"كذب
أبيض وبانيل وأدما" فيلمان بنكهة الشغف السينمائي النسائي
سيدتي - سميرة مغداد
محمد بلميلود
أهدى مهرجان الفيلم الدولي بمراكش، في يومه الخامس من
فعالياته، فيلمين ناعمين وقوييْن للجمهور، وهما ضمن أفلام المسابقة الرسمية.
الأول "بانيل وأدما" للمخرجة السنغالية تولاي سي، والثاني
"كذب أبيض" للمغربية أسماء المدير، وهما شابتان واعدتان تنبضان بعشق الفن
السابع، كأداة للتعبير عن رؤيتهما للعالم، حتى وإن اختلفت التوجهات
والاختيارات الفنية.
كذب أبيض
لا يبدو واضحاً تماماً لماذا اختارت أسماء المدير عنوان
"كذب أبيض" لفيلمها الوثائقي، وإن قدمته هي بنفسها كفيلم يشتغل على الذاكرة
أساساً.
وهو الفيلم الذي
حظي بتصفيق حار من طرف الجمهور، الذي على ما يبدو منحه التتويج قبل لجنة
التحكيم، بعد عرضه بقاعة الوزراء بقصر المؤتمرات بمراكش.
العمل مفعم بالتعبير السينمائي والفني، حيث إن المخرجة
أقحمت حياتها مع عائلتها التي عاشت في كنفها؛ أي الجدة والأم والأب والعم
وبعض الأقارب؛ لتروي حكاية حدث سياسي عنيف مرّ في المغرب في بداية
الثمانينات وتداعياته على بعض أفراد أسرتها، وكانت هي الراوية والممثلة
معاً مع إقحام حوارات قصيرة مبتكرة شيقة مع أهلها بعيداً عن النمطية.
كما استعانت كما يبدو بمهارة والدها في صناعة الدمى؛ لتكمل
حكايات من الماضي الصعب بتشخيص أدوار العائلة وأجواء وأمكنة الحدث بصناعة
دمى وبناء دور وفضاءات تمثل ذاكرة ما حدث؛ لتبعث فيها روحاً أخرى من خلال
حكيها هي كفاعلة ومسؤولة عن إدارة الشخصيات العائلية بأسلوب البوح
والاعتراف، في جوّ خاص مفعم بكثير من الصدق.
شجاعة فنية
تمكنت المخرجة من كشف شخصيات حميمة من عائلتها وإظهار
التناقضات والعيوب، بكثير من التسامح والتقبل الذي يُظهر أيضاً شفافية
المخرجة واعتزازها بالعائلة كيفما هي، وهي شجاعة فنية تحسب لـ"أسماء"؛ التي
استثمرت في صناعة عملها جهداً خاصاً.
ولعل الكذب الأبيض هو ذاك التسلط الذي كانت تمارسه الجدة
باستمرار؛ بإخفاء حقائق صعبة راح ضحيتها شباب في مقتبل العمر، ولعله الكذب
الأبيض المغلف بالصرامة اللازمة لحماية أفراد العائلة.
أعادت "أسماء" المتفرجين لذاكرة جماعية مشتركة شكّلت وعيها
كإنسانة وكمخرجة، وعادت في الوقت نفسه إلى الزمن المغربي الأصيل؛ من خلال
استفزاز الذاكرة والعواطف بتوظيف موسيقى تراثية
لفرقة ناس الغيوان الشهيرة أيام السبعينات والثمانينات، وكذلك الفن الشعبي
المغربي.
"كذب
أبيض"، حسب النقاد الذين التقت "سيدتي" ببعض منهم، قدم نسخة غاية في الفنية
والإنسانية من منظور مختلف، كما أن الحضور الفعلي لشخصيات واقعية من عائلة
المخرجة منح العمل نكهة خاصة.
مخرجة فازت في مهرجان "كان" السينمائي
بقيت الإشارة إلى أن أسماء المدير سطع اسمها في مهرجان
"كان" العام الماضي، بعد فوزها في مهرجان
كان السينمائي بجائزة
أفضل إخراج في إطار فقرة "نظرة ما".
قالت "أسماء" أثناء عرض فيلمها إن وقفتها أمام جمهور مراكش
في بلدها انتظرتها بشغف؛ لأن طعمها مختلف تماماً، وإنها ترتعش للموقف، وهي
تقدم فيلمها باللغة العربية لأول مرة، بعدما قدمته بالفرنسية في مهرجان
"كان"، والإنجليزية في نيويورك، خاصة أن كل عائلتها صعدت إلى المنصة معها،
بما فيهم الجدة بعكازها.
قصة حب من السنغال
"بانيل
وأدما" قصة جميلة من قصص حب إفريقي، بتوقيع مخرجة شابة سنغالية تعيش في
فرنسا، لكن فيلمها الطويل الأول مليء بإحساس لم يغترب أبداً، بل ظل لصيقاً
بالجذور.
استطاعت أن تحبك قصة زوجين شابين من قلب الحياة القروية في
السنغال، وأن تختار شخصية مؤثرة وقوية قد تمثل تطلعات جيل كامل من
السنغاليات، هي "بانيل" الزوجة الشابة الثائرة التي تريد أن تعيش بطريقتها
هي مع زوج تحبه، بعيداً عن قيود القبيلة والمجتمع.
"بانيل"
إفريقية جميلة طموحة لحياة أفضل، تتطلع لحياة مستقلة، تشعر فيها بذاتها.
تصارع طيلة الفيلم لأجل إقناع محيطها بهذه القناعات
المختلفة عما هو سائد. شقت "بانيل" بوعيها، وحتى زوجها "أدما "رغم حبه لها،
ظل مكبلاً بإكراهات العائلة والقبيلة والمجتمع.
شعرية فضاء وقساوة عيش
الجميل والمثير في أحداث الفيلم هي تلك الشاعرية التي
تعاملت بها المخرجة من خلال صور المناظر الطبيعية الساحرة والمعبرة من قلب
حياة إفريقية قاسية. |