كان العرض الأول للأخوين لوميير (1895) بمثابة المحطة
الأولى التي انطلق منها قطار الفن السينمائي منذ أكثر من قرن وربع القرن.
ورغم قصر الرحلة -مقارنة بالفنون الأخرى- مر هذا القطار بعدد كبير من
المحطات الهامة والمميزة أطلقنا عليها مسميات من قبيل "العصر الذهبي"
والموجة الجديدة"... إلخ. غير أن تلك الرحلة لم تخلُ من مطبات وتوقفات
كثيرة، ناهيك عن مراحل متوالية من التطوير والإحلال تغيرت خلالها ملامح
السينما بشكل مستمر بداية من السينما الصامتة وحتى عصر الصورة الرقمية.
الشيء الوحيد الذي لم يتبدّل في هذا الفن هو استمراريته حتى في أحلك
الأزمنة كالحروب والأوبئة.
لم يمر عام 2023 سينمائيا إلا على نحو استثنائي صاخب سواء
على المستوى الدولي أو الإقليمي، فقد تسبّبت إضرابات هوليوود في توقف عجلة
الإنتاج الأميركية لشهور، وما إن أتت المفاوضات بثمارها وانفضت الاعتصامات
حتى شنت إسرائيل عدوانها على غزة، مما أسفر عن تعطيل عدد من المهرجانات
السينمائية على مستوى العالم لتصبح المحصلة النهائية لأفلام العام، متواضعة
مقارنة بمواسم سابقة.
هوليوود والنجوم
في عام 2019 افتتح "مهرجان القاهرة السينمائي" نسخته الـ 41
بفيلم "الإيرلندي" بطولة روبرت دينيرو وآل باتشينو ومن إخراج مارتن
سكورسيزي. تجاوزت مدة الفيلم الثلاث ساعات ونصف الساعة لم يشغل آل باتشينو
منها سوى ساعة واحدة تقريبا، لكن ما لفت الانتباه هو مدى استجابة الجمهور
لظهوره على الشاشة بعد مرور ساعة كاملة من الفيلم، حيث ضجت القاعة بالتصفيق
رغم عدم حضوره العرض.
تخضع اشتراكات الرسائل الإخبارية الخاصة بك لقواعد
الخصوصية والشروط
الخاصة بـ
“المجلة".
شهد شباك التذاكر العالمي هذا العام مجموعة من المنافسات
الشرسة بين عدد من الأفلام، في مقدمتها فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، اللذين
أسفرا عن ظاهرة "باربنهايمر"
من نجوم هوليود القدامى، يطل باتشينو على جمهوره هذا العالم
من خلال فيلم إثارة هزيل بعنوان "نوكس يذهب بعيدا"، في ما يقدّم السير
أنتوني هوبكنز سيرة حياة البريطاني الشهير نيكولاس وينتون في فيلم "حياة
واحدة"، متناولا قصة تهريبه مئات الأطفال من اليهود في تشيكوسلوفاكيا أثناء
الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. أما النجم راسل كرو فقد اختار
العوالم السحرية لفيلمه الجديد "طرد الأرواح الشريرة من البابا" إخراج
الأسترالي يوهان أفيري. ينتمي الفيلم للسينما التجارية وهي ثمة تتكرر هذا
العام مع أكثر من نجم أو مخرج. نلمح ذلك أيضا مع ممثل هوليود الوسيم توم
كروز الذي حصد فيلمه الأخير "مهمة مستحيلة" أعلى الإيرادات، كما حظيت
الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لكواليس الفيلم، بعدد ضخم
من المشاهدات، وفيها يستعرض كروز مهاراته الجسمانية من خلال مشاهد الحركة
مؤكدا أنه لا يزال قادرا على تأدية المشاهد الصعبة رغم تجاوزه الستين.
يتنافس الفيلم على جوائز الأوسكار من خلال فئتي أفضل مؤثرات بصرية وصوتية.
