مع إطلاقهما شركة إنتاج جديدة برأس مال 100 مليون دولار،
يتأمل جيفري ماكناب في صعودهما السريع ويقول إن مصداقية عملهما السينمائي
المستقل تلاشت منذ زمن بعيد
في الدورة السبعين لجوائز
الأوسكار المقامة
في مارس (آذار) سنة 1998، أعلن مقدما الحفل العريقان في "هوليوود"، جاك
ليمون وولتر ماثاو، أن فيلماً جديداً صاغه بن
أفليك ومات
ديمون سوية، قد فاز بأوسكار أفضل سيناريو. بدا أفليك وديمون مبتهجين ولكن
الذعر كان يسيطر عليهما تماماً. اعترف أفليك بخجل وهو يقف على المنصة "لقد
قلت لـ مات للتو إن الخسارة ستكون سيئة ولكن الفوز سيكون مخيفاً حقاً – إنه
فعلاً كذلك، إنه مرعب".
لقد كانا "مجرد شابين" أتيا من العدم ووجدا نفسيهما فجأة في
القمة. وحتى عندما احتضنتهما "هوليوود"، ظلا حريصين على إبراز مصداقية
عملهما المستقل.
نُقل عن ديمون قوله "باختصار، التيار السائد سيئ، وسيظل
دائماً كذلك، لأنهم لا يفهمون كيف تصنع الأفلام"، في كتاب "أفلام بغيضة
وقذرة"
Down
and Dirty Pictures
الذي أصدره بيتر بيسكايند
Peter
Biskind
عام 2004، عن شركة "ميراماكس" للإنتاج الفني ومهرجان صندانس السنيمائي
وصعود الأفلام المستقلة في الولايات المتحدة.
تبدو هذه الكلمات نفاقاً بعض الشيء الآن، بعد إعلان ديمون
وصديق طفولته أفليك أخيراً أنهما سيباشران العمل مع الممول المليونير، جيري
كاردينال من شركة "ريد بيرد كابيتال بارتنرز"
RedBird Capital Partners
لإطلاق شركة إنتاج جديدة تحمل اسم أرتيستس إكويتي
Artists Equity.
يبدو هذا تعاوناً نخبوياً بالكامل: سيكون أفليك الرئيس التنفيذي بينما
يترأس ديمون قسم الإبداع.
كانت هناك مرحلة وجيزة للغاية في تسعينيات القرن المنصرم
بدا فيها ديمون وأفليك بالفعل كمتمردي سينما مستقلة مثاليين. كانا طفلين
نشآ في كامبردج بولاية ماساتشوستس، ليسا من المنطقة الفقيرة تماماً في
المدينة – إذ التحق ديمون بجامعة هارفارد - لكن تجاربهما الأولى في عالم
صناعة السينما لم تكن سهلة. لقد تحولت قصة كيفية صناعة فيلمهما الرائع
الحائز جائزة الأوسكار "غود ويل هانتينغ"
Good
Will Hunting
(1997) إلى أسطورة سينمائية منذ فترة طويلة. مثلما كانت حال سيلفستر ستالون
في فترة ما قبل أفلام "روكي"
Rocky،
كانا ممثلين مكافحين لم يتمكن أي منهما من الحصول على دور لائق. اعتاد
كلاهما النوم على الأريكة في مسكن الآخر.
اعترف ديمون في لقاء أجراه مع برنامج توداي التلفزيوني وقت
إصدار الفيلم "لقد ولد السيناريو حقاً من الإحباط من البطالة... لقد كان
اليأس دافعاً كبيراً في كتابته".
أدخلهما نجاح "غود ويل هانتينغ" في التيار السائد حيث
يحافظان على وجودهما الراسخ هناك منذ ذلك الحين. راعيهما سيئ السمعة، هارفي
واينستين،
رئيس شركة "ميراماكس" السابق وأول اسم اعترفا بفضله في خطاب الأوسكار، يقبع
في السجن ومدان بالاغتصاب والاعتداء الجنسي.
يعد رئيس "ميراماكس" شخصية إشكالية في رحلة صعود ديمون
وأفليك. من المزعج أن يتصادف إعلان شركتهما الجديدة مع إصدار فيلم "هي
قالت"
She
Said،
دراما جديدة قاتمة وشديدة التوتر للمخرجة ماريا شريدر عن الصحافيتين في
نيويورك تايمز ميغان توهي (الممثلة كاري موليغان) وجودي كانتور (الممثلة
زوي كازان)، اللتين أطاحت تقاريرهما الاستقصائية واينستين.
