختباء.
في هجومٍ، أصيبت مستشفى للولادة، وهناك التقط تشَرنوف ومالوليتكا صُوراً
لافتة للانتباه لهذه الحرب الغاشمة، ضمّنها الأول في فيلمه الوثائقي المؤلم
والمهمّ "20 يوماً في ماريوبول" (2023)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل
فيلم وثائقي، في النسخة 96 (10 مارس/آذار 2024).
يُقدّم الفيلم توثيقاً أولياً للحياة في الحصار الروسي
لـ"ماريوبول"، كما شاهدته عدسة تشَرنوف. بتناوب الانتقال من الملاجئ
المرتجلة إلى الشوارع المنهوبة والمنازل المحترقة، يوثّق الفريق الصحافي
كيف تداعت المدينة بسرعة تحت الضغط. يتتبع الفيلمُ الفريقَ أثناء توثيقه
الظروف اليائسة، بما في ذلك آخر مستشفى قائم يعمل بلا كلل على إنقاذ
الجرحى، وسط تضاؤل الموارد. قطع الروس الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه
وإمدادات الغذاء، ما أغرق المدينة في مزيد من الفوضى. تختفي اتصالات الهاتف
الخليوي في النهاية، مع تفاقم الوضع، ما جعل تشَرنوف ومالوليتكا
المُراسلَين الدوليين الوحيدين في المدينة المحاصرة.
رغم حصار "ماريوبول"، وغياب ممرات خضراء مفتوحة للإخلاء،
ووجود أسمائهم على قوائم نقاط التفتيش الروسية، كافح الفريق الصحافي
لمغادرة المدينة، لتهريب اللقطات المُصوّرة. بعد إخفاء الكاميرا في مقاعد
السيارة، هرب الفريق مروراً بـ 15 نقطة تفتيش روسية. ومع تزايد قتامة الوضع بالنسبة
إلى الفريق، تحوّلت سردية تشَرنوف من التقريرية إلى تأمّلات حميمة عن
الحرب، ودوره كمراسل.
في محاولة لتحقيق التوازن بين النبرة الصحافية الصارمة
للّقطات والمحتوى العاطفي الغامر، سجّل تشَرنوف تعليقاً صوتياً، باستخدام
ميكروفون جهاز "آيفون" خاص به، مُفضّلاً اختيار "تسجيل أوّلي بسيط" بدلاً
من الوضوح عالي الدقّة، رأى أنّه الأنسب لنبرة الفيلم، ليجعله "ليس عاطفياً
جداً، ولا بعيداً".
عُرض الفيلم للمرة الأولى في الدورة الـ39 (19 ـ 29
يناير/كانون الثاني 2023) لـ"مهرجان ساندنس السينمائي" في الولايات المتحدة
الأميركية، وفاز بجائزة الجمهور في فئة الأفلام الوثائقية العالمية. أقيم
العرض الأول لأوكرانيا في الدورة 21 (2 ـ 8 يونيو/حزيران 2023) لـ"مهرجان
Docudays UA"
(كييف)، وفاز بجائزة أفضل فيلم في المسابقة الوطنية، وجائزة الجمهور. قبل
هذا كلّه، حصل تشَرنوف عن عمله المحفوف بالمخاطر على جوائز دولية عدّة،
منها "جائزة دويتشه فيله لحرية التعبير"، و"جائزة نايت للصحافة الدولية"،
و"جائزة الإعلام الحرّ". في 18 فبراير/شباط 2024، فاز بجائزة "بافتا"
البريطانية في
فئة أفضل وثائقي.
في حوار مع "العربي الجديد"، تحدّث مستيسلاف تشَرنوف عن
فترة بقائه في "ماريوبول"، والإخلاء، وصناعة الفيلم وردّ فعل الجمهور عليه،
والتأمّل في ما رآه.
(*)
ما شعورك الآن بعد ما مررت به في "ماريوبول" وإطلاق الفيلم؟
أشعر أننا بحاجة إلى العمل بجدّية أكبر. غادرتُ "ماريوبول"
في 14 مارس/آذار، وفي اليوم التالي، سمعتُ عن قصف "مسرح ماريوبول للدراما".
فكّرتُ كثيراً في حقيقة أنّه ربما كان عليّ المغادرة لاحقاً. عُرض الفيلم
في بلدان عدّة. رأيتُ كيف يتلقّاه الجمهور، وأدركت أنّنا بحاجة إلى بذل
مزيدٍ من الجهد. في حرب المعلومات الجارية بيننا وبين روسيا، يعدّ السياق
أحد أهم مكوّنات التفسير الصحيح للمعلومات التي نتلقّاها. تساعد في ذلك
الأفلام الوثائقية والأبحاث المُعمَّقة والتحقيقات والأفلام والكتب.
