وسيم جعجع: مساحة الحرية أكبر للمخرج في الفيلم القصير
أحمد
العياد
إيلاف: يؤلف
المخرج اللبناني وسيم جعجع، مع لوسي كير، ومريم الفرجاني، وسيلين روستان،
ورزان جمال، أعضاء لجنة تحكيم الأفلام القصيرة في الدورة السادسة من مهرجان
الجونة السينمائي الدولي، والذي سبق وأن حصل فيه على جائزة "النجمة الفضية"
عام 2019، في مسابقة الأفلام القصيرة عن فيلمه "أمي".
أجرينا حوارًا معه للحديث عن كواليس مشاركته كعضو لجنة
تحكيم في المهرجان السينمائي المقام على سواحل مدينة الجونة السياحية، في
الدورة التي تشهد عودته بعد انقطاع عامين.
توقعت للجونة النجاح منذ الدورة الأولى
حدثنا وسيم جعجع عن مهرجان الجونة السينمائي الدولي، وأكد
أنه توقع له تحقيق نجاح كبير منذ دورته الأولى، حيث قال: توقعت من أول سنة
لمهرجان الجونة السينمائي أن يكون رائداً بالوطن العربي.
وعن أسباب توقعه أوضح: "لأنه بدأ بداية ضخمة وعندما تبدأ
تلك البداية بالتأكيد تستمر. كما أن إنتشار المهرجان مهم جدا لصناع الأفلام
في العالم العربي، فصناع الأفلام لا يكون باستطاعتهم صناعة أفلامهم مباشرة
دائماً، فقد يمرون بفترات اكتئاب قد تصل لعام. وعندما يأتي مهرجان بحجم
"الجونة" يعطيهم إشارة بأنهم لا يزالون على قيد الحياة وهناك أشخاص تسمعهم،
ويتعرفون من خلاله على أشخاص جدد يتبادلون معهم الأفكار حول شغفهم
السينمائي. وبرأيي تلك الأهمية الرئيسية للمهرجان".
أردف: "وأعتقد أن نفس الأمر هو الذي جعل مهرجان الجونة
يُقام في ظل تلك الظروف الصعبة، لأن القائمين عليه يعلمون أهميته بالنسبة
لصناع الأفلام، لأنه بالنسبة ليّ نوع من أنواع الحياة. لأن ذلك المكان
يُعيدك لعالم السينما، وتفاصيلها، ما يجعلك تستقبل دفعة نفسية جيدة".
الفيلم القصير مساحة للحرية
وعن تجربته كمخرج أفلام قصيرة، وأيضًا عضو لجنة تحكيم في
مسابقة الأفلام القصيرة في المهرجان، وأسس اختياره للفيلم الأفضل
قال"جعجع": "سأحكي عن الأفلام بوجه عام وليس الجونة فقط، ووجهة نظري. أنا
عضو لجنة تحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة. الناس تعتبر أن الفيلم القصير
هو بداية أي مخرج يرغب في الانضمام لعالم السينما".
أضاف: "الفيلم القصير هو أكثر مكان يستطيع المخرج أن يعبر
عن نفسه من خلاله لأنه يكون حرا في ان يقدم ما يشاء في فيلمه، لكن اليوم لا
يستطيع مخرج الأفلام الطويلة فعل نفس الشيء بسبب ظروف الإنتاج وآراء
المنتجين وطرحه في السينمات وغيرها من الأمور. فلا يكون لدى المخرج الجرأة
في التجارب وعرض موضوعات معينة وتجربة أشياء أخرى تتعلق بحركة الكاميرا
وغيرها، لا أحد يجرؤ على تجربتها في الأفلام الطويلة. ذلك هو ما يميز
الفيلم القصير".
تابع المخرج موضحًا: "مهم جدا أن يكون لكل مخرج حتى لو قدم
أفلاما طويلة، أن يعود ويقدم فيلماً قصيراً. فمثلا المخرجة التونسية كوثر
بن هنية صارت عالمية لكنها عادت لتقديم أفلام قصيرة. وأرى أن تلك ثقافة
مُطالب بها في العالم العربي. الفيلم الطويل مهم لكن تقييم المخرج يكون
بالفيلم القصير لأنه يُظهر ما لدى المخرج من إمكانيات، وليس ظروف الصناعة".
