شغف فني في مصر مع دورة استثنائية
من مهرجان الجونة
أحمد جمال
الدورة السادسة تُغير صورة الفعاليات الفنية وتروّج لموسم
رأس السنة السينمائي.
ينعقد مهرجان الجونة السينمائي هذا العام في ظرف حرج عربيا،
واعدا بدورة استثنائية تثير شغف السينمائيين وتمنحهم مساحة أمل في الترويج
لأفلام رأس السنة، وخلق حراك فني في مصر بعد أن ألغيت تظاهرات ومهرجانات
سينمائية مهمة كان المهنيون ينتظرونها للترويج لأعمالهم.
القاهرة
- ينتظر
مهتمون بالسينما في مصر بشغف مهرجان الجونة السينمائي الذي ينظم دورة
استثنائية، تنطلق اليوم، بعد أن كان من المقرر تدشينها في أكتوبر الماضي،
ثم قررت إدارة المهرجان تأجيلها عقب اندلاع الحرب على قطاع غزة، ليكون
المهرجان بمثابة شعاع فني مهم مع إلغاء مهرجان القاهرة السينمائي هذا
العام، فضلا عن تراجع إيرادات دور العرض.
وكان المهرجان أعلن فتح باب التسجيل لقبول طلبات الاعتماد
لدورته السادسة التي لم تنعقد العام الماضي لأسباب لم يفصح عنها صراحة
القائمون على المهرجان، ويستمر المهرجان من الرابع عشر حتى الواحد والعشرين
من ديسمبر الحالي، مع إضافة برنامج خاص بالسينما الفلسطينية، حيث يتضمن إلى
جانب برنامج المهرجان الذي أُعلن عنه عرض مجموعة أفلام عـن فلسطين بالتعاون
مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني.
تكمن أهمية انعقاد مهرجان الجونة في إحداث حالة من الرواج
السينمائي بمصر، تمهد لطرح أفلام رأس السنة، التي سيتم عرضها قبل نهاية
الشهر الجاري، ويعد ذلك أحد أبرز المواسم السينمائية التي تشهد إقبالا من
الجمهور خلال إجازة منتصف العام الدراسي، كما أن انعقاد المهرجان يبرهن على
إمكانية توجيه خدمة لقضايا يعاصرها الجمهور ويقوض التعامل مع الإبداع
كترفيه لا يجب أن يكون حاضرا وقت الأزمات.
وتعول السينما المصرية على حالة الاهتمام المنتظرة بتفاصيل
المهرجان الذي حقق نجاحات مهمة، على الرغم من قصر تاريخه، لكنه بات يشكل
رافدا لفعاليات فنية لما يحظى به من دعم مادي ولوجستي من منظميه، عائلة
الملياردير نجيب ساويرس، عكس مهرجانات حكومية يعاني أغلبها حالة من الفقر
الفني جراء تراجع الدعم.
مدحت بشاي: الفنون
داعمة لحقوق الإنسان ولا يجب توقيفها
وتتضمن عودة المهرجان، الذي يحمل اسم منتجع الجونة على
البحر الأحمر، أبعادا أخرى تتعلق بالبعد التسويقي لهذه المدينة ومالكها
سميح ساويرس الذي يسعى لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية تساهم في تعزيز النمو
داخل المنتجع، ما ساعد على اتخاذ قرار عودته لما يحققه من مكاسب فنية
وسياحية عديدة.
وأعلن مهرجان الجونة تفاصيل دورته السادسة عبر مؤتمر صحفي
في شهر سبتمبر الماضي، بحضور مؤسسيه رجلي الأعمال نجيب وسميح ساويرس، وجرى
الإعلان عن تكريم المخرج المصري مروان حامد ومنحه جائزة الإنجاز الإبداعي.
وقال الناقد الفني مدحت بشاي إن “تماهي المهرجان مع أحداث
غزة وتبعاتها تطور مهم لإحداث تغيير في فهم الجمهور لأهمية الفنون وضرورة
عدم توقفها في أزمنة الحروب والأوبئة والمآسي الحربية والاستعمارية، وما
يشكله ذلك الفهم الخاطئ من إهانة للفن والعاملين به، ويبعث إشارات جيدة حول
قيمة الفنون، بغض النظر عن ألوانها”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الفنون دائما تكون داعمة
لجميع أشكال حقوق الإنسان، وحال جرى توقيفها فذلك يمنعها من الاشتباك بشكل
إيجابي مع القضايا والمشكلات الإنسانية، وهي شاهدة على الحضارات المختلفة،
ومحاولات اختزالها لا تخدم الفن والقوة الناعمة المصرية، وأضاف أن “الفهم
السائد لدى البعض بأن الفنون ملهاة لا يجب التعاطي معها في أوقات الأزمات
أمر خطير للغاية ويشكل ردة فنية وثقافية”.
