كانّ السينمائي: 75 عاماً من النظر إلى العالم
محمد هاشم عبد السلام
حتّى اللحظة، لم يُعلِن مهرجان
كانّ السينمائي الدولي،
عن احتفال خاص أو استثنائي بدورته الـ 75. الاحتفال، الذي أُعلن عن
الاستعداد له قبل ثلاثة أعوام، تحدّث عنه تييري فريمو، المندوب العام
للمهرجان، باقتضابٍ، في المؤتمر الصحافي (14إبريل/نيسان 2022)، قائلاً إنّه
سيُحتفى بحاضر المهرجان ومستقبله، ليس بماضيه؛ وإنّه سيُنظِّم نشاطات
وندوات عدّة، تتأمّل في مستقبل الفن السابع، في ظلّ المُتغيرات الجارية. لم
يُضف فريمو شيئاً على هذا، ولم يصدر عن المهرجان أي بيانٍ يتعلّق بهذا
الشأن. ربما، تتكشف الأمور تدريجياً في الدورة الجديدة (17 ـ 28 مايو/أيار
2022).
مسؤولو المهرجان، الذي تنعقد دورته الـ 75 بعد 10 أشهر فقط
على انتهاء الدورة السابقة (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021)، يأملون في أنْ تُدشّن
الدورة الجديدة، فعلاً، عودة الحياة السينمائية إلى طبيعتها، خاصّة أنّه لا
يوجد، إلى الآن، ما يُشير إلى فرض أيّ إجراءات احترازية مرتبطة بفيروس
كورونا،
رغم قول فريمو إنّ العالم يحتاج إلى سنتين ليتعافى بشكل كامل من آثار
الوباء. أيضاً، هناك تطلّع إلى أنْ تمتلئ السجادة الحمراء، مُجدّداً،
بالنجوم والمشاهير، مع أنّ الشركات الأميركية الكبرى تتردّد كثيراً في
الحضور، لأسبابٍ تتعلّق بتبعات الجائحة، وبالأزمة الاقتصادية الحالية،
وبالاضطراب الحاصل في أسواق التوزيع السينمائي.
في المسابقة الرسمية للدورة الـ75، هناك 21 فيلماً، تتنوّع
بشكل كبير. هناك أفلام من رومانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا
والسويد وإيطاليا وبلجيكا وإيران وروسيا وبولندا وإسبانيا، منها أربعة
أفلام لمخرجين فائزين، سابقاً، بالسعفة الذهبية، وبجوائز مختلفة. خمسة من
هذه الأفلام لمخرجات. مخرجون ومخرجات عديدون اختيرت أفلام سابقة لهم ولهنّ
في تظاهرة "نظرة ما".
فائزون
هناك الأخوان البلجيكيان لوك وجان ـ بيار داردن، الفائزان
بأغلب جوائز المهرجان: لجنة التحكيم الكبرى، وأفضل سيناريو وإخراج،
بالإضافة إلى سعفتين ذهبيتين. أحداث جديدهما، "توري ولوكيتا"، تدور في
بلجيكا، مع وصول فتى وفتاة مُراهِقَين، بعد سفرٍ لهما بمفردهما إلى
أفريقيا. يُبرز الفيلم كيف توطّدت صداقتهما، في مواجهة ظروفٍ قاسية في
منفاهما الأوروبي.
أيضاً، من الفائزين سابقاً بجوائز السعفة الذهبية، وأفضل
سيناريو وإخراج، الروماني كريستيان مونجيو، المُشارك بجديده "آر. إم. إن".
كالعادة، يحضر تاريخ رومانيا المعاصر، من خلال التأمّل في كيفية الارتباط
بآخرين قبل معرفتهم، وردود الأفعال إزاء المجهول، والمخاوف والغرائز
البدائية، ومدى الإحساس النادر بأنّ التعبير عمَّا يؤمن به المرء حقاً أمرٌ
آمنٌ.
من الأعمال المنتظرة: "وسيط"، للياباني هيروكازو كوري إيدا،
الفائز بسعفة عام 2018 عن "سارقو المتاجر". ترتكز أحداث جديده على شخصياتٍ
تضع رُضَّعاً في صناديق مُخصصة لذلك، خارج المستشفيات، من دون الكشف عن
هويتهم، ليتمّ تبنّيهم من آخرين، أو رعايتهم من مُؤسّسات مُتخصّصة.
يُنافس السويدي روبن أوستلوند، الفائز بسعفة عام 2017 عن "المربع"، بفيلم
"مُثلث الحُزن"، الذي توقّف تصويره أكثر من مرة في العامين الماضيين، بسبب
كورونا. الفيلم كوميديا سوداء، تدور أحداثه في عالم المال والأثرياء،
ويتمحور حول زوجين مشهورين في عالم الأزياء وعروضها، يُدعوان إلى رحلة
بحرية فاخرة للأثرياء، فيرصد الفيلم ما يحدث لهما من ملابسات.
هناك تطلّع إلى أنْ تمتلئ السجادة الحمراء، مُجدّداً،
بالنجوم والمشاهير.
