«أصبح
الفيلم السعودي اليوم مُنافِسًا في السوق المحلِّي، وقريبًا في السوق
العربي والعالمي؛ لذا نحتاج حِراكًا نقديًّا يوازي هذا الحِراك
السينمائيّ». – م.م عبدالله آل عيَّاف
لِمَا للنقد السينمائي من دورٍ بنَّاء في تطور العملية
الإبداعية التي ساهمت في تقدُّم الجماليات السينمائية؛ من خلال تجاوز
الأُطُر باعتبار أنّ «ما يُشاهد داخل الإطار لا تحدّه الصورة المرئيَّة»،
كما يرى شاعر السينما تاركوفسكي. واستجابةً لتحقيق رؤية المملكة 2030،
ولمستهدفات وزارة الثقافة بقيادة سموّ الوزير الأمير بدر بن عبدالله بن
فرحان آل سعود، حفظه الله. واستكمالاً لمشروع المُلتقيات النقديَّة -التي
أُقيمت في كلٍّ من: جدة، الظهران، أبها، تبوك، بريدة-؛ نظَّمت هيئة الأفلام
-بالشراكة الإعلاميَّة مع منصة سوليوود- النسخة الأولى من «مؤتمر النقد
السينمائي 2023»، التي جاءت بعنوان: «ما وراء الإطار». وذلك بتاريخ 7-14
نوفمبر 2023، في مقرِّ قصر الثقافة بـ (حيّ السفارات)، في مدينة الرياض.
بعد السَّلام الوطني، استفتح الرئيس التنفيذي لـ هيئة
الأفلام، المهندس والمخرج عبدالله آل عيَّاف، حفل الافتتاح -موجِّهًا حديثه
للجمهور- بـ «أصحاب السينما…». مُشيرًا إلى الحِراك السينمائي السعودي
الواعد، حيث أنّ «الفيلم السعودي اليوم أصبح مُنافِسًا في السوق المحلِّي،
وقريبًا في السوق العربي والعالمي».
ثمّ تحدَّث عن أهمية تطوير البُنيَّة التحتيَّة للسينما
السعودية؛ من أجل أن يصبح السوق السعودي السينمائي الأكبر في المنطقة.
وباعتبار النقد صورة للسينما برزت الحاجة إلى إقامة مؤتمرٍ نقديّ سينمائيّ
يؤسِّس لـ «حِراكٍ نقدي يوازي هذا الحِراك السينمائي»؛ ليكون عونًا
لصُنَّاع السينما والنُّقاد، وتمكينهم من منظورٍ مختلف وأكثر رحابة. وذلك
بخلق منصةٍ نقديةٍ تقدُّمية سنويَّة للاحتفاء بالسينما ومناقشة تحديِّاتها
من حيث توقَّف العالم «يدٌ تعود للماضي، ويدٌ تُحلِّق من جديد».
فيما ذكر أ. عبدالله العبدالله -مدير عام الأرشيف الوطني
بهيئة الأفلام- أهمية إيصال صوت الناقد السينمائي؛ باعتباره دليلاً إلى/في
عالم السينما، من خلال إقامة مؤتمرٍ نقديّ بمشاركة أكثر من 40 ناقدًا من 22
دولة؛ بهدف «تحفيز الحركة السينمائية واستكمال المشهد السينمائي للوصول
لنقدٍ سينمائي يتجاوز الحبكة إلى عمق القصة».
أمَّا مخرج فيلم «شروق/غروب 2009» الناقد والباحث السينمائي
د. محمد الظاهري – مدير إدارة الحفظ والترميم، ومدير مؤتمر ومُلتقيات النقد
السينمائي بهيئة الأفلام- فقد تحدَّث عن اكتشافه لـ «سِحر السينما
وبدِيعها» في التسعينات الميلادية، والذي لم «يبدأ من صالات السينما
ومسارِحها، وإنما من محلاَّت الفيديو وأروِقتها». في إشارةٍ منه إلى دور
الحركة السينفيليَّة النقديَّة السعودية الشابَّة -التي نشأت نهاية
التسعينات ومطلع الألفيَّة- في تحرير الصفحات السينمائية في المطبوعات
المحليَّة الكبرى من صحفٍ يوميَّة ومجلاتٍ دوريَّة، والموقف الحادّ الذي
تبنَّته تلك الحركة من السينما العربية الدارجة، ويعزو سبب ذلك إلى «ضعف
التوزيع المحلِّي للأعمال الجيِّدة منها».
