"المعلم"
سكورسيزي خرج فارغ اليدين وشباك "باربي" لم يشفع له وخيبة عربية بعد أمل
تونسي
ملخص
لم تحمل حفلة جوائز الأوسكار اليوم مفاجآت كبيرة، فكان من
المتوقع فوز فيلم "اوبنهايمر" للمخرج كريسوفر نولان الذي أثار كثيراً من
الجدل في معالجته قضية القنبلة النووية الاميركية ومن يسمى "أباها". لكنّ
خروج السنيمائي الكبير مارتن سكورسيزي فارغ اليدين ترك اثراً لدى جمهوره
الكبير، وكذلك فشل فيلم "باربي" الذي حصد مليارا ونصف مليار دولار من خلال
شباك التذاكر..
فعلها كريستوفر نولان رغم ترشيحات سابقة لـ"أوسكار أفضل
مخرج" لم تتحول إلى فوز كان نالها على مدار العقدين الأخيرين، أسندت إلى نولان صباح
اليوم (بتوقيت العالم العربي) الجائزة المهيبة والمنتظرة منذ وقت طويل، عن
فيلمه "أوبنهايمر" الذي
كان أصبح حديث العالم في الصيف الماضي، محققاً نحو مليار دولار في شباك
التذاكر العالمي، في نهاية مسيرته داخل الصالات التجارية.
خمس هي المرات التي رشح فيها نولان إلى الـ"أوسكار"، بين
عامي 2000 و2018، وذلك عن ثلاثة أفلام له: "ممنتو" و"استهلال" و"دنكرك"،
والترشيح عن "دنكرك" خسره أمام المكسيكي غييرمو دل تورو عن "شكل المياه"،
ليأتي التكريس اليوم من قبل أعضاء الأكاديمية مع الفيلم الذي يحمل الرقم 12
في مسيرته التي انطلقت في نهاية التسعينيات، مع فيلم صغير بموازنة شحيحة،
مصور بالأسود والأبيض، بعنوان "تعقب"، عن رجل يلاحق الغرباء في الشارع.
سعادة محبي هذا السينمائي البالغ من العمر 53 سنة، الذي
استطاع إقناع شريحة ضخمة من المشاهدين، ومعظمهم من مواليد الألفية الثالثة،
مزدوجة، ذلك أن فوز نولان مزدوج: جائزة "أوسكار" أفضل مخرج و"أوسكار" أفضل
فيلم وكلتاهما ذهبتا إليه شخصياً، من أصل سبع جوائز "أوسكار" نالها الفيلم،
من بينها أفضل ممثل لكيليان مرفي وأفضل ممثل في دور ثان لروبرت داوني
جونيور وأفضل موسيقى تصويرية للودفيغ غورانسون وأفضل مونتاج لجينيفر لايم
وأفضل تصوير لهوته فان هويتيما.
بنيله سبع جوائز "أوسكار"، أصبح "أوبنهايمر" بطل الأمسية
الأوسكارية التي أقيمت في مسرح دولبي في لوس أنجليس، فانضم إلى نادي
الأفلام التي فازت عبر التاريخ بسبعة تماثيل ذهبية، من مثل "لورنس العرب"
و"كل شيء عن إيف" و"لائحة شندلر"، علماً أن ترشيحاته بلغ عددها الـ13،
وتمثل أكبر عدد من الترشيحات نالها فيلم في هذه النسخة 96 من الجوائز، التي
تمنحها أكاديمية فنون الصور المتحركة وعلومها. وبفوزه بجائزة "أفضل مخرج"
تغلب نولان على منافسيه الأربعة: جوستين ترييه، يورغوس لانثيموس، جوناثان
غلايزر ومارتن سكورسيزي، والأخير لم يفز فيلمه "قتلة قمر الزهرة" بأي
جائزة، على رغم ترشحه لـ10 منها.
