أول مجلة سينمائية محلية تولد من رحم مهرجان أفلام السعودية
'كراسات
سينمائية' تهدف إلى أن تكون مرآة للسينمائيين السعوديين وأن تعكس تطلعاتهم
وأن تناقش تحديات تواجههم، كما تسعى إلى أن تكون مشروعًا صحافيًّا وفنيًّا
فاعلًا ومؤثرًا ضمن منظومة النهضة الثقافية والفنية في المملكة.
الرياض - على هامش فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان أفلام
السعودية في مركز إثراء، تم إطلاق مجلة كراسات سينمائية، وهي أول مجلة
سعودية متخصصة في السينما، تصدرها آثار الصور بالتعاون مع جمعية السينما
ودعم هيئة الأفلام. وتهدف "كراسات سينمائية" منذ عددها الأول (يونيو/حزيران
2022) إلى أن تكون مرآة للسينمائيين السعوديين، وأن تعكس تطلعاتهم إلى
صناعة سينمائية فعلية، وأن تناقش التحديات التي تواجههم. كما تسعى إلى أن
تكون مشروعًا صحافيًّا وفنيًّا فاعلًا ومؤثرًا، ضمن منظومة النهضة الثقافية
والفنية في السعودية.
ويوضح مؤسسو المجلة، فيصل بالطيور وأحمد أبو شادي ووجدان
المرحوم، أن طموح "كراسات سينمائية"، يمضي قدمًا ليساير طموح السينما
السعودية ذاتها، التي فرضت حضورها الفني محليًّا في دور العرض المتزايدة،
وفي المحافل والقنوات والمهرجانات العربية والدولية، وذلك بعد أربع سنوات
فقط من افتتاح أول دار عرض سينمائي في الرياض.
ولا يغفل المؤسسون توجيه الشكر لكل من "هيئة الأفلام"
وجمعية السينما" في السعودية، على دعمهما الكبير لإطلاق هذه المجلة النوعية
المتخصصة، وذلك من خلال تعاونهما المثمر مع مؤسسة "آثار الصور" الناشرة
لمجلة "كراسات سينمائية". ويتطلع المؤسسون إلى "المزيد من الازدهار للمجلة
في خطواتها المقبلة، لتواصل مشوارها بمساندة هيئة الأفلام وجمعية السينما
نحو تحقيق أحلام السينمائيين السعوديين في هذه المرحلة الدقيقة، التي تتطلب
تضافر جهود سائر المعنيين بصناعة السينما في المملكة، والمتطلعين إلى
نهضتها وتفوقها وتألقها".
ويقول المشرف العام للمجلة فيصل بالطيور "إن السينما
السعودية تمكنت عبر قفزاتها الاستثنائية من أن تكون في صدارة المشهد في
المنطقة العربية والشرق الأوسط، كأكبر سوق إنتاجية متنامية تتحسس طريقها
إلى تجاوز مليار دولار خلال الفترة القريبة المقبلة".
في حين يقول مستشار التحرير أحمد أبو شادي إن "كراسات
سينمائية":" تراهن على أن تكون نافذة مفتوحة للسينمائيين، تحفزهم إلى
اكتشاف موقع الذات بالنسبة إلى الآخرين، والاطلاع المستمر على الفضاءات
الجديدة للفن السابع وصيغه المبتكرة الآنية وآلياته المتطورة، داخليًّا
وخارجيًّا".
مدير التحرير وجدان المرحوم تؤكد أن السينما السعودية "لا
تدور في فراغ، إذ وُلدتْ كابنةٍ لواقعها، لتكون راسمة لحظاتٍ حياتية
درامية، حسّاسة وموحية، ومفجّرة قضايا مجتمعية ملحّة وهموم إنسانية مشتركة،
في سياق معالجة إبداعية جمالية في المقام الأول بطبيعة الحال".
وينوه المؤسسون إلى أن اسم المجلة "كراسات سينمائية"، جاء
استئناسًا باسم مجلة ذائعة لعبت دورًا كبيرًا في الحياة السينمائية في
فرنسا، ويشيرون إلى مجلة "دفاتر السينما"، التي يتطلعون إلى تعاون معها في
المستقبل القريب، مؤكدين أن كل مشروع جديد لا يخلو، عند انطلاقته الأولى،
من الملاحظات، مشددين على أهمية إسهام القراء والمتابعين، من أجل أداء ناجح
ومتطور باستمرار.