المسرح الرئيس
بحضور عددٍ من كِبار النُّقاد وصُنَّاع السينما المحليين
والعرب والعالميين، بدأت برامج المؤتمر النقدي بحديثٍ دار بين الناقد
السينمائي أحمد شوقي ومخرج ملحمة «باب الشمس 2005» الكبير يُسري نصر الله،
الذي تحدَّث عن تجربته السينمائية المُثريَّة التي بدأها ناقدًا ثمّ
مخرجًا: «السينما تخلِّيني أحلم. والّلي حصل شفت فيلم. وسؤالي الوحيد
لبابا: أبويا مين ده؟ قالّلي: ده المخرج». ليدخل بذلك كما يقول: «العالم
الّلي بهرني وبلعني». مشيرًا إلى المراحل الخمس للسينمائي: «الواحد يتفرَّج
على الأفلام بيحلم، بعدين بيكتب، بعدين بيعرف، وبعدين بيحكي».
ثمّ تحدَّث عن أهمية النقد للسينمائي باعتباره فنًّا قائمًا
بحدِّ ذاته، وما يقوم به هو القدرة على خلق علاقةٍ بالعالم ومعرفة التعامل
معه: «دايم يقولون لي: أنت في الفيلم ده تنبَّأت. عُمري ما تنبَّأت بحاجة،
عُمري ما عملت فيلم عشان رسالة؛ الأفلام بتاعتي مبنيَّة على سؤال».
واختتم حديثه بنصيحةٍ منه عمَّا تعلَّمه من النقد السينمائي
كمخرج، وهو ألاّ يعمل نفسه «أذكى من الشخصيات». وعليه، على المخرج أن يشعر
المُشاهد بذكائه، ويجب احترام ذلك. يجب أن تكون «الشخصيات أذكى من الكاتب؛
لخبرتها في الحياة». السينما تتحدَّث عن الحياة ولا يمكن للسينمائي أن
يُحقِّق فيلمًا دون أن يدخل في جدلٍ فكريّ مع نفسه ومع الحياة أوَّلاً؛
لأنّ «من غير تفكير مفيش سينما».
أمَّا في جلسات الـ «ماستر كلاس» فقد برزت جلسة أدارها:
طارق الخواجي، بعنوان: «النقد: بين المهنة والمعرفة»، تحدَّث فيها الناقد
السينمائي الكبير د. حمَّادي كيروم عن النقد باعتباره معرفة، وعن سيرورة
جماليات الواقعية السينمائية -بعد الحرب- ذات الأساليب التصويرية
والتحريرية الارتجالية، عند أحد روَّاد الواقعية الإيطالية الجديدة المخرج
الكبير فيتوريو دي سيكا، الذي اقتبس قصة لويجي بارتوليني في فيلمه المُلهم
«سارق الدراجة 1948»، والذي قال عنه: «سأُخرج منه ما لا يراه الناس». أيّ
المعنى؛ ليقلب بذلك الموازين ويتمكَّن من كلّ شيء، من الوصول إلى الدهشة،
إلى فهم المشهد من خلال «دفع الواقع ليكون تخيّلاً والتخيّل ليكون واقعًا»،
وتصوير جدل واقعيّ لمعالجة الحياة، مُحقِّقًا بذلك الحقيقة الفنية
الجماليَّة، ولحظاتٍ سينمائية لا تُنسى، حازت على جوائز عالميَّة.
وفي إشارةٍ من أستاذ استطيقيا السينما إلى الوعي الحسِّي
الذي يعيشه المتذوِّق للفن، في حديثٍ عن العلاقة التكامليَّة بين النقد
والسينما، عرَّف د. كيروم النقد السينمائي بأنّه «وعدٌ بالسعادة»؛ باعتباره
وسيطًا لـ عملٍ إبداعيّ بذل فيه المبدع (المخرج) وقتًا ومالاً وعرَقًا
لإيصاله إلى الجمهور.
