مهرجان مالمو للسينما العربية ينفتح على قضايا المهمشين
لمى طيارة
منذ اليوم الأول استطاع مهرجان مالمو أن يتقن تنظيم عروضه
بشكل يسمح بإتاحة المشاهدة الرقمية لبعض الأفلام بشكل مجاني أو شبه رمزي.
لا تزال جائحة كورونا تفرض هيمنتها على جل التظاهرات
الثقافية في العالم وباتت تشمل بلدانا لم يكن في حسبانها ذلك الحظر أو تلك
الإجراءات حتى حلول العام 2021. وتأتي دورة مهرجان مالمو السويدي للفيلم
العربي هذا العام، والتي اختارت موعدا جديدا لها من الـ6 إلى الـ11 من
أبريل الجاري، لتكون دورة استثنائية من حيث التنظيم وطريقة العرض التي شملت
حضورا رقميا إلى جانب العروض الحية.
مالمو (السويد)- استطاع
منظمو مهرجان مالمو للفيلم العربي في دورته الحادية عشرة تجاوز العقبة التي
فرضتها ظروف كورونا على السويد للمرة الأولى منذ انتشار الجائحة، فتم تحويل
الجزء الأكبر من المهرجان ليكون رقميا سواء من حيث العروض أو من حيث ورشات
العمل والمناقشات اللاحقة للأفلام، بينما أبقى على الجزء الآخر منه ضمن
قاعات السينما مع تطبيق للإجراءات الاحترازية اللازمة لضمان صحة مرتادي
وزوار المهرجان.
وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم فعالية بشكل
رقمي منذ بداية الجائحة، فلقد سبق لمنصة الشارقة للأفلام أن بدأت تلك
الظاهرة ولحقتها العديد من المنصات الأخرى.
واستطاع المهرجان أن يتقن تنظيم تلك العروض منذ اليوم الأول
بشكل يسمح بإتاحة المشاهدة الرقمية لبعض الأفلام بشكل مجاني، وذلك لضيوف
المهرجان سواء داخل أو خارج السويد من فنانين وإعلاميين ونقاد وغيرهم،
وبشكل شبه رمزي لباقي الفئات من الجماهير الراغبة بحضور أفلام المسابقة
الرسمية وغيرها من العروض، والبالغ عددها 40 فيلما ما بين روائي طويل
وقصير، من 11 دولة عربية والمنتجة في معظمها ما بين العام الحالي 2021
والعام الماضي 2020 على أقصى تقدير.
وكان المهرجان قد أتاح رقميا مشاهدة أربعة أفلام روائية
قصيرة في يومه الأول، وهي من الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية
للمهرجان.
مخاوف مشتركة
"الهدية"
يركز على المعاناة التي يقضيها الفلسطينيون على حواجز الاحتلال التي تخضع
لمزاجية الموظف
يأتي الفيلم المصري “توك توك” (إنتاج 2021) وهو من تأليف
وإخراج وتصوير ومونتاج محمد خضر، بينما شاركه في التأليف شريف عبدالهادي،
كفيلم مستقل أول قام بإنتاجه محمد خضر نفسه من خلال الشركة التي أسّسها
مؤخرا، وتدور أحداثه حول ولاء عبدالرحمن التي اضطرت للعمل على التوك التوك
لتلبية احتياجات أسرتها المكونة من طفلين ووالدة مريضة وأخ عاجز، بعد أن
فارقها مُعيلها، الزوج، هاربا في رحلات الموت غير الشرعية.
وعلى الرغم من أن أبطال الفيلم وهم إلهام وجدي وأشرف مهدي
ومحمد خميس وعمر راشد وماريا جرجس من الوجوه الجديدة، إلاّ أن قدرتهم على
تجسيد أدوارهم وخاصة بالنسبة إلى إلهام وجدي وأشرف مهدي الذي يلعب دور
زوجها، تؤكّد على إدارة جيدة للممثل من قبل المخرج، ولقد سبق للفيلم أن
شارك في العديد من المهرجانات العالمية وفازت بطلته بجائزة أفضل ممثلة من
مهرجان فيينا لجوائز الأفلام الدولية.
ويبدو جليا أن المخرج قد استمد قصة فيلمه من المئات من
القصص التي تدور حول “الغارمات” في مصر، واللاتي باتت حياتهن موضوعا هاما
ليس فقط بالنسبة إلى الرأي العام وإنما لوسائل الإعلام التي تقوم يوميا
بنشر إعلانات عنهن بهدف البحث عن تبرعات لتسديد غراماتهن وللإفراج عنهن.
وحاول المخرج عبر 25 دقيقة شرح قضية الغارمات منهيا فيلمه
بحريق يدمّر آخر ما تمتلكه تلك السيدة من مصدر للرزق بعد غياب الزوج وموته.
وتقول ولاء عبدالرحمن شارحة قصتها “أنا ولاء عبدالرحمن حسين
البالغة من العمر 35 عاما، اضطريت أشتري (اضطررت لشراء) توك توك لأصرف على
عائلتي، ومضيت على نفسي 35 وصل أمانة كل وصل بألف جنيه، ومش عارفة هدفع
(أسدّد) الدين إلي عليا إزّاي”.