مستمرّ في العمل مع الأشخاص الذين ظهروا في الفيلم. أُجري
مقابلات معهم، وأشركهم في التحقيق في الجرائم الروسية. هذا ليس شيئاً تفعله
وتنساه، لأنّ قصة "ماريوبول" لم تنته بعد. لذا، يستمرّ العمل.
(*)
مع زميليك في وكالة "أسوشييتد برس"، كنتم الصحافيين الوحيدين الذين تمكّنوا
من إظهار ما كان يحدث في "ماريوبول" في الأيام الأولى للغزو الشامل. عنوان
الفيلم نفسه يعطي، بالفعل، سياق ما سيُعرض فيه. لكنْ، هل هناك جديد يقدّمه
الفيلم بالنسبة إلى الأوكرانيين أنفسهم؟
ولماذا يجب أنْ يشاهدوه؟
هناك لقطات كثيرة لم أتمكّن من إرسالها بسبب انقطاع
الاتصالات. نحو 30 ساعة فيديو. كانت هناك لحظات لم يرها أحدٌ، لأنّ أصحابها
كانوا في أيدي الروس، ولم نتمكّن من نشرها. شعرتُ بالقلق قليلاً عندما شاهد
سكان "ماريوبول" الفيلم. كنت أخشى أنْ يصيبهم هذا بصدمة نفسية، فيعيشوا
الأحداث مجدّداً. هؤلاء لم يكتفوا بالمشاهدة، وبإعادة (عيش) تجربة جزء صغير
مما حدث لهم، بل أدركوا أنّ العالم كلّه شهد ما حصل لهم.
صوّرتُ الفيلم بطريقة تجعل حتى المتفرّج البعيد عن أوكرانيا
يجد نفسه وسط الأحداث الموصوفة. آخذه إلى الأحداث المأسوية، ومن هناك لا
يمكنه المغادرة. يختبر المتفرّج الأمر مع أهل "ماريوبول". الأوكرانيون يرون
أن هذا لن يُنسى. يهمّني أنْ يصبح فيلمي تذكيراً بما حدث.
(*)
ما اللقطات المهمّة التي لا تظهر في النسخة النهائية من
الفيلم؟
هناك موت ومعاناة ودمار كثير. لكنْ، أي منها لم يظهر في
الفيلم. عليك المحافظة على التوازن هنا، ليس لجعل تصوّر الحرب أسهل،
بل كي لا تُبعد المتفرّجين الأجانب، بإجبارهم على إشاحة النظر. أردتُ إظهار
كلّ من فَقدَ عائلته وبيته، وهذا مستحيل. بعض اللحظات فظيع ومؤلم، إلى درجة
أنّ هذا البعض كان سيدفع المتفرّج بعيداً.
في المونتاج، صعبٌ اختيار ما أردتُ عرضه. لأنّه، إذا أدخلتُ
المتفرّج إلى هذه الفوضى، هناك خطر أنْ ينزعج ويرفض الفيلم. لكنْ، في الوقت
نفسه، أريد إظهار ما حدث كما حدث، ولا أريد أنْ أكون ليّناً بهذا المعنى.
هناك توازن صعب بين الرغبة في إظهار ما حدث، ومحاولة التأكّد من أنّ
الجمهور لن يرفض رؤيته.
(*)
لماذا قرّرت أنْ تصنع فيلماً، بما أنك معروف في المقام
الأول كمصوّر فوتوغرافي؟
وظيفتي كصحافي التأكّد من وجود سجل دقيق لما حدث في
"ماريوبول". لستُ في موقف ـ ولا أعتقد أن أيّ شخص في وضع يسمح له ـ لأقرّر
نيابة عن أيّ شخص آخر ما يفكّر به، أو ما الاستنتاجات التي يجب استخلاصها.
أفضل من هذا أنْ أعطي الناس سياقاً، وإلاّ سيصبحون عرضة للأكاذيب. هذا أحد
الأسباب الأساسية لإنجاز الفيلم.
عندما يكون الناس بعيدين عن الحرب، ولا يرون شيئاً ما في
الأخبار، فإنّهم يعتقدون أنّها لا تحدث. مهمّ بالنسبة إليّ صنع شيءٍ لتذكير
الناس بالحرب، خاصة لمن لا يقرأ الأخبار. الفيلم وسيط
مختلف، بجمهورٍ مختلف. أحد المواضيع المهمّة في الفيلم حرب المعلومات، وكيف
تنتشر المعلومات في موجات حول العالم، وكيف تؤثّر على الناس، وكيف يرى
العالم الأحداث في أوكرانيا ويفسّرها. للحديث عن هذا، أحتاج إلى وقتٍ وسياق.