واختُتمت
الجلسات بجلسة: «أهمية النقد ونقاد الأفلام في عصر وسائل التواصل
الاجتماعي» للمتحدثة شبرا غوبتا، وإدارة: لوكاس مانكوفسكي.
وفي زاوية «بصحبة النُّقاد» بعد عرض فيلم «صبيان وبنات
1995» والجلسة التي تلته بين المخرج «يُسري نصر الله بصحبة أحمد شوقي»،
وفيلم «ميكروفون 2010»، والجلسة التي تلته بين المخرجين «أحمد عبدالله
السيَّد بصحبة عبدالمحسن الضبعان».
عُرضت أفلام للمدير الفنّي لمهرجان «نافذة السينما الدولية
في ريسيفي» المخرج البرازيلي كليبر ميندونسا فيلهو: «ليلة الجمعة، صباح
السبت 2007»، «الفينيل الأخضر 2004»، «كأس العالم في ريسيفي 2015»، ثمّ
الندوة الحواريَّة التي أُقيمت لمخرج «أكواريوس 2016» المُنافس في مهرجان
كان السينمائي والمُرشَّح لجائزة سيزار 2019، بصحبة الباحث والناقد
السينمائي ريتشارد بينيا، حيث دار الحوار بينهما حول السينما وخطابها
النقديّ. فيما ذكر أستاذ دراسات السينما والإعلام ومدير مهرجانات سينمائية
سابقة د. بينيا -في حديثٍ عن السينما السعودية- أنّ «الناس لديهم حُبّ
مُستدام وعميق للأفلام. سمعتُ أشياء عن السينما التي ربما لم أسمع بها من
قبل، أو طريقة للنظر إلى الأفلام لم أنظر بها من قبل، وهذا ما ينبغي أن
يكون عليه المؤتمر النقديّ».
أمَّا جلسات «بعيدًا عن النقد» فقد تناولت الجلسة الأولى:
«من النظرة الأولى: تاريخ الرؤية العربية الإسلامية» للمتحدث طارق العريس،
ثمّ جلسة: «ملفات صغيرة لعلاج مرض السينما البيئي» للمتحدثة لورا يو ماركس،
وجلسة: «الأخوين لومير في إفريقيا وثقافة السينما» للمتحدث أبوبكر سانوغو،
وجلسة: «المصوِّر الفوتوغرافي السعودي صالح العزاز: دليل السينما السعودية
ومُلهِمها» للمتحدث الهادي خليل، وإدارة: أحمد العيَّاد.
واختُتمت الجلسات بجلسة: «تجاوز الوهم بين الرواية
والسينما: قراءة في الاختلاف الثقافي» للمتحدث الناقد الكبير د. سعد
البازعي، الذي بدأ حديثه بـ «لا أعتقد أنّ أحدًا اليوم لا تهمُّه السينما».
ولأنّ النقد بحدّ ذاته مطلب عزيز والمشتغلين في هذا الحقل
السينمائي يحتاجونه كثيرًا، تحدَّث عن كسر حاجز الوهم بين السينما والأدب
-في العالم المتداخل بينهما-، حيث أشار إلى أنّ الأدب أوّل من كشف هذا
الوهم بتجاوزه للفنّ وبكسرِه لوهميّته ولحدود الواقع والفانتازي، وذكر مثال
على ذلك رواية «دون كيخوته» لرائد الحداثة الإسباني سرفانتس، الذي كتب
روايةً داخل رواية، وفيلم المخرج الأميركي العدميّ الكبير وودي آلن «وردة
القاهرة الأرجوانية 1985»، الذي صوَّر فيلمًا داخل فيلم.
بجانب
ذكره نماذج للحضور العربيّ لهذه الظاهرة التي تُعمِّق وهمية السرد، كـ:
رواية طالب الرفاعي «سمر كلمات»، ورواية إبراهيم بادي «حُبّ في السعودية»،
مشيرًا إلى أنّ العبور الوهميّ مدار هذه الروايات.