ولا يكتفي المخرج بالفيلم ولا بالاستغاثة التي تظهر على
لسان البطلة في نهايته، بل يوجه رسالته من منطلق المسؤولية الاجتماعية حول
مصير الآلاف من “الغارمات” اللاتي يتشابهن مع تلك السيدة ومعاناتها، وهي
نقطة إيجابية تحسب للفيلم، رغم أنها مباشرة جدا.
الفيلم الثاني بعنوان “البانو” (إنتاج 2020)، وهو فيلم
تونسي من تأليف وإخراج أنيسة داوود، وتدور أحداثه حول العلاقة الاستثنائية
التي ستجمع الطفل هادي بوالده عماد إثر مغادرة الوالدة لرحلة عمل اضطرارية،
ورغم أن الفيلم يصوّر تلك العلاقة بطريقة إيجابية تحمل الكثير من الحب
والخوف والهلع من المسؤولية، إلاّ أنه في الوقت عينه يكشف ماضيا مليئا
بالرعب والعقد النفسية التي عاشها الأب عماد منذ مرحلة طفولته، حيث تربى في
كنف العم أو ربما زوج الأم الذي كان قاسيا، كما تقول عمة الطفل هادي، الأمر
الذي يحوّل تلك الأيام القليلة في الرعاية أشبه بكابوس بالنسبة إلى الوالد،
فيخاف على ابنه ويعجز عن تلبية أبسط حاجياته الصغيرة حتى ولو كان الاستحمام
على سبيل المثال. والفيلم الذي سبق له أن شارك في مهرجان الجونة السينمائي
في العام 2020، من بطولة كل من محمد الداهش وسامي خليفي.
الاحتلال برؤى مغايرة
أما الفيلم الثالث فهو فيلم قادم من فلسطين المحتلة بعنوان
“الهدية” في 24 دقيقة من بطولة كل من صالح البكري ومريم كامل باشا ومريم
كنج ومن إخراج المخرجة البريطانية الفلسطينية فرح النابلسي، وهو واحد من
الأفلام الخمسة التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة أوسكار أفضل فيلم روائي
قصير.
والفيلم الذي كتبته المخرجة بالشراكة مع السينمائية
الفلسطينية هند شوفاني وتم تصويره فعليا في فلسطين، وسبق أن حصل على العديد
من الجوائز، تدور أحداثه كاملة في يوم واحد وهو اليوم الذي يقرّر فيه يوسف
المقيم في الضفة الغربية ويلعب دوره صالح البكري أن يذهب برفقة ابنته
الطفلة مريم كنج ليشتري لزوجته ثلاجة كهدية، تلعب دور الزوجة مريم باشا،
الأمر الذي سيضطره لعبور حاجز إسرائيلي قرب مدينة بيت لحم.
ويركّز الفيلم في مجمله على المعاناة التي يقضيها
الفلسطينيون على تلك الحواجز التي تخضع لمزاجية الموظف ورغبته في التعاون
من عدمه، وهو فيلم يتشابه ويتلامس إلى حد كبير مع الفكرة الرئيسية للفيلم
الفلسطيني “200 متر”، والتي ترتبط بصعوبة الانتقال من منطقة إلى أخرى ضمن
فلسطين المتقطعة الأوصال المليئة بالحواجز.
ولكن الفيلم رغم قساوته من حيث المضمون والفكرة، إلاّ أنه
يبدو شاعريا، خاصة في علاقة الطفلة بوالدها وردة فعلها الذكية والمفاجئة
تجاه حواجز الاحتلال.
"الخمار
الأسود" يسرد قصة شابة عراقية تعيش في الموصل، يتم إجبارها على الزواج من
أحد عناصر داعش، فتخير الهرب
وهو أيضا فيلم مقتبس كما سبق وصرّحت المخرجة من قصة حقيقية
لرجل يعيش في الخليل، لكنه حقيقة يبدو وكأنه يسكن أو يقيم في الشارع أو على
الطريق على اعتبار أن أحد الحواجز يبعد عن منزله 80 مترا فقط.
أما الفيلم الروائي القصير الرابع والذي أُتيحت مشاهدته عبر
الفضاء الرقمي، فهو بعنوان “الخمار الأسود” من إنتاج قطري، ولكن أحداثه
تدور في العراق، من بطولة سناء الحبيب وأحمد النواف التميمي ومن تأليف
وإخراج أيه جيه أل تاني.
وتدور قصته حول المشكلة التي باتت أزلية في المناطق التي
يسيطر ويتحكم فيها داعش، والظلم المطبق على النساء سواء المقيمات في تلك
المناطق أو المخطوفات بهدف الزواج، فريم الشابة العراقية التي تعيش في
الموصل يتم إجبارها كما العشرات من الشابات على الزواج من أحد عناصر داعش،
ولكنها تخطّط للهرب من منزلها بحثا عن أسرتها، وذلك في منتصف ليلة بمساعدة
أحمد الذي يعمل سائق سيارة أجرة.
ولكن تلك المغامرة ستكون محفوفة بالمخاطر، فالعديد من
الحواجز ستصادف تلك الرحلة التي ستودي بحياة السائق، بينما تنجو ريم وتلتحق
بالعشرات من النساء الهاربات الناجيات.
كاتبة سورية |