تحدث عن ولعه بكتابات عبدالرحيم كمال..
«المصري اليوم» تعيد نشر حوارها مع المخرج حاتم علي
كتب: ريهام
جودة
«تستهوينى العودة إلى التاريخ، والنبش في صفحات الماضى،
لكنها ليست هروبا من استحقاقات الواقع»، «مع الأسف في وطننا العربى مشكلات
اليوم هي مشكلات الأمس، ولا يمكن لنا أن نفهم حاضرنا دون أن نرجع قليلا إلى
الوراء»..كلمات تحدث بها المخرج السوري الكبير حاتم على خلال حوار سابق مع
«المصري اليوم» أثناء عرض مسلسله «آهو ده إللي صار» في مصر، عام 2019،
والذي حقق ردود أفعال كبيرة وقتها، حيث كتب له السيناريو الكاتب عبدالرحيم
كمال، وشارك في بطولته سوسن بدر وروبي وأحمد داوود ولاشينة لاشين.
وتعيد «المصري اليوم» نشر حوار المخرج السوري الكبير حاتم
على الذي توفي ظهر اليوم عن 58 عاما إثر ازمة قلبية مفاجئة، أثناء تواجده
باحد فنادق القاهرة، ليصدم الوسط الفني المصري والعربي برحيله المفاجئ.
وفي حواره لـ«المصري اليوم» تحدث حاتم على صاحب المشوار
الحافل بالأعمال التاريخية المميزة التي قدمها في الدراما المصرية
والسورية، ومنها «الملك فاروق» و«التغريبة الفلسطينية» عن عشقه للدراما
التاريخية، معتبرا إياها ليست هروبا من الواقع، ولكنها للإبحار في صفحات
الماضي والاستفادة منه.. وأشار حاتم على، في حواره إلى تفضيله للبطولة
الجماعية في أعماله دون الاعتماد على سطوة نجم واحد في تقديمه، كما تحدث عن
السينما، باعتبارها حُلمًا مؤجلًا لديه ومشروع فيلم «محمد على» الذي توقف
رغم الخطوات التحضيرية الكبيرة التي اتخذها لتنفيذه.. وإلى نص الحوار:
■لماذا تستهويك تلك الأعمال التي تتناول فترات سابقة؟
- تستهوينى العودة إلى التاريخ، لكنها ليست هروبا من
استحقاقات الواقع، ومع الأسف في وطننا العربى مشكلات اليوم هي مشكلات
الأمس، ولا يمكن لنا أن نفهم حاضرنا دون أن نرجع قليلا إلى الوراء، وهذه
الفترات الزمنية القديمة هي فترات جذابة، ويستهوينى النبش في صفحات الماضى،
وإعادة كتابتها بطريقة مختلفة.
■«أهو ده اللى صار» عمل مختلف في مشوارك.. فما الذي حفزك
لتقديمه؟
- «أهو ده اللى صار» عمل مختلف، فعندما قرأت الحلقات الأولى
والملخص له وقعت في غرام الورق الذي كتبه الكاتب المبدع عبدالرحيم كمال،
المسلسل استفزنى لأخرجه فأزمانه مكتوبة بطريقة مختلفة وجديدة، وشخصياته
جذابة وثرية، وبه تطور كبير في الزمن والأماكن، كل هذه الأشياء تشكل حافزا
كبيرا لأى مخرج لتقديمها.
■ ماذا عن التعاون والعمل مع الكاتب عبدالرحيم كمال؟
- كنت سعيدًا بالتعاون مع عبدالرحيم كمال، لأنه كاتب قادم
من عالم الرواية، ولذلك فهو قادر على صنع عالم متماسك، وبه الكثير من الجد
والخصائص الفنية، وقد تابعت عبدالرحيم كمال في أعماله السابقة، وهو يحاول
دائما تقديم ما هوجديد ومتميز ومختلف بأسلوب جديد ومختلف، وشراكة من هذا
النوع يطمح إليها المخرج.
■ عملية اختيار الممثلين وتسكينهم في الأدوار كيف تمت؟
- توزيع الأدوار هو جزء مهم من الخطة الإخراجية، وتعبير عن
تصور المخرج للشخصيات المكتوبة على الورق، ولن أدعى أن المخرج يمتلك حريته
الكاملة في اختيار ممثليه، لأن الموضوع له بعد تسويقى، ولكن كانت هناك
علاقة تعاون متميزة مع المنتج محمد مشيش، وهو يعى تفاصيل العملية الفنية،
ونزيه لأبعد الحدود، ويحاول أن يؤسس لشراكة إبداعية مع فريق عمله ومع
المخرج، ويترك له هامشا كبيرا من الحرية لتحقيق تصوراته الفنية الخاصة،
فعملية توزيع الأدوار معقدة واستغرقت وقتا طويلا، لكنها في النهاية جاءت
قريبة إلى حدود تصورات المؤلف لتقديم ما كتبه.