ثمّ
تحدَّث عن ماهية مفهوميّ الحقيقة والمعنى في فنون ما بعد الحداثة، وفي
إشارةٍ منه إلى أنّ «للفنّ حقيقته الخاصة»، خلَص د. البازعي إلى أنّ
-نقديًّا- ظاهرة اتخاذ حاجز الوهم من أجل اللعب لا الحقيقه عربيَّة؛ «لأنّ
الروائيين في عالمنا ليسوا معنيين بالقضايا الفلسفية بل بالأكثر إلحاحًا
والأقرب». كما يرى مخرج الشريط السينمائي «آخر فيلم 2006» نوري بوزيد: «نحن
الفنَّانون محميِّون بالخيال؛ لذا نقولُ ما نريد».
مسرح النُّقاد
بدأت جلسات «رُكن النقاد» بجلسة: «من الصور المتحركة إلى
السينما الغامرة» للمتحدثات: ميّ عبدالله، إيمي روز، لايا كابريرا،
وإيزابيل دوفيرجر.
واختُتمت الجلسات بجلسةٍ أدارها الناقد السينمائي: شفيق
طبارة، بعنوان: «المُغلق جذريًّا»، تحدَّث فيها المفكِّر والمخرج والناقد
السينمائي د. جلال توفيق، عن سلسلةٍ من التصويرات لفلسفة ما يُعرف بـ
«المُغلق جذريًّا» في الفنون الجميلة. وذكر فلسفة أفلام المخرج الأميركي
الكبير ديفيد لينش، وفيلم «الطيور 1963» للمخرج الأميركي الكبير هيتشكوك،
وتصاوير الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون كمثال على ذلك، حيث أنّ
«الكيانات التي لا تمتُّ للعالم الواقعي بصلةٍ تنبثق بشكلٍ مُكتمل في هذا
النوع المُغلق جذريًّا» في الفنّ.
ويختم أستاذ الدراسات السينمائية أمثلة ذلك بنصٍّ للشاعر
محمود درويش:
«تضيقُ
بِنَا الأرض،
تحشرنا في…
إلى أين نذهب؟».
أمَّا «الحلقات الحواريَّة» فقد بدأت بجلسةٍ بعنوان: «صور
لا تُحتمل» للمتحدثين جيهان الطاهري، علي حسين العدوي، وإدارة الناقد
السينمائي: شفيق طبارة.
ثمّ الجلسة التي أدارها: الناقد السينمائي جاي فايسبرغ، تحت
عنوان: «استكشاف المتاهة الإعلامية»، تحدَّث فيها عدد من النُّقاد عن تأثير
الإعلام الجديد على النقد السينمائي، وعن الفرق بين النقد السينمائي
والمراجعة الإعلامية للفيلم، حيث أشارت الناقدة السينمائية سيوبهان سينوت
إلى أنّ النقد السينمائي يجب أن يكون «أطول من المراجعات، ويجب أن يظهر
لاحقًا عندما تهدأ موجة الفيلم لا بمجرد انتهاء الفيلم».
في جانبٍ آخر يقول الناقد السينمائي شاين دانييلسون -في
حديثٍ عن مأساة النقد الرقمي-: «لا أريدُ أن أقرأ الاستجابة السريعة
للفيلم، بل أريد أن أقرأ الاستجابة الطويلة». مشيرًا إلى أهمية تبنِّي
النقد السينمائي المُبتعد عن سرديَّة «نظام النجوم» للتقييم، وتأثير موقع
«الطماطم الفاسدة» على النقد والنُّقاد، الذي ساهم -بحسب رأيه- في خلق
كتابةٍ نقديَّة سيئة بغضّ النظر عن جودة الفيلم من عدمها. ويرى أيضًا أنّ
مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بشكلٍ كبير في «استبدال صوت النُّقاد بصوت
المشاهير»؛ ما أثَّر على جودة النقد السينمائي اليوم.
فيما يُشير الناقد السينمائي كونغ ريثي إلى أهمية التعامل
مع المراجعة النقدية من خلال التخلُّص من نزعة التحيّز لـ ثقافة «الأنا»،
بجانب التخلُّص من استعمار السرديَّات، أو ما يسمِّيه بـ «الاستعمار
السينمائي»، أيّ أهمية ممارسة النقد السينمائي وتقييم الفيلم بالابتعاد عن
تأثير التقييمات المُعلَّبة والكلاسيكيات، بجانب الخروج من عباءة «اسم»
كِبار المخرجين؛ للتعاطي مع الفيلم بموضوعيَّة.
