أثار إعلان أكاديمية العلوم والفنون السينمائية تأجيل حفلة
الأوسكار الثالثة والتسعين من موعدها المقرر سابقاً (في الشهر الثاني كما
جرت العادة من كل سنة) إلى الشهر الرابع من العام المقبل، الكثير من ردات
الفعل المتوقعة وغير المتوقعة.
في إعلانها عن هذا التأجيل ذكرت الأكاديمية بوضوح أن السبب
الرئيسي يعود إلى أن العديد من الأفلام التي توقف إنتاجها أو تصويرها بسبب
وباء كورونا لن تكون جاهزة للتوزيع في الوقت المحدد لها عادة، وبالتالي لن
تكون جاهزة لدخول سباق الأوسكار مع نهاية كل سنة كما كان الحال في السابق.
بناء عليه، فإن التأجيل لم يكن أمراً يمكن تجنبه. على
العكس، هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن، عبرها، إقامة حفل فعلي مليء بالأفلام
والنجوم والسينمائيين. إما هذا أو خلو المسابقات المتعددة ما يكفي من
الأفلام المتسابقة.
من دون هرولة
الموعد المقرر سابقاً للدورة الجديدة من جوائز الأوسكار كان
الثامن والعشرين من فبراير (شباط) السنة المقبلة. الموعد الجديد هو الخامس
والعشرين من شهر أبريل (نيسان) 2021. وإعلان ذلك فاجأ الكثيرين رغم أن
السؤال حول ما يمكن لحفل الأوسكار أن يفعله لإنقاذ نفسه من آثار الوباء
الشديد.
مثل هذا الإعلان بالنسبة لهوليوود جاء ليهدئ من روعة أبناء
الصناعة وشركاتها المختلفة فالسؤال الذي سبق هذا الإعلان كان حول كيف يمكن
للأفلام التي توقف تصويرها (ومنها فيلم ريدلي سكوت «المبارزة الأخيرة») أو
تأجل عرضها (مثل فيلم جيمس بوند المقبل «لا وقت للموت»)، تلبية نداء
الأوسكار السنوي إذا ما كان العمل متوقفاً وصالات السينما مقفلة.
الآن زال التساؤل لكن ما حل مكانه هو سلسلة من النتائج
والتبعات التي توالت مثل أحجار الدومينو.
صحيح أنه من حسنات القرار أنه سيتيح لهذه الإنتاجات أن
تواصل العمل من دون هرولة صوب تأمين العروض والتقدم إلى المسابقة في
المواعيد المبكرة السابقة. شهران إلى الأمام، بالنسبة لموعد الحفل، يعنيان
شهران إلى الأمام بالنسبة لموعد التقدم بالأفلام إلى الأكاديمية بغية
ترشيحها. بالتالي، فإن الأكاديمية لا تفعل ذلك من باب تفهم الوضع الحالي
بالنسبة للإنتاجات السينمائية وحدها، بل أيضاً تقدم على حماية حفلتها من
الجفاف فيما لو لم تجد أكثر من نصف عدد الترشيحات المعتادة في كل عام.
لكن هناك عدة ردات فعل متوترة ناتجة عن هذا التغيير.
فالأوسكار ليس الجائزة السنوية الوحيدة الممنوحة كل سنة، ولا هو المناسبة
اليتيمة في كل عام، بل هناك مناسبات سنوية أخرى اعتادت أن تحافظ على
مواعيدها في كل سنة وتسبق الحفل الأكبر بأسابيع قليلة. هذه أيضاً تجد نفسه،
وبصورة طبيعية، مُطالبة بإجراء مشابه.
والإجراء المشابه ورد بعد يومين فقط من إعلان الأكاديمية
تأجيل موعد الأوسكار وجاء من لندن عندما احتذت «الأكاديمية البريطانية
لفنون السينما والتلفزيون» بالقرار ذاته وأعلنت تأجيل حفلتها المعتادة إلى
الخامس عشر من شهر يونيو (حزيران) بعدما اعتادت على إقامة حفلتها في شهر
أبريل (نيسان).
وتبع ذلك إعلان مهرجان سانتا باربرا تأجيل دورته المقبلة من
الواحد والثلاثين من شهر مارس (آذار) إلى السابع عشر من يونيو.
وصدر هذا الإعلان بعدما أقدمت مؤسسة «فيلن إندبندنت سبيريت»
تأجيل حفلة توزيع جوائزها السنوية الخاصة بالأفلام المستقلة من الرابع عشر
من الشهر الثاني من العام المقبل إلى منتصف شهر يونيو.
تأثير الدومينو
هذا هو جانب واحد من الوضع الذي يخلقه تأجيل حفل الأوسكار
هذه السنة.
الوضع الآخر نجده في حقيقة أن مهرجانات السينما الكبيرة
جعلت الأوسكار محوراً مهماً في فلكها السينمائي.
