أسباب غياب النجوم والأفلام المصرية عن مهرجان "كان"
يقول نقاد إن الأفلام التجارية لا تصلح للمشاركة أبداً في
المناسبات الدولية الكبيرة
نجلاء أبو النجا صحافية
منذ افتتاح الدورة الأولى للمهرجان الأكثر أهمية في الحياة
السينمائية العالمية "كان" في عام 1946، التفت النجوم المصريون والعرب إلى
أهمية هذا الحدث السينمائي الضخم، ومدى ثراء ما يعرضه وضرورة حضوره لمتابعة
الإنتاجات العالمية ولمقابلة أبرز صناع
السينما في
العالم.
وكان للسينما المصرية مشاركات مهمة منذ دورات المهرجان
الأولى، واستمر الوضع سنوات طويلة، حرصاً من النجوم والصناع على التواصل
العالمي مع صناعة السينما، لكن بمرور الوقت وهنت المشاركة حتى اقتربت من
العدم، خصوصاً بالنسبة إلى مشاركة النجوم من أجيال الشباب المتعاقبة، فبعد
جيل الثمانينيات لم يحرص الفنانون المصريون على الحضور والمتابعة إلا في
حدود بعض ممثلي المهرجانات،
مثل الفنانة بشرى التي كانت تمثل مهرجان الجونة بوصفها من بين مديريه.
أفلام ليست على المستوى
وعن سبب الغياب المصري، نجوماً وأفلاماً، يرى الناقد محمد
عدوي، أن المشاركة المصرية "ضعفت لأن الأفلام ليست على مستوى الحدث، وهناك
محاولات لكنها لا ترقى إلى المشاركة. وفي الدورة الخامسة والسبعين فإن
الحضور المصري يكاد يكون منعدماً، باستثناء المخرج يسري نصر الله والناقد
أحمد شوقي المشاركين في لجان التحكيم بالمهرجان في مسابقتين مختلفتين وهذا
شيء جيد".
وعن المشاركات العربية، قال عدوي، "هناك سينما عربية حظها
أوفر في المشاركة مثل التونسية والمغربية والجزائرية، لأنها ترتبط باللغة
الفرنسية والثفافة الفرانكفونية، ولهم علاقات عالمية قوية مع صناع السينما
الخارجية، وهذا غير متوفر لصناعة السينما المصرية".
أفكار ضعيفة
وحول تغيب النجوم المصريين، بخاصة من الأجيال الحديثة، أوضح
عدوي، "كان النجوم على مدى تاريخ السينما المصرية يدركون أهمية المهرجانات
العالمية والمهمة التي تثري فنهم ومداركهم، لكن حالياً لا يوجد هذا الوعي
على الإطلاق، وكانت أجيال السبعينيات والثمانينيات ربما آخر الحريصين على
ذلك، وأذكر أن الفنانة لبلبة كانت حريصة كل عام على الحضور، لكنها لم تتمكن
من الحضور ذات مرة وبكت لذلك السبب. أما النجوم الأحدث فلهم حساباتهم
الخاصة، ولا يحرصون على حضور أي مهرجان مهم، إلا إذا كان لهم عمل أو
سيلتقطون صوراً تفيدهم في أي مجال، وللأسف فإن الثقافة السينمائية عندهم
متواضعة، وهذا واضح في عدم حضورهم حتى مهرجان القاهرة".
أما الناقدة ماجدة خير الله، فترى أن السينما المصرية
"تعاني أزمة حقيقية، بسبب سوء وضعف الأفكار والموضوعات المقدمة فيها،
والأفلام التجارية لا تصلح للمشاركة أبداً، وهو ما تسبب في إبعادها عن
مستوى المشاركة في مهرجان كان، والأمر يزداد سوءاً باستثناء بعض التجارب
البسيطة التي يدخل فيها إنتاج غربي أو مشترك. أما النجوم فلم يعودوا مهتمين
بتلك الأمور، وربما يحرصون على حضور مناسبات أخرى أكثر أهمية بالنسبة
إليهم" .