لذا، كما ترى الناقدة السينمائية سينوت: «نحن في حاجةٍ إلى
العودة إلى النقد السينمائي المنطقي والموضوعي». إلى تقدير وتذوُّق
السينما؛ انطلاقًا من معايير ذائقةٍ نقديَّة ذاتيَّة جماليَّة وغير
متوقَّعة تتحدَّث بصوت الناس لا بصوت الأكاديمية.
واختُتمت الحلقات بالجلسة التي أدارتها: أمل خلف، بعنوان:
«رؤى افتراضية: لقاءات الفنانين» تحدَّث فيها كلّ من: أيونج كيم، هارشيني
جيه، كاروناراتني، محمد حمَّاد، هيا الغانم.
بجانب «تحليلات نقديَّة» لعدة أفلام بدأت بـ «تحليل نقديّ
لفيلم باربي» للناقدين لوكاس مانكوفسكس، وسيوبهان سينوت، ثمّ «تحليل نقديّ
لفيلم إي أو» للناقدين ثابت خميس، وقيس قاسم.
واختُتمت التحليلات بـ «تحليل نقديّ لفيلم الطيور» للناقدين
رانيا حداد، والناقد السينمائي فراس الماضي، الذي تحدَّث عن تعامل المخرج
الأميركي هيتشكوك، في فيلمه -الطيور 1963- مع الخوف بشكلٍ تجريديّ لا مع
أيّ مظهر آخر محدَّد له، حيث أنّه «يُعطي شكلًا لهذه المخاوف عبر الطيور،
ولكنّها أقلّ أهمية بالنسبة لحقيقتها مقارنةً بردود الفعل التي تثيرها. ومن
ثمّ، كما تعتمد الطيور بشكلٍ خاص على الصوت بسبب الجودة غير المحدَّدة
للمؤثرات الصوتية؛ تصبح أصواتها أكثر تجريدًا ورعبًا مع تقدُّم الفيلم،
خاصةً عندما تأتي من مصادر غير مرئيَّة، كما هو الحال في النافذة الخلفية،
حيث يُصبح العدوّ أكثر تهديدًا عندما يكون غير مرئيّ».
سينما الفنّ
في «المعرض الفنّي» للمؤتمر النقدي، عُرض فيلم «كتاب الصورة
2018» لرمز الموجة الفرنسية الجديدة ورائد سينما المؤلِّف الناقد السينمائي
والمخرج الفرنسي الكبير جان لوك غودار، الذي جسَّد فيه اللغة السينمائية
التي يميل إليها؛ تلك المُتداخلة بين النصوص والصور باعتباره ناقدًا
سينمائيًا قبل أن يكون مُخرجًا. وجاءت تجربة الصورة والكلمة معًا، تحقيقًا
لرغبة مخرج «بيارو المجنون 1965»، ومُحقِّق السينما الحُرّة والمُستقلة
غودار نفسه: «يُقصد بالفيلم أن يُعرض على شاشاتٍ مع مكبِِّرات الصوت من
مسافةٍ بعيدة، في مساحاتٍ صغيرة بدلاً من دُورِ السينما العاديَّة».
فيما عُرضت أعمال فنيَّة أخرى تنوَّعت ما بين: «حلم الهروب
2021» للمخرجة وفنَّانة الفيديو لايا كابريرا والفنَّانة البصريَّة إيزابيل
دوفيرجر، وفيلم «نوخذاوين طبّعوا مركب 2023» للمخرجة هيا الغانم، وفيلم
«المصادم 2019» لمخرجة التقنيّات الجديدة إيمي روز والمخرجة والفنَّانة ميّ
عبدالله، وفيلم «كوبو يجول المدينة 2021» للمخرجة في مجال الواقع الافتراضي
هايون كوون، و«أفلام السفر: مشاهد من غرب آسيا وشمال إفريقيا» لعدّة
صُنَّاع أفلام من الغرب، وفيلم «كرة ديليفري دانس 2022» للمخرجة والفنَّانة
أيونج كيم، وفيلم «صوت الساحرة 2023» للمخرجة المتخصِّصة في الفن الرقمي
هارشيني جيه كاروناراتني، وفيلم «لا نهاية منذ 83 (2019)» للمخرج والمدير
الإبداعي للمهرجان السعودي للموسيقى الإلكترونية «مدل بيست» محمد حمَّاد.
