يواصل الركض ولا يلتفت ويحمل رفاقه في النوم
سينما أحمد الملا من غرفة في بيته إلى مركز عالمي
سينما - جعفر عمران
يودّ أحمد الملا أن يجمع أصدقاءه حوله. يسهرون الليل كله
ولا يمضون.
يا ترى من يحقق هذه الأمنية لأحمد. أن يبقي رفاقه إلى
جانبه، لا يفارقونه.
ربما زوجته ريم البيات تعرف ما يريد، التي قال عنها في نص
«ريم» في مجموعة «إياك أن يموت قبلك» حيث يعدد ما تعطيه «تلك الفتاة» من
شوكولاته الحياة:
(تلك
التي أطْلَع لأول مرة في صورها واضحاً،
تلك التي جمعتْ أصدقائي حولي
تلك التي تضع الليلَ على طاولتي).
هل تعرف أحداً مثل أحمد الملا يحمل رفاقه حين يساورهم
النوم. يفزع لرحيلهم، ينشغل لذهابهم، يحسب وقت وصولهم إلى منازلهم. يشعر
بفراغ أماكنهم شاسعة وموحشة.
بعد سهرة رفيقة بالقلب يخاطب الفجر في المجموعة نفسها:
(ليتني
أحببتُهم أقلّ،
لربما تخلّى البابُ عنهم،
لربما ما طلع الصباحُ...
ليتني أبطأتُ في الكلام،
ومددتُ تلك الحكاية...
لربما ظلّوا...)
تلك الرفقة التي يتمناها وينتظرها،
في نص «رسائل سرية»:
(أرغب
أن آخذ يدَ جلال الأحمدي وأحبسها في جيبي
أن أشغلَ إبراهيم الحسين بروابط طويلة لعازفي بيانو وكمنجات
أن أعصر العنبَ لعاشور الطويبي ليلة في الأسبوع
أورّط عبدالله السفر بزائر ثرثار
ومحمد الحرز بعمل إضافي
أدعو حمد الفقيه لمغارة في الهدا، وأدعُهُ مع لوركا
أوصي أحمد العلي بمزيد من المودوفار وأمير كوستاريكا
أمسك حيواناتِ الكون عن شرفة
صلاح فائق
أحبس المياهَ عن حديقة
وديع سعادة
أدعّي المرض، لأكسرَ خاطرَ عبود الجابري
وأضيّع رسومات ميثم راضي.
..................
وكل ما أخشاه أن أغفو
ويفوتني هديلُكم
الرأفة!
اهدؤوا قليلاً).
ولكن أحمد لا ينتظر مناسبة ليجتمع أصدقاؤه بل كان يصنعها
ويسعى إليها.
الرفقة تتكرر في نصوصه الشعرية.
في نص «أرق»
(تعِبَ
الليلُ من رفقة الشمع)
تلك الرفقة التي لفتت انتباهة أحمد واستفزته حين التفّ
لاعبو المنتخب الدانماركي على سقط رفيقهم كريستيان إريكسين في أرضية الملعب
خلال مباراته مع فريق فلندا ضمن بطولة أمم أوروبا في 11 يونيو 2021
ومنعوا عيون الكاميرا أن تصل إليه
كتب أحمد متفاعلاً في نص نشره في صفحته على الفيسبوك:
لم تعد لعبة
إلى: كريستيان إريكسين
(وإذا
سقطتُ
انتصبوا أمامي
واستعيدوني من فمِ الكاميرا،
أنقذوني من صورةٍ ساكنة بلا روح،
لا تتركوني نهباً لأعينِ اللاعبين وخيبةِ الجمهور.
قفوا مثلَ رفاقٍ دنماركيين
يركلونَ الموتَ بصرخاتِهم الواثقة،
يراوغونه ولا يستسلمون.
قفوا واثقينَ من أكتافِكم المسنودة، وأيديِكم المتشابكة،
بوجوهٍ تدورُ إلى الحياة مثلَ عبّاد الشمس.
لم تعُدْ لعبةً بعد اليوم،
لم تعد شجاعةً وفنّاً،
تخطّينا حدودَ الملعب،
منذ أمس،
قفوا درعاً يتصدّى للخسارة، واهجموا
لتنقلبَ النتيجة، قبلَ صافرةِ النهاية.
هدفُ الفوز،
أحرزتْهُ الصداقة.)
أحمد الملا «يفتح النافذة ويرحل» ويعشق السفر، يحدّثك عن
الشعر والموسيقى واللوحات الفنية والمسرح والسينما والسخرية من الحياة.
في العام 1995م في غرفة في بيته، خاصة لمشاهدة الأفلام أطلق
عليها «الصالون الأزرق» ـ الجدران مطلية بالأزرق والكنب لونه أزرق ـ كنّا
نشاهد أفلام المخرج الياباني أكيرا كوروساوا. فيلم «أحلام» عبارة عن
رسوماته عن فان غوغ التي حولها إلى مشاهد سينمائية. وفيما بعد فيلم «بركة».
