(حب وحرب) في افتتاح «نصف شهر المخرجين» و«نظرة ما» بـ
«كانّ السينمائي»
كان ـ «سينماتوغراف»: منى حسين
افتُتحت الأربعاء الماضي الدورة الـ54 لتظاهرة “نصف شهر
المخرجين” التي تنتهي في 27 مايو الحالي، والمقامة في الدورة الـ75 (17 ـ
28 مايو) لمهرجان كانّ السينمائي الدولي، والمُنظَّمة من نقابة المخرجين
الفرنسيين.
تضمّ التظاهرة التي يُشرف عليها هذا العام الناقد السينمائي
باولو موريتي 23 فيلماً طويلاً، علماً أنّها تُركِّز على الأفلام الأولى
للمُخرجين، وتهتمّ أساساً باكتشاف الوجوه الجديدة لتقديمها وإطلاقها. في
برنامج هذا العام، هناك 11 فيلماً لمخرجات، وثلاثة أفلام عربية: “السدّ”
للّبناني علي شري، و”أشكال” للتونسي يوسف شبي، و”تحت شجرة التين” للتونسية
أريج السحيري.
وفي حفلة الافتتاح، قُدِّم الفيلم الفرنسي الإيطالي “اللون
القُرمزي”، أو “التحليق” وفقاً للعنوان الفرنسي، للإيطالي بياترو مارتشيلو،
في عرضه العالميّ الأول. إنّه ثالث فيلمٍ طويل له، بعد أفلامٍ وثائقية
وقصيرة مهمّة، وروائي طويل أبرز موهبته، “مارتن إيدن”، عن رواية بالعنوان
نفسه، للأديب الأميركي جاك لندن.
“اللون
القُرمزي” مُستوحى من رواية “الأشرطة القرمزية”، للأديب والكاتب الروسي
ألكسندر غرين (1880 ـ 1932)، المشهور برواياته وقصصه الرومانسية التي تجاوز
عددها 400، أحداث معظمها دارت في أجواء السحر والخيال. تُعتَبر الرواية،
ذات الأجواء السحرية، أحد أشهر مؤلّفاته. نُشرت عام 1923، وتُرجمت إلى
لغاتٍ عدّة، كما صدرت ترجمتها العربية، تحت عنوان “الأشرعة القرمزية”، عام
2020 (الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت). يُذكر أنّ السوفييتي ألكسندر
بْتوشكو (1900 ـ 1973) اقتبسها في فيلمٍ بالعنوان نفسه.
يسرد فيلم مارتشيلو، الناطق باللغة الفرنسية، قصّة حبّ
رومانسية بسيطة، شبه موسيقية وتاريخية وسحرية، ترصد رحلة نضوج فتاة في 20
عاماً (1919 ـ 1939). في قرية ريفية صغيرة، شمال فرنسا، تنشأ الطفلة
اليتيمة جولييت (جولييت جوان) برعاية الجارة المخلصة أدُلين (نُوِمِي
لفوفسكي)، بعد الوفاة المفاجئة لوالدتها، التي تتكشّف تفاصيلها البشعة
والمأساوية لاحقاً. يعود والد جولييت، النجّار الماهر رافاييل (رافاييل
تييري)، بعد نجاته من جحيم الحرب العالمية الأولى، ويُفاجأ بولادتها،
وبوفاة زوجته، فتُعينه أدُلين على تربية جولييت، إلى أنْ تنضج. تدريجياً،
يزداد شغف جولييت بالغناء والموسيقى، وبالعزف على البيانو.
بعد تحرّشات شباب القرية بها، ما يُخضعها لعذاباتٍ مختلفة،
تلتقي جولييت، الخجولة والمنعزلة، ذات نهار صيفي، بطيار ساحر الجمال يُدعى
جان (لوي غاريل) الذي تتعطّل طائرته الشراعية في جوار القرية، فتُغرم به،
ويبادلها الحبّ. هذا يجعل كلام العرّافة، التي أخبرت جولييت عن مصيرها،
أقرب إلى التحقّق. لكنّ جان يغادر القرية، بعد وعدٍ لها بعودة قريبة، على
متن طائرة شراعية، ذات أشرطة قرمزية اللون، ليأخذها بعيداً عن قريتها. أمرٌ
يُكذِّبه الأقرباء والأصدقاء الذين يُحذّرونها من خطورة التعلّق بالأحلام
الوردية.