باربنهايمر
شهد شباك التذاكر العالمي هذا العام مجموعة من المنافسات
الشرسة بين عدد من الأفلام، في مقدمتها فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، اللذين
أسفرا عن ظاهرة
"باربنهايمر" التي
ذاع صيتها لشهور، ولم تنته بعد، إذ احتل الفيلمان المراكز الأولى في قوائم
ترشيحات "غولدن جلوب" المعلنة أخيرا، وها هي قوائم الأوسكار تحتفي بهما من
جديد، مع بقاء "باربي" في
الصدارة بخمسة ترشيحات هي أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية" وثلاثة ترشيحات ضمن
فئة أفضل أغنية أصلية عن ثلاث أغنيات. الفيلم من إخراج غريتا غيرويغ التي
لم تتجاوز أعمالها حتى الآن أصابع اليد الواحدة، وحقق الفيلم شهرة عالمية
ما جعلها أول امرأه في تاريخ السينما تتخطّى أعلى الإيرادات. إلا أن هناك
مخرجون يكفي توقيعهم على أي فيلم لضمان أعلى الإيرادات، في طليعتهم المخرج
كريستوفر نولان الذي احتل بفيلمه "أوبنهايمر" المركز الثاني لجوائز "غولدن
جلوب" من حيث عدد الترشيحات، وإن تراجع خطوة للوراء في قوائم الأوسكار
ليحتل المركز الثالث بثلاث ترشيحات هي أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأفضل موسيقى
ومؤثرات صوتية، مفسحا الطريق لفيلم "قتلة زهرة القمر" للمخرج مارتن
سكويرسيزي" المرشح للتنافس على أربع فئات هي أفضل أغنية وموسيقى ومؤثرات
صوتية وأفضل مكياج وتصفيف.
عودة سكورسيزي
في فيلمه الجديد، يتتبع سكورسيزي النهاية المأساوية لإحدى
قبائل سكان أميركا الأصليين. يشارك في البطولة روبرت دينيرو وليوناردو دي
كابريو، وقد تعاونا سابقا مع المخرج في أكثر من عمل، ونلاحظ أن أداءهما في
"قتلة زهور القمر" لم يختلف مطلقا عن الأداء نفسه في تلك الأفلام، أما
الهوليودي المخضرم سكورسيزي فأثبت أنه يزال يتمتع بكامل لياقته كلاعب
سينمائي محنك. يستعد سكورسيزي حاليا للبدء في فيلم جديد من بطولة دي كابريو
يعود من خلاله أيضا للماضي مقلبا أوراق التاريخ من القرن الثامن عشر، حول
غرق وحطام سفينة ضخمة.
بينوشيه وغولدا مائير
يحفل سجل التاريخ بكثير من الشخصيات، منها ما ارتبط بأحداث
ووقائع تاريخية أثرت على الدراما الإنسانية في مجملها، أو جزئيا على
المستوى المحلي. يعتمد الفيلم التشيلي "الكونت" في حبكته على شخصية
"أوغوستو بينوشه" الديكتاتور العسكري الذي استولى على الحكم في تشيلي بعد
انقلاب أطاح بحكم "سلفادور ألليندي" مطلع السبعينيات. عُرض الفيلم لأول مرة
ضمن فعاليات الدورة 80 من "مهرجان البندقية السينمائي" ليتوج بجائزة أفضل
سيناريو. ويعد التجربة الثامنة في مسيرة المخرج بابلو لاراين ماتي.
لم يكن الانقلاب الذي أوصل الكونت إلى سدة الحكم هو
البداية، فنحن نتابع حياته الممتدة لمئات السنين منذ أن ولد لقيطا وهو ما
يتم إسقاطه على الأنظمة الشمولية التي أتت من العدم، ثم يعاود الظهور في
أزمنة مختلفة متلونا كالحرباء؛ مرة مقاتلا في الجزائر وأخرى متطوعا على
حدود الصحراء يساعد المنكوبين. ويتبع المخرج في فيلمه أسلوب المباشرة على
كافة المستويات بداية من فكرة تلبيس الديكتاتور عباءة مصاص الدماء، وتدعيمه
بإمكانيات خارقة كأن يجوب المدينة ليلا طائرا كالخفاش بعباءة سوداء للبحث
عن ضحايا يقتلع قلوبهم ويطحنها في الخلاط ثم يتجرّعها بتلذذ. أيضا يختار
المخرج لوني الأبيض/الأسود لشريطه السينمائي مع درجات متباينة من اللونين،
وهو انعكاس بصري للواقع المعيشي في ظل الأنظمة المستبدّة.
