الفيلم السعودي يتوج بجائزتي لجنة التحكيم الخاصة وأفضل
ممثل في مهرجان القاهرة.
استطاع فيلم “حد الطار” أن يشقّ طريقه بجرأة كبيرة إلى ما
تحت الغطاء الاجتماعي في الأحياء الشعبية داخل المملكة العربية السعودية،
والتي تعرّضت لسطوة بعض الهيئات الدينية المتشدّدة طيلة السنوات الماضية،
ما أفرز تشوّهات عديدة في تعاملات المواطنين، وجسّد القائمون على الفيلم
هذا التناقض عبر قصة حب بين شاب يعمل والده كمنفذ لأحكام إعدام ويُطلق عليه
“السيّاف”، وابنة مغنية الأفراح أو ما يُعرف في دول الخليج بـ”الطقاقة”.
القاهرة
- عُرض
الفيلم السعودي “حد الطار” لأول مرة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في
دورته الـ42 التي اختتمت مساء الخميس، وتوّج بجائزة لجنة التحكيم الخاصة
“صلاح أبوسيف” كما فاز بطله فيصل الدوخي بجائزة أفضل أداء تمثيلي في
المسابقة.
وأراد أصحابه تسليط الضوء على القيمة الاجتماعية التي
اكتسبها ابن “السيّاف” من والده باعتباره منفّذا للحدود الشرعية، وبين فتاة
ترتبط بوالدتها لكنها ترفض أن تكون منبوذة مثلها، لأن عملها يقتصر على
الغناء في الأفراح والطرق على الدفوف.
ويحاول الفيلم الذي أخرجه السعودي عبدالعزيز الشلاحي،
المقارنة بين ماض اجتماعي، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وكانت فيه
العادات والتقاليد طاغية على كل مناحي الحياة، وبين ما هو مأمول في
المستقبل جراء الانفتاح السعودي على العالم، واتخاذ الرياض جملة من
الإجراءات التي صبّت في صالح دعم حرية المرأة ومنحها حقوقها كاملة.
وحرص الشلاحي في الفيلم على رصد التناقض الحاصل في مشاعر
أبطاله بين التمسّك بالحب والنضال من أجل الحفاظ عليه، وبين الاستسلام
للعادات والتقاليد بالرغم من كونها مدمّرة لأحلامهم، في مفارقة اجتماعية
مبنية على بيع الفرح وشراء الموت، وطرحَ سؤالا مهما، حول أيهما يمكن أن
يتخلى عن أحلامه في مقابل أن يصبح عالمهما مكانا أفضل؟
عبدالعزيز الشلاحي: عنوان
الفيلم "حد الطار" مرتبط بشخصية السياف ومغنية الأفراح
السياف والمغنية
قال مخرج الفيلم عبدالعزيز الشلاحي، لـ“العرب”، إن مشاركته
في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كانت بمثابة تكريم لكل طاقم العمل،
فهذه الدورة استثنائية، وشاركت فيها أفلام محدودة العدد، قياسا بالدورات
السابقة، وهو ما منح الفيلم فرصة أكبر للظهور وتسليط الأضواء على أحداثه،
الأمر الذي تحقّق بالفعل بعد أن جرى اختياره لافتتاح مسابقة “آفاق السينما
العربية” وتتويجه بجائزتين.
وأوضح أن عنوان “حد الطار” ليس له علاقة بحد السيف، لكنه
اقتبس من كلمتين مرتبطتين بشخصية السيّاف ومغنية الأفراح، فكلمة “حد” تعني
تنفيذ الأحكام، و”الطار” يعني الطبل، مؤكّدا أن أحداث الفيلم جاء بعضها من
وحي خيال المؤلف، لكن هناك مواقف شبيهة جسّدها الفيلم تحدث يوميا، وهي واقع
يومي للمواطنين.
وواجه الشلاحي العديد من التحديات أثناء تصوير الفيلم في
بعض مناطق العاصمة السعودية الرياض، تمثلت في صعوبة العمل أثناء فصل الصيف
لارتفاع درجة الحرارة، إذ أن غالبية المشاهد كانت خارجية، وتضمّ أعدادا
كبيرة من العاملين والفنيين والممثلين الذين تغلبوا على تلك الصعوبات لأجل
خروج العمل إلى النور.
وأوضح الشلاحي أنه تعرّض لأزمات أخرى وقت اختيار فريق العمل
من الممثلين، وبحث عن وجوه جديدة وفنانين لديهم خبرات يمكنهم التماشي مع
طبيعة شخصيات الفيلم، إضافة إلى جلسات العمل المطوّلة التي عقدها مع أبطاله
للخروج بمحتوى فني جيد، وهو ما كان سببا في استمرار فترة التصوير لأكثر من
ثلاث سنوات.
ويعدّ الفيلم السعودي “حد الطار” ثاني تجارب الشلاحي
السينمائية الطويلة، بعد تجربته في فيلم “المسافة صفر”، الذي نال جائزة
الفنان محمود عبدالعزيز لأفضل إنجاز فني في الدورة 35 من مهرجان الإسكندرية
السينمائي لدول البحر المتوسط، العام الماضي.
وعبّر الشلاحي عن سعادته بحصول الفيلم على جائزتين في
المهرجان، قائلا “الحمد لله، ها نحن نتوّج بجائزتين في أعرق مهرجان عربي
بعد أن تلقى الفيلم العديد من ردود الفعل الإيجابية من الجمهور والنقاد على
حد السواء عند عرضه”، مشيرا إلى أن تواجد الفيلم على رأس مسابقة “آفاق
السينما العربية” مثل إنجازا للعمل في حدّ ذاته، والتتويجان دعّما هذا
التقدير للفيلم وطاقمه.