مخضرمون
يِغِي سكوليموفسكي (وفقاً للنطق البولندي) نال جائزتي لجنة
التحكيم الكبرى عن "الصيحة" (1978) و"ضوء القمر" (1982). مع جديده "إيو"،
الذي يجمع بين الدراما والكوميديا السوداء، يطمح المخرج (84 عاماً) إلى
تتويج مسيرته بالسعفة الذهبية. يرصد الفيلم الأحوال الأوروبية المُعاصرة
بعينيّ حمار، يُصادف في رحلاته أناساً طيّبين وأشراراً، ومواقف وخبرات
مُؤلمة ومُضحكة.
الكندي ديفيد كروننبرغ من الكبار المُنتظرين. جديده "جرائم
المستقبل" عودة إلى أعماله التي تمزج الخيال العلمي بالرعب والدراما
العميقة. موضوعه الانطلاق صوب مستقبلٍ، تتعلّم فيه البشرية التكيّف مع
محيطها الاصطناعي والتكنولوجي المتطوّر للغاية، ما ينقل البشر إلى ما وراء
حالتهم الطبيعية، ويتحوّلون إلى مسوخ، ويتغيّر تكوينهم البيولوجي. فيلم
يسعى كروننبرغ به إلى الحصول على السعفة الذهبية، بعد فوز سابق بجائزة لجنة
التحكيم الخاصة عام 1996، عن
Crash.
بعد نحو 10 أعوام، يُشارك الأميركي جيمس غراي في المسابقة
الرسمية، للمرّة الخامسة في تاريخه المهنيّ، بفيلمه الدراميّ "زمن القيامة"
(تمثيل أنتوني هوبكنز). غراي، الذي لم يفز بأيّ جائزة من المهرجان، يتناول
في جديده مُلابسات نشأة صبي في حيّ في نيويورك، في ثمانينيات القرن الـ20،
مستلهماً أحداثه من مُراهَقته، بعيداً عن الخيال الخالص والفانتازيا
والفضاء، كما في آخر أفلامه "أد أستر"
(2019).
أحد أهم المخرجين الإيطاليين المُعاصرين، ماريو مارتوني، الضيف الدائم في
"مهرجان فينيسيا السينمائي"، يعود إلى مسابقة "كانّ" بعد 24 عاماً، بجديده
"حنين". كغالبية أفلامه، تدور أحداث جديده في نابولي، مسقط رأسه: يعود
البطل إلى منطقته القديمة، بعد 45 عاماً أمضاها في الشرق الأوسط وأفريقيا،
لرعاية والدته المريضة، التي تحتضر. يلتقي صديق الماضي، الذي أصبح مجرماً.
هناك فيلمٌ منتظر، بعنوان "قرار المُغادرة"، للكوري الجنوبي
البارز بارك تشان ووك، الذي حقّقه بعد 5 أعوام على آخر فيلمٍ له، "الخادمة"
(2016). في "قرار المُغادرة"، يسقط رجلٌ من قمّة جبل، ويموت. يلتقي
المُحقّق المسؤول زوجة الرجل الميت. بينما تدور الشبهات حولها، يجد
المُحقّق نفسه مهتّماً بها.
للعام الثاني على التوالي، وفي ثالث مُشاركة له في المسابقة
الرسمية، ينافس الروسي كيريل سيريبرينيكوف بـ"زوجة تشايكوفسكي"، الذي يعود
إلى القرن الـ19، ليروي فصولاً من سيرة الموسيقيّ المشهور بيوتر تشايكوفسكي.
سيريبرينيكوف مُنِعَ من السفر في الأعوام الثلاثة الماضية،
وعُرض فيلماه الأخيران، المميّزان جداً فنياً، "صيف" (2018) و"حمى بيتروف"
(2021)، في المسابقة نفسها، لكنّ من دون حضوره. هذا العام، يُرجّح تواجده
في الدورة الجديدة، بعد انتقاله مُؤخّراً إلى برلين، حيث يعيش.
بعد فيلمه التاريخي الجريء "حرية" (2019)، في قسم "نظرة
ما"، يُشارك الإسباني ألبرت سيرا في المسابقة للمرّة الأولى، بأطول فيلمٍ
فيها، إذْ تبلغ مدّته 163 دقيقة، بعنوان "صُلح". يتناول الفيلم، الناطق
بالفرنسية، علاقة حبّ غريبة ومليئة بالتناقضات، تجمع بين أديبة، باتت
مشهورة، وسفير في وزارة الخارجية، في ظلّ تهديدٍ بتجارب نووية تُجريها
الحكومة الفرنسية.
مُشاركة فرنسية
تُشارك أربعة أفلامٍ من إنتاج فرنسيّ بالكامل، في مسابقة
هذا العام، من أصل 66 فيلماً فرنسياً في البرنامج الرسمي، وهذا يُعتَبر
أكبر حضور لبلدٍ في "كانّ الـ75".
