المرأة السعودية أمام وخلف الكاميرا السينمائية
منار خالد
دائمًا ما يطرح السؤال حول وجود المرأة في السينما بصفة
عامة، وفي السينما السعودية بصفة خاصة في ضوء ما مرت به السينما السعودية
من اضطراب بداية من ثلاثينيات القرن العشرين وحتى سنوات ليست ببعيدة، من
تعنت رقابي، ثم مرحلة التشدد الديني التي تسببت في غلق صالات العرض بسبب
“غمزة” قامت بها إحدى الممثلات في فيلمها.
أما اليوم فالسنيما السعودية تشهد انفتاحا كبيرا وتسعى
جاهدة لتقليل الفوارق بين الرجل والمرأة في تلك الصناعة، ليكون هناك وجود
قوي للسيدات بل ورائدات في ذلك المجال، مع التأكيد على أن ذلك الوجود لم
يكن أمرا هيناً، بل اقتضى الكثير من الجهد من قِبل المخرجات الشابات، حتى
تظهر أعمالهن للنور، فنجد اليوم أنه ليست هناك سيدة أو اثنتين فقط يعملن في
السينما السعودية، بل أصبح للمرأة وجود واضح المعالم، وقائمة أعمال راسخة.
نماذج المخرجات
تأتي في مقدمة القائمة “هيفاء المنصور” كأشهر مخرجة سعودية،
وهي التي درست الأدب المقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصلت على
شهادة الماجستير في دراسات الأفلام من جامعة سيدني، وبعد تخرجها قدمت ثلاثة
أفلام قصيرة هي “من؟، المخرج الوحيد، الرحلة المريرة”، ثم فيلمًا وثائقيًا
آخر بعنوان “نساء بلا ظلال”، قبل أنتصنع فيلمها الروائي الطويل الأهم
“وجدة” عام 2012.
ويعتبر “وجدة” محطة فارقة في تقديم قضايا المرأة، حيث تدور
أحداثه الفيلم حول فتاة صغيرة تُدعى “وجدة” تنتمي لعائلة من الطبقة
البسيطة، تحلم بامتلاك دراجة خضراء معروضة في أحد متاجر الألعاب القريبة من
منزلها، ولكنها تلقى مقاومة لتحقق حلمها من جانب المجتمع. أما والدتها
الموظفة بإحدى المستشفيات فهي تعاني يوميًا في عملها، وتشعر بالقلق من
احتمال زواج زوجها من امرأة أخرى تحت إلحاح كمن والدته التي تريده أن يختار
له امرأة أخرى.
هناك أيضا “شهد أمين” وهي مخرجة وكاتبة سعودية، حصلت على
بكالوريوس الدراسات السينمائية من جامعة لندن، وتخصصت في كتابة السيناريو
بنيويورك، ثم عادت إلى السعودية وعملت كمساعدة إخراج، وقدمت بعض الأفلام
القصيرة التي تتعلق بشخصيات نسائية منها “نافذة ليلى، حورية وعين”، ثم
فيلمها الروائي الطويل الأول “سيدة البحر” الذي عرض لأول مرة بمهرجان
فينيسيا، كما عرض في مهرجان قرطاج الدولي، وتم اختياره من قِبل المركز
السعودي للأفلام ليمثل المملكة السعودية في مسابقة جائزة الأوسكار عام 2012.
وتأتي بعد ذلك “ريم البيات” مخرجة سعودية، درست التصوير
بمعهد الفنون ببريطانيا وحصلت على بكالوريوس في الإخراج السينمائي، قدمت
بعض الأفلام الوثائقية منها “دمية، أيقظني” وحصلت على العديد من الجوائز
أيضًا.
أما المخرجة “عهد كامل” فقد درست التمثيل، وتخصصت في علوم
الدراسات المتحركة والاتصالات، وقدمت مجموعة من الأفلام القصيرة منها
“الكندرجي” وفيلم “حُرمة” الذي حصل على جائزة أفضل فيلم شرق أوسطي في
مهرجان بيروت السينمائي الدولي، كما قدمت أدوارًا تمثيلية من بينها دورها
بفيلم “وجدة” إخراج هيفاء المنصور.
حصلت المخرجة الشابة “سارة مسفر”، على بكالوريوس في الفنون
السينمائية من جامعة عفت بالسعودية، قدمت أول أفلامها “بلكونة” عام 2018،
وشاركت في كتابة الفيلم السعودي “قوارير عام 2019، ويعد هذا الفيلم صناعة
نسوية بامتياز، حيث اشتركت في إخراجه خمس مخرجات سعوديات هن رغد النهدي،
نورا المولد، ربي خفاجي، فاطمة الحازمي، ونور الأمير، وقدم أيضًا خمس قصص
مختلفة عن حياة المرأة السعودية، كما ساهمت مسفر في أحد أهم أفلام قائمة
القائمة القصيرة السعودية وهو فيلم “بلوغ”.