■ هل استعنت بمدرب للهجة الصعيدية لتتمكن «روبى» من تقديم
شخصية «نادرة»؟
- شخصيات المسلسل مقسومة إلى 3 أقسام: صعيدية، وفلّاحة،
وسكندرية، ولذلك استعنت بمدققين للهجات الثلاث، وللأسف أسماء هؤلاء
المدققين لم توجد في التتر، لأن القناة التي تعرض العمل لا تعرض تتر
البداية ولا النهاية، وهناك جنود كثيرة تحولوا إلى مجهولين، ومن الممكن رد
نجاح العمل فيما لو كان ناجحا للجنود الذين كانت مجهوداتهم وراء إنجاحه،
بدءا من فريق التصوير والمكياج والإضاءة والديكور والملابس والإخراج
والجرافيكس ومدققى اللغة بطبيعة الحال للعمل الفنى، وفى حقيقة الأمر أنا
حزين لتغييب جهود هؤلاء، ولعدم تكريمهم على الأقل بعرض تتر المسلسل على
القناة العارضة له.
■ ماذا عن التعاون مع الفنانة سوسن بدر؟
- هي ممثلة من الطراز الرفيع، تتعامل مع مهنتها بجدية شديدة
ومع أدوارها بعشق كبير، وهذا الكلام يمكن قوله عن فريق العمل بمختلف
أجيالهم، تعاونت مع ممثلين ربما لأول مرة، ومع ممثلين من الجيل التالى،
والجميع وقع في غرام الشخصيات، واستطعنا رغم ضيق الوقت تأسيس لغة مشتركة،
بحيث سادت روح واحدة، وطغت على أداء الجميع، وحاولنا أن نقدم السهل
الممتنع، خاصة أن هذه الشخصيات مثلت تحديا كبيرا باعتقادى لهؤلاء الممثلين،
باعتبارها شخصيات ستعيش طويلا وتمر بمراحل عمرية مختلفة، أروى جودة أيضا
ممثلة مجتهدة ومتميزة حقيقة، ودور الراقصة «أصداف» مختلف وجديد عليها، كان
بإمكانى الذهاب إلى صورة نمطية وممثلات قدمن أدوارا كهذه، لكن كان اتجاهى
عكس ذلك، بهدف الحصول على طريقة أداء مختلفة وطازجة بعيدا عن الأكليشيهات
المتعارف ليها. واستطاعت أروى أن تقنع المشاهد بطريقة تقديمها لهذه
الشخصية، وكل شخصيات المسلسل مبتكرة، و«أصداف» هي أصداف، وليست إشارة لأى
شخصية تاريخية أخرى، وبطبيعة الحال تقديم أي شخصية أو غيرها كان لا بد من
العودة للعصر نفسه كى نستلهم من صور فوتوغرافية من سيرة شخصيات محددة عاشت
تلك الفترة وتتقاطع مع الشخصيات التي نقدمها، وهذا جزء من العمل على
الشخصية، والتعاون بين المخرج والممثل.
■ هل شكل المزج بين الماضى والحاضر صعوبة في تقديم العمل؟
- المزج بين الحاضر والماضى جزء من تقنية الكتابة للمسلسل
الذي يدور في أزمان وحقب مختلفة، هذا الانتقال هو ليس أمرا تقنيا فقط، بل
دائما له دلالاته التي أعتقد أنها وصلت إلى كثير من المشاهدين.
■ هل أحزنك خروج المسلسل من العرض في رمضان الماضى؟
- لا أخفيكِ أنه أحزننى خروج المسلسل من الموسم الرمضانى،
وكان أمرا غير مفهوم لى، لأنه انتهى تصويره قبل رمضان الماضى، وكان جاهزا
ومن أوائل المسلسلات التي كانت جاهزة للعرض، وربما كان المسلسل الوحيد الذي
كان جاهزا قبل رمضان، ولأسباب لا أعرفها تم التأجيل، وبكل الأحوال دائما
هناك وجهان لكل أمر، سلبى وإيجابى، الأمر أخيرا يتم عرضه، صحيح دون لافتات
إعلانية لكن استطاع أن يصل إلى جمهور كبير، وأتمنى أن يزداد مع تقدم
الحلقات، ليست هناك خسارات فنية كبيرة، وأى مسلسل يحمل بعض الجدية الفنية
سيكون مثيرا للاهتمام بغض النظر عن عرضه داخل أو خارج رمضان، ربما يكون
هناك خسارات مادية للمنتج الذي تأجل بيع مسلسله، إلى جانب أن المسلسل مصنوع
للعرض الرمضانى، ولا تتجاوز حلقاته 30، فعادة عدد حلقات أي عمل يعرض خارج
رمضان لا يقل عن 45 حلقة، ومن الناحية الاقتصادية ربما كان هناك للأسف
خسارة للشركة، وأقول «للأسف» لأن الشركة المنتجة قدمت للدراما المصرية
الكثير من الأعمال المتميزة منها «جراند أوتيل» و«هذا المساء» و«لا تطفئ
الشمس» و«طريقى» و«ونوس» و«ليالى أوجينى»، ونحن نحتاج إلى مثل هذه الشركات
التي تتعامل مع العمل الدرامى بجدية وابتكار وسخاء، فالقوة الناعمة لمصر هي
قوة ضرورية، ويجب الحفاظ عليها وتطويرها.