وهو ما ذهبت إليه أيضا بطلة العمل الفنانة السعودية أضوى
فهد، والتي وصفت مهرجان القاهرة بـ”كان العرب”، واعتبرت أن الاحتفاء
الإعلامي العربي بالفيلم وتتويجه في المهرجان سيساعدانها كثيرا من أجل قطع
أشواط أخرى في مشوارها الفني.
وكشفت في تصريح لـ”العرب”، أن الفيلم يسلّط الضوء على فترة
زمنية مرّت بها المملكة قبل 20 عاما، ويحاكي قصة رومانسية في إحدى المناطق
الشعبية التي تعدّ جزءا مهملا في الرياض، وتشكّل العادات والتقاليد الحد
الفاصل في كل التفاصيل الحياتية اليومية داخلها.
واعترفت بأنه كان من الصعب المشاركة في بطولة فيلم يطرح
فكرة جريئة قبل سنوات، لكن الانفتاح الحالي كان دافعا مساهما في أن توافق
عائلتها على خوض تجربة التمثيل.
وأشارت إلى أنها واجهت بعض الصعوبات لإقناع عائلتها
بالمشاركة في فيلم روائي طويل، حيث أنها شاركت من قبل فقط في أحد المسلسلات
القصيرة.
وتابعت قائلة “والدي ووالدتي قاوما فكرة العيش بعيدا عن
الأسرة، لكن في أول أيام المهرجان تلقيت رسائل دعم عديدة منهما أكّدا فيها
على فخرهما واعتزازهما بالرسالة التي قدّمتها، لكن ذلك لم يمنع من تعرّضي
لانتقادات متكرّرة من المجتمع المحيط بي، ومواجهة أسئلة عديدة حول كيفية
قبولي العمل في مجال التمثيل، وأتصدّى بشكل دائم لتلك الانتقادات وأثق في
قدراتي وأركّز في هدفي نحو الوصول إلى القمة”.
الحد الفاصل للتقاليد
أضوى فهد: الفيلم
يحاكي قصة رومانسية في منطقة شعبية مهملة بالرياض
لفتت فهد في حديثها مع “العرب” إلى أن تعريف المواطنين
بحقوق المرأة الطبيعية بعيدا عن التزمّت وإغلاق المجتمع يردّ الاعتبار إلى
جميع النساء، ويؤكّد على أن المواجهة بالأساس مع العادات والتقاليد لا تمسّ
العقائد الدينية السائدة.
وذكرت أن الدين لا يمنع المرأة من قيادة السيارة، كما أن
العقيدة الإسلامية لا تربط حصول المرأة على حقوقها عن طريق الرجل فقط، فقد
كرّم الدين المرأة وجعلها مثل الرجل في نواح كثيرة، ومثلما تميّز الرجل
بقدرات جسدية وفكرية ونفسية، تم تمييز المرأة بقدرات جسدية وفكرية ونفسية
مثله.
ويقترب ما ذهبت إليه الفنانة السعودية من رسالة الفيلم
الأساسية، والتي تركّز على أن قبول تمتّع السيّاف بمكانة وتقدير ممّن حوله
لا ينبغي أن ينال الفنان ما هو أقل، منه، ليكسر الفيلم إحدى المحرمات التي
يُصعب الاقتراب منها في المجتمع.
وقال بطل العمل، فيصل الدوخي، والمتوّج بجائزة أفضل أداء
تمثيلي في الفيلم عن شخصية دايل ابن منفّذ أحكام الإعدام “السيّاف” الذي
يقع في غرام شامة ابنة مُغنية الأفراح “الطقاقة”، إن السينما السعودية
تتصاعد بشكل إيجابي في السنوات الأخيرة، وتتغيّر بشكل كبير، لكن هناك حاجة
إلى المزيد من الجهد والعمل ليصل القائمون على تقديم المحتويات الفنية في
السعودية إلى مستوى أفضل من الاحترافية.
وأوضح لـ”العرب”، أنه ظل يحضّر للشخصية فترات طويلة، وبذل
مجهودا مضاعفا للوصول بشكل احترافي إلى المشاهد العربي، وأن فوزه بجائزة
أفضل أداء تمثيلي إلى جانب فوز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في
المهرجان، هو تتويج له ولطاقم العمل ككل على الجهد المبذول، كي يخرج العمل
بتلك الصورة.
وأضاف “المشاعر مختلطة والتعبير صعب بصراحة، أحمد الله
وأشكر فضله على هذا التتويج الذي طالما حلمت به.. واجهت ظروفا صحية صعبة مع
بداية تصوير الفيلم، جراء إصابتي بميكروب في المعدة، غير أني تخطيت الأزمة
بدعم من فريق العمل الذي أهدي الجائزتين إليه ولكل من آمن بي وعلى رأسهم
المخرج عبدالعزيز الشلاحي”.
وانعكست حالة الاهتمام السعودي بالفن والإبداع مؤخرا على
الزخم الذي حقّقه الفيلم خلال عرضه في مهرجان القاهرة، وبدا أن إقامة
مهرجانين داخل المملكة، وهما البحر الأحمر بمدينة جدة، وأفلام السعودية
بالدمام، ساهمت في خروج مشروع فيلم “حد الطار” إلى النور، بما يدعم التوسّع
في إنتاج هذا النوع من الأعمال التي تغوص في تفاصيل المجتمع، وتزيح الستار
عن التشوّهات التي تركتها بعض العادات.
كاتبة مصرية |