نجح ديمون وأفليك بفضل قدراتهما الاستثنائية، ككاتبين
وممثلين، وبسبب جاذبيتهما - لكن لا أحد يستطيع إنكار أن دعم واينستين في
المراحل الأولى شحذ حياتهما المهنية. في منتصف التسعينيات، كانا حصاني
واينستين الرابحين. بالتزامن مع صعود نجوميتهما، كانت حياة موظفات الشابات
في ميراماكس مثل زيلدا بيركنز ولورا مادن، اللتين تؤدي دوريهما سامانثا
مورتون وجنيفر إيل على التوالي في فيلم المخرجة شريدر، قد تمزقت على يد
رئيسهن المعتدي. هناك مشاهد مؤلمة في القسم الأخير من فيلم "هي قالت" حيث
تقول بيركنز ومادن للمراسلتين الصحافيتين "أشعر بأنني محطمة تماماً" و"كان
الأمر كما لو أنه [واينستين] كتم صوتي".
راهن واينستين على ديمون وأفليك بعدما عرضت الشركة المنافسة
"كاسل روك" سيناريو فيلمهما "غود ويل هانتيغ" للاستثمار من قبل شركات أخرى.
كانا مثل تابعين له. وبحسب التعبير الذي أوردته مجلة فيرايتي
Variety
المتخصصة في صناعة السينما سنة 1995، عندما وافق على العمل معهما، أصبحا
جزءاً من "كوميديا واينستين الإلهية" إلى جانب صناع أفلام شباب آخرين في
عصبة ميراماكس، مثل كيفين سميث وشون بين. وقام بدفع ثروة مقابل الحصول على
السيناريو وسمح لكاتبيه بالتمثيل في الفيلم على رغم كونهما غير معروفين.
كتب بيسكايند، أراد الجميع "أن يؤدي ليو [ناردو دي كابريو] وبراد [بيت]"
الدورين اللذين لعبهما ديمون وأفليك في النهاية".
قال أفليك لـ بيسكايند واصفاً سعادتهما عندما حصل فيلمهما
على الموافقة أخيراً، "لقد أحببناه [واينستين] على الفور". في نهاية
المطاف، بعدما فشل واينستين في إقناع كريس كولومبوس، مخرج أفلام "هاري
بوتر" الشهير، وافق على إسناد المهمة إلى غاس فان سانت. بفضل علاقات فان
سانت، انضم روبن ويليامز، الذي كان في ذروة شهرته حينها، إلى الفريق. وعلى
رغم ما كان يعرف بـ "مقص هارفي"، يقال إن واينستين لم يتدخل في عمليات
المونتاج.
في هذه الفترة تقريباً، كان ديمون قد حصل على دور البطولة
في فيلم "صانع المطر"
The
Rainmaker
الذي أخرجه فرانسيس فورد كوبولا عام 1997. كان أفليك قد مارس التمثيل في
السابق كطفل، وشارك بالفعل في أفلام مع مخرجين مثل ريتشارد لينكليتر وكيفن
سميث. كان كلاهما بأي حال يصعد سلم النجاح. ومع ذلك، كان واينستين مكتشف
المواهب الذي يقف وراء الصعود السريع للشابين الطامحين. من خلال السماح
لهما بصناعة "غود ويل هانتينغ"، سلمهما مفاتيح النجاح.
بدأت قصة فيلمهما الذي يدور حول عامل نظافة يتضح أنه عبقري
في مجال الرياضيات كمسرحية من فصل واحد كتبها ديمون كواجب دراسي في الكلية.
أحبها أستاذه جداً وحثه على المواصلة. أسهم أفليك لاحقاً ككاتب مشارك.