إخراج “اللون القرمزيّ” بسيطٌ للغاية. الجهد الأكبر كامن في
اختيار مكان التصوير، والأزياء التاريخية، إضافة إلى قليل من مواد وثائقية
ملوّنة للريف الفرنسي، ولبعض المدن، في فترة الحرب. هذه تقنيات معهودة،
“يُغرم” بياترو مارتشيلو بتضمينها، ببراعة وحِرفية، في أفلامه الروائية
الطويلة.
في اليوم نفسه، افتُتحت تظاهرة “نظرة ما” أيضاً، التالية
بأهميتها للمسابقة الرسمية. أسّسها الرئيس السابق لمهرجان كانّ السينمائي
الدولي جيل جاكوب، عام 1978، لعرض الأفلام الأولى أو الثانية للمخرجين. في
دورة عام 2022، تضمّ التظاهرة 20 فيلماً، بينها فيلمٌ من باكستان، “أرض
المرح” لصايم صادق، للمرّة الأولى في تاريخها.
أمّا الافتتاح، فمعقودٌ على فيلمٍ من السنغال، “أب وجندي”،
للفرنسي ماتيو فادوبييه، وهذه المرّة الأولى أيضاً التي تُفتتح التظاهرة
فيها بفيلمٍ من هذا البلد الأفريقي. يتناول “أب وجندي”، أو “مناوشات” بحسب
العنوان الفرنسي، المُشارك في مسابقة التظاهرة، فترة الحرب العالمية
الأولى، عندما كانت السنغال مُستعمرة فرنسية. مع احتدام الحرب، والمصاعب
التي يواجهها الجيش الفرنسي في معاركه ضد الجيش الألماني، تحشد فرنسا
الشباب من كلّ مستعمراتها، وتدفعهم إلى المعارك الطاحنة، بعد تدريبات بسيطة
وسريعة.
في قرية فقيرة، يعيش المزارع وراعي الأبقار بكاري ديالو
(عُمر سي) مع أسرته، بهدوء وسلام. تيَرنو (الحسن ديونغ)، ابنه البكر، يبلغ
17 عاماً، وهذا يعني استدعاءه إلى التجنيد الإجباري، خاصة أنّه يُتقن
الفرنسية، لتعلّمه إياها في المدرسة الفرنسية في القرية. يحاول والده
مراراً تجنيبه التجنيد، والرحيل من البلد، لكنّه يفشل، فيذهب معه إلى
الحرب، ليكون برفقته، ويحافظ على حياتهما، إلى أنْ يعودا معاً إلى الديار.
تنتقل بقية الأحداث إلى الجبهة: أجواء الحرب، وقسوة الحياة،
وشدّة المعارك. في الجبهة أيضاً، كمّ هائل من الأفارقة الذين جُلبوا إليها
من المستعمرات الفرنسية، وجميعهم في سنّ المراهقة. مرة أخرى، يحاول بكاري
إيجاد وسيلة للهروب عبر ميناء “لوهافر”، على متن سفينة، لكنّ جهده هذا يفشل
بدوره، فيُكرِّس كلّ طاقته لحماية ابنه من رعونة الملازم الفرنسي المراهق
شامبرو (يوناس بلوكي) الذي يدفع الجنود إلى الخطوط الأمامية، في مغامرة
هوجاء، من دون تخطيطٍ أو تدريب.
مُقارنةً بأفلام الحروب عامة، يُعتبر “أب وجندي” على قدر
كبير من الجودة، وسخاء التمويل، وحِرفية التنفيذ. هذا ينسحب أيضاً على
التصوير، والأداء التمثيلي، إلى حدّ كبير. إجمالاً، الحبكة جيدة وغير
مُستهلكة، نجحت في تصوير أجواء الحرب وبشاعتها، ونقلت جانباً من الأهوال
المنسية، التي تعرّض لها شبابٌ أفارقة مُستعبدين، دفاعاً عن “الوطن الأم”،
فرنسا، كما كان يطلق عليها آنذاك. |