وعن معايير اختيار الأفلام قال وسيم جعجع: "ليس لدّي معايير
لتقييم الأفلام، أنا أشاهد الفيلم إما أشعر به أو لا، ذلك هو معياري الوحيد
لتقييم الفيلم. في بعض الأحيان لا أرى تتر الفيلم ولا أعلم شيء عنه. وعندما
انتهي من مشاهدتي لفيلم ما، ما أشعر به بعد انتهائي منه وما وصلني هو
تقييمي للعمل. وفي رأيي الشخصي الجوائز ليست مهمة لصناع السينما، -هي مهمة
لما تمنحه لصناع الأفلام من أموال تساعدهم في تقديم أعمالهم، وتعرفهم
بالعالم أكثر- لكن الأهم بالنسبة لي هي عرض الفيلم أمام الجمهور. اللحظة
التي يظهر فيها الفيلم على الشاشة أمام الجمهور هي أهم من أهم جائزة. لحظة
توصيل ما تريده للناس هي أعظم لحظة".
الفيلم القصير يعكس موهبة المخرج
وعن مدى صعوبة تنفيذ الفيلم القصير، وما إذا كان أصعب من
الطويل أم لا قال "جعجع": ليست الفكرة في الصعوبة، لكنه يعكس حقيقة المخرج
بالضبط، وما هي موهبته وماذا يقدم".
كما تحدث المخرج عن أزمة تسويق الأفلام القصيرة، وانحسار
عرضها على المهرجانات مما يدفع المخرجين للأفلام الطويلة بشكل أكثر،
قائلًا: "الصناعة تحكمها الأموال، فبرغم ما نقدمه من أفلام لا يمكننا تجاهل
بند الأموال، ومن هنا فإن الأفلام القصيرة ليس بها مردود مادي جيد، لذلك
الناس القائمين على التسويق لا يهمهم كثيرا الترويج أو الحصول على الأفلام
القصيرة، ما يهمهم أكثر الأفلام الروائية الطويلة".
كما أشار إلى أن عدم خضوع الأفلام القصيرة لمعايير التسويق
يحافظ على حريتها، قائلًا: "ولا يمكن نسيان شيء مهم في عقليتنا العربية، أن
لدينا العديد من الملاحظات على قصص قد يتم تقديمها. وفي الأفلام القصيرة
يمكن أن يكون عدم خضوعها للتسويق شيء إيجابي حتى لا يصبح هناك قيود. الحرية
هي الأساس في الأفلام القصيرة. نحن الآن في عصر السوشيال ميديا والناس
يشاهدون فيديوهات قصيرة للغاية، وقد يكون في الأفلام القصيرة قصص جيدة
وتجذب الجمهور".
المنصات الرقمية
وعما إذا كانت المنصات فرصة لصناع الأفلام القصيرة، نظرًا
لإتاحة مشاهدتها قال إنه لا يستطيع الجزم فيما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا:
"لا أستطيع الإجابة بنعم أو لا. لكن من الممكن أن يكون هناك أشخاص مهتمة
بحضور الأفلام القصيرة. فأنا لديّ شغف بمشاهدة تلك الأفلام، وإذا كان هناك
فيلما لم أحبه أكون على علم بأنه سينتهي بعد 5 دقائق فقط! ليس وقتا كبيرا.
توجد قصص جيدة في تلك النوعية من الأفلام، وبها قدرة أن يستطيع شخص إخبارك
قصة في 15 دقيقة، وبشكل مختصر. في بعض الأحيان تكون تجارب إيجابية وجيدة.
وأنا بشكل شخصي مدافع شرس عن الأفلام القصيرة، رغم تحضيري لفيلمي الطويل،
فكل مخرج يحب أن يُخرج فيلما طويلا، لكن تظل الأفلام القصيرة مثل القضية
بالنسبة لي".
تحويل الفيلم القصير لآخر طويل قد يضره
بالنسبة ليّ الفيلم القصير إذا كان فيلما طويلا فعليهم
تنفيذوه هم. الفيلم القصير هو فيلم قصير، أي أن تلك القصة لا تتحمل أن
تُعرض في فيلم مدته ساعتين، لأنه قد يسبب الملل. أهميته في أنه فيلم قصير.
كما تحدث وسيم جعجع عن فيلمه الطويل الذي يحضر له حاليًا،
قائلًا: مدة الفيلم ساعتين، ويشبه أجواء فيلم القصير. والموضوع الخاص به
نقاشي بعض الشيء. وأريد أن أتحدث بشأن رأي يقول بأنني في مجتمع عربي ولا بد
أن ننتبه على الموضوعات التي نقدمها، ورأيي أن القواعد موجودة حتى يتم
اختراقها وكسرها، وأهمية الفن أنه يخلق القواعد، ويدفع المشاهد لتفكير آخر
ومختلف.
أهمية الأفلام تأتي من أفكارها
وتطرق المخرج في حديثه عن فيلمه الجديد إلى أهمية اختيار
الأفكار الجيدة للأفلام التي يقدمها، حيث قال: "أهم شيء أن ما تقدمه يكون
ذكيا ويحترم المشاهد، وليس عرض الأفلام من أجل الانتقاد للانتقاد. فأهمية
الأفلام تأتي من عرض أفكارها بطريقة متوازنة وتقارب الموضوع من المشاهد حتى
يفهم ما يرى، وعندها لا يشعر بملاحظات على الفيلم. في فيلم "أمي" عندما
ماتت والدة البطل قرر اختطاف العذراء وإجراء تبادل حتى يستعيد أمه وذلك
المشهد تفاعل معه كافة الناس من مختلف الجنسيات والطوائف، وعندما عُرض
الفيلم كانت هناك ثورة من ردود الأفعال لأنه عمل خارق للمعتاد، وأنا مع ذلك
الرأي أن نخترق القواعد في بعض الأحيان. وقبل تنفيذ الفيلم حديثي مع
المخرجين كان ينصب حول عدم تقبل الفكرة لأننا في الوطن العربي، لكن بعد
عرضه تبين أن المشاهد يريد المشاهدة ولا توجد لديه "تابوهات" حتى لو رآه في
منزله أو على المنصات".
انفتاح السعودية على السينما مؤثر عربيا
ً
وتابع المخرج في رأيه عن الانفتاح الحاصل في السعودية: "أرى
أن ذلك الشيء مهم، لذلك أحترم جميع أنواع الفن. وأعتقد أن الخروج عن
المألوف من الممكن أن يميز أشخاص عن غيرهم. وسأتحدث بصراحة أكبر أنه لا أحد
كان يتوقع الانفتاح الذي نراه في السعودية الآن، تلك رؤية كانت معارضة في
البداية، لكن ما حدث جاء نتيجة رؤية لشخص استمر خلف الموضوع حتى يخترق
المألوف، واتضح أن الناس تريد ذلك ويدعمونه، واليوم مهرجان البحر الأحمر
السينمائي أصبح من أهم المهرجانات بالوطن العربي، وأصبح المواطن السعودي
يحضر الأفلام من جميع الوطن العربي، لأنه هناك شخص كان لديه رؤية وقال نحن
نرغب في ذلك والناس تريده. نحن في المجتمعات العربية لا نسمح للناس بمشاهدة
ما تريد".
أردف جعجع: "من هذا المنطلق أدافع عن هذا النوع من الأفلام
وهذا النوع من السينما، ومقتنع بأنه عندما تقدم قصة متوازنة ومحترمة. من
الممكن أن نقدم أفلام معلبة في بعض الأوقات للتسلية، وأفلام أخرى تخلق
إثارة أفكار لدى الناس".
ليس القصير فقط.. الفيلم الطويل قادر على كسر الحواجز أيضًا
وأكد وسيم جعجع، أن الفيلم الطويل لا يختلف عن القصير في
مسألة كسر الحواجز، قائلًا: الفيلم القصير يكون لدى الشخص الحرية الأكبر
لأنه غير معتمد بشكل كبير على التمويل، لكن أيضا الأفلام الطويلة تستطيع
كسر الحاجز، عندما يُسمح بتنفيذ أي فكرة دون خوف. بعض الأفلام يتم رفضها
رغم قصتها الجيدة لأن هناك بعض الخوف من تقديمها. لن نخترق القواعد ما لم
نكسر الحواجز الداخلية، والسعودية أكبر مثال على ذلك، واليوم السعودية
رائدة بالوطن العربي وتقود المشهد السينمائي بالوطن العربي". |