جوائز ومناصب
من ذلك الاستعراض لبعض أسماء المخرجات السعوديات، يلاحظ أن
عددهن ليس صغيرا مقارنة بعمر السينما السعودية، ففي عام ٢٠١٥ وفي مهرجان
الأفلام السعودية، شاركت 9 مخرجات من أصل 66 مخرجا بأفلامهن، وفازت حينها 3
مخرجات، مقابل 6 مخرجين بجوائز المسابقة، من بين هذه الأفلام فيلم “شكوى”
للمخرجة “هناء العمير” الذي فاز بجائزة النخلة الذهبية، وفيلم “حورية وعين”
للمخرجة “شهد أمين” الذي حصل على الجائزة الثانية، وفيلم “دورة عنف”
للمخرجة “نورا الفريج” ، كما شاركت الممثلة المخرجة “عهد كامل” في لجنة
تحكيم كتابة السيناريو في الدورة نفسها، وكذلك الدورة التالية عام 2016.
في هذه الدورة، شارك 24 فيلمًا لـ22 مخرجة، وكانت المخرجة
“شهد أمين” حينها عضوا في لجنة تحكيم الأفلام الروائية القصيرة، وشاركت
المخرجة “مزنة المسافر” عضوا في لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية القصيرة،
وانتهت الدورة بنتائج في صالح المخرجات- النساء، حيث فازت كل من “هند
الفهاد” بفيلمها “بسطة” بجائزة النخلة الفضية عن فئة الأفلام الروائية
القصيرة، وفازت المخرجة “ريهام التيماني” عن فيلمها
“AH-18″
بالجائزة نفسها عن فئة أفلام الطلبة، كما حصلت كل من: “بشرى الانداجي”
بفيلمها “تيتا- بي”، والمخرجة “نورا المولد” وفيلمها “ترددات”، والمخرجة
“هبة الفاسي” بفيلمها “السحور الأخير” على جوائز تقديرية وتنويهات وإشادات
بقيمة أعمالهن بالدورة، وكذلك هو الحال في كافة الدورات التالية وحضور
المرأة الواضح والمؤثر على حاصد الجوائز. وتقلد المناصب.
المرأة السعودية على الشاشة
يدور فيلم “بسطة” لــ”هند الفهاد”، حول بائعة في سوق
النساء، تسعى إلى تأمين العيش لأبنائها. وهي في صراع دائم مع الظروف التي
تجعلها تختبر مبادئها، وتحقق الأمان لأولادها دون أن تقدم تنازلات.
ويدور فيلم “سيدة البحر” للمخرجة شهد أمين، حول فتاة
استعادها والدها خلال طقوس التضحية ببنات القرية لسيدة البحر، لكي تسمح
للرجال بالصيد في سلام، وهو طقس ابتكره رجال القرية الذين اعتقدوا أن أسهل
طريق للحصول على طعام هو تقديم الفتيات كقربان، لا المواليد الذكور الذين
لا يعرضون لمثل هذه الطقوس الذين يتم إعدادهم لكي يصبحوا صيادين ماهرين
فيما بعد. ويعكس الفيلم الهيمنة الذكورية، وتحديد أنماط أدوار النساء
وغيرها من المفاهيم النسوية الهامة.
أما فيلم “ريم”، للمخرجة “سميرة عزيز” فهو يصور قصة امرأة
سعودية تسافر إلى الهند بحثًا عن والدتها، فتواجه العديد من الصعاب في
رحلتها. من حيث الفوارق الثقافية بين المجتمعين.
وهناك أفلام أكثر جرأة واشتباكًا مع موضوعات حساسة مثل فيلم
“مريم” للمخرجة “فايزة أمبا”، الذي تدور حبكته عن الحجاب والفتيات
السعوديات في فرنسا من وجهة نظر سيدة سعودية اعتادت أن تغطي وجهها في
الأماكن العامة، على عكس بعض الثقافات العربية خصوصاً من شمال أفريقيا.
كذلك هناك أفلام هدر الطاقة، أمل، هدف، والسحور الأخير،
وكلها من إخراج “هناء الفاسي” وهي أكثر مخرجة سعودية أنتجت وأخرجت أفلامًا
خلال عام 2016. ويطرح فيلمها “هدف” قضية نسائية شائكة، هي ممارسة الفتاة
السعودية لرياضة كرة القدم.
ويروي فيلم “أنا” من إخراج “ريهام التيماني”، قصة فتاة
سعودية تعاني تمزقا بين صعوبة مواجهة الثقافة المحافطة السعودية، وبين
ثقافة المجتمع اللبناني، ومدى الصراع الذي تستشعره بسبب اختلاف الثقافتين.
وهناك أيضا “روان نمنقاني” وفيلمها “بين السماء والأرض”،
وأروى الساعاتي وفيلمها “هيومانويد”، وغيرها من الأسماء النسائية اللامعة
من عالم السينما السعودية.
المصادر:
١.
حيزية مكي، خيرة حمر العين، التجربة السينمائية النسوية في السعودية..
سينما شابة ثرية بالتجارب الإنسانية، “مجلة آفاق السينمائية، 3 ديسمبر،
2022”.
٢.
عبد المحسن المطيري، عالم المرأة في السينما السعودية، “رصيف 22، 1 يونيو
2017”. |