أثبت الهوليوودي المخضرم مارتن سكورسيزي أنه يزال يتمتع
بكامل لياقته كلاعب سينمائي محنك
فيلم أخر ينطلق من فكرة الاستبداد ولكن على الطريقة
الاستيطانية، هو "غولدا" إخراج غاي ناتيف وهو يهودي أميركي، أما البطولة
للنجمة البريطانية هيلين ميرين التي جسدت شخصية "غولدا مائير" رئيسة وزراء
إسرائيل. يتعرض الفيلم للجزء الأخير من حياة المرأة الحديدية وأحداث حرب
1973 مع مصر التي انتهت بهزيمة إسرائيل. وهو ينتمي لنوعية "أفلام تبييض
الوجه"، حيث قدمت الشخصية بغلالة إنسانية مبالغ فيها تُشكل صورة رهيفة
مفترضة من شخصية غولدا. يتنافس الفيلم ضمن ترشيحات الأوسكار على جائزة أفضل
مكياج وتصفيف شعر.
ريدلي سكوت و"نابليون"
في فيلمه "نابليون" يخوض المخرج البريطاني المخضرم ريدلي
سكوت تجربة مشابهة إلى حد كبير، بتقديم ما يُشبه المرثية للقائد الفرنسي
الشهير التي تُسجل لحظات متباينة بين صعود وانهيار ينتهي بلحظة شاعرية يودع
فيها البطل أحلامه من منفاه. قوبل فيلم سكوت بانتقادات خصوصا في ما يتعلق
بالتوثيق التاريخي للأحداث، أما عن سكوت فمن الواضح أن التاريخ لم يكن
يعنيه منذ البداية، وحدها الشخصية ومقوماتها التي تعاطف معها وأراد لها أن
تكون كما شاهدناه، وهنا ليس على سكوت من حرج في تقديم "نابليونه" الخاص إلا
أنه أخفق ربما في إسناد البطولة لواكين فينيكس الذي قام بتجسيد الشخصية
وفق ما يراه هو الآخر، فضاع نابليون بين محاكتين. رشح الفيلم للتنافس على
ثلاث جوائز أوسكار "أفضل مؤثرات بصرية وصوتية وأفضل مكياج وتصفيف شعر.
السينما الشكلية وويس أندرسن
يُعتبر المخرج الأميركي ويس أندرسن من أكثر المخرجين
المعاصرين شكلانية خصوصا في مجموعة أفلامه الأخيرة، التي يظهر فيها بوضوح
شغفه بالفكرة عن الحكاية أو ما وراء الفكرة بالتحديد؛ فالأفكار عند أندرسن
ليس لها معالم قاطعة وهو في ذلك يتشابه بدرجة ما مع الروائي التشيلي ميلان
كونديرا وإن اختلف الوسيطان في السرد إلا أن الملمح العام للأحداث ينحصر في
مجموعة من الأفكار تكسى بالدم واللحم في صورة شخصيات. يقدم لنا فيلمه
الجديد "مدينة الكويكب" نموذجا مثاليا على أسلوبه في الإخراج ونلاحظ فيه
تكرار عدد من السمات التي يتبعها في أفلامه ويأتي في مقدّمتها المشهد
المغاير من حيث الديكور والتكوين وتحريك الكاميرا والممثلين.
