خربط العدوان الإسرائيلي على غزة روزمانة #المهرجانات
العربية التي
تُقام عادةً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كلّ عام، وكان ضحيته الأولى #مهرجان
الجونة الذي
كان من المفترض ان تنطلق دورته السادسة بعد ستة أيام من عملية "#طوفان
الأقصى"
في السابع من تشرين الأول الفائت، فحاول القائمون عليه تأجيل الميعاد
اسبوعين، معتقدين ان ما يمر به العالم العربي مجرد غيمة سوداء وستعود
الأمور إلى طبيعتها بعد انقضاء تلك الفترة، أو على الأقل ستغدو الأحداث
مسألة ثانوية لا تتصدّر مانشيتات الصحف والمواقع الإلكترونية، كما الحال في
الأيام الأولى.
بيد ان تصاعد وتيرة الأحداث أرغم ادارة المهرجان الفتي على
تأجيل الدورة ثانيةً، هذه المرة إلى أجل غير مسمّى، مع التأكيد على تحديد
موعد جديد فور استقرار الأوضاع في غزة. وجاء البيان الثاني غداة قصف مستشفى
المعمداني وحدوث مجزرة فيه أودت بحياة عشرات الأشخاص. وبعد بيان أول كان
ملتبساً بعض الشيء رأى فيه عاملون في السينما فاقداً للموقف الواضح خصوصاً
ان الجونة يرفع شعار "السينما من أجل الإنسانية"، صدر بيان ثان يعبّر هذه
المرة عن "تضامن المهرجان مع الشعب الفلسطيني وتعاطفه مع أهالي غزة". ولم
تكتفِ الادارة بالتأجيل بل تبرعت بمبلغ قدره 5 ملايين جنيه لدعم جهود
الإغاثة الإنسانية. مصادر مطلعة تؤكد ان تأجيل المهرجان لا يعني الغاءه،
ولا يزال هناك بعض الأمل في اقامته في منتصف الشهر المقبل، لكن الوقت ليس
لمصلحة الجونة، فنهاية العام هي آخر موعد لانعقاده، ذلك انه لا يمكن تأجيله
إلى 2024 واجراء دورتين في سنة واحدة.
بعد الجونة، كرت سبحة التأجيلات والالغاءات، اذ أعلنت وزارة
الثقافة المصرية على صفحتها تأجيل الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي،
التي كان من المقرر انعقادها من 15 إلى 24 تشرين الثاني، رغم ان الدورة
كانت على مسافة شهر من اللحظة التي تقرر فيها الغاؤها. هكذا، بين ليلة
وضحاها، "تبخّر" المهرجان، رغم انه كان يستعد لتقديم تشكيلة من أحدث
الأفلام التي اختيرت من برلين وكان والبندقية وغيرها، وكان من المتوقع ان
يترأس لجنة التحكيم المخرج البوسني دانيس تانوفيتش. لكن هناك مَن يقول ان
الأسباب الحقيقية محض مالية خلف هذا التأجيل/ الالغاء، نظراً إلى ما تعانيه
مصر من ضائقة اقتصادية خانفة وتراجع دراماتيكي للعملة المحلية، فتم أخذ
الأحداث في غزة ذريعة. نشاطات ثقافية وفنية هنا وهناك ظلت قائمة في مصر.
هذا التأجيل تسبّب في استقالة المدير الفني للمهرجان المخرج أمير رمسيس
الذي تردد انه لم يكن على علم بالالغاء وتفاجأ به عند اعلانه.