مسيرة الأفلام المصرية مع "كان"
وشهدت النسخة الأولى من مهرجان كان عام 1946، عرض فيلم
"دنيا" للمخرج محمد كريم، وبعدها بثلاث سنوات عرض فيلمان مصريان هما "البيت
الكبير" من إخراج أحمد كامل مرسي، و"مغامرات عنتر وعبلة" للمخرج صلاح أبو
سيف.
وفي عام 1952، كانت أول مشاركة للمخرج يوسف
شاهين،
بفيلمه "ابن النيل"، وعرض الفيلم وقتها باسم "نداء النيل"، وكان من إنتاج
ماري كويني التي حضرت العرض. واستقبل الجمهور والحضور الفيلم بحفاوة كبيرة،
ومع ذلك لم يحقق أي جائزة.
واستمرت مشاركات يوسف شاهين بمهرجان "كان"، وشارك في عام
1954 بفيلم "صراع في الوادي" لعمر الشريف وفاتن حمامة، كما شارك المخرج
صلاح أبو سيف بفيلم "الوحش"، وفي العام التالي المخرج كمال الشيخ بفيلم
"حياة أو موت" لعماد حمدي. وعاد مجدداً المخرج صلاح أبو سيف بفيلم "شباب
امرأة" لتحية كاريوكا وشادية وشكري سرحان.
وفي عام 1956، شاركت الفنانة تحية كاريوكا في الفعاليات
وحضرت بملاءة لف وأبهرت الحضور وأحدثت ضجة وقتها. وفي عام 1970 شارك المخرج
يوسف شاهين بفيلم "الأرض"، وحقق نجاحاً نقدياً، وأشاد به الحضور. وتزايدت
مشاركات شاهين ليكون الأكثر بين أقرانه وجوداً في "كان"، وعلى مدى سنوات
كان حاضراً بأعمال متعددة مثل "العصفور" في عام 1973، و"وداعاً بونابرت" في
عام 1985، وحصل على جائزة السعفة الذهبية من المهرجان في عام 1997 تكريماً
عن مجمل مسيرته.
وشهدت الدورة نفسها العرض العالمي لفيلم "المصير" من
إخراجه. وتواصل حضور بعض النجوم للمهرجان مثل ليلى علوي ولبلبة وإلهام
شاهين على مدى سنوات. لكن بعد رحيل يوسف شاهين غابت المشاركات المصرية حتى
عام 2012، عندما شارك المخرج يسري نصر الله بفيلم "بعد الموقعة". وحضر نصر
الله وأبطال الفيلم منة شلبي وباسم سمرة وناهد السباعي تلك الدورة. وفي عام
2018 شارك الفيلم المصري "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي في تلك الدورة،
وحقق نجاحاً نقدياً أعاد فكرة الوجود المصري بقوة. وكان العامان 2020 و2021
الأكثر أهمية في الوقت الحديث للمشاركة المصرية، حيث شاركت مصر بالفيلم
المصري القصير "ستاشر" للمخرج سامح علاء، وفاز في 2020 بالسعفة الذهبية
لأفضل فيلم قصير، ليصبح أول فيلم مصري يحقق هذا الإنجاز. وفي العام الذي
تلاه 2021 فاز فيلم "ريش" للمخرج عمر زهيري بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد،
وهي أول جائزة يحصل عليها فيلم مصري طويل في تاريخ المهرجان.
غياب قهري
ويلفت العدوي إلى أن هناك أسباباً سياسية أجبرت السينما
المصرية على الغياب، موضحاً أنه "عقب العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956،
تم قطع العلاقات، مما أدى إلى عدم عرض الأفلام المصرية في المهرجان من عام
1957 وحتى عام 1963. وبعد عام 1963، وتأميم السينما المصرية انقطعت
المشاركات أيضاً حتى عام 1984، وخلال تلك الفترة لم ينجح في عرض أي فيلم
سوى يوسف شاهين بفيلم العصفور في 1973". |