منذ الإعلان عن بدء إنتاجه، أثار "أوبنهايمر" اهتماماً
دولياً واسعاً. الأمر الذي يمكن تفهمه، لكونه يتناول شبه سيرة شخصية طبع
إنجازها العلمي (المدمر) القرن الـ20. بالتالي يثير الفضول لما في تجربته
من تقاطعات بين السياسة والعلم والأيديولوجيات، خصوصاً أن السينما لم تعط
هذه الشخصية حقها من الحضور على الشاشة، أقله كما فعلها نولان في فيلمه هذا
الذي يتجاوز الثلاث ساعات وصور بشريط خام سعة 65 مم، مما يوفر تجربة مشاهدة
سينمائية لا مثيل لها.
أبو القنبلة الذرية
الفيلم بأكمله يدور على الفيزيائي والكيماوي الأميركي ج.
روبرت أوبنهايمر (1904 - 1967) الذي يعتبر "أب القنبلة الذرية"، وما عاشه
قبل صناعته تلك القنبلة وخلالها وبعدها، بتكليف من سلطات بلاده في
أربعينيات القرن الماضي. وجاء هذا في سياق عملية تطوير الطاقة الذرية
للتصدي للنازيين. لكن ذلك السلاح النووي كما نعلم استخدم لاحقاً ضد
اليابان، من خلال إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في
نهاية الحرب العالمية الثانية.
يحمل الفيلم توقيع صاحب "إنترستيلار"، لا بل يذهب بتوقيعه
إلى أبعد ما يمكن الذهاب إليه، في نوع السينما التي يقدمها، واضعاً حرفته
في سبيل قضية واضحة: إنصاف أوبنهايمر، وقول ما له وما عليه، بأسلوب يبتعد
عن التدليس ويحاول أن يكون موضوعياً. لكن، في النهاية، هذا كله يخدم الرؤية
الأميركية وإعادة قراءة التاريخ من منظور جديد مع الاعتراف بالأخطاء. وهذا
كله لا بد أن يعطي العالم صورة إيجابية عن أميركا، كبلد متسامح يفسح المجال
للنقد الذاتي.
هذا ما كتبناه في "اندبندنت عربية" عند عرض الفيلم في يوليو
(تموز) من العام الماضي: "يتجرأ نولان في طرح أسئلة قد تبدو مزعجة لأنها
تخربط علاقتنا بالثوابت: من المسؤول عن قتل الآلاف بالقنبلة الذرية؟ هل
المسؤول من كلف بصنعها أو من صنعها أو الذي ألقى بها على المدينتين؟ من
خلال هدف بسيط يضعه الفيلم نصب عينيه، نرى صناعة القوة ثم تفكيكها، ثم
إعادة صنعها فتفكيكها مجدداً... وهكذا إلى نهاية الفيلم، حيث في انتظارنا
خاتمة هي على الأرجح من اللحظات التي ستبقى من سينما نولان".
بقية الجوائز وزعت على أفلام عدة "أفضل تمثيل نسائي" ذهبت
إلى الأميركية إيما ستون عن دورها المذهل في "كائنات مسكينة" للمخرج
اليوناني يورغوس لانثيموس الذي فاز بثلاث جوائز إضافية: "أفضل ديكور"
و"أفضل تصميم أزياء" و"أفضل ماكياج وتصفيف شعر". يحكي هذا الفيلم الذي كان
نال "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية الأخير، قصة فتاة تعود إلى الحياة
تدريجاً بعد محاولة انتحار، فتبدأ في اكتشاف اللذة الجنسية والحرية والعيش
على أوسع نطاق، بعدما كانت مقموعة إثر زواجها من رجل متسلط. الفيلم من
النوع الفانتازي، يتنقل بين الأماكن ليحكي قصة نسوية في قالب مبتكر بصرياً.
