هناك تسعة مخرجين عرب على موعد مهم خلال الأشهر المقبلة.
ففي التاسع من فبراير (شباط) 2023 تُعلن القائمة القصيرة للأفلام العالمية
التي سيتم التصويت على خمسة منها لكي تدخل نطاق مسابقة الفيلم الدولي.
هؤلاء المخرجون هم السعودي محمد السلمان والجزائري رشيد
بوشارب والعراقي شوكت أمين كوركي والأردنية دارين سلاّم والمخرجان الزوجان
جوانا حاجي توما وخليل جريج والمغربية مريم توزاني والفلسطينية مها الحاج
والتونسية أريج سحيري.
في الواقع يمكن اعتبارهم ثمانية على أساس أن لديهم ثمانية
أفلام فقط وليس تسعة. هذا لأن اللبنانيان جوانا حاجي توما وخليل جريج
يعملان معاً منذ فيلمهما الروائي الأول «البيت الزهر» سنة 1999 وفيلمهما
المتقدّم لنيل حظّه المنتظر في هذه المسابقة هو فيلمهما الحادي عشر.
هما وباقي المخرجين المذكورين، باستثناء الجزائري رشيد
بوشارب، لم يسبق لهم دخول معترك الأوسكار من قبل. ويقفون، بالتالي، على خط
واحد من الاحتمالات حتى الآن.
{أغنية
الغراب}
أما الأفلام التي دخلوا بها هذا المحراب فهي «أغنية الغراب»
لمحمد السلمان و«إخوتنا» لرشيد بوشارب و«الامتحان» لشوكت أمين كوركي
و«فرحة» لدارين سلّام و«دفتر مايا» لجوانا حاجي توما وخليل جريج و«القفطان
الأزرق» لمريم توزاني و«حمي البحر المتوسط» لمها حاج و«تحت شجرة التين»
لأريج سحيري.
بتفكيك هذه الأفلام ومعطيات مخرجيها نلحظ أن غالبية
المخرجين هم من الإناث: جوانا حاجي توما ومها الحاج وأريج سحيري ومريم
توزاني ودارين سلاّم. بينما لا يصنع هذا وحده أي حظوة أو تحبيذ، إلا أنه
يساعد المصوّتين في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في هوليوود على وضع
نقطة اعتبار في البال إذا دخل أحد هذه الأفلام ذات الإخراج النسائي إلى
مرحلة القائمة القصيرة.
الجو العام المحبّذ للمرأة في مجال الإخراج حول العالم، هذه
الأيام، والعدد الكبير من النساء عضوات الأكاديمية يساعد على هذا التبني
لكن قيمة الفيلم بحد ذاته هي التي ستتغلب. هذا ومدى قوّة الأفلام غير
العربية المتنافسة على المسابقة ذاتها. هذا عامل ما يتناساه المراقبون
والنقاد عادة.
بالنسبة لفيلم «أغنية الغراب» هو سادس اشتراك يمثل المملكة
العربية السعودية. وكانت الترشيحات السعودية لجوائز الأكاديمية بدأت سنة
2013 عندما تم تقديم «وجدة» لهيفاء المنصور كأول دخول سعودي لترشيحات
مسابقة الفيلم الدولي (كان يُسمى «الأجنبي» حينها). المحاولة التالية كانت
عبر «بركة يقابل بركة» لمحمد صبّاغ بعد ثلاث سنوات وبعد ثلاث سنوات أخرى تم
تقديم فيلم آخر لهيفاء المنصور هو «المرشّحة المثالية». في العام التالي،
2020. شاركت شهد أمين بفيلمها «سيدة البحر» وفي العام الماضي وجدنا السعودي
عبد العزيز الشلاحي يقدّم فيلمه «حد الطار» لدخول المسابقة.
ولا واحد من هذه الأفلام تقدّم للخطوة التالية وهي
الترشيحات الرسمية، لكنها أوجدت موقعاً لسينما شابّة ولمخرجين يملكون
الطموح المطلوب لتحقيق أفلام تتيح لهم مثل هذه الفرصة.
