هشام سليم.. صاحب المعادلات الفنية والإنسانية الصعبة.
كان الممثل المصري هشام سليم الذي ودع الحياة بعد صراع مع
مرض السرطان، صاحب موقف جريء ورأي صريح، فهو لا يتوانى عن الدفاع عن أهم
القضايا في مصر ومنها القضايا السياسية والمسائل الاجتماعية الحرجة، وكانت
مواقفه أحد أسباب غيابه الفني، لكنها سبب في اكتسابه شهرة واحتراما
جماهيريا، حيث أصر طوال سنوات نشاطه على الظهور أمام جمهوره بصورة تضمن له
احتراما قلّ مثيله.
القاهرة
- رحل
الفنان المصري هشام سليم الخميس عن أربعة وستين عاما بعد رحلة فنية حافلة
لم تخل من صعوبات وتعقيدات، ونجح في أن يحافظ حتى اليوم الأخير من حياته
على كبريائه وكرامته التي كانت طاغية على اختياراته الفنية والحياتية، فقد
كان نموذجا للفنان صاحب المواقف الجادة التي شكلت قاعدة لحب الجمهور له.
رحلته الفنية التي استمرت لنحو خمسين عاماً تخللتها فترات
انقطع فيها عن التمثيل لاستكمال دراسته بالخارج وأخرى اختار فيها العزلة،
أكدت أن الفنان يستطيع أن يترك بصمة لا يمكن نسيانها وإن لم يقدم أعمالا
فنية عديدة أو يشارك في أدوار البطولة المطلقة، فالمهم أن يقدم رسالة يقنع
بها الجمهور وتؤثر فيه.
لم ترتبط الرسائل التي قدمها سليم، ابن المايسترو صالح سليم
رئيس النادي الأهلي المصري، إلى الجمهور بالأعمال الفنية التي شارك فيها
فحسب، لكن أيضًا بالمواقف الإنسانية التي مر بها، وأبرزها تحول ابنته جنسيا
إلى ولد، وصراعه الأخير مع المرض، ورفضه الكشف عن تفاصيله، ومواقفه العلنية
من قضايا فنية وسياسية ورياضية عديدة.
طارق الشناوي: صراحة
سليم ووضوحه أثرا على كثافة أعماله لكن حققا له الشهرة
عانى هشام سليم من الإصابة بمرض سرطان الرئة، وشهدت الأشهر
الأخيرة تدهوراً في حالته الصحية حتى قرر العزلة بعيداً عن الوسط الفني
والإعلامي، واكتفى في شهر مايو الماضي بإرسال تسجيل صوتي إلى أحد البرامج
التلفزيونية طمأن فيه جمهوره وعبر عن رضاه بما سيكتبه الله له دون أن يخوض
في تفاصيل تعبه.
نعته الفنانة يسرا، وهي زوجة شقيقه خالد سليم، على صفحتها
بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قائلة “أخويا وحبيبي وصديق عمري والسند
وأخو زوجي خالد صالح سليم في ذمة الله ربنا يصبرنا على فراقك جميعا”.
واعتاد هشام أن يكون صريحاً في آرائه بما فيها التي تسبب له
المشكلات، وكانت لديه الجرأة التي جعلته يوجه انتقادات لإنتاج دراما رمضان،
واعتبر في حوار أجرته معه “العرب” قبل ثلاثه أعوام أن الدراما دخلت في
مرحلة الخطر بعد أن هيمنت الأعمال الفنية الاستهلاكية على غالبية المسلسلات
المقدمة، وأنها تركز بالأساس على تقديم النمط الشعبي، والتي شبهها بوجبات
“الطعام السريعة”.
ووجه انتقاداً حاد لمنتجي بعض الأعمال الدرامية، مشيرا إلى
أن رغبتهم الأولى تتمثل في كسب أكبر قدر من الأموال على حساب تقديم مضمون
إبداعي يمكن أن يرتقي بالمشاهد وأفكاره المختلفة.
وتعد هذه الصراحة من الأسباب التي حجمت من نجوميته وحالت
دون أن يكون ضمن فناني الصف الأول، وبدت عليه القناعة التامة بأن هناك
تعليمات، لم يذكر الجهات التي تصدرها، لكنها كانت تسعى إلى “تحجيم نجوميته”
كي لا يعلو سقفه عن هذا الإطار.
ورؤية هشام سليم بشأن الإنتاج الدرامي تأكد صدقها في الوقت
الحالي، لأن حديثه عن التخمة الرمضانية وضخ الملايين من الجنيهات لتقديم
أعمال غير واضحة المعالم واستمرار عملية كتابتها في أثناء تصويرها، كلها
عوامل تسببت في تراجع مستوى الأعمال المقدمة، وهو ما بدأت تلتفت إليه
الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تتولى إنتاج الجزء الأكبر من
الأعمال الدرامية، وتحاول تحسين جودة الأعمال المقدمة وإتاحتها على مدار
العام من دون أن تتكدس في موسم واحد.
