"رقم
هاتف قديم".. فيلم سعودي عن أزمة منتصف العمر
علي سعيد يستعير من مظفر النواب أفكارا ليبدأ رحلته في
السينما الشعرية.
تشهد المملكة العربية السعودية ولادة نماذج سينمائية رائدة
ومجددة، حيث يذهب البعض من المخرجين الشبان إلى اعتماد التجديد في أول
إنتاجاتهم الفنية ليقتبسوا من الفنون الأخرى أفكار ذات بعد إنساني واجتماعي
يمكن طرحها على الجمهورين العربي والغربي، دون اللجوء إلى الاستسهال في طرح
القضايا الخيالية التي لا تقدم للمشاهد إفادة تذكر.
الرياض
- قبل
عقود طويلة، وحين تجاوزه الأربعين عاما، كتب الشاعر العراقي مظفر النواب
قصيدة “رقم هاتف قديم” ليتذكر فيها بعضا من حياته في دمشق أين عاش فترة من
الزمن بعد مغادرته بغداد وبيروت، وفيها وقف النواب وقفة المتأمل لحياته
السابقة، ووقفة الإنسان الحائر الذي لا يقدر على فهم أشياء كثيرة في هذا
الكون.
القصيدة التي قدمها النواب حين ألقاها في دمشق قائلا “ألا
أُفهـم تنتـابني نـكـهةُ حُـزن، ولكن أشياء كثيرةٌ لا تـُفهـم في هذا
الكون، أن يـُتقصد عـدم فهمي؛ فذلك يضع في طريق عشقيَ للناس حجـرا” والتي
تقول بعض أبياتها «أغلقنا رغباتِ الشباك برقة قلبٍ… ونسينا الصبح بدون
مطر…»، ألهمت في العام 2022 المخرج السعودي علي سعيد لإنجاز أول أفلامه
السينمائية القصيرة والذي حمل العنوان نفسه الذي اختاره مظفر النواب
لقصيدته “رقم هاتف قديم”. وهو فيلم بدأت فكرته منذ العام 2017 إلا أن مخرجه
لم يجد الوقت الكافي لإتمامه بسرعة.
الفيلم الذي تم تصويره في المملكة بفريق عمل سعودي متكامل
استطاع أن يحكي أزمة منتصف العمر حيث عبّر، بوجهة نظر سعودية، عما تشهده
هذه الفئة العمرية من انفعالات وتحولات وذلك من خلال رصد ما يعيشه بطل
الفيلم “حامد” والذي قام بأدائه الفنان السعودي يعقوب الفرحان.
ويقدم الفيلم بناء فنيا غير تقليدي، حيث يدعو المشاهد إلى
المشاركة بخياله في العمق منذ اللحظة الأولى، كاسرا القوالب التقليدية
للبناء الفني، والتي ترتكز على تقديم القصة من البداية إلى النهاية، دون
إتاحة الفرصة للمشاهد للربط بين جميع المعلومات ودفعه للتركيز في العديد من
التفاصيل وتحليل الأصوات والصور ليتمكن من بلورة تحليل وفهم ذاتي لقصة
الفيلم.
◙ علي
سعيد استطاع أن يقدم نموذجا غير تقليدي باستلهامه الفكرة الرئيسية للفيلم
من أحد أعمال الشاعر الراحل مظفر النواب
وأزمة منتصف العمر أو ما يعرف أيضا باسم المرحلة الحساسة هي
المرحلة الانتقالية التي تبدأ من سن الأربعين إلى خمس وستين سنة بالنسبة
إلى الرجال والنساء، بحيث يعيش الإنسان حالة من التغير التي تنسف أغلب
أفكاره القديمة وتدفعه إلى تقييم مسار حياته السابق، ويختلف منظور الشخص
للأشياء والوقائع في حياته فيختلف تعامله معها، وكأنه يقوم بتكوين شخصيته
من جديد.
ومن علامات بلوغ هذه المرحلة هي الاكتئاب الشديد واتخاذ
الإنسان الانطوائية والعزلة ملاذاً علّه يستطيع فهم ذاته والسيطرة عليها.
ثم دخوله مرحلة الانتقاد المستمر لكل شيء واختلاق المشاكل.
