رحيل على عبدالخالق.. المخرج المثقف الذى أجاد اللعب
بـالبيضة والحجر
كتب ولاء مطاوع
برحيل المخرج على عبدالخالق فى الثانى من سبتمبر الجارى،
أسدل الستار على مسيرته الفنية الكبيرة؛ حيث تميزت أعماله ببصمة فريدة تركت
أثرًا كبيرًا فى قلب ووجدان المُشاهد المصرى والعربى، ليضعه الجمهور فى
مكانة خاصة به، بعد تحقيقه الثقة بأن هناك ما صنعه ويستحق المُشاهَدة.
بدأ أعماله بـ(أغنية على الممر)، الفيلم الذى أصبح علامة
بارزة بين الأعمال الوطنية؛ لا سيما أن على عبدالخالق ابن المَرحلة التى
عاشها المصريون بالصبر والكفاح بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر، لتتوالى
أعماله الفنية بعد ذلك والتى رُغْمَ قِلة عددها ستظل خالدة فى ذاكرة
السينما، ولعل أشهَرَها (العار) و(الكيف) و(جرى الوحوش) و(البيضة والحجر)
و(أربعة فى مهمة رسمية).
أعطى على عبدالخالق كثيرًا من الاهتمام للقضايا المجتمعية
والمُهمشين، وأحب تقديم الجريمة فى إطار إنسانى نكتشف معه الصواب والخطأ
بالتجربة العملية، وينتصر الخير معه فى النهاية، كما أولى اهتمامًا كبيرًا
بالممثلين الذين شاركوه أعماله، فحاول إعطاءهم الفرصة لاستعراض حجم مواهبهم
الكبيرة بتغيير جلدهم كل مرة، فنرى أحمد زكى فى (شادر السمك) بعيدًا كل
البُعد عن (البيضة والحجر) أو (4 فى مهمة رسمية). وكذلك محمود عبدالعزيز
الذى شاركه فى أكثر من فيلم منها (الكيف) و(إعدام ميت) و(جرى الوحوش)
وغيرها.
المخرج المثقف
إبداع المخرج يكمن فى كثير من التفاصيل، وتميز على
عبدالخالق بالاهتمام بالدقة فى تفاصيل العمل كافة، ولكن هذه الدقة ليست
وليدة الصدفة أو حتى الخيال الخصب فحسب؛ ولكنها نتاج الكثير من الاطلاع
والثقافة، بالإضافة إلى نشأته الفنية الأصيلة. وهو ما يشير إليه السيناريست
بشير الديك، فى تصريح خاص لمجلة «صباح الخير»، بأن على عبدالخالق كان
مُخرجًا مثقفًا قويًا؛ حيث تَرَبَّى فى بيت فنّى، فوالده كان الفنان الراحل
عبدالخالق صالح، الذى- بالمناسبة- شارك فى بطولة أول أفلامه (أغنية على
الممر).
يضيف «الديك»: «إن خسارة على عبدالخالق كبيرة؛ لأنه مفكر
جيد وشخص محترف بطريقة مميزة، لذلك خرجت أفلامه بهذا الشكل العظيم».
مخرج السينما الحديثة
من جانبه، أكد الناقد السينمائى كمال رمزى أن «عبدالخالق»
ينتمى لموجة السينما الجديدة، التى بدأت بالتزامن مع بداية السبعينيات عقب
نكسة يونيو 1967، وهذه السينما تميزت بارتباطها الشديد بالقضايا الوطنية
والقضايا الشعبية.
يضيف لـ «صباح الخير: «على عبدالخالق هو الامتداد الخلاق
لمَدرسة صلاح أبوسيف الواقعية، مع اهتمام بنفحة حداثة تم تدعيمها من خلال
الأفلام الأجنبية التى كانت تعرض فى المراكز الثقافية ونادى سينما القاهرة».
وعن سبب تميز أعمال على عبدالخالق، أشار كمال رمزى إلى أنه
كان يهتم بالممثل؛ حيث يصل بالأداء التمثيلى إلى أعلى الدرجات، ولعل فيلم
(الكيف) هو الأكثر دلالة على فهمه وتعمُّقه فى فن الأداء التمثيلى، لذلك
إذا راجعنا قائمة أفلامه، نجد أن النجم محمود عبدالعزيز قام ببطولة عدد
كبير من أفلامه ووصل إلى درجة عالية من الإجادة، كذلك الأمر بالنسبة لنور
الشريف وغيرهما.
لم يكن اهتمام على عبدالخالق مقصورًا على الممثل فقط؛ بل
اهتم أيضًا بالسيناريو والكتابة، ولعل فى رصيده 4 أفلام قام هو بكتابتها،
وهى: (4 فى مهمة رسمية) و(السادة المرتشون) و(إنهم يسرقون عمرى) و(وضاع حبى
هناك).
وهو ما يعلّق كمال رمزى عليه بأن السيناريوهات التى حوّلها
على عبدالخالق إلى أفلام تميزت بنفاذ الرؤية وشمولها، لذا لم يكن مستغربًا
أن تنال أفلامه العديد من الجوائز فى المهرجانات.
وفاة المبدعين قبل الموت
توقف مشوار العطاء الفنّى للمخرج على عبدالخالق عام 2009؛
حيث أخرج آخر أعماله الفنية، مسلسل (البوابة الثانية). وعلى مدار السنوات
السابقة شارك على استحياء فى بعض المهرجانات الفنية، كما تم تكريمه عن
أعماله المميزة، وعاش على عبدالخالق لسنوات دون إضافة إبداع جديد لمشواره
الخالد.
لذلك يؤكد المخرج أحمد خالد لمجلة «صباح الخير»، أنه من
المؤسف أن يحيا كثير من المبدعين مثل على عبدالخالق دون إضافة المزيد من
العطاء للجمهور المتعطش دائمًا لإبداعهم، كما أنه من المؤسف أن يعيشوا دون
أن يدرى أحد أنهم لا يزالون على قيد الحياة.
وشدد «خالد» على بقاء أعمال على عبدالخالق فى وجدان
الجمهور، حتى ولو توقف مشواره الفنّى، قائلاً: «الفن مؤثر، واستطاع على
عبدالخالق التأثير وترك بصمة فنية مميزة حتى ولو كان مشواره الفنى قد
انتهى»، متمنيًا أن يتم الاستفادة القصوى من المبدعين وتكريمهم أثناء
وجودهم على قيد الحياة. |