ملاحظة عراقية
بالنسبة للسينما العراقية وجدناها ترسل من عام 2005 عشرة
أفلام حتى عام 2001. هذه السلسلة من الاشتراكات بدأت بفيلم «قدّاس الثلج»
لجميل رستامي الذي كان، في الواقع فيلماً مشتركاً مع إيران. في العام
التالي أرسل محمد الدراجي فيلمه «أحلام» تلاه في سنة 2007 المخرج جميل
رستامي بفيلم عراقي بالكامل هو
Jani Gal.
تواصلت هذه المحاولات من عام 2010 عندما عرض محمد الدراجي
«ابن بابليون»، تلاه، في سنة 2014 المخرج باتن غوبادي بفيلم «ماردان» ثم
فيلم «ذكريات الحجر» لشوكت أمين كوركي سنة 2015 (ما يجعل اشتراكه هذا العام
هو الثاني له) و«الكلاسيكو» إخراج حالكوت مصطفى (2016) ثم «العاصفة
السوداء» لحسين حسّان (2017) و«الرحلة» كثالث اشتراك لمحمد الدراجي (2018)
و«أوروبا» لحيد رشيد
(2021).
لم ينتج عن هذه الاشتراكات أي ترشيح رسمي، وبالتالي لم يخرج
أحدها بأي جائزة، لكن الملاحظة هنا هي أن أفلام محمد الدراجي هي الوحيدة
الناطقة بالعربية والمنتجة خارج كردستان. باقي الأفلام كانت من إخراج
سينمائيين كرد ونطقت بالكردية (ولو أن «العاصفة السوداء» جمع بين اللغتين).
بالنسبة للأردن عدد أفلامها المقدمة سابقاً خمسة وذلك من
عام 2015 عندما تقدّم ناجي أبو نوّار بفيلمه «ديب» ووصل عبره إلى الترشيحات
الرسمية. بعد ذلك تكررت المحاولات مع «كابتن أبو رائد» لأمين مطالقة (2008)
و«3000 ليلة» لمي المصري (2016) ثم «200 متر» لأمين نايفة 2020) بلا نتيجة
مرضية.
وحدث في العام الماضي أن تم تقديم ثم سحب فيلم «أميرة»
للمصري محمد دياب بسبب موضوعه الذي لم ترضَ عنه الدولة التي تقدّم الفيلم
باسمها.
لبنان كان له باع كبير من التجارب: 17 فيلماً منذ سنة 1998
(عندما عرض زياد الدويري «بيروت الغربية») وحتى العام الماضي عندما شارك
«كوستا برافا ليبانون» بالترشيحات الأولى. معظم هذه الأفلام التي تم
إرسالها للأكاديمية لتمثل لبنان كانت جيدة، مثل «سكر بنات» لنادين لبكي
(2007) و«تحت القصف» لفيليب عرقتنتجي (2008) «القضية 23» لزياد الدويري
(2017) لكن ما هو جيد خارج إطار الترشيحات قد لا يكون جيداً بما فيه
الكفاية داخلها.
الفوز الوحيد
المغرب دخلت الترشيحات 17 مرّة أيضاً بدءاً بفيلم الراحل
سهيل بن بركة «عرس الدم» سنة 1977. إحدى عشر سنة من الغياب مرّت قبل أن
يقدّم نبيل عيّوش فيلمه «مكتوب» ثم توالت الأفلام الأخرى وإحداها فقط وصل
إلى «القائمة القصيرة» وهو «عمر قتلني» لرشدي زم. آخر المحاولات جرت في
العام الماضي مع «علي صوتك» لنبيل عيّوش الذي بقي خارج الترشيحات الرسمية.
حظ فلسطين كان أوفر بسبب المخرج هاني أبو أسعد الذي دخل
الترشيحات الرسمية مرّتين الأولى سنة 2005 بفيلم «الجنّة الآن» والثانية
سنة 2013 بفيلم «عمر». باقي الترشيحات السابقة (9) بقيت خارج الاعتبار
بينها فيلم أبو هاني الثالث «يا طير الطاير» (2016) وفيلم إيليا سليمان «لا
بد أنها الجنّة»
(2019).
