انطلقت فعّاليات الدورة الرابعة لمهرجان الجونة السينمائي وسط إجراءات
احترازية مشدّدة، دعت فيها إدارة المهرجان إلى الالتزام بارتداء الكِمامات،
والحفاظ على التباعد الاجتماعي بين الحضور من المدعوّين وعُشاق الفن السابع
حيث بدأ حفل الافتتاح بأغنية "دقّي يا مزيكا" للفنان اللبناني رامي عياش
التي أُعدت خصيصا لافتتاح المهرجان. وأكدّ في كلمة مقتضبة على تعطشنا
الدائم للفرح والحياة وضرورة أخذ الحذر خلال أيام المهرجان، واختتم كلمته
بشكر عائلة ساويرس على المضي في هذا المهرجان الثقافي والفني. لم يكن رامي
عياش هو اللبناني الوحيد في هذا المهرجان فلقد تبعتهُ الإعلامية اللبنانية
هيلدا خليفة التي قدّمت حفل الافتتاح بلهجتها اللبنانية المحببة إلى قلوب
الناس وعبّرت عن سعادتها بمهرجان الجونة الذي أطلق شعار "سينما من أجل
الإنسانية".
الجونة عاصمة الفنون في مصر
لا بد من الإشارة إلى أن كلمات بعض المشاركين كانت طويلة نسبيا وخاصة كلمة
محافظ البحر الأحمر اللواء عمرو حنفي الذي وجّه التحية لمنظمي المهرجان
وقال: "إن الجونة أصبحت عاصمة الفنون في مصر، وأن الفن هو تعبير إنساني
يتجاوز الحدود ويجعل الإنسان أكثر رقيًا، وعلى الفنان أن يسعى لتحقيق تلك
القيم لتغرز داخل الأجيال القادمة المعاني الجميلة، وتعرفنا على حضارات
الماضي، وتمنحنا رؤية للمستقبل، وأن مصر تواصل رسالتها التنويرية ومحاربة
الإرهاب بذلك المهرجان".
ثم ارتقى المنصة بعد ذلك المهندس سميح ساويرس، مؤسس مدينة الجونة الذي قال:
"أنا سعيد جداً أننا نجحنا في إقامة المهرجان هذا العام وأن نحافظ على
استمراريته، لذلك أحب التوجه بالشكر للدولة ووزارة الصحة خاصة، التي لولا
وجودها هي والفريق الخاص بها لما استطعنا النوم ونحن مطمئنون. والذي أسعدني
أكثر أني شعرت أن الناس تشتاق للعودة إلى الحياة العامة من جديد". كما
توجّه بالشكر للأشخاص الذين تحمّلوه في فترة الإعداد والتهيئة للمهرجان.
جائزة خالد بشارة لصناع السينما المستقلة
كما قدّم تذكارا إلى ماريان زوجة المرحوم خالد بشارة المدير التنفيذي
السابق لشركة أوراسكوم، الذي يعُد فقدانه خسارة كبيرة لأنه كان يتحمل
أعباءً كثيرة لا يقدر على تحمّلها الإنسان العادي. أمّا السيدة ماريان فقد
وصفت زوجها الراحل بأعذب الكلام وأدقّهُ حيث قالت عنه: "لم يكن يدير شركات
أو رجل أعمال، كان مجرد شاب طموح، دمه خفيف، عينه يظهر فيها الذكاء، قام
ببناء نفسه بنفسه، ومشواره المهني لم يكن سهلاً ولم يكن مليئًا بالنجاحات،
ولكن شغفه وحلمهُ جعله يتغلب على اليأس ويسبق منافسيه بتفكيره خارج
الصندوق، لم يكن يبخل بوقته، وكان يساعد الشباب المبتدئ، ويسند البلد
محاولاً أن يصنع فرقًا، ومن هنا جاءت فكره جائزة خالد بشارة لصناع السينما
المستقلة في مصر، أتمنى أن تكون بداية للشباب في المستقبل، وأشكر مهرجان
الجونة لإطلاق اسم خالد على الجائزة وربطه بالمهرجان".