المعتاد مثلاً أن تتسلل الأفلام المهمة والفائزة بجوائز
أولى من مهرجانات «كان» و«نيويورك» و«فينيسيا» و«تورونتو» و«تليورايد» إلى
سباق الأوسكار، مما يجعل هذه المهرجانات سعيدة بكون أفلامها هي التي اجتازت
المسافة ما بين المهرجان والأوسكار واستطاعت دخول مسابقته. هذا حدث مع
مهرجان «فينيسيا» قبل عامين عندما اختطف فيلم «روما» لألفونسو كوارون جائزة
المهرجان الذهبية ثم حصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي أيضاً.
في العام الماضي شهدنا كيف قفز فيلم «فطري» من مهرجان كان
حاملاً بيده سعفة المهرجان إلى حفل الأوسكار حيث خرج بأربع جوائز من بينها
أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل فيلم أجنبي.
الآن سيختلف هذا الوضع بسبب أن المسافة بين فينيسيا
وتورونتو وباقي المهرجانات الرئيسية في النصف الثاني من هذا العام، ازدادت
تباعداً مما سيمنح الأفلام الأخرى (تلك التي لم تنضم إلى عروض المهرجانات
الكبيرة) فرصة أفضل في مسابقات الأوسكار على حساب انخفاض التوقعات بالنسبة
للأفلام التي ستعرضها مهرجانات النصف الثاني من السنة.
لكن ليس كل المهرجانات ستعاني من أن تأثير ما ستعرضه قد
يتبخر قبل حلول نهاية العام. هناك مهرجانات ستستفيد من تأجيل الأكاديمية
لحفلتها وبالدرجة الأولى مهرجان صندانس السينمائي الحافل بالأفلام
الأميركية والعالمية في شتى المسابقات: الروائية الأميركية والروائية
العالمية والأفلام التسجيلية الأميركية وتلك الآتية من دول العالم. بما أن
«صندانس» باق في موعده المعلن (21 إلى 31 يناير (كانون الثاني)، 2021) فإن
الأفلام المشتركة ستجد نفسها وقد استفادت من الموعد الجديد لأنها ستشهد
نشاط توزيع وعروض ساخن أكثر من المعتاد كونها قريبة من الموعد الجديد
لإغلاق باب ترشيحات الأوسكار (نهاية فبراير).
مسائل أخرى
يحدث كل ذلك وسط مسألة كبيرة أخرى لا علاقة لها بـ«كورونا»
ولا بتأجيل المشاريع أو العروض السينمائية، بل بجورج فلويد، أو بالأحرى ما
نتج عن تلك الواقعة التي ذهب فلويد ضحيتها.
فقد تنادت أطراف عديدة في الأيام القليلة الماضية مطالبة
هوليوود بتحرك فعلي حيال فقدان معايير التنوع في شتى نواحي العمل
السينمائي. هذا بعدما لوحظ (مجدداً) كيف أن أقل من 20 في المائة من
العاملين في شتى كيانات واختصاصات العمل السينمائي خلف الكاميرا هم من ذوي
البشرة السوداء.
هذا الوضع سائد بين طاقم الرؤساء والمديرين في أعلى الهرم
نزولاً للمنتجين ومروراً بالمصورين والموسيقيين والمهندسين والمصممين
وصولاً إلى القاعدة البشرية ذاتها من عاملين في مهن التنفيذ.
هذا النداء ليس جديداً إلا من حيث السعي حثيثاً الآن على
تعزيزه ودفع هوليوود لتبنيه ذلك لأن نداءً مماثلاً كان صدر في العام الماضي
وتوجه خصيصاً للأكاديمية تحت عنوان
Oscars So White
الذي انتقد أن غالبية الأعضاء هم من البيض.
تبعاً لذلك، وفي محاولة الأكاديمية البرهان على أنها تولّي
المسألة جل اهتمامها في هذه الظروف بالتحديد، أعلنت أن التنويع العرقي
والجنسي قد تم بالفعل ويوم الجمعة الماضي أصدرت الأكاديمية مما أكّد
استجابتها لذلك النداء على صعيدي زيادة عدد المنتسبين من أصحاب البشرات غير
البيضاء (مكسيكيين وسود وآسيويين) وزيادة عدد المنتسبات الإناث.
أدى ذلك إلى قبول معظم المعنيين والمعنيات بهذا القرار في
الوقت الذي لم يشهد أي معارضة من أي جانب باستثناء رغبة البعض بمعلومات
أكثر حول كيف يتم ذلك، وإذا ما كانت الزيادة ستؤدي إلى التأثير على النتائج
ذاتها.
كل ما سبق يأتي في وقت حرج بالنسبة للأكاديمية وجائزتها
الشهيرة فالإقبال على متابعة الحفل المبثوث تلفزيونياً كل عام يتدنى سنة
بعد سنة ووصل إلى أدنى مستوى له هذا العام. في هذا النطاق أخبرني المنتج
ستيڤن إ. دَ سوزا مؤخراً: «لا تملك الأكاديمية حرية حركة واسعة في هذا
النطاق. نعم تستطيع أن تعالج بعض المسائل الداخلية واستنباط حلول وبل العمل
على جعل المناسبة أكثر جذباً، لكني أتفق معك على أن كثرة المناسبات التي
تدور حول عدد محدود من الأفلام يجعل من الصعب إقناع المشاهدين بأن الأوسكار
مختلف جداً عن سواه من المناسبات السنوية في هذا الاتجاه». |