(*)
بالعودة إلى الأيام الأولى للغزو، كيف كان الوضع عندما كنتَ
محاصراً ومتنكّراً في زي طبيب، بانتظار وصول القوات الروسية؟
أتذكّر تلك اللحظة، عندما حاصرتنا الدبابات في المستشفى رقم
2. في كلّ دقيقة، هناك انفجار. في كلّ دقيقة، كنا ننتظر سقوط قنبلة على
المستشفى. في كلّ لحظة، كنا ننتظر دخول الجنود الروس. فكّرتُ أنّ لدي
كاميرا، فيها لقطات يجب إرسالها بطريقة ما. شعرتُ أنّه مهمّ للغاية أنْ
يتمكّن الناس من رؤية دبابة
روسية،
تحمل الحرف
Z،
وتطلق قذائفها في منطقة سكنية. هذه لحظة نادرة، أنْ يكون لديك مجرم يرتكب
جريمة أمام الكاميرا. طبعاً، كنّا قلقين على حياتنا، لكنّنا شعرنا أنّنا
لسنا وحدنا. كان حرّاس المستشفى والأطباء معنا. لذلك، كان هناك دائماً بصيص
أمل.
(*)
يصوّر الفيلم قصفاً روسياً لمستشفى ولادة. بعده، تموّه البروباغندا الروسية
الجريمةَ.
بعد قصف مستشفى الولادة، هرعنا إلى هناك، وأدركنا ما حدث.
شعرتُ بأهميةٍ وهول كبيرين، إلى درجة أنّي فكّرت فوراً: "حسناً. سيكون لهذا
صدى في العالم كلّه، وطبعاً سيتردّد صداه في روسيا". حدث لي شيء مشابه جداً
عام 2014، عندما كنت من أوائل الصحافيين الدوليين الذين وصلوا إلى موقع
تحطم طائرة بوينغ
MH 17،
أسقطها الروس.
الدعاية الروسية تهدف إلى إحداث إرباك وتعكير للماء.
الطريقة الرئيسية التي تستخدمها ليست خلق نسخة من الحقيقة، بل خلق نسخ عدّة
ومختلفة لإرباك الناس. إذا ألقيت نظرة على إحصائيات المستشفيات التي دُمّرت
في أوكرانيا، تُلاحظ نظاماً ما: تشير الإحصائيات إلى أنّ الضربات متعمّدة،
على الأرجح، بسبب حجم المستشفيات
المتضرّرة،
والدقّة التي دُمّرت بها.
(*)
لماذا ذهبت إلى "ماريوبول"؟ لماذا قرّرت البقاء فيها، بينما
كان الصحافيون والمنظمات الدولية يغادرون؟
كان طاقم التصوير في الوكالة يغطّي منطقتي "دونيتسك"
و"لوغانسك"، حيث عملنا هناك 9 سنوات. نحن نعمل في "ماريوبول" منذ سنوات
عدّة. لم يكن الفريق يعرف بالضبط كيف وأين سيبدأ الهجوم، لكنْ كان واضحاً
أنّه ستكون هناك بالتأكيد موجة تصعيد جديدة. بدا أنّ "ماريوبول" أحد
الأهداف الرئيسية، لأنّ الروس فشلوا في احتلال المدينة عام 2014. ما لم
نأخذه بالاعتبار سرعة التطويق، وقلّة عدد الصحافيين الذين سيبقون هناك. لم
نكن نعتقد أنّه سيتمّ عزلها بالكامل عن أوكرانيا، بعشرات الكيلومترات من
الأراضي المحتلة.
بالنسبة إلى قرار البقاء في المدينة، أتيحت فرصة المغادرة
للشرطة والجيش والأطباء. واصل متطوّعون عديدون العمل، رغم القصف. لم يُقرّر
فريق واحد فقط من الصحافيين البقاء. أناس كثيرون فعلوا هذا. كما بقي مخرج
الأفلام الوثائقية الليتواني مانتاس كفيدارافيسيوس، الذي، عندما حاول
المغادرة، أعدمته القوات الروسية. كان يُمكن أنْ يحدث هذا لنا أيضاً.
فعلتُ ما فعله مئات، بل آلاف الأشخاص الذين قاموا
بواجباتهم. صحافيون دوليون عديدون أعرفهم، لم يغادروا البلد، لأنّهم كانوا
خائفين. بدا في ذلك الوقت أنّ أهمّ مرحلة في هذه المعركة تجري في كييف.
كان الروس في طريقهم إليها. كان هناك خطر من دخول الجيش الروسي إلى العاصمة.