شاركت السينما التونسية منذ عام 1995 (بفيلم «السحر» لعز
الدين ميليتي) بتسعة أفلام فشلت جميعها في الوصول إلى الترشيحات الرسمية
باستثناء «الرجل الذي باع ظهره» لهنية بن كلثوم قبل عامين. الحظوظ والآمال
ارتفعت كثيراً آنذاك لكن الجائزة ذهبت إلى الفيلم السويدي
Another Round
لتوماس فنتربيرغ.
أما السينما الجزائرية فهي الوحيدة التي كان لها أعلى رقم
من الاشتراكات (24 اشتراكاً حتى الآن) وتمتعت بأعلى كم من الترشيحات
الرسمية (4) وبالفوز الفعلي الوحيد بين الأفلام العربية الأخرى.
فوزها ذاك حدث باكراً عندما انتزع فيلم
Z
للمخرج الفرنسي كوستا - غافراس أوسكار أفضل فيلم أجنبي. حقق غافراس فيلمه
السياسي هذا لحساب الجزائر التي موّلته. كذلك موّلت فيلم الإيطالي الراحل
إيتورا سكولا «قاعة الرقص» (1963) الذي حاز على ترشيح رسمي كذلك حال فيلم
رشيد بوشارب «غبار الحياة» (1995) ثم كرر ذلك بفيلمه التالي «بلديون» (أو
«أيام المجد») (1995). في عام 2010 نجح في الوصول إلى الترشيحات للمرّة
الثالثة بفيلمه «خارجون عن القانون» بذلك يكون المخرج العربي الأول في عدد
الأفلام التي وصلت إلى الترشيحات الرسمية.
المشهد: إلى العالمية
>
لا يكاد يمر أسبوع من دون أن أقرأ أن هذا المخرج وصل أو هو على أهبة
الوصول، ربما بعد ساعات أو أيام معدودة، إلى العالمية.
>
تُعامل «العالمية»، كما لو كانت مدينة تطير إليها وتحط في مطارها أو تركب
القطار فتصل إلى محطتها. أو كما لو كانت بيت صديق تذهب إليه بالتاكسي وبعد
ربع ساعة... أنت عالمي.
>
بالأمس القريب قرأت تصريحاً صحافياً لممثلة تقول: «أحلم بالعالمية وعندي
الكثير من الطموح والإرادة وهذا أهم شيء». مخرج قال: «هذا الفيلم الجديد لي
هو طريقي للعالمية».
هل من الممكن أن «ندوزن» هذا الكلام جيداً ونفرّق بين
الطموح والخيال؟ العالمية ليست باباً تطرقه برغبتك وحدها. دونها عشرات
العوامل (ولا أريد أن أقول العقبات) التي تعترض الطريق أو تتطلب ما قد لا
يملكه المخرج أو الممثل من قدرات.
>
ربما كان الممثل يحتاج إلى فيلم عالمي يتم تصويره في بلد عربي كما حدث مع
عمر الشريف حين طلبه ديفيد لين لدور رئيسي في «لورنس العرب». ربما بحاجة
لوكيل أعمال له مكانة استثنائية في هوليوود. أو كانت لدى المخرج علاقات
قوية تعود لسنوات من السعي. لكن لا شيء يقع مباشرة تبعاً للرغبة أو التمنّي.
>
الأمر نفسه بالنسبة للممثل. كان عليك أن تشق طريقك باكراً عبر إنجاز أفلام
توزّع عالمياً ويكون لديك وكيل أعمال يراك دولارات يمكن كسبها. عدا ذلك أنت
محكوم عليك بالبقاء في حاضرتك سعيداً وحالماً.
>
من ناحية أخرى، لا يجب أن ننسى إنه ليست هناك ضمانات. قد تعمل بجد وتصل وقد
تعمل بجد ولا تصل. قد لا تعمل بجد وتصل، وقد لا تعمل بجد ولا تصل.
م. ر |