أثار الغاء القاهرة والجونة عاصفة من الردود على وسائط
التواصل، وتراوحت الآراء ازاءه بين مَن رحّب بفكرة التأجيل مراعاةً للأحداث
المأسوية، ومَن اعتبر انه كان من الأفضل الغاء مظاهر الاحتفالية والسجّادة
الحمراء في المهرجانين مع إبقاء موعدهما، لا بل استخدامهما كمنصّة لعرض
الأفلام الفلسطينية والتعريف بوجهة النظر العربية في ما يتعلّق بالصراع
العربي الإسرائيلي بعيداً من التضليل والانحياز الاعلاميين. ذلك ان للسينما
في نظر المطالبين بالاستمرار في اقامة المهرجانات خلال الأزمات، وظيفة
تثقيفية وتعليمية ولا يجوز ان تُحصَر في اطار الترفيه، وهو عمل مقاوم في
المرتبة الأولى.
في هذا الصدد، كتب المخرج المصري يسري نصرلله: "كان نفسي
دورة مهرجان القاهرة دي تعقد في موعدها، وتتلغي المسابقة والاحتفالات
والتكريمات وتقتصر على عرض أفلام عن فلسطين. مجرد قاعة عرض وموضوع محدد. لا
محتاج ميزانية ولا رعاة. محتاج بس لناس عارفة إن الفن والسينما والثقافة مش
رفاهية وجهة رسمية تقدر تطلب نسخ صالحة للعرض في قاعات كبيرة”.
مهرجان ثالث سقط ضحية الأحداث بعدما كان أعلن في البداية
انه سيكتفي بالعروض ويلغي الاحتفالات. انه "أيام قرطاج السينمائية" الذي
كان من المفترض ان تُعقد دورته الرابعة والثلاثون من 28 تشرين الأول إلى 4
تشرين الثاني. جاء الالغاء الكامل وليس التأجيل "تضامناً مع الشعب
الفلسطيني"، كما أوضح بيان وزارة الثقافة. حتى في لحظة انتشار خبر الالغاء،
كان بريدنا الالكتروني لا يزال يتلقى رسائل من المكتب الاعلامي عن
البرنامج، ممّا يشير مرة اخرى إلى ان قرارات الالغاء والتأجيل في العالم
العربي تُؤخَذ على مستوى أعلى السلطات من دون استشارة المنظمين الذين
غالباً ما يذعنون لهذه القرارات من دون أي نقاش. أياً يكن، فإلغاء قرطاج
أحدث جدالاً في الشارع التونسي خصوصاً انه لطالما اعتُبِر مهرجاناً مقاوماً
ومناضلاً يحمل ملامح عربية أفريقية، وكان مؤسسه الطاهر شريعة وضع حجر
الأساس له في الستينات بناءً على هذه الفكرة. وكانت هناك مطالبات من قبل
مثقّفين للتراجع عن القرار، لكن لم تلقَ آذاناً صاغية. وقال الناقد
السينمائي التونسي خميس الخياطي ان مَن أمر بهذا الفعل هو "شخص لا يعرف
السينما ولم يشاهد أي فيلم في حياته". أما المخرج الفلسطيني رشيد
المشهراوي، فصرح ان "تأجيل المهرجانات السينمائية في هذه الأوقات يجرد
السينما من دورها التوعوي".
في الجزائر التي لم تشهد مهرجاناً سينمائياً يستحق تلك
التسمية حتى اليوم، أعلنت وزارة الثقافة تأجيل مهرجان عنابة للفيلم
المتوسطي (3-9 تشرين الثاني)، وربط البيان هذا التأجيل بـ"تصاعد الإعتداءات
العدوانية الغاشمة على الشعب الفلسطيني". هذا حدث آخر تم تعليقه، رغم ان
المنظّمين كانوا أعلنوا في وقت سابق خبراً مبهجاً: تولّي المخرج التركي
الكبير نوري بيلغي جيلان رئاسة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية.