■ هل توقعت هذا النجاح عند عرض المسلسل خارج رمضان حاليا؟
- لا أحد يمكن أن يضمن نجاح عمل يقوم به، لكننا نسعى أثناء
تنفيذنا لهذه الأعمال لأن نكون جديرين بالفرص التي تم منحنا إياها، وأنا
سعيد بما تلقيته من ردود أفعال حتى الآن.
■ العمل بطولة جماعية.. هل ترى ذلك أفضل للدراما المصرية
لمواجهة سطوة النجوم؟
- أميل لمثل هذه الأعمال، لا أحب تفصيل الدراما على مقاس
ممثل بعينه، لنترك الحرية للكاتب في البحث عن موضوعه وفى خدمة موضوعه بما
يتطلبه من شخصيات، وبما تتطلبه الحكاية من مساحة درامية، وأعتقد أن واحدة
من الآفات التي أصابت الدراما هذه الأيام هي سطوة النجم التي أتاحت له أن
يصبح المرجع الأساسى في صناعة العمل الدرامى سواء في اختيار المواضيع أو في
أشكال الطرح الفنى، وفى الاستحواذ على الجزء الأكبر من ميزانية العمل، وكل
ذلك يؤدى إلى وقوع الدراما في فخ النمطية، ويحاول كل نجم أن يحافظ على
النجاح الذي حققه في دور ما فيعيد استنساخ ما يظن أنه يخدم مصالحه.
■ من أبرز أقوالك أن الأموال الكثيرة لا تعنى بالضرورة
تقديم عمل فنى مميز.. ألا ترى التمويل ضروريا للأعمال التاريخية؟
- بلى، فهذه الأعمال التاريخية تحتاج إلى ميزانيات كبيرة،
فـ«أهو ده اللى صار» يكاد يكون 4 مسلسلات في عمل واحد، تحتاج إلى إكسسوارات
وديكورات وملابس مختلفة، فهناك زمن العشرينيات والزمن الحالى، وهناك
الأربعينيات ثم السبعينيات، وهذا يحتاج إلى إنتاج متفهم وسخى يوفر ما
يحتاجه العمل الفنى من تفاصيل، لكن الأموال ليست لوحدها قادرة على صناعة
عمل مميز، فهى ليست علاقة ميكانيكية، كلما زادت الميزنية زادت الجودة،
لأننا أيضا قد نرى أعمالا بسيطة لا تعتمد على ميزانيات كبيرة وتحقق نجاحا،
وقد ترى أعمالا تهدر ميزانيات كبيرة وتكون النتيجة مخيبة للآمال.
■ ماذا عن تصوير المسلسل؟
- توزعت أماكن التصوير على الإسكندرية في التصوير الخارجى،
وتم تصوير المشاهد الداخلية للقصر الذي تدور فيه الأحداث في الاستديو، وتم
تشييد القصر من الخارج في إحدى المزارع في ضواحى القاهرة، وهناك الكثير من
المشاهد الصعبة في المسلسل أكثرها مشاهد المجاميع ومشاهد المظاهرات ضد
الاحتلال الإنجليزى في الحلقة الأولى ومشاهد الحفلات، وهناك فريق مشارك من
الموهوبين في الخدع البصرية والجرافيكس الذين قدموا جهدا مميزا، بوابة قصر
الإسكندرية على سبيل المثال هي في مزرعة، ومع ذلك نرى خلف هذه البوابة
كورنيش الإسكندرية الشهير بمراحله الزمنية المختلفة على مر السنوات، كل ذلك
تم بجهود هذا الفريق الفنى المتميز.
■ متى نرى عملًا تاريخيًا سينمائيًا لك في مصر؟
- السينما حلم مؤجل، وإحدى أمنياتى أن أخرج عملًا سينمائيًا
في مسيرتى الكثير من الأعمال التليفزيونية، والقليل من السينما، ليست لدينا
في سوريا صناعة سينما، في مصر مازالت في انتظار مشروع يستهوينى، كان هناك
مشروع فيلم «محمد على» وقد وصلت التحضيرات إلى مستويات متقدمة وشارفنا على
التنفيذ، ولكن مع الأسف تم إغلاق هذا الملف، ولم ينفذ.
■ هل تشعر أنك نلت تكريمًا كافيًا سواء في سوريا أو الدول
العربية التي عملت بها؟
- لا أنتظر تكريما؛ أقوم بما يرضينى من عمل مدفوعا بحب
مهنتى وبشغف رواية قصص جديدة ومبتكرة، وراضٍ عن معرفة الناس وترضينى وهى
كافية لى. |