لكن ستون لم تكن الوحيدة التي تستحق هذه الجائزة بحدارة، فهناك في الأقل
مرشحتان كانتا من الممكن أن تخطفاها: ليلي غلادستون عن دورها كامرأة معذبة
من قبيلة "الأوساج" في فيلم سكورسيزي، وساندرا هولر عن "تشريح سقوط"
(الفائز بـ"سعفة" كان 2023) الذي لم ينل سوى جائزة أفضل سيناريو أصلي
(كتابة المخرجة جوستين ترييه وشريكها في الحياة الممثل أرتور أراري)، وهو
يحكي عن تحقيق في ملابسات قضية سقوط رجل ووفاته على الفور، تتهم بها زوجته
(هولر)، مما يدخلنا في معمعة المحاكمة وما سيكشف عن تعقيدات الحياة
الزوجية. أما جائزة أفضل سيناريو مقتبس، فكان من نصيب "خيال أميركي" لكورد
جفرسون.
"منطقة اهتمام" للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر، الذي كان
نال جائزة الـ"غران بري" في مهرجان "كان" الأخير، نال جائزتي "أوسكار":
"أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية" و"أفضل هندسة صوت". هذا العمل أحدث جدلاً،
بين مؤيدين ومعارضين، أخيراً عند عرضه، وهو يتناول المحرقة النازية بمقاربة
مغايرة. فهو يصور أحد الضباط النازيين الذي يقيم هو وعائلته قرب معسكر
أوشفيتز حيث أبيد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. واللافت أننا نتابع
يوميات هذه العائلة التي يواصل أفرادها حياتهم في صورة اعتيادي. عند نيله
الجائزة، ذكر غلايزر بضحايا السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ودان أيضاً
الحرب الإسرائيلية على غزة، مندداً بـ"دولة احتلال خطفت المحرقة". وكان تم
تشبيه أحداث الفيلم بما يدور الآن في غزة، وهو الأمر الذي اعتبر بعضهم أنه
زاد من فرص نيله بالجائزة التي تنافس عليها سينمائيون كبار من طينة
الألماني فيم فندرز ("أيام مثالية") والفنلندي آكي كوريسماكي ("أوراق
ميتة").
إضافة إلى سكورسيزي، كان الخاسر الأكبر في "أوسكار" هذا
العام هو المخرج الأميركي ألكسندر باين. فيلمه "الباقون" اكتفى بجائزة
واحدة ذهبت إلى دافين جوي راندولف عن دورها الثانوي فيه. فيلم باين الذي
تدور أحداثه في السبعينيات، رقيق وخطف قلوب الكثير، وهو عن بعض التلامذة
الذين يبقون داخل الجامعة خلال عيد الميلاد برفقة أستاذهم الذي يلعب دوره
بول جياماتي بعبقرية لا مثيل لها. ومع ذلك لم يره أعضاء الأكاديمية أهلاً
لجائزة، مفضلين عليه كيليان مرفي.
فوز "20 يوماً في ماريوبول" للأوكراني مستيسلاف شرنوف
بجائزة "أفضل فيلم وثائقي" خيب آمال العرب الذين راهنوا على "بنات ألفة"
للتونسية كوثر بن هنية، الفيلم العربي الوحيد الذي كان تسلل إلى الأمسية.
الفيلم هو توثيق للأيام الـ20 التي أمضاها المخرج في مدينة ماريوبول
المحاصرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. فيلم قاس نغوص معه في عمق جحيم الحرب
وهو نقيض فيلم هاياو ميازاكي، "كيف تعيش"، الذي نال جائزة "أفضل فيلم
تحريك"، على رغم أنه ليس أفضل ما أنجزه معلم سينما التحريك في حياته. أما
"باربي" لغريتا غرويغ، وهو أكثر أفلام العام الماضي تحقيقاً للإيرادات
(مليار ونصف مليار دولار على مستوى العالم)، فسقط في اختبار الـ"أوسكار"
وبدا أبعد ما يمكن عن "ذوق" الأكاديمية، إذ لم يعط إلا جائزة "أفضل أغنية"
(ليبلي أليش)، وهذا ما أثلج صدور بعض كارهي هذا الفيلم الذي كان تغلب على
"أوبنهايمر" في عدد المشاهدين الذين جذبهم، ضمن صراع معلن، ولكن حسمت
المعركة هذا الصباح لمصلحة صانع القنبلة. |