(*)
متى قرّرت مغادرة المدينة؟ كيف حدث ذلك؟ كيف هرّبت اللقطات
المُصوّرة؟
هناك طرق عدّة لحفظ اللقطات الأصلية. أردتُ دفنها أو
إخفاءها، حتى يتمكّن أصدقاء من تسلّمها لاحقاً. كان يُمكن أنْ ينقلها
مدنيون عبر طريق أخرى، كي لا أضطرّ إلى إخراجها بنفسي. لكنّي لم أرد تعريض
الآخرين للخطر. لذلك، قرّرتُ إخراجها. مررت بـ 15 نقطة تفتيش. كانت الفوضى
عارمة. كنتُ أعلم أنّ الروس يعرفون أسماءنا جميعنا، لكنّنا كنا محظوظين،
لأنّه لم يكن هناك نظام للتحقّق من المستندات والهواتف، وغيرها.
أخفيتُ الأقراص الصلبة والكاميرات تحت مقاعد السيارة، وفي
الملابس. بطاقة بيانات قدّمتها لنا تايرا (المسعفة والمتطوّعة الأوكرانية
يوليا باييفسكا ـ المحرّر) وُضعت في صندوق السدادات القطنية، الخاص
بالمنتجة فاسيليسا ستيبانينكو.
(*)
في مقابلة سابقة، قلتَ إنّك لا تتذكر أشياء كثيرة من مقاطع الفيديو. كيف
كان شعورك وأنتَ تشاهد مقاطع الفيديو والُصور من "ماريوبول"؟
هل فكّرت بما مررت به؟
كلّ شيء تعاوده مجدّداً، لأنّك تشاهد مراراً كلَّ لحظة في
الاشتغال، وتعيشها مجدّداً. تكتب نصّاً، وتقود المَشاهد في هذه الأحداث،
موضِّحاً ما يحدث. لا أتذكر اللحظات التي وضعت فيها الكاميرا جانباً، وكانت
معلّقة على كتفي في مكان ما. عندما أتحدث مع شخص، أو أتفاعل مع حدثٍ حولي،
لا أطفئ الكاميرا، لأنّي أخشى أنْ يفوتني شيء ما. لكنّي لم أتذكّر تلك
اللحظات.
حين يموت طفل، أنزلق على الحائط، وأجلس على الأرض. هذه
اللحظات الإنسانية اكتشاف عظيم (أثناء مشاهدة اللقطات). هذا لا يمكن أنْ
يظهر إلاّ في فيلمٍ.
(*)
هناك مشاهد موت وألم ويأس عدّة في الفيلم. هل راودك شكّ أو
تردّد بشأن نشر لحظات أو مشاهد معيّنة من "ماريوبول"؟
في الواقع، إذا شاهدتَ الفيلم بعناية، لن تجد فيه دماً
كثيراً. ربما تصعب مشاهدته، لأنّي أختبره عاطفياً مع الشخصيات، فسكان
"ماريوبول"، الذين نراهم، أناس حقيقيون يفقدون أحبّاءهم وأطفالهم ومنازلهم
ومدينتهم. هذا صعب ومؤلم. لكنْ، في كلّ لحظة، هناك مَن يدعمهم، وهذا أيضاً
أمل وقوة. المبدأ الأساسي في عملية المونتاج معاملة الناس باحترام وكرامة.
الاتجاه الوحيد الذي رأيته في "ماريوبول" أنّه، كلما زاد تدمير
المدينة،
اقترب مزيد من الناس، وطلبوا منّي تصوير كلّ شيء حولهم. أرادوا أنْ
أصوّرهم، ليتمكّن أقاربهم من العثور عليهم. قالوا إنّ علينا أنْ نُظهر
للعالم ما يفعله الروس بالمدينة.
هناك مَن لم يرغبوا في أنْ نصوّرهم. وهؤلاء ليسوا في
الفيلم. كان يهمّني إظهار كلّ ردود الفعل، لأنّ هناك ارتباكاً وذعراً. هذا
جزء من التأثير الذي حاولت روسيا تحقيقه عندما لم تطوِّق المدينة فحسب، بل
عزلتها أيضاً عن العالم. أدّى هذا إلى تصديق الناس لكلّ ما سمعوه. لذا،
وكما أسلفت، يُعدّ موضوع حرب المعلومات من أهم المواضيع في الفيلم.
(*)
أثناء عملك الصحافي، صوّرت حروباً عدّة، بما فيها حرب
أوكرانيا منذ عام 2014. لكنْ، ما نوع الحرب التي رأيتها في "ماريوبول"؟
حربٌ لم أر مثلها قبلاً في أفغانستان والعراق وسورية
وكاراباخ وأوكرانيا (قبل الغزو الشامل). سابقاً، لم أر مثل هذه الحِدّة في
القتال والقتل وجرائم
الحرب.
لم أر مثل هذا المستوى من المعاناة.
(*)
ماذا تودّ قوله للجمهور قبل مشاهدة الفيلم؟
لا أريد تقديم أي نداء، فهذا ليس فيلماً أخلاقياً أو
وعظياً. لا أكلّف نفسي بمهمة تعليم أي شخص. مهمّتي مواصلة العمل، وتناول ما
حدث، وطرح الأسئلة حوله. |