يهتم أندرسن أيضا بالإيقاع اللاهث للسرد والأحداث وأحيانا
كثيرة للحوار ما بين الشخصيات وكلها عناصر تحتفي بالشكل بالأساس، ولا يمكن
إغفال ولعه بالشكل على مستوى طاقم التمثيل وكثيرا ما يحرص على أن يضم
مجموعة كبيرة من النجوم (توم هانكس. سكارليت جوهانسن، تيلدا سوينتن، أدريان
برودي، وليم دافو)، كما يمكن ملاحظة تكرار ذلك النسق في عدد من أفلامه مثل
"فندق بودابست الكبير" و"الوفد الفرنسي". وعلى الرغم من أن فيلم "مدينة
الكويكب" خرج من تنافس ترشيحات الأوسكار إلا أن هناك فيلما آخر لأندرسن
بعنوان "القصة الرائعة لهنري شوغر" رشح ضمن فئة أفضل فيلم قصير.
الفيلم مأخوذ عن إحدى قصص الكاتب البريطاني روالد دال
ويعتبر الجزء الأول ضمن رباعية من الأفلام القصيرة كلها مأخوذة عن قصص
للكاتب نفسه، وهي الصفقة التي أجراها أندرسن هذا العام كأول تعامل مع منصة
"نتفليكس". يتحرك أندرسن من خلال رباعيته القصيرة بحرية أكبر مازجا بين
المسرح والفن التشكيلي والرسوم والمتحركة، حيث تأتي الشخصيات نصفها بشري
والنصف الآخر غرافيك، وفي بعض الأحيان يكسر الحائط الرابع (الإيهام) ليفضح
أمام المشاهدين ما يخفيه بقية الكادر لقضبان القطار على سبيل المثال فنكتشف
أنها ديكور مصنوع، ومنذ البداية يتوجه الخطاب في الأفلام الأربعة إلى
المشاهد مباشرة معلقا أو روايا للأحداث بحس أدبي.
عن إحدى روايات الكاتب الفرنسي ألكسيس نولينت تدور أحداث
فيلم "القاتل" للمخرج ديفيد فينشر، وربما كان من المبالغة إطلاق كلمة
–أحداث- ضمن هذا الفيلم؛ فالسيناريو لا يحتوى على أحداث تذكر ولا يوجد اسم
محدّد للشخصية الرئيسية ويجسدها الممثل مايكل فاسبندر، الذي لا نعلم عنه
سوى أنه قاتل مأجور اقتطع المخرج جزءا من حياته، حين يفشل في إصابة الهدف
ربما لأول مرة، ونتابع ذلك من خلال مقدمة طويلة كادت أن تقترب من حد الملل
خصوصا مع تكرار المشاهد التي نتابع فيها طقوس القاتل أثناء مراقبته لمنزل
من شرفة مقابلة، ويحدث ذلك عبر ما يزيد عن ثلث ساعة كاملة. لم يمنع ذلك من
تميز واضح على المستوى الصوتي أهل الفيلم للتنافس على جائزة أفضل مؤثرات
صوتية في سباق الأوسكار.
من الواضح أن فينشر جاهد كثيرا في فيلمه في محاولة لإيقاع
المشاهد في شِرك الحياة الرتيبة لهذا القاتل، إلا أن تلك المجاهدة لم تفلح
سوى من الخارج فقط وهو ما يمكن تطبيقه أيضا على أداء بطل الفيلم، الذي تحرى
الحيادية والبرود في مشاعرة ربما بصورة زائدة عن الحاجة بعض الشيء. ونجد أن
موضوع الشكلانية في الفيلم قد لا يأتي على مستوى الصورة أو الموضوع أو
التقنيات وفقط، بل يمكنه التجسد على مستوى الحالة أيضا، من أبرز الأمثلة
الجيدة على ذلك فيلم "أيام مثالية" لصانع الأفلام الألماني المخضرم "فيم
فيندرز" وهو إنتاج مشترك بين اليابان وألمانيا لذلك لم يكن من الغريب أن
يكون غالبية طاقم التمثيل من اليابانيين وفي مقدمتهم بطلل الفيلم كوجي
ياكوشو ويجسد شخصية عامل مراحيض صامت، مرت العديد من المشاهد ولم ينطق بحرف
معتمدا بشكل أساسي على تعابير وجهه. لا يقدم سيناريو الفيلم أيضا أحداثا
كبيرة بل ينتهي دون أن نتعرف على الخلفية التاريخية للبطل ولا كيف ساقته
الظروف لامتهان هذه المهنة التي يمارسها بسعادة غريبة مع إتقان وتفاني
منقطعي النظير. يتنافس الفيلم على جائزة "أفضل فيلم أجنبي" وسبق وحصد بطل
الفيلم جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان هذا العام.