ديبارديو. . . مصر مكانه المفضّل
من جهته، قال المخرج بيتر ويبر، رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية
الطويلة، لتقديم جائزة الإنجاز الإبداعي: "أرحب بهذا المهرجان في دورته
الرابعة ويسعدني تواجدي في مصر الذي أعتبره مكاني المفضل. اليوم أنا يتم
تقديمي كشخصية مميزة، ولكن هناك شخصًا آخر مميزًا قام بلعب أدوار مختلفة
منها الشريرة والملائكية وهو الفنان الفرنسي جيرارد ديبارديو". وكما هو
معروف فقد أثار تكريم هذا الفنان لغطًا في الوسط الفني المصري، إذ احتج
البعض على تكريمه لموقفه المُساند لإسرائيل من دون أن يشيروا إلى أنّ
ديبارديو يفضّل الثقافة الإنجليزية على الثقافة الفرنسية وقد انتقد الشعب
الفرنسي في مرات متعددة دون أن يأخذ بنظر الاعتبار أنه فرنسي بشحمه ولحمه
فهل يجوز أن نحاكم الفنان على آرائه وموافقه الشخصية، ونترك الجانب الفني
وهو الأهمّ؟ تحدث ديبارديو عن الراحل يوسف شاهين وشكر آل ساويرس لإقامتهم
هذا المهرجان الفني الجميل الذي يقام على أرض "أم الدنيا" كما لفظها
بالعربية التي دغدغت مشاعر الحاضرين وأضاف: "يسعدني أن أكون هنا في مصر
مكاني المفضل دائما".
الديكور أهم المهن في السينما
أما المهندس نجيب ساويرس، مؤسس المهرجان فقد رحّب بالحضور وذكر بأنه سوف
يكرّم شخصًا مهمًا جدًا يعمل خلف الكاميرا بدأب وصبر واضحين هو مصمّم
المناظر الأستاذ أنسي أبو سيف. ثم توالت كلمات نخبة من الفنانين من بينهم
خالد النبوي، والمخرج داوود عبد السيد، ومروان حامد، وشريف عرفة. وأشار
أنسي أبو سيف خلال تكريمه بأنه لم يجد شيئًا يقوله لأنه لا يُحسن الكلام،
ولكنه يجيد الرسم. واعتبرَ هذه الجائزة مهمة لمهنة من أهم المهن في السينما
وهي الديكور أو المنظر.
لمسة وفاء للفنانين الراحلين
دأب القائمون على المهرجان بتقديم رقصات وأغانٍ جميلة تنبض بالحيوية والفرح
في الدورات السابقة الثلاث، أما نصيب الدورة الرابعة فهي أغنية "قصة حب"
لرثاء الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا خلال عام 2020، من كلمات أحمد رشاد،
وتوزيع مصطفي الحلواني، وغناء فرح الديباني وهي التفاتة حب ووفاء لكل
الفنانين الذين غادرونا بأجسادهم لكنهم بقوا بيننا بأرواحهم وأعمالهم
الفنية من بينهم رجاء الجداوي ومحمود ياسين ونزار السامرائي من العراق.
ثمة كلمة مهمة ومختصرة لمدير المهرجان انتشال التميمي الذي رحّب بالحضور
وشكرهم لأنهم استطاعوا تلبية الدعوة وحضروا المهرجان رغم الظروف الصحية
القلقة التي يشهدها العالم برمته حيث قال: "إنّ الصعوبات التي واجهناها هذا
العام جعلتنا قادرين على التصدي لأنه خلال السنوات الثلاث الماضية أصبح
لدينا فريق رائع من الشباب المصريين الذين يمكنهم العمل في مهرجانات محلية
وعربية بعد الخبرة التي اكتسبوها في هذا المهرجان". ثم قدّم لجان التحكيم
الثلاث وهي: "لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة" المؤلفة من المخرجة
التونسية رجاء عماري، والممثل الهندي الشهير علي فازال، وكاتب السيناريو
والمنتج الفرنسي جيوم دي ساي، والممثلة السورية كندة علوش، ومريم نداي،
الممثلة السنغالية.
أمّا مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فتضم المخرجة المصرية ماريان خوري،
والمونتير والمخرج سيمون الهبر، المنتج والمبرمج السويدي فريدي أولسون،
وبرنارد كارل، المبرمج والمدير الفني لمهرجان "حول العالم في 14 فيلم"
والمنتجة ماري بيير ماسيا.
فيما اشتملت مسابقة الأفلام الروائية الطويلة على الممثل آسر ياسين،
والمخرج أمجد أبو العلا، ورودريجو سيبوليدا، والمنتج تيري لينوفل، والمنتج
بيتر ويبر .