عروض تقديميَّة
بدأت العروض التقديميَّة بدايةً بجلسة: «من رؤى استعمارية
إلى جغرافيا جديدة للسينما» للمتحدث بيتر ليمبرك، ثمّ جلسة: «رحلات عبر
الحدود» لـ «أوّل فيلم هندي من الخليج» للمتحدثة سامهيتا سونيا، وجلسة
«السينما السعودية: التأثير الثقافي في ظلّ العولمة» للمتحدثة هياء الحسين.
وتحت عنوان: «ثقافات الإفراط» كانت جلسة: «المسلسلات
التركية: قصة فائض عالمي» للمتحدث أوزغور يارين، وجلسة: «اللعب مع التغيير
الكوكبي: الخيال البيئي لأنيمي اليابان تغرق» للمتحدثة هيدياكي فوجيكي،
وجلسة: «صناعة الإفراط: القوة العاملة في سينما سلسلة التوريد واقتصاد
السَّحب» للمتحدثة كاي ديكنسون.
وأيضًا تحت عنوان: «شاعريّة الروح» جاءت جلسة: «الأبعاد
الحيويَّة للسينما» للمتحدث جوزيف كيكاسولا، وإدارة: ليفيا الكساندر، ثمّ
جلسة: «استخدامات الدين في السينما الهندية» للمتحدث سيد حيدر، وجلسة:
«أداة إحيائية: سينما الفنانين والقدرة على تخيّل العلاقات» للمتحدث مي
أدادول إنغوانيج.
أمَّا تحت عنوان: «الوسيط المعروف سابقًا باسم الفيلم» بـ
إدارة: محمد الفراج، فقد كانت جلسة: «إعادة تأطير البشر كجزء من الطبيعة»
للمتحدث ديل هدسون، وجلسة: «البُنية التحتية لوضوح القاعدة الشعبية»
للمتحدث زوي مينج جيانغ، وجلسة: «استذكار المستقبل» بـ إدارة: كونج ريثي:
«ملكة الألحان: ذكريات جماعية في أرشيفات جنوب آسيا» للمتحدثة أمل أحمد،
وجلسة: «الحاضر من أجل المستقبل» للمتحدث أيمن تمانو، وجلسة: «إعادة النظر
في ردّ الحقوق: الآثار والأفلام بعيدًا عن الأهمية المادية» للمتحدث علي
حسين العدوي.
فيما جاءت جلسة: «مستقبل رواية القصص» بـ إدارة د. مبارك
الخالدي: «تكنولوجيا السينما التفاعلية وحريّة الاختيار عند المتفرج»
للمتحدثة مريم العجراوي، وجلسة: «الاستمرارية القصة – الزمن: أفلام
المستقبل الماضية» للمتحدثة عليا يونس، واُختتمت الجلسات بجلسة: «خارج حدود
المقعد، تصوّر عن مستقبل السرد في السينما» للمتحدث طارق الخواجي.
بجانب إقامة عدة وِرَش تدريبيَّة مُلهمة، وجناح للطفل
والعائلة.
عروض سينمائيَّة
صاحبت المؤتمر النقديّ عدة عروضٍ سينمائية لأفلامٍ من
خلفيّاتٍ مُتعددة، في الفترة المُمتدة ما بين 8-14 نوفمبر 2023، في سينما
«موڤي سينما»، تنوَّعت ما بين:
الفيلم التسجيليّ: «صبيان وبنات 1995» للمخرج المصري الكبير
يُسري نصر الله، الذي يقول عنه: «إنّه فيلم عن الحُبّ»، ويُحبُّ أن يعود
لمشاهدته دائمًا؛ باعتباره أحبَّ أفلامه إليه. ناقش فيه مسألتيّ الحُبّ
والحجاب في المجتمع المصري، في التسعينات الميلادية، وذلك بتتبّعه الوثائقي
لحياة الفنَّان باسم سمرة.