السعودي "ناقة" فيلم مغاير من حيث الرؤية والطرح وربما كان
من المدهش أن يكون المخرج مشعل الجاسر شاب لم يبلغ الثلاثين بعد
السينما العربية.. خطوات ورؤى
تقدّمت أكثر من دولة عربية هذا العام بترشيحات لجوائز
الأوسكار لم يصل منها إلى الترشيحات النهائية سوى فيلمين هما "بنات ألفة"
لكوثر بن هنية من تونس و"كذب أبيض" لأسماء المدير من المغرب، ويتنافسان ضمن
فئة أفضل فيلم وثائقي. تراوح الفيلمان بين الوثائقي والدرامي وتباينا في
الرؤية والتناول، حيث تتبعت هنية في فيلمها حادثة شهير لاختفاء بنات أم
تونسية، في ما ذهبت المدير للكشف عن تاريخ عائلتها مازجة بين الخاص والعام.
منذ الانطلاقة النهضوية للسينما في المملكة العربية
السعودية، لا شك أنها تخطو عاما بعد عام خطوة جديدة تمثل إضافة إلى رصيدها
الوليد خصوصا في ما يخص الصناعة وسوق السينما، أما على الجانب الفني من
إخراج وتأليف وتصوير وتمثيل، فمن الواضح أن المحاولات المقدمة حتى الآن لا
تزال في طور التكوين والبحث عن سمات وأساليب خاصة، ولا يمنع ذلك من ظهور
بعض الأصوات المميزة من وقت لآخر مثل حال فيلم
"ناقة" أحدث
ما عرض من الإنتاج السعودي في 2023، ولا شك أنه فيلم مغاير من حيث الرؤية
والطرح وربما كان من المدهش أن يكون المخرج مشعل الجاسر شاب لم يبلغ
الثلاثين بعد. ثمة دهشة أخرى كانت من نصيب موضوع الفيلم وهو نسوى بامتياز.
استطاع المخرج توريط المشاهد منذ المشهد الافتتاحي للفيلم،
الذي يبدأ عام (1975)، وفيه نتابع أحد الأشخاص أثناء اقتحامه لمستشفى حاملا
سلاحا، بينما إحدى النساء تضع مولودها ويتضح من حوار الطبيب أن ذلك
المستشفى مخصص للرجال ثم نتبين أن الرجل المسلح هو زوج المرأة وحين يقتحم
غرفة الولادة يفرغ طلقاته في الطبيب، لأنه كشف عورته وحرمة بيته عن طريق
الزوجة، وما يزيد الطين بلة هو المولود الجديد الذي كان طفلة ستحمل على
عاتقها إرث النساء حتى تصل إلى وقتنا الحالي، بداية سير الأحداث مع الطفلة
وقد تخطت الأربعين من عمرها.
سجلت السينما السودانية أيضا هذا العام حضورا بارزا بفيلم
"وداعا جوليا" تأليف وإخراج محمد كردفاني، وهو أول فيلم سوداني يُعرض في
"مهرجان كان السينمائي". ويتناول أزمة انقسام السودان من خلال قصة إنسانية
تجمع بين امرأتين تمثلان الجلاد والضحية في الوقت نفسه، حصل الفيلم أخيرا
على جائزة مهرجان الجونة السينمائي في مصر خلال دورته السادسة، ويعتبر خطوة
جديدة في تاريخ السينما السودانية وهي سينما ذات نكهة مميزة سواء على مستوى
الصورة أو المواضيع، لذلك فهي من أكثر الموضوعات تعبيرا عن القارة
الأفريقية وزخمها الهائل.