هذا بالإضافة إلى عيشه حالة توتر مستمر في جميع علاقاته
الشخصية فيشعر الرجل أو المرأة في هذه المرحلة أنه كان يعيش في واقع وهمي
وأنه لم يكن صاحب قرار في حياته. ثم يبدأ بلوم نفسه على أغلب القرارات في
حياته وأنه كان مخطئا في حق ذاته. فيتخذ فورا قرار بترك جميع المسؤوليات
وإسنادها إلى غيره، لعله بهذه الطريقة يتدارك ما بقي له في الحياة، وأنه
بهذا سيعيد شبابه من جديد.
تٌصيب أزمة الأربعين النساء والرجال معا، لكن بشدة متفاوتة
ومختلفة، وحسب بعض الباحثين فإن هذه الأزمة تصيب الرجل في حدث شخصي قد عاشه
من قبل، على عكس المرأة التي قد تفكر في حدث سبق وأن عاينته أو موضوع مختلف
تماما عن حياتها.
واستطاع مخرج الفيلم علي سعيد أن يقدم نموذجا غير تقليدي
باستلهامه الفكرة الرئيسية للفيلم من أحد أعمال الشاعر العراقي الراحل مظفر
النواب، ليتمكن من خلاله الحصول على جائزة أفضل سيناريو فيلم قصير بمهرجان
أفلام السعودية. ويقول سعيد إن الفيلم يجسد تصوره لما يريد أن يقدمه من
أفكار ذات بعد فكري وتثقيفي في السينما السعودية.
ويستمد "رقم هاتف قديم" فلسفته من رؤية عالم النفس السويسري
كارل يونغ، لأزمة منتصف العمر، فهو يقدم نظرية مختلفة، إذ يرى أن منتصف
العمر وقت تبلغ فيه جوانب الشخصية الإنسانية ذروتها التي كانت مكبوتة،
فيستعيد الرجال الجانب الأنثوي اللاواعي، والذي كان مغموراً في شبابهم،
بينما تحرر النساء جانب الجنس الآخر الخفي بداخلهن.
الفيلم يقدم بناء فنيا غير تقليدي، حيث يدعو المشاهد إلى
المشاركة بخياله في العمق منذ اللحظة الأولى، كاسرا القوالب التقليدية
للبناء الفني
ويحمل الفيلم الكثير من ملامح السينما المستقلة، وهو عمل
لصيق بالمكان كما يصفه صاحبه الذي يقول في تصريحات له إن الفيلم يأتي في
إيقاعه ضمن "السينما الشعرية".
وتزامنت هذه التجربة السينمائية الأولى لعلي سعيد مع دخوله
العقد الرابع من العمر، الأمر الذي دفعه إلى إنجاز فيلم يخاطب عامة الناس
ويطرح عليهم أزمة قد يمرّ بها أغلبهم، ولما لا يكون تعبيرا عن هواجس الفنان
الذي تفرغ بعد سنوات طويلة للعمل في السينما متبعا التحولات الحاصلة في
المجتمع السعودي ومحاولا تعويض ما فاته في سنوات الشباب.
يشار إلى أن فيلم “رقم هاتف قديم” شارك ضمن 7 أفلام سعودية
في ركن الأفلام القصيرة في الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان كان السينمائي
الدولي. وعُرِضَ لأول مرة في افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان الأفلام
السعودية بمركز “إثراء” في الظهران.
وبطل الفيلم يعقوب الفرحان (1982)، ممثل سعودي، بدأ حياته
الفنية بالعمل في المسرح، ومن أهم أعماله المسرحية “وجبة سريعة”، “سر
الحياة”، “المحظوظ”، “السيمفونية الثانية”، “طرفة بن العبد”، “زهير بن أبي
سلمى”، “حكاية لعبة”، كما شارك في عدة مسلسلات منها “بيني وبينك”، “أم
الحالة”، “ملحق بنات”، “لعبة المرأة رجل”.
وساهم أداؤه لشخصية “رشاش” في مسلسل “رشاش” الذي يُعد
واحدًا من أكثر المسلسلات شعبية في المملكة العربية السعودية ومختلف دول
الخليج العربي، في اكتساب يعقوب الفرحان شهرة كبيرة.
الفيلم تم تصويره في المملكة بفريق عمل سعودي متكامل استطاع
أن يحكي أزمة منتصف العمر |