يتفوق ديمون في شخصية "ويل هانتينغ" "الصبي العبقري من جنوب
بوسطن". كان يمتلك في آن معاً وسامة الشاب والخشونة المطلوبة للدور. يقدم
أفليك أداء جيداً أيضاً في دور مساعد هو تشاكي سوليفان، صديقه المخلص بشدة
ولكن الذي لا يمتلك الفطنة. مع ذلك، بعد 25 عاماً، يبدو "غود ويل هانتينغ"
فيلماً عاطفياً في جوهره ومراعياً بشدة لما هو سائد. تجمع القصة بين مشاهد
تدور أحداثها في شوارع بوسطن المتواضعة وأفكار بدت وكأنها مأخوذة من نسخة
سينمائية شاعرية مقتبسة من رواية "أوليفر تويست" لـتشارلز ديكنز. ويل هو
شاب يتيم يتظاهر بالقسوة عندما يكون برفقة أصدقائه في حانات بوسطن ويقع في
مشكلات مع رجال الشرطة باستمرار، لكنه يقضي وقت فراغه بالكامل في قراءة كتب
الرياضيات والسياسة والتاريخ. هناك بعض المشاهد الجياشة التي نرى فيها
المعالج الدكتور شون ماغواير - يجسده روبن ويليامز بأكثر أداءاته حرارة -
يحاول مساعدة ويل على التخلص من شروره.
لا يمكن لأحد أن يخلط بين شخصية ويل التي يلعبها ديمون
وشخصية جيم ستارك التي يؤديها جيمس دين في فيلم "متمرد بلا سبب"
Rebel
without a Cause
(1955). ويل هو شخصية واضحة ومتوازنة وفصيحة لا تبدو أبداً أنها قد تخرج عن
السيطرة. هذا الكمال هو سر جاذبية ديمون الدائمة، لكن يمكن القول أيضاً
إنها تجعله محدوداً. عندما تراه على الشاشة، تشعر أنه شخص يمكنك الاعتماد
عليه وجدير بالثقة، ولا تظن أنه عصابي أو نرجسي. في أفلامه اللاحقة، نادراً
ما أسند إليه دور الشرير أو شخصيات تعاني من الانهيارات. سواء كان عالقاً
على سطح المريخ في فيلم "المريخي"
The
Martian
عام 2015، أو يلعب دور جيسن بورن في أفلام "هوية بورن"
The
Bourne Identity،
أو يواجه نيران العدو على شاطئ أوماها في "إنقاذ الجندي رايان"
Saving
Private Ryan
(1998)، يبدو دائماً مستعداً لإظهار نفسه. كان ديمون ناجعاً جداً في شخصية
البطل غير التقليدي في المعالجة التي قدمتها المخرجة باتريشيا هايسميث لقصة
"السيد ريبلي الموهوب"
The
Talented Mr Ripley
(1999)، تحديداً لأن اختياره للدور لم يكن متوقعاً أبداً. يمكنه حتى جعل
قاتل متسلسل يبدو وكأنه ابن الجيران اللطيف.
منذ صدور "غود ويل هانتينغ"، كانت مسيرة الممثلين تمشي بشكل
متواز. كان ظهورهما المشترك مجدداً على الشاشة يحدث من حين لآخر فقط،
لكنهما أظهرا قدرة على الصمود ومرونة غير عاديتين. عملا لاحقاً مع واينستين
مرات عدة، في أفلام مثل "المقامرون المتجولون"
Rounders
(1998) و"ألعاب الرنة"
Reindeer Games
(2000) و"دوغما"
Dogma
(1999) و"ارتداد"
Bounce
(2000). كان بادياً أن واينستين دعم بنسبة أقل ميني درايفر، النجمة
المشاركة في فيلم "غود ويل هانتينغ". وهي حصلت على ترشيح لجائزة الأوسكار
عن أدائها شخصية سكايلر، طالبة جامعية ذكية في هارفارد يغرم بها ويل. على
أي حال، حاول المنتج استبدالها بحجة أنها لم تكن "جذابة" كفاية.
نجا أفليك من المشكلات المعتادة المتمثلة في فضائح متعلقة
بحياته الخاصة: الخيانات والطلاق واتهامات بالتحرش الجنسي – وكوارث عرضية
في شباك التذاكر. كذلك اختير مرات عدة لإعادة تجسيد شخصيات لعبها في
السابق. وشهدت مسيرته بعض العثرات، وأشهرها "جيلي"
Gigli
(2003)، فيلم الجريمة الرومانسي الكوميدي الذي شاركته بطولته جينيفر لوبيز،
وصنفه عديد من النقاد من بين أسوأ الأفلام التي أنتجت على الإطلاق. كما أن
فيلم "بيرل هاربر"
Pearl
Harbour
(2001) لم يكن في صالح سمعته أيضاً.