السينما المصرية
من جديد، تُسجل السينما المصرية إيرادات غير مسبوقة في
تاريخ شباك التذاكر بفيلم "بيت الروبي" لبيتر ميمي، الذي انتزع اللقب من
فيلم "كيرة والجن" لمروان حامد، لكريم عبد العزيز الذي كان متصدرا في العام
الماضي. ومن جديد أيضا يُعاود القطاع السينمائي في مصر وضع خطته السينمائية
لهذا العام على نسق الأعوام الماضية، والتي ربما تمتد لما يزيد عن عقد لم
تأتِ فيه السينما المصرية سوى بأفلام الخلطات المجربة إلا في ما ندر، وهي
خلطات تعتمد في أساسها على "التهريج" وليس الكوميديا كفن، حتى إنه يمكن
إطلاق مصطلح "الهزلية الجديدة" على هذه الموجة على غرار "الواقعية الجديدة"
التي كانت في يوم ما، والفارق بينهما شتان بالطبع.
اقتصرت مشاركة نجوم الصف الأول على نجمين آخرين، بالإضافة
إلى كريم عبد العزيز هما محمد هنيدي ومحمد رمضان، فأما الأول فقد عاود
إخفاقاته المتتالية من جديد بفيلم "مرعى البريمو" رغم ما سبقه من بروباغندا
واعتذار بطله عن تراجع أفلامه الأخيرة. في ما اشترك "رمضان" بفيلمين هما
"هارلي" لمحمد سمير و "ع الزيرو" لمحمد جمال العدل، وفي كلتا الحالتين لم
تختلف الشخصيتان أو الأداء عما قدمه رمضان سابقا، وإن اصطبغ أداء البطل
بشخصية "جعفر العمدة" التي عرضت ضمن الموسم الرمضاني ونالت جماهيرية.
في التقسيم التالي من الموسم السينمائي نجد ثلاثة أفلام
اشتركت على استحياء، لما تقدمه من مغايرة –ولو ضعيفة- عما هو سائد ومعتاد:
"وش في وش" لوليد الحلفاوي، و"ب 19" لأحمد عبد الله، وفيلم "ڤوي. ڤوي!
ڤوي!" أولى التجارب السينمائية لمخرج الإعلانات عمر هلال، وقد رشح من
"نقابة المهن السينمائية" لتمثيل مصر للمنافسة على جائزة الأوسكار لكنه خرج
من التصفيات النهائية. نلاحظ في هذه الأفلام الثلاثة عدة مشتركات أولها جمع
مخرجيها بين التأليف والإخراج، كما أنها تقدم بطولات لنجوم الصف الثاني مثل
محمد فراج وسيد رجب ومحمد ممدوح، وهو ما يتكرر مع أفلام أخرى مثل "يوم 13"
لوائل عبد الله، وفيلم "ساعة إجابة" لمصطفى أبو سيف) ويتضمنان مساحة جديدة
من البطولة المطلقة لكل من أحمد داود وشريف سلامة. يتشابه معهما فيلم "ابن
الحاج أحمد" لمعتز التوني، البطولة المنفردة الأولى للممثل الكوميدي
"شيكو"، وكان من الواضح في الأفلام الثلاثة حجم الصعوبة الشديدة في تحمل
ثقل البطولة المطلقة.
وكما هي العادة، لم تخلُ الوجبة السينمائية المصرية من عدد
كبير من الأفلام يمكن اعتبارها زائدة عن الحاجة نذكر منها "العميل صفر"،
"اتنين للإيجار"، "بعد الشر"، "مغامرات كوكو" وفيلم بعنوان "لف وارجع تاني"
والذي ربما يكون عنوانه بمثابة نداء موجّه إلى السينما المصرية في وضعها
الراهن. |