سعيد تغماوي.. فنان متعدد المواهب
للمغرب حصته في هذا المهرجان حيث قدّم الفنان خالد النبوي جائزة عمر الشريف
للفنان المغربي سعيد تغماوي وقد أثنى النبوي على هذا الفنان الذي وصفه
بالمتعدد المواهب فهو ممثل، وكاتب سيناريو، وملاكم، وحصل أول سيناريو شارك
في كتابته على جائزة الإخراج في مهرجان كان. ولعل إتقانه لعدة لغات جعله
أيقونة في السينما الفرنسية والأمريكية والمغربية. لم تكن لغته العربية
سلسة ويسيرة لأنه يتحدث بالدارجة المغربية لذلك استعاض عنها باللغة
الإنجليزية وأوضح جلّ ما يريده بسهولة ويُسر حيث تحدث عن تاريخه الشخصي
وذكر بأنه وُلد في باريس، وعندما أصبح ممثلاً لم يهتم به كثيرون، وكانت
أدواره غير جيدة. أما والدته فقد كانت تحب الفنان عمر الشريف، إضافة إلى
حبها لأبيه. وأشار بأنه كان يشاهد الأفلام العربية والأجنبية ولم يكن
يفهمها جيدًا لأنها كانت على درجة من التعقيد لكنه ما إن بدأ بدراسة الصورة
حتى أخذ يفهم تلك الأفلام ويستوعبها. أمّا عن رؤيته لعمر الشريف فقد قال في
هذا الصدد: "عمر الشريف لم يكن ممثلا بل كان أملاً، وكنت في مفتونًا
ومعجبًا بهذا الرجل، فقد كان يعطيني الأمل، وهو شخصية عظيمة للشعوب
العربية، ولم أكن أتوقع أن أحلم وأعمل معه في يوم من الأيام، عملت معه في
أحد الأفلام، وتعلمت منه الكثير من الأشياء، واليوم وأنا أحمل جائزة باسمه،
أفتقد صوته في أذني. أنا فخور بتلك الجائزة في بلده مصر الذي دعاني إليها
في يوم من الأيام وتحدث عني، عمر أراك قريبا".
الأب الحالم بأخذ الرقص إلى منطقة ثانية
خفة الدم المصرية تظهر في مثل هذه المحافل الفنية والثقافية فقد قالت شيرين
رضا "أن شكلكم جميل من هنا، المسرح له هيبة ويمكن أن تكون تلك الهيبة هي
التي جعلتني أخالف رغبة أبي، وأكون الفتاه الوحيدة التي تمنى والدها أن
يراها راقصة كبيرة وهي لم تحقق له هذا الحلم" وأضافت: "أنّ أبي رجل عظيم
لديه حلم أن يأخذ الرقص في منطقة ثانية، حلم أن يخلق فنًا شعبيًا راقيًا
ويعرف الناس بالفن المصري، ولولاه لم أكن أقف أنا الآن هنا وأقول بكل فخر
أني ابنة محمود رضا".
استعباد الجسد
وفي نهاية الحفل عُرض فيلم الافتتاح الذي يحمل عنوان "الرجل الذي باع ظهره"
للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، بطولة الممثل السوري يحيى مهايني، وديّا
ليان، وضيفة الشرف الفنانة الإيطالية مونيكا بلوتشي إلى جانب كوين دي باو،
ومارك دي باندا وآخرين. يدور هذا الفيلم حول ثيمات متعددة من بينها السجن،
والحُب، والهجرة، والعمل في مهنة غريبة ترقى إلى استعباد الجسد حيث يتفق
البطل على بيع ظهره كسلعة مقابل ثمن، ويتم استغلال هذه المساحة الجسدية
"الحيّة" كقماشة رسم ينفّذ عليها الفنان الأمريكي جيفري غودفروي وشمًا
لفيزا شينغن تتيح لصاحبها التنقل في عدد من البلدان الأوروبية لكنه ما إن
يصل إلى بروكسل يكتشف أن حبيبته عبير قد تزوجت من دبلوماسي سوري يبذل قصارى
جهده كي يُظهر حبيبها سام علي كشخص منحط شوّه اسم سوريا وتاريخها وجعل من
جسده موضوعًا لاستعباد جديد لم نألفه من قبل. ثم تنحرف القصة السينمائية
باتجاهات متعددة تتعلق بالإرهاب الزائف الذي جسّده حينما سحب السماعات من
أذنيه وأوحى للحاضرين الذين يريدون اقتناء عمله بأنه شخص إرهابي. يقرر سام
العودة إلى سوريا مع حبيبته عبير لكن داعش ستكون له بالمرصاد جيث يسدد
أحدهم فوّهة المسدس إلى رأسه ويرديه قتيلاً في الحال. جدير ذكره بأنّ بطل
هذا الفيلم يحيى مهايني قد فاز بجائزة أفضل ممثل، كما فاز الفيلم أيضا
بجائزة أديبو كينج للإدماج، وهى جائزة مستوحاة من مبادئ التعاون الاجتماعي. |