عيون على المستقبل
من ناحية، لا تقف "كراسات سينمائية" عند حدود الحاضر، وإنما
هي بحسب المؤسسين للمجلة، تسعى إلى مدّ عيونها الاستشرافية صوب المستقبل،
من خلال نافذة السينما المتفوقة بصريًّا وتخييليًّا. ومن ثم، فإن المجلة
بدورها تتحصن بهذه النزعة التطورية، هيكلًا وجوهرًا، حيث تمضي قدمًا في
فضاء الإعلام الحديث والاتصالات المفتوحة، منطلقة مما انتهت إليه المجلات
السينمائية العربية المعروفة، سواء من ناحية الشكل والتصميم والإخراج
والتبويب والصور، في الثوبين الورقي الطباعي والآخر الإلكتروني، ومن ناحية
المضمون الفني والرسالة والهدف وطبيعة المواد المنشورة من مقالات وتقارير
ومتابعات وأخبار وحوارات وترجمات وغيرها، بمشاركة كوكبة من النقّاد
والكُتّاب والسينمائيين والمهنيين المؤهلين، المعنيين في المقام الأول
بالفن السابع وأبجدياته الراهنة، وآفاق وثباته المنشودة، داخليًّا
وخارجيًّا على السواء.
ومثلما تنعكس على "كراسات سينمائية" تلك الرغبة الجامحة لدى
الفن السينمائي في خلخلة المستقر وتجاوز المألوف وصولًا إلى الاستحداث
النوعي والتمرد الجمالي والتثوير الفني، فإن المجلة على مستوى المفردات
والمكوّنات والتكنيك والفلسفة الحاكمة لها هي مرآة سينمائية أيضًا بامتياز،
حيث تفسح للصور المعبّرة واللقطات المنتقاة بحساسية والكادرات المشهدية
مجالًا كبيرًا، على اعتبار أن الصورة بمقاييسها الاحترافية ومواصفاتها
الرفيعة هي لغة مستقلة، مكتفية بذاتها، متخطّية للتوقعات، خارجة عن
السيطرة، بإمكانها أن تنقل إلى المتلقي (ابن عصر الصور) ما لا تحمله
الكلمات القاموسية في مقال بلاغي مطوّل قائم على الأحرف النمطية وحدها. ولا
يقتصر ذلك الشغف بالصور الحية، التفاعلية، المتحركة، الدالة والموحية، على
معالجات الأفلام السينمائية بالمجلة، وإنما يمتد إلى سائر المواد
والموضوعات المصوّرة، كالمقابلات، والتحقيقات، والتغطيات، وغيرها، إلى جانب
موضوع شيق تفرده المجلة لـ"الأفيش" أو البوستر الإعلاني السينمائي.
قضايا ملحة وإشكالات جدلية
تساعد هذه المنظومة التكاملية المتسقة على بلورة المقالات
والقراءات والموضوعات التي تحفل بها "كراسات سينمائية" على النحو المأمول،
وهي مواد ثرية وجذابة، تطرح قضايا ملحّة وتثير إشكالات جدلية على نحو
تفصيلي ومتعمق، في ما يخص السينما بكافة أنساقها (الأفلام الروائية
الطويلة، والقصيرة، والتسجيلية، والوثائقية، الخ)، وذلك بأقلام نخبة من
أبرز نقاد السينما وكتّابها ومتخصصيها من السعوديين والعرب، ومنهم: إبراهيم
العريس، أمين صالح، طارق الشناوي، ناهد صلاح، علا الشيخ، عرفان رشيد، فجر
يعقوب، عبد الكريم قادري، سليمان الحقيوي، أحمد ثامر جهاد، خالد ربيع، بسام
الرحيلي، وحيد الطويلة، غسان خروب، محمد البشتاوي، وآخرون.
ملف السينما السعودية
في المفتتح السعودي؛ القسم الأول من "كراسات سينمائية"،
تتنوع الموضوعات التي ترسم بها المجلة بانوراما بصرية للمشهد السينمائي في
المملكة. يلقي فريق التحرير الضوء على ملف السينما (العروض المرئية) ضمن
تقرير الحالة الثقافية الصادر عن وزارة الثقافة السعودية، بكل ما فيه من
استفاضة في التطرق إلى تفاصيل صياغة الفيلم السعودي الحالي، والتحديات التي
تواجهه في سياق مساعيه إلى تعزيز التحقق، وتأكيد الاعتراف العالمي.
ويمضي الملف السعودي في استقصاءاته ليشمل وجوهًا متعددة،
منها الحوار مع المنتج والموزع وكاتب السيناريو صالح الفوزان، الذي يؤكد
أنه ليس مجرد "تاجر أفلام"، ويعلن "هوسه" بإنجاز عمل سينمائي عن بلاده.
كذلك، تحاور المجلة النجم السينمائي والتليفزيوني إبراهيم الحساوي، أحد
الفاعلين البارزين في مهرجان أفلام السعودية على مدار دوراته الماضية.
وتحاور أيضًا الكاتبة والمخرجة السعودية هناء العمير حول تجربتها الخاصة
وقضايا السينما السعودية.
ويتناول خالد ربيع في القضية التي يطرحها "حالة اللانقد في
السينما السعودية"، ويكتب عرفان رشيد عن "السينما السعودية في خطها البياني
المتصاعد"، ويثير وحيد الطويلة "الأسئلة الجديدة لكاتب السيناريو السعودي"،
كما تتناول المجلة انعكاسات الواقع واهتمامات المجتمع، خصوصًا قضايا المرأة
في السينما السعودية المعاصرة، وتكتب زينب الشيخ علي عن "اللامرئي في
الصورة.. الشعرية في الأفلام السعودية"، وتستعرض الشاعرة والكاتبة فوزية
أبو خالد تجربتها في خوض العمل السينمائي الوثائقي في فيلم "شمس سلمى". إلى
جانب ما تقدمه المجلة كذلك من المراجعات والتحليلات والمتابعات النقدية
والتقارير الإخبارية حول الأفلام والمهرجانات والنشاطات السينمائية
السعودية في مختلف أنحاء المملكة.