"أخ
وأخت"، لآرنو دِبْلُشان، المُشارك مراراً في هذه المسابقة، في ثلاثة عقود،
من دون الحصول على أي جائزة. دراما تناقش كيف تجمع المأساة مُدَرِّساً
وشاعراً بشقيقته المُمثّلة، بعد قطيعة بينهما لأكثر من 20 عاماً. فهل يفلح
موت والدهما في ردم الهوّة السحيقة بينهما، أم لا؟
تدور أحداث "شجرة اللوز"، للفرنسية الإيطالية فاليريا بروني
تِديشي، في فرنسا، نهاية ثمانينيات القرن الماضي. 4 أصدقاء في عشرينياتهم،
يؤدّون امتحان القبول في مدرسة تمثيل معروفة. في إطار درامي كوميدي، تتناول
المخرجة الحياة والعاطفة والحبّ والنضج، وكيف يختبرون معاً نقاط التحوّل في
حياتهم، ومأساتهم الأولى أيضاً.
أما حبكة الدراما الرومانسية "نجوم الظهر"، لكلير دوني،
فتتناول وقوع رجل أعمال إنكليزي غامض وصحفية أميركية عنيدة في قصّة حبّ
مُلتهبة، أثناء ثورة 1984 في نيكاراغوا، وكيف تورّطا في متاهةٍ خطرة من
الأكاذيب والمؤامرات، ما يدفعهما إلى مُحاولة الهروب من البلد. الفيلم،
كغالبية أفلام دوني المأخوذة من نصوص أدبية، مقتبس من رواية بالعنوان نفسه
للأديب الأميركي الألماني دنيس
جونسون، صدرت
عام 1986.
"الأخ
الصغير"، أو "أم وابن" وفقاً للعنوان الإنكليزي، لليونور سِرَاي، يستعرض
قصة حياة أمّ أفريقية، منذ ثمانينيات القرن الـ20 إلى الآن، تنتقل مع
طفليها إلى إحدى ضواحي باريس. يُذكر أنّ هذا الفيلم ثاني روائيّ طويل
للمخرجة، بعد "امرأة شابة"، أو "أهلا بكم في مونبرناس" (2017)، الفائز
بجائزة "الكاميرا الذهبية"، في مسابقة "نظرة ما".
الفيلم العربي الوحيد
بعد تألّقهما اللافت للانتباه، عام 2018، في "نظرة ما"،
يعود الإيراني علي عباسي والبلجيكي لوكاس دونت إلى المسابقة الرسمية، الأول
بروائيّه الثالث "عنكبوت مُقدّس"، بعد فوزه بجائزة "نظرة ما" عن فيلمه
المتميّز "حدود" (2018)؛ والثاني بروائيّه الثاني "قريب". في "عنكبوت
مُقدّس"، متطرّفٌ ديني يسعى إلى تطهير مدينة "مشهد" المقدّسة من المومسات،
فيقتل عدداً منهنّ، قبل أنْ يشعر باليأس وانعدام التقدير لما يقوم به من
"مهام إلهية". أما دونت ـ الفائز سابقاً بجائزتيّ النقّاد والكاميرا
الذهبية (أسبوع النقاد) عن "فتاة" (2018) ـ فيطمح مع "قريب" إلى الفوز
بـ"السعفة الذهبية": مفهوم الصداقة الوثيقة بين مُراهقين بلجيكيين،
وتبعاتها عليهما وعلى أسرتيهما.
"صبيّ
من الجنّة"، للمصري السويدي طارق صالح، الفيلم العربي الوحيد في المسابقة،
الذي يُرجّح أنْ يثير جدلاً دينياً وسياسياً كثيراً، لتناوله قضية دينية،
ومنصباً دينياً ـ سياسياً، أي شيخ الأزهر. فيلمه السابق،
"حادثة
النيل هيلتون"،
مُنع عرضه في مصر، كما مُنع تصوير "صبيّ من الجنّة".
"استعراضٌ
للتباهي"، للأميركية كيلي رايكارد، دراما كوميدية مُعاصرة، في عالم الفنّ
والإبداع: نحّاتةٌ تحاول المُوازنة بين حياتها الإبداعية والمهنية، ومتاعب
الحياة اليومية للعائلة والأصدقاء، في غمرة استعدادها لافتتاح معرضها
الجديد.
"الجبال
الثمانية"، للبلجيكيّين فيليكس فان غروننغن وشارلوت فيندرميرس، أوّل تعاون
بينهما، مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للأديب الإيطالي باولو كونيتي، صادرة
عام 2016. يتناول الفيلم عمق الصداقة الحقّة ومفهومها، ويتأمّل في أبدية
الصداقة، من خلال علاقة مُمتدّة من مرحلة الطفولة إلى فترة النضج، بين
اثنين من أبناء قرية جبلية صغيرة في إيطاليا.
أخيراً، لا تتوفّر معلومات عن قصّة "أشقاء ليلى"، للإيراني
الشاب علي روستائي. لكنّ أفلامه الروائية السابقة تعاين، غالباً، أحوال
المرأة في المجتمع الإيراني، وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما في "6،5 فقط
(2019)، المعروض في تظاهرة "آفاق" في مهرجان
فينيسيا السينمائي،
الذي لفت الأنظار إلى موهبة صانعه. |