كنّا عبدالله السفر وإبراهيم الحسين وأنا نجلس متهيئين
لمشاهدة الفيلم في الصالون الأزرق كان يتسع لستة أشخاص. وينضم إلينا فيما
بعد غسان الخنيزي وعاشق السينما ياسر الكاظم.
نجلس أمام الشاشة مرتاحين بينما يقف أحمد الملا ليتأكد أن
كل منا مهيئاً لمشاهدة الفيلم، كان يقف أمامنا قبل أن يبدأ الفيلم كنّا
ثلاثة. اليوم يقف في قاعة «إثراء» أمام مئات من مشاهدي أفلام مهرجان أفلام
السعودية؛ ليتأكد أن كلّ واحد يجلس في مكانه مرتاحاً ومهيئاً لمشاهدة
الأفلام. قبل أن يصل الأمر إلى عرض الأفلام في مركز الملك عبدالعزيز
الثقافي العالمي «إثراء» وقبل مهرجان أفلام السعودية كان أيضاً يقف في
الأعوام 2006 - 2008 أمام شاشة صغيرة في جمعية الثقافة والفنون بالدمام حين
كانت جماعة «فلم» تعرض فيلماً مساء كل يوم أحد. كنا أنا وصديقي إبراهيم
الحساوي نحرص على الحضور أسبوعياً - نقطع مسافة 180 كيلو لمشاهدة فيلم -
كان أحمد يقف ويتأكد أن الجميع سيشاهد الفيلم بهدوء بعد أن تغادر هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تأتي قبل بداية العرض كي تجيز
الفيلم ـ في إحدى المرات تم منع عرض فيلم قبل موعد العرض بربع ساعةـ
كان يقف لم يكن دائماً راضياً عما يعرض من أفلام، كانت لديه
ملاحظات أو استياء وعدم رضا عن المستوى الفني للفيلم. يقف في آخر الصالة كي
لا يرى أحداً منّا تبرّمه واستياءه خاصة أصحاب الفيلم. يقف صابراً على شباب
يخطو خطواته نحو السينما، مثل أبٍ يراقب طفله كيف يتعلم المشي، يخطو ويتعثر
ثم يخطو ويمشي منتظرًا بصبر ودون توقف أن يرى طفله يكبر ويقفز ويزفه
عريساً. هكذا مضت ثلاث سنوات في جماعة «فلم». ومن جماعة «فلم» إلى المغامرة
الأولى وهي «مسابقة أفلام السعودية. الدورة الأولى 2008» وكلمة الأولى تدل
على الثقة أن الأمر سيمضي إلى الأمام، في وقت كانت صناعة الأفلام ومشاهدتها
وحاملها والتحدث بها مفسدة للشباب وضارة بالمجتمع. توقفت المسابقة خمس
سنوات ثم انطلق حباً في تأكيد المغامرة، ولكن هذه المرة اسمها « مهرجان»
نجح المهرجان الثاني وتبعه الثالث. لم يكن راضيًا عن المستوى الفني لكنه
كان يأمل أن يشارك الجميع كان يرغب في اكتشاف طاقات ومواهب شبابية متناثرة
في مدن السعودية كان يود أن يجمعهم ويكونوا رفاقه.
يقول أحمد الملا
(لا
أتمهّل عادة
ولا ألتفت
أواصل الركض، وأحمل رفاقي حين يساورهم النوم)
بهذا العناد في شخصيته، بهذه القناعة بأهمية السينما، مضى
في طريقه بصبرٍ دون أن يتوقف
ونحن في العام 2021 في مهرجان أفلام السعودية - أفلام
الصحراء الدورة السابعة- يزف الشباب عرسانأً يكتبون أسماءهم في نهاية
الفيلم بفخر واعتزاز وفرح مثل عريس يقرأ اسمه في بطاقة العرس يقرأ ويعيد
النظر إلى تقاسيم وملامحه ليتأكد أنه هو العريس، أن هذا هو وجهه رغم
الفلاتر وتصحيح الألوان. أحمد الملا فرش الدرب بالورود لصنّاع الأفلام في
السعودية، فرش لهم السجادة الحمراء ليمشوا عليها مثل نجوم عالميين، هيّأ
لهم قاعة عرض مجهزة لمشاهدة الأفلام وأعدّ لهم أيضاً الفشار...
عمل أحمد الملا ليصل الشباب السعودي إلى المستوى الدولي
راغباً بمزيد من الثقة أن يمحوا صنّاع الأفلام كلمة «فيلم سعودي» التي
يتهامس بها أعضاء لجان التحكيم في المهرجانات العربية والعالمية حين يرون
ضرورة دعم الفيلم السعودي، تهامسٌ يحمل الكثير من التعاطف والتنازل من لجنة
التحكيم كي يبرروا لأنفسهم بإعطاء جائزة تشجيعية لا تخلو من شفقة، على
الأقل «جائزة لجنة التحكيم».
ها تهيأت لهم كل الظروف لصناعة فيلم منافس. يريد أن يقفَ
صانعو الفيلم السعودي بكل ثقة وجرأة والتنافس في حلبة السباق. صناعة الفيلم
لم تعد لعبة. عليهم أن ينتصبوا أمامَهُ، أن يقفوا معه مثل رفاق دنماركيين. |