والفيلم المُرشَّح لجائزة أفضل فيلم دوليّ لأوسكار 2022،
والحائز على جائزة لجنة التحكيم، وجائزة أفضل مؤلِّف موسيقي من مهرجان كان
السينمائي 2022: «إيو أو 2022» لأحد روَّاد سينما المؤلِّف الفنَّان
والكاتب والمخرج البولندي جيرزي سكوليموفسكي، الذي صوَّر الحيوان -في
استعارةٍ لرائعة المخرج بريسون- كمرآة للعديد من «الحالات المزاجية، التي
تؤدي مغامراتها واسعة النطاق عبر بولندا وإيطاليا إلى ظهور بانوراما لخبث
الإنسان وبؤسِه»، كما يرى الناقد السينمائي الأميركي في الـ «نيويوركر»
ريتشارد برودي.
وفيلم الكوميديا: «باربي 2023» للممثلة والكاتبة والمخرجة
الأميركية غريتا غيرويج، التي نجحت في تجسيد الدور النمطيّ/السطحيّ لعالم
الدُمى البلاستيكي.
وفيلم الدراما: «مدينة الملاهي 2020» للكاتب والمخرج
السعودي وائل أبو منصور، الذي صوَّر رحلة لاستكشاف عالم غرائبيّ خارج حدود
الزمن -على خُطى فيندرز- من أجل الوصول إلى الذات.
والفيلم المُرشَّح لجائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير،
وجائزة لجنة التحكيم الخاصة: «من يُحرقن الليل 2020» للمخرجة السعودية سارة
مسفر، التي صوَّرت نضال المرأة بحثًا عن الاستقلال.
وفيلم الدراما الحاصد جائزة «التانيت» الذهبية المُقدَّمة
من مهرجان قرطاج السينمائي، وجائزة أفضل فيلم عربيّ من مهرجان القاهرة
السينمائي الدوليّ: «ميكروفون 2010» للمحرِّر والمنتج والمخرج المصري أحمد
عبدالله السيَّد، حيث صوَّر مخرج «19 ب (2022)» -المُنتمي لتيَّار السينما
المُستقلة- معاناة محبيّ الموسيقى المُستقلة غير التقليدية في الإسكندرية.
وآخرًا، اختتم «مؤتمر النقد السينمائي 2023: ما وراء
الإطار»، بحفلٍ ختاميّ تضمَّن كلمة المخرج والناقد والباحث السينمائي د.
محمد الظاهري -مدير إدارة الحفظ والترميم، ومدير مؤتمر ومُلتقيات النقد
السينمائي بهيئة الأفلام-، ذكر فيها الرؤية السينمائية المُلهمة التي تسعى
إليها «هيئة الأفلام»، من خلال تفعيل الدور النقدي السينمائي الواعي؛
للارتقاء بالسينما السعودية، ورفع معايير الصناعة المحليَّة لجعلها في
مصافِّ السينما العالمية.
ثمّ قُدِّم العرض الحيّ الصامت لـ «أفلام السَّفر: مشَاهد
من غرب آسيا وشمال إفريقيا»، التي حقَّقها مجموعة من صُنَّاع الأفلام من
الغرب في تركيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدايات القرن العشرين.
بخلفيةٍ موسيقيَّةٍ مباشرة آسِرة للموسيقيّ دان فين دن هورك.
بجانب الخروج بمخرجاتٍ مُلهمة كان من أبرزها، ضرورة استيعاب
اللغة السينمائية من باب النقد السينمائي، وهو ما لا يتأتَّى في مشاهدة
السينما فحسب بل بالقراءة أيضًا في/عن المجال السينمائي؛ لأنّ عندما جاء
رائد تحوُّل السينما من الكلاسيكية إلى الطلائعية المُنظِّر والناقد
السينمائي الفرنسي الكبير أندريه بازين «لإعادة اختراع السينما»، «لصنع
فيلم وكأنّه للمرَّة الأولى»، وقال: «ما هي السينما؟ في الحقيقة قال: ما هو
النقد؟».
دُمتم بودٍّ وبسينما
(1).
الهوامش
1-
خِتام كلمة الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام، م.م عبدالله آل عيَّاف، في حفل
الافتتاح 9 نوفمبر 2023. |