أما آخر المهرجانات العربية التي أُلغيت فهو "أجيال" في
الدوحة الذي كان من المقرر اقامته من 8 إلى 16 تشرين الثاني، وذلك بعد
توقّف ثلاث سنوات بسبب الجائحة. وأكد بيان مؤسسة الدوحة للأفلام، وهي الجهة
المنظّمة، أن المهرجان "ليس مجرد احتفال سنوي بفنّ سرد القصص، لكنه في
جوهره حدث مجتمعي ركيزته المجتمع وأقيم من أجل المجتمع”. وأضاف: “في هذه
الأوقات العصيبة، نؤكد تضامننا مع مجتمعاتنا في المنطقة ونشاركها مشاعر
الحزن والأسى جراء الخسائر اليومية الهائلة في الأرواح البريئة. فهذا الوقت
ليس للاحتفال بل للعمل والمبادرات الهادفة”.
مصر وتونس
VS المغرب و#السعودية
في مقابل هذه الاجراءات التي لم تلقَ الاجماع بل كانت مادة
للخلاف تتواصل إلى الآن، هناك مَن أصر على المضي بالنشاطات السينمائية رغم
الأحداث. ففي طنجة المغربية، عُقد مهرجان الفيلم الوطني (27 تشرين الأول -
4 تشرين الثاني) على مدار تسعة أيام، فعُرض عدد من الأفلام المغربية
للجمهور والعاملين في مجال السينما. شهد هذا الحدث ذو التأثير المحدود،
ندوات ولقاءات وكان له صدى معين على وسائط التواصل الاجتماعي بالتزامن مع
ما يجري في غزة.
لن يكون مهرجان الفيلم الوطني في طنجة الحدث السينمائي
الوحيد في المغرب هذا العام، اذ يستعد هذا البلد لاحتضان أكبر تظاهرة
سينمائية تُقام على أراضيه منذ نحو عقدين. انه مهرجان مراكش للفيلم، الذي
سيُقدم من 24 تشرين الثاني إلى 2 كانون الأول دورته العشرين وستترأس لجنة
تحكيمه الممثّلة الأميركية جسيكا تشاستاين وسيحضره العديد من الضيوف من
أنحاء العالم إما لنيل تكريم أو للمشاركة في لقاءات مع الجمهور، ومن هؤلاء
المخرج الروسي أندره زفياغينتسف والممثّل الأميركي ويلَم دافو. ولم يعلن
المهرجان حتى الآن أي الغاء للحفلات (وهي كثيرة في مراكش) أو أي مناسبات
تضامنية مع ضحايا غزة أو انتصاراً لفسلطين. ورغم ان الشعب المغربي في مجمله
متضامن مع القضية الفلسطينية، وقد شهد الشارع المغربي تظاهرات عدة منددة
بالعدوان على غزة، فالسلطات المغربية لا تود الغاء أي حدث ثقافي في البلاد
التي ضربها زلزال مدمّر في أيلول الماضي. يبقى السؤال: هل سيحضر كل الضيوف
الذين وُجِّهت اليهم دعوات في زمن باتت وسائط التواصل تراقب الصغيرة
والكبيرة وتخوّن هذا وتحاكم ذاك؟
أما في السعودية، فتُقام النشاطات السينمائية في المواعيد
المتفق عليها. في الرياض حالياً، ينعقد مؤتمر النقد السينمائي (7-14
الجاري)، رافعاً شعار "البحث ما وراء الاطار"، وهو حدث يُقام للمرة الأولى
انسجاماً مع الاهتمام الذي تلقاه السينما في المملكة في السنوات الأخيرة،
علماً انه امتداد لملتقيات عُقدت في مدن سعودية سابقاً طوال العام. ضيوف من
جميع أقطار العالم توجّهوا إلى العاصمة السعودية للمشاركة في ندوات وطاولات
مستديرة حول قراءة الفيلم وتحليله. يبقى الحدث المنتظر على مستوى دولي،
وأقصد به البحر الأحمر السينمائي، الذي من المفترض ان يختتم 2023، فستُقام
دورته الثالثة من 30 تشرين الثاني إلى 9 كانون الأول، رغم ان عدد الضيوف قد
لا يصل إلى ما كان عليه العام الماضي، بسبب الأوضاع المتوترة في المنطقة. |