نوافذ عربية وعالمية
وفي النوافذ العربية والعالمية، تتوسع "كراسات سينمائية" في
ملاحقة الجديد في حقول الفن السابع على مختلف الأصعدة الفنية والتقنية
والإنتاجية، كما تستعين بخلاصة تجارب كبار السينمائيين والنقاد والكتّاب
والمترجمين العرب، الذين يشكلون بمقالاتهم وأطروحاتهم وزواياهم روافد
أساسية في نسيج المجلة الراسخ المتين. تكتب ناهد صلاح عن "الكبار عصب
السينما.. من الصفوف الأولى إلى مواقع السّنّيدة"، ويتناول غسان خروب تجارب
السينمائيين الإماراتيين والبحرينيين الذين "يقدمون فرادة الحكاية في
كيفيات سردية مختلفة"، ويطرح إبراهيم العريس وجهة نظر في "السينما
المستقلة"، فيما تتقصى علا الشيخ "صورة المرأة في سينما الرجل"، مبرزة
تحولات الصورة منذ الأبيض والأسود مرورًا بـ"السينما النظيفة"، إلى ما بعد
الثورات. وتنشر المجلة حوارا مع الكاتب والسيناريست المصري تامر حبيب، فيما
يتناول عبد الكريم قادري في تحقيقه "الممثل الجزائري في السينما الفرنسية"
من حيث نمطية الصورة وإعادة التشكيل والبناء.
إطلالات ترصد وتحلل
ويمتد اهتمام "كراسات سينمائية" في شقيها العربي والعالمي
لتشهد المجلة المزيد من الإطلالات الرصدية والتحليلية، والمقالات والترجمات
والإشارات، سعيًا إلى إحاطة المتلقي برؤية موسوعية حول التمظهرات
السينمائية الخارجية، والإلمام بمفردات الصناعة السينمائية. يطرح محمد
البشتاوي تصورات مبتكرة خارج الصندوق، بشأن تطوير الأفلام الوثائقية
العربية، ويتناول فجر يعقوب "المونتاج الشبكي للأزمنة المتعددة" من خلال
نموذجين هما سيرجيو ليوني وإيليا سليمان. وتفرد "كراسات سينمائية" صفحات
لرئيس الرقابة على المصنفات الفنية بمصر خالد عبد الجليل، الذي يؤكد أن
الرقيب "ليس مخبرًا!"، فيما يتناول سليمان الحقيوي نماذج من الأفلام
النسوية في السينما المغربية والتونسية. ويكتب طارق الشناوي عن الراحلين
"الذين لا يعرفون الغياب"، وهم أولئك السينمائيون الذين غادروا دنيانا خلال
العامين الماضيين.
وفي الأفق العالمي، الذي توليه "كراسات سينمائية" عناية
فائقة، يأتي ملف وافٍ من ترجمة علي زين عن صانع الأفلام المخرج والمؤلف
والمنتج الأميركي ستانلي كوبريك، الذي غيّر ولا يزال يغيّر مجرى السينما،
مؤثرًا تأثيرًا هائلًا في الأجيال الحالية. وتتناول المجلة إعادة قراءة
وصفات نهاية العالم، حيث تُنعش جائحة كورونا أفلام الكوارث والأوبئة مرة
أخرى، كما تترصد "سينما أميركا اللاتينية" من قمع الديكتاتوريات إلى التطلع
لصنع موجات جديدة، وتغوص في أعمال المخرج التايواني كاي مينغ ليانغ "الذي
يمتحن صبر جمهوره" بأفلامه المؤثرة.
وهناك كذلك دروس يقدمها المخرج الأميركي، ذو الأصل
الإيطالي، مارتن سكورسيزي للهواة، من حصيلة تجربته الحافلة، وهناك "كلوز
أب" للإمعان عن قرب في البورتريه الفني لأيقونة السينما الفرنسية جولييت
بينوش، وإبحار آخر في أهمّ أعمال المخرج والكاتب والمنتج الأميركي، ذي
الأصل النمساوي، بيلي وايلدر، وقراءات لمجموعة من الأفلام العالمية اللافتة.
كما تقدم "كراسات سينمائية" ملمحًا إبداعيًّا صافيًا، هو
سيناريو فيلم "الختم السابع" للسويدي إنغمار برغمان، من ترجمة نجاح
الجبيلي، الذي تختتم به المجلة موادها القيّمة. وتعد تلك الترجمة لسيناريو
الفيلم، الذي يتناول قضية الوباء، هي الأولى الكاملة إلى اللغة العربية. |