رؤية هشام سليم بشأن الإنتاج الدرامي تأكد صدقها في الوقت
الحالي، وهو ما بدأت تلتفت إليه الشركة المتحدة
وقال الناقد الفني طارق الشناوي إن الفنان الراحل اعتاد أن
يكون صوته مرتفعاً في الدفاع عن الحق، ولم تكن لديه حسابات تؤثر على
قناعاته، وأراد أن تكون هناك محددات واضحة للأعمال الفنية التي يقدمها،
وحاول تطبيق ذلك أثناء تواجده كعضو مجلس نقابة المهن التمثيلية، حيث سعى
إلى فلترة الإنتاج المقدم لكنه واجه عقبات عديدة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن صراحته المعهودة أمام زملائه
والمجتمع قد تكون أثرت على مستوى كثافة الأعمال التي قدمها أو موقعه في
مقدمتها، لكنها في المقابل حققت له شهرة واسعة حتى من الوسط الفني الذي
منحه أعلى الأصوات في الانتخابات التي خاضها أكثر من مرة، ولم يكن مهتما
بتدشين حملات دعائية له أو حتى مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع ومنح صوته
لنفسه.
ورأى الشناوي أن هشام سليم ضمن جيل سيئ الحظ إلى جانب
الراحل ممدوح عبدالعليم، والفنان شريف منير، لأن التوقيت الذي طرقوا فيه
أبواب النجومية في ثمانينات القرن الماضي كانت فيه على الساحة أسماء لديها
جماهيرية واسعة، مثل عادل إمام ومحمود ياسين وأحمد زكي وفاروق الفيشاوي
ونور الشريف، وكانت هناك صعوبات لأن يتصدر أي منهم المشهد الفني، على الرغم
من موهبتهم الطاغية.
وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي حينما كبرت الأسماء
السابقة وكان يمكن أن يؤدي كل منها دور فتى الشاشة حدثت تحولات في المزاج
الفني للجمهور الذي بدا أكثر ارتباطاً بالأعمال الكوميدية، ما منح فرصة
لظهور أسماء مثل محمد هنيدي وعلاء ولي الدين ومحمد سعد وأحمد حلمي، ولم
يتمكن سليم من أن يقبع في المقدمة مع الجماهيرية التي حققها الشباب الصاعد
في ذلك الحين.
واستطاع الراحل هشام سليم وفقًا للمعادلة السابقة أن يبرز
بشكل أكبر في الأعمال التلفزيونية دون أن يحقق المعادلة السينمائية التي
تقوم على تسويق النجم، ولجأ الكثير من المنتجين خلال العقدين الماضيين إلى
الاستعانة بأسماء للقيام بدور البطولة تستطيع جذب الجمهور إلى شباك التذاكر
وإن كانت الأدوار لا تناسب سليم أو غيره من النجوم. وشارك الفنان المصري في
العديد من الأعمال الدرامية التي تركت بصمة لدى الجمهور، وكانت أول أعماله
الدرامية من خلال مسلسل “الراية البيضاء”، في العام 1988، ثم شارك في
“ليالي الحلمية” بكافة أجزائه التالية مجسدا شخصية “عادل سليم البدري”،
بالإضافة إلى “أرابيسك”، و”هوانم جاردن سيتي”، و”محمود المصري” وأخيراً
“هجمة مرتدة” في موسم رمضان قبل الماضي، وغيرها من المسلسلات التي بلغت 37
عملا.
كان الظهور الأول للراحل هشام سليم في السينما وشارك في
بطولة فيلم “إمبراطورية ميم” عام 1972، وكان عمره في ذلك الوقت 14 عاماً،
ثم شارك في فيلمي “أريد حلا” 1975، و”عودة الابن الضال” 1976، قبل أن يبتعد
فترة عن التمثيل ليعود في الثمانينات.
تخرج هشام من معهد السياحة والفنادق بالقاهرة عام 1981،
وأعد دراسات حرة في الأكاديمية الملكية في لندن، وبعد أن انتهى من الدراسة
عاد إلى التمثيل بعد انقطاع سنوات.
تزوج هشام سليم ثم انفصل بعد أربعة عشر عامًا وأنجب 3
فتيات، هن: نور، زين الشرف وقسمت، واتسمت علاقته الأسرية بالاحترام
المتبادل الذي يعد أهم المكاسب لأي علاقة، ثم تعرف على زوجته الثانية عام
2004 وتزوجا بعد قصة حب بينهما.
وأظهر سليم وجهه الإنساني للجمهور في أزمة تحول ابنه “نور”
قبل عامين تقريبًا، إذ كان أول من أعلن عن حالة ابنه، وتحوله من فتاة اسمها
نورا، وقال إنها كانت تعاني من خلل في الهرمونات، إلى شاب يسمى نور، ووجد
هذا الإعلان تعاطفا شديدا ورد فعل وثمّن البعض شجاعة هشام وولده.
لكن الموقف الذي ظهر فيه الوالد مسانداً لابنه تبدل بعد
إعلان الابن على مواقع التواصل الاجتماعي تعاطفه مع الناشطة المدافعة عن
حقوق المثليين سارة حجازي، التي انتحرت في كندا، ورفع اثنان من المحامين
المصريين دعوى قضائية ضد الابن واتهماه بمحاولة “نشر المثلية الجنسية” في
مصر.
صحافي مصري |