في الآونة الأخيرة، خسر فيلمه الدرامي "يعيش ليلاً"
Live
By Night
(2016) المصنوع بروعة ولكن البارد بشدة، مبالغ ضخمة في شباك التذاكر. مقابل
مثل هذه الأعمال الكارثية، التي قد تنسف المسيرة المهنية لممثلين آخرين أقل
أهمية، حقق أفليك نجاحات هائلة: فيلم "أرغو"
Argo
(2012) الحائز جائزة الأوسكار الذي أنتجه وأخرجه وقام ببطولته، وفيلم
"الفتاة المفقودة"
Gone
Girl
(2014)، الذي كان اختياره فيه مناسباً لأداء دور الزوج البائس المتهم بقتل
زوجته. سواء كان يلعب دور باتمان في فيلم أبطال خارقين بميزانية ضخمة أو
شخص يتعافى من إدمانه على الكحول يدرب فريق كرة سلة في مدرسة ثانوية كما في
فيلم "العثور على طريق الرجعة"
Finding the Way Back
(2020)، لا يزال أفليك يمتلك عقلية الشاب المستضعف من جنوب بوسطن التي
شاهدناها لأول مرة في "غود ويل هانتينغ".
في هذه الأثناء، لا يزال ديمون من بين النجوم الأكثر
موثوقية وتنوعاً في عصره، حيث تنقل بين الأنواع السينمائية بسهولة وقدم
أداء متماسكاً. تمكن أيضاً من تجاوز كثير من المحن، من المشاحنات حول
التنوع إلى انتقاد صلاته الوثيقة بـواينستين.
شركتهما الجديدة، أرتيستس إكويتي، هي الأحدث في سلسلة طويلة
جداً من المخططات الموضوعة لانتزاع السلطة بعيداً من المتحكمين مالياً
بالإنتاج السينمائي. الكلام الدائر حول المبادرة مألوف للغاية. وفقاً لموقع
ديدلاين
Deadline
المتخصص بأخبار صناعة الأفلام، فإنها "شركة أخرى بقيادة فنانين تتعاون مع
مخرجي الأفلام لتمكين الرؤيا الإبداعية وتوسيع نطاق الوصول إلى مشاركة
الأرباح".
في زمن البث التدفقي، اعتدنا سماع الشكوى من أن المنصات
الكبيرة تستولي على حقوق الملكية الفكرية وتحول الفنانين إلى مرتبة أيد
عاملة مستأجرة. بفضل الأموال المتوفرة لهما الآن، سيتمكن أفليك وديمون من
مساعدة شركائهما في صناعة الأفلام على التمسك بحقوقهم وبالتالي المشاركة في
الأرباح عندما يصنعون أفلاماً أو مسلسلات ناجحة.
كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" عن الثنائي الذي كان وراء
فيلم "غود ويل هانتينغ"، فقد حققت أفلامهما معاً "10.7 مليار دولار في شباك
التذاكر العالمي" وحازا ثلاث جوائز أوسكار سوية. هذا رصيد مثير للإعجاب
لكنه يبرز في الوقت نفسه كم أصبحا شخصين من التيار السائد. لقد تلاشت أي
مصداقية كانا يمتلكانها تجاه صناعة سينما مستقلة منذ زمن بعيد عندما انضما
لأول مرة إلى عصبة ميراماكس. لا يمكن لومهما على أفعال واينستين لكن لا
يمكن تجاهل دوره في نجاحهما. الآن هما من يتحكم في الأمور المالية. تنعكس
أولوياتهما التجارية الجديدة في اختيارهما للمواد التي ينتجانها. وفقاً
لصحيفة "نيويورك تايمز"، شارك أفليك وديمون، إلى جانب أليكس كونفيري، في
كتابة سيناريو دراما جديدة حول البائع الذي كان الوسيط في توقيع أسطورة كرة
السلة مايكل جوردان على صفقة أحذية رياضية مع علامة "نايك" التجارية. كما
نرى، هذا ليس فيلماً كان جيمس دين سيود تمثيله على الإطلاق.
بدأ عرض فيلم "هي قالت" في دور السينما في 25 نوفمبر (تشرين
الثاني).
© The Independent |