(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا ـ 3)
وجود قوي لصناع السينما السعودية في فينيسيا
فينيسيا (إيطاليا): محمد رُضا
الحضور السعودي في مهرجان فينيسيا هذا العام أضفى على
المهرجان رونقاً متميزاً، وعكس رغبته في أن يواصل ارتقاءه ليصبح حدثاً من
علامات السينما ونشاطاتها.
بداية، كانت هناك الحفلة الكبيرة التي أقامها مهرجان البحر
الأحمر في فندق أكسلسيور (أفخم فنادق جزيرة ليدو حيث يقام المهرجان
الشهير). الحفل كان مناسبة رائعة للتعارف والتواصل. لدينا من ناحيةٍ إدارة
مهرجان البحر الأحمر ورجال ونساء فاعلياته المختلفة، ومن ناحية أخرى
السينمائيون الغربيون الذين يعرفون الصرح الذي يبني المهرجان السعودي
الدولي مستقبله عليه.
الجنسيات المختلفة أمت الحفل التقت وتبادلت الأحاديث.
استمتعت وتكلمت وحفظت، ولا بد أدركت أن مهرجان البحر الأحمر يريد أن يفتح
آفاقاً جديدة ومثمرة بين سينما الداخل في السعودية وسينما المحيط الخارجي.
والواقع أن هذا السعي ولد من اليوم الأول للمهرجان،
والتخطيط لمستقبله ولد في يومه الثاني. الإدارات تنتمي إلى خبرات ذات سوابق
في هذا المجال وفرقاء عمل يعرفون تماماً ما عليهم القيام به. التحدي الذي
تصدى له المهرجان السعودي من الدورة الماضية، وفي هذه الدورة الجديدة في
ديسمبر (كانون الأول)، لا يعترف بالمصاعب بل بالعمل الشاق في سبيل إصابة
أهدافه.
وكما صرح أكثر من مسؤول فيه على مدى الأسابيع القليلة
الماضية، فإن المهرجان لا ينوي أن يكون مجرد واحد من تلك المهرجانات التي
تلمع قليلاً ثم تنذوي، ولا يريد أن يحمل مهاماً سياحية جذابة لموقعه في
مدينة جدة (رغم أن هذا الجانب حاضر تلقائياً)، بل التحول إلى داعم فعلي لفن
السينما الجادة في السعودية وفي العالم العربي وفي أنحاء العالم بأسره.
الخطة تمشي جيداً في هذا الاتجاه، وهناك الكثير مما تم
الإعلان عنه خلال الأسابيع الماضية، وأكثر مما سيعلن عنه في المستقبل مع
اقتراب موعد إقامته. يأتي هذا الحضور ملازماً للحضور الكبير الذي قامت
الحكومة السعودية باستحداثه في مهرجان «كان» الدولي في مايو (أيار) الماضي.
في ذلك المهرجان قام أهل الخبرة بإيصال الرسالة كاملة للحاضرين، فإذا
بالموقع الذي احتلته السعودية في سوق المهرجان يتحول إلى خلية عمل نشطة
وكثيرة التردد.
هنا في فينيسيا، تبدو المهمة استكمالاً، لكنها في الوقت
ذاته مفتوحة على المزيد من السينمائيين، من مختلف الحقول، الذين يريدون
للمهرجان النجاح المأمول له، لأنه، وكما قال لي منتج إيطالي، «كل مهرجان
جيد وجاد في العمل لخدمة الفن والثقافة هو فعل مطلوب لنا جميعاً. حين يقوم
أحدنا بحضور المهرجان السعودي فإنه لا يأتي لتقييم أفلام المهرجان كما يفعل
النقاد عادة، بل لتقييم كل فاعلياته وأعماله والمستوى الجمعي لما تم عرضه
من أفلام في مختلف أقسامه».
-
التغيير الكبير
في اليوم ذاته، وعلى الغلاف الأول من مجلة «فارايتي»
العريقة تم نشر إعلان لمدينة نيوم التي تم الإشهار عنها، ويجري العمل عليها
لتكون قبلة عالمية للسياحة والعمل في شتى دروب المشاريع الاقتصادية
والعلمية والثقافية. لا يأتي الإعلان وحده، بل هناك فيلم ترويجي قصير مصنوع
بذكاء وخبرة سينمائيتين لتكريس معنى «نيوم» والدور الذي ستلعبه. والكلمة -
الرمز التي تفتح أبواب القناعات بأن الهدف هو أكبر مما يتوقعه أحد، هي كلمة
«تغيير».
مع توزيع موسيقي وغنائي جديد لأغنية لوي أرمسترونغ الشائعة
«What a Wonderful World»
يركز الفيلم على فتاة سعودية تجلس مفكرة. فجأة تسمع صوت التغيير فتنطلق
راكضة ثم طائرة فوق ربوع السعودية لتحظ في حديقة غناء ترمز للمستقبل.
واضح أن الكلمة والمشاهد المعبرة عنها ترمزان إلى التغييرات
الحاسمة والكبيرة التي تهدف لتغيير الصورة التقليدية للمملكة العربية
السعودية، واستبدال أخرى بها مناهضة تماماً للمفاهيم المتوارثة في الخارج
حول المملكة والمجتمع والتقاليد.
كل من مهرجان البحر الأحمر ومدينة نيوم إلى جانب مهرجان
«أفلام السعودية» ستعني الكثير للجيل المقبل من السعوديين. وحين يأتي الأمر
لصناعة الفيلم السعودي، فإن التغييرات والانفتاح على سينمات العالم هما زاد
معرفي إضافي لتلك المواهب التي تريد أن تساهم في حركة السينما العالمية
بأعمال تعكس المواهب الوفيرة والطموح الذي يواكبها. |