وشدد بشاي على أن الفنون الفلسطينية لا بد أن تكون حاضرة
بشكل مكثف في هذا التوقيت لدعم القضية الفلسطينية، ويعد الفن أبرز معبر عن
التطورات الإنسانية هناك، ومن خلال السينما أو الدراما يمكن التعبير عن
وجوه عديدة في عمل واحد يصل إلى أكبر قدر من الجمهور في العالم.
وأكد أن خطط الارتقاء بالسينما والدراما ودخول الشركة
المتحدة للخدمات الإعلامية السوق الفنية بحاجة إلى أن تواكبها تطورات فنية،
تظهر من خلال قوة المهرجانات المصرية وانتظامها، وأن النظر إلى الجوانب
الاقتصادية للفنون التي كانت تشكل موردا مهما للدخل القومي في حقب تاريخية
سابقة يتطلب الاهتمام بجميع أوجه الصناعة.
ويقول نقاد مصريون إن تقديم أفلام محلية أو أجنبية يحرص
الجمهور على مشاهدتها من خلال المهرجانات يساهم في إنعاش الفنون، فالسينما
يجب أن تستفيد من دخول وجوه وأسماء جديدة في صناعة الدراما، ومن المتوقع أن
تصبح لهذا الجمهور اهتمامات أكبر بالسينما في الفترة المقبلة.
ومن المقرر أن يقام مهرجان الجونة هذا العام من دون مظاهر
احتفالية صاخبة، وجرى قصر جدوله الفني على ثمانية أيام فقط بدلا من 14
يوما، وقررت إدارته تنظيم عشاء لجمع التبرعات التي ستخصص للمساعدات
الإنسانية التي سترسل إلى غزة بالتنسيق مـع جمعية الهلال الأحمر المصري
خلال فترة انعقاد المهرجان.
فايزة هنداوي: الفنون
يجب أن تتفاعل مع القضايا بدلا من الانسحاب أو الإلغاء
وتشكل المهرجانات أحد أوجه الاهتمام بصناعة السينما، وأصبحت
في السنوات الماضية وسيلة مهمة للحصول على عروض إنتاجية للعديد من الأعمال.
واتجهت المهرجانات، ومن بينها مهرجان الجونة، إلى تقديم دعم مادي لبعض
الأعمال التي تحتاج إلى دخول جهات إنتاجية تساندها مع ارتفاع تكاليف
الإنتاج ومواجهة بعض المشاريع الفنية عثرات تجعلها تخاف من المجازفة خشية
تحقيق إيرادات لا تضاهي الإنتاج أثناء عرضها.
وأوضحت الناقدة الفنية فايزة هنداوي أن المتابعين يتطلعون
دوما إلى الفعاليات الفنية التي تتضمن عروضا لأفلام جديدة وينتظرون ما
تقدمه السينما، ما يجعل إقامة المهرجان تتماشى مع رغباتهم في ظل تراجع
الفعاليات الفنية في الفترة الماضية، وقد يساعد مهرجان الجونة في إحداث
رواج للسينما والأفلام المعروضة مع اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل
فعالياته.
وذكرت في تصريح لـ"العرب" أن "الفنون يجب أن تتفاعل مع
القضايا المطروحة على الساحة بدلا من الانسحاب أو الإلغاء، وإذا كانت هناك
رغبة في التضامن مع الشعب الفلسطيني فما قرره المهرجان من فعاليات ترتبط
بتسليط الضوء على قضية هذا الشعب هو ذكاء من صناعه الذين يسعون لجذب
الأنظار، كما أن نجاح المهرجان يشكّل دليلاً واضحا على أن الفن يمكن أن
يبقى سلاحا ناعما لدعم قضايا الجمهور".
واستطاع مهرجان الجونة أن يحقق قبولا بشأن إقامته على
المستوى الجماهيري بعد أن كان محل جدل واسع من جانب فئات من الجمهور تأثرت
بالصورة العامة الصاخبة للمهرجان من دون غوص في تفاصيله، وكان موقفه الذي
سجله مع اندلاع حرب غزة متماشيا مع موجة عامة في مصر تعاملت مع الفعاليات
الفنية على أنها محظورة، ولذلك فالإعلان عن عودته والحرب مستمرة لم يحظ
بانتقادات شعبية.
ويدعم ذلك الأبعاد التسويقية للمهرجان الذي يقوم على مشاركة
عدد كبير من الرعاة ويمنح الثقة لهيئات وشركات توظفه لإعادة تقديم نفسه وسط
حالة عامة يطغى عليها الركود الفني في مصر، ومثلما كانت المخاوف من
انسحابات الرعاة سببا في التأجيل قد تلقى إدارة المهرجان وعودًا بمشاركتهم
بعد أن أصبحت الأوضاع